كأس إيطاليا – ميلان يهزم باري بمشاركة مودريتش.. وسلبية وحيدة    بمشاركة مصطفى محمد.. نانت يخسر أمام باريس سان جيرمان    محمود بسيوني حكما لمباراة المصري ضد بيراميدز    موعد فتح باب التقديم لوظائف وزارة الإسكان 2025    محمد عبدالجليل يكتب: أسد في مواجهة عامل مغترب.. «المواطن المصري» سلعة رخيصة في ليبيا!    بحضور وزير قطاع الأعمال.. تخرج دفعة جديدة ب «الدراسات العليا في الإدارة»    سعر الطماطم والبطاطس والخضار في الأسواق اليوم الاثنين 18 أغسطس 2025    البنك المصري الخليجي يتصدر المتعاملين الرئيسيين بالبورصة خلال جلسة بداية الأسبوع    رئيس "حماية المستهلك": وفرة السلع في الأسواق الضامن لتنظيم الأسعار تلقائيًا    إغلاق مطعم "عز المنوفي" بالمنصورة لمخالفات صحية وعدم وجود ترخيص    أبرز تصريحات الرئيس السيسي خلال اجتماعه لمتابعة خطط تطوير شبكات الاتصالات ودعم قطاع تكنولوجيا المعلومات    «تحالف الراغبين»: مستعدون لإرسال قوات ردع إلى أوكرانيا بعد وقف القتال    قد تكون الأخيرة، إيران تتأهب للحرب المقبلة مع إسرائيل (فيديو)    لاريجاني: نحن لا نتدخل في الشؤون الداخلية للبنان لكننا في جميع الظروف نقف إلى جانبهم    بين السَّماء والأرض.. زائر ليلي يُروّع أهل تبسة الجزائرية على التوالي بين 2024 و2025    لاريجاني: إسرائيل طلبت وقف الحرب بعد فشلها أمام الصواريخ الإيرانية    احتجاجات غاضبة أمام مقر نتنياهو تتحول إلى مواجهات عنيفة    الأمم المتحدة: نصف مليون فلسطيني في غزة مهددون بالمجاعة    أبرز تصريحات رئيس الوزراء خلال لقائه نظيره الفلسطيني الدكتور محمد مصطفى    أوسيم تضيء بذكراه، الكنيسة تحيي ذكرى نياحة القديس مويسيس الأسقف الزاهد    بدء اختبارات كشف الهيئة لطلاب مدارس التمريض بالإسكندرية    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025 في القاهرة والمحافظات    أمير هشام: الأهلي سيقوم بتحويل قيمة جلب حكام اجانب إلى الجبلاية    "لا يصلح"... رضا عبدالعال يوجه انتقادات قوية ليانيك فيريرا    أحمد شوبير يكشف موعد عودة إمام عاشور للمشاركة في المباريات مع الأهلي    أول تعليق من البلوجر علاء الساحر بعد إخلاء سبيله    شبورة كثيفة على هذه الطرق، حالة الطقس اليوم الإثنين    التحقيق في مقتل لاعبة جودو برصاص زوجها داخل شقتهما بالإسكندرية    المرور في مصر.. منظومة ذكية لحماية المواطنين وخدمات طوارئ 24 ساعة    وزير الثقافة ومحافظ الإسماعيلية يفتتحان ملتقى «السمسمية» القومي الثالث    الموت يفجع الفنان سامح حسين    مهرجان القلعة.. أمسية صوفية مع ياسين التهامي وعمرو سليم يتألق على البيانو    حظك اليوم الاثنين 18 أغسطس 2025.. طاقة جديدة وفرص مهنية في انتظار كل برج    كريم الشناوي: «بدري أوي يا تيمور.. ربنا يرحمك ويصبر حبايبك»    سامح حسين يعلن وفاة الطفل حمزة ابن شقيقه عن عمر يناهز ال 4 سنوات    "بفستان جريء".. نادين الراسي تخطف الأنظار من أحدث جلسة تصوير    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    متحدث الصحة يفجر مفاجأة بشأن خطف الأطفال وسرقة الأعضاء البشرية (فيديو)    حضريها في المنزل بمكونات اقتصادية، الوافل حلوى لذيذة تباع بأسعار عالية    الصحة تكشف حقيقة انتشار سرقة الأعضاء البشرية في مصر    أشرف صبحي يجتمع باللجنة الأولمبية لبحث الاستعدادات لأولمبياد لوس أنجلوس    الرمادى: محمد السيد من مصلحته التجديد للزمالك.. وفتوح لا يستحق البيع    قرار هام بشأن البلوجر «شاكر محظور دلوقتي» في اتهامه بقضية غسل الأموال    ننشر أقوال السائق في واقعة مطاردة فتيات طريق الواحات    حماية المستهلك: نلمس استجابة سريعة من معظم التجار تجاه مبادرة خفض الأسعار    وائل القباني عن انتقاده ل الزمالك: «ماليش أغراض شخصية»    تنسيق الثانوية العامة 2025 المرحلة الثالثة.. كليات التربية ب أنواعها المتاحة علمي علوم ورياضة وأدبي    رغم وفاته منذ 3 سنوات.. أحمد موسى يكشف سبب إدراج القرضاوي بقوائم الإرهاب    فاجعة وفاة تيمور تيمور.. 10 إجراءات بسيطة قد تنقذ حياتك من الغرق    عيار 21 الآن في الصاغة.. سعر الذهب اليوم الإثنين 18 أغسطس بعد الانخفاض الأخير (تفاصيل)    أمينة الفتوى توضح علامات طهر المرأة وأحكام الإفرازات بعد الحيض    هل يجوز ارتداء الملابس على الموضة؟.. أمين الفتوى يوضح    4 ملايين خدمة صحية مجانية لأهالى الإسكندرية ضمن حملة 100 يوم صحة    حلاوة المولد، طريقة عمل السمسمية في البيت بمكونات بسيطة    فيديو.. خالد الجندي: عدم الالتزام بقواعد المرور حرام شرعا    رئيس جامعة الوادي الجديد يتابع سير التقديم بكليات الجامعة الأهلية.. صور    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    حزب الجبهة الوطنية: تلقينا أكثر من 170 طلب ترشح لانتخابات مجلس النواب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأسطورة في المسرح المصري المعاصر .. دراسة أكاديمية جادة
نشر في صوت البلد يوم 15 - 01 - 2017

يتتبع كتاب "الأسطورة في المسرح المصري المعاصر - دراسة في الأدب المقارن" للدكتور تامر فايز، علاقة الأسطورة بالمسرح المصري المعاصر منذ 1971 حتى 2005، من خلال رصد وتحليل مجموعة من الأعمال المسرحية التي استمد مبدعوها عناصر مسرحياتهم من ينابيع ومصادر أسطورية، وظفوها في معالجة قضايا سياسية واجتماعية.
تميزت الفترة موضوع الدراسة بتعدد المتغيرات على المستويين الإبداعي والاجتماعي، الأمر الذي أمال دفة المؤلفين إلى الاتجاه نحو الأسطورة، التي تنطوي على الدلالات العميقة والمتسعة التعبير، ما يتيح لهم حرية كاملة للتعبير عما يدور في خلدهم من أفكار إبداعية وآراء اجتماعية وسياسية في عصرهم.
اعتمد الباحث عينة تتألف من ثمانية نصوص مسرحية لستة مؤلفين: فوزي فهمي، عبدالعزيز حمودة، عصام عبدالعزيز، حسن السيد، جورجي كامل، وسامح عبدالرؤوف. نصوص نثرية تتميز بالطول وبلغتها العربية الفصحى تستلهم الأسطورة، وتعتمد على عناصرها في طرح قضايا سياسية واجتماعية مشتركة.
• علاقة الأسطورة بالمسرح
يؤكد الباحث أن تعريف الأسطورة استعصى على الباحثين، فتعددت التعريفات بتعدد المقاربات التي تناولت الموضوع، كما تعددت الأغراض التي تخدمها الأساطير. ولكن الغرض المهيمن هو الغرض الديني، لأن الأسطورة تحاول تقديم تفسير لما لا يفسر من غوامض الحياة الإنسانية، والإجابة عن الأسئلة المقلقة التي رافقت الوجود البشري، فالديانة المصرية القديمة اختزلتها أسطورة ايزيس وأوزوريس، كما أن ديانات أخرى، أكدت أهمية الأسطورة في تشكلها، حيث وجد اعتراف واضح بوجود أساس راسخ في الأساطير القديمة لسفر التكوين، فالأسطورة في أصلها طقس شعائري تحول إلى عقيدة متكاملة العناصر.
والغرض الآخر الذي تخدمه الأسطورة هو تبرير النظام الاجتماعي وتفسير طقوسه وتقاليده، لأن ما يحدث بين شخوص الأسطورة يعكس الأحداث التي تقع بين الناس على الأرض، لذلك ظلت الأساطير أرضاً صلبة تعاد من خلالها الحكاية المسرحية لتناقش قضايا ومواقف اجتماعية وسياسية وجمالية آنية. فالأساطير على الرغم من اضمحلال دورها الديني، فإنها ظلت حية على خشبة المسرح، يتم التوسل بها للوقوف على مشكلات ومعضلات عصرية، يهرب بها الكاتب من سلطة زمنية ونظام حُكم لا يرحم، أو أن يبحث في قضايا وجودية وجمالية لا يجد أمثل من الأسطورة مُعبّراً عنها أو من خلالها.
تمكنت الدراسة - في بابها الأول - من الكشف عن المصادر التي استلهم الكتاب منها موادهم المسرحية، حيث استمدوا من الأساطير اليونانية والفرعونية العناصر التي مكنتهم من صياغة وتشكيل مسرحياتهم، متصرفين فيها بشكل مكنهم من التعبير عن رؤاهم التي رغبوا في تقديمها داخل المسرحيات. فالأسطورة تلهم المسرحيين، تمنحهم القوة الإبداعية، بما لها من تدفقات رمزية وعناصر درامية تصلح للتشكيل المسرحي.
ورغم أن استلهام الأسطورة، لم يتح للمسرح المصري فرصة للتطور، حيث أدى إلى ثبات الشكل الفني في المسرح المصري، فاستمر الكتاب في نهجهم الحكائي السردي دون تغيير، فإنه استجاب لذائقة المتلقي المصري الذي يميل إلى تفضيل السرد والحكايات والغنائية.
وخصص الباحث الباب الثاني من الدراسة لاستعراض القضايا السياسية والاجتماعية التي تطرق لها المؤلفون في مسرحياتهم، تطرق في الفصل الأول للقضايا السياسية، في حين خصص الفصل الثاني للقضايا الاجتماعية.
• القضايا السياسية
عالج الفصل القضايا السياسية التي نوقشت داخل المسرحيات وتمثلت في قضايا السلطة والاستبداد، وغياب الحرية والعدالة الاجتماعية، وقضيتي الثورة والسلام، بالكشف عن طريقة كل مسرحية في مناقشة القضايا بإبراز موقف المؤلف المسرحي منها.
توظيف الأسطورة في هذه النصوص يعكس وعياً من الكاتب بقضايا وطنه، ووجهة نظره، فبدءا من الحكيم، الذي كان الهاجس الذي يوجّهه هو مدى النجاح في تطويع أحداث الأسطورة المتغلغلة في وجدان الشعب لخدمة القضايا الشعبية، لمعالجتها مواضيع ذات صلة مباشرة بحياة الناس مثل الظلم الاجتماعي والاستعباد.
ومن خلال الدراسة نجد أن المسرحيات التي تأسست على الأسطورة لم تبق محصورة في الخيال، بل ربطها مصنفوها بالواقع المصري، فناقشت في أغلبها طبيعة السلطة السياسية ونظام الحكم الذي ظل ثابتا على الرغم من التغير الشكلي البسيط الذي طرأ عليه.
مواقف المسرحيين تنوعت ما بين المطالبة بتعديل أساليب ممارسة السلطة السياسية باعتباره الشرط الوحيد لتحقيق مزيد من الحرية والعدالة، في حين يرى آخر أن شرط التغيير نحو الأفضل هو انسحاب الحاكم من السلطة في حال فشله، وجه الدعوة في مسرحيته للشعب يحثه على المشاركة في الحكم لإحداث إصلاحات سياسية في نظام الحكم، فالكاتبان معا يلتقيان في موقفهما من السلطة باعتبارها الطرف المسؤول عن الفساد السياسي، في إغفال تام لدور المواطن.
في حين عبر كاتب مسرحي آخر عن موقف مخالف مفاده أن تمسك الحاكم بفكرة الحق الإلهي إنما قد يكون سببا لإسقاطه وإسقاط نظامه وحاشيته. ورغم هذه المواقف المتباينة فإن هذا المسرح لم يفقد دعوته إلى الحق والسلام والعدل. كما أن المسرحيات كلها لفتت النظر إلى أن فساد النظام السياسي يعتمد على عاملين وهما: سلبية المحكومين وفساد الحاشية.
• الحب والموت في الأسطورة
الفصل الثاني انشغل بدراسة قضيتي الحب والموت، ويؤكد الباحث أن إدراك المسرحيين للوظيفة الاجتماعية للمسرح دفعهم للانشغال بالقضايا الاجتماعية.
وعلى نفس منوال الفصل السابق حرص الباحث على الكشف عن طريقة كل مسرحية في مناقشة الموضوع، بإبراز ومقارنة رؤى المؤلفين داخل أعمالهم المسرحية، ومواقفهم من أشكال الحب؛ كالحب الأسري في تجلياته الأبوية والبنوية والأخوية، والحب المدنس وحب الوطن، وكذا أشكال الموت كالقسري والانتحار، وموضوع بعث الموتى الذي يعد مميزا للمسرحيات الأسطورية دون غيرها.
وعلى الرغم من أن المسرحيين لم يجعلوا القضيتين محورا لنصوصهم، إلا أن معالجة القضايا السياسية تمت بشكل تفاعلت فيه مع هاتين القضيتين الاجتماعيتين. جاء حب الوطن، والموت من أجله كأبرز هذه الصور التي ناقشتها المسرحيات بهذه القضايا.
انقسم الموت القسري في المسرحيات إلى القتل المبني على التضحية بالذات من أجل الوطن، والقتل المبني على الظلم من قبل الحاكم المستبد. قصة طروادة إحدى القصص التي تجسد بوضوح ظاهرة القتل في سبيل الوطن، لكن الكاتب خلال معالجته للحكاية تمسك بموقفه النابذ للعنف والقتل، باعتبار القتل أيا كان شكله فإن دافعه الأساس هو الغل، فهو مدنس يضيع معه الحب والجمال. على الرغم من إشادته بشرف الموت دفاعا عن الوطن، دفاعا عن الحق والعدل اللذين يتعلقان به. أما القتل المبني على الظلم فلا سماحة معه. فهو يمثل أقصى درجات الاستقواء وأقسى درجات الاستبداد.
•شهادة في حق المسرح المصري
إن المسرح أبو الفنون، أهم وسائل التعبير الإنسانية وأقدرها على نقل الأفكار والمشاعر والمواقف بدقة، وعلى إشراك المتفرج في تلمس ذلك والتفاعل معه بطريقة فنية لينة وسلسة، لذلك يبحث المسرحيون عن أفضل وأجدى وسائل إيصال الخطاب واستيعاب الأفكار، وليس أقدر على ذلك من الثقافة الشعبية والأساطير، فكانت الأسطورة مجاله الأوسع لتوظيفها وعصرنتها في نصوص مسرحية، تتحول في الركح إلى إنتاج ثقافي ومعرفي هائل، يسلط عليه المسرحي الضوء من جوانب متعددة. من شخوصه وحواره وديكوره وطريقه معالجته الشمولية للموضوع.
أبرز تامر فايز في كتابه طريقة تصرف المسرحيين خلال معالجتهم لقضايا مهمة جدا سياسية واجتماعية، بتوظيف الأسطورة لخدمة الواقع، تصرفوا بشكل تجاوز المأثور المحفوظ لدى الناس، فاستلهموا منها القيم النبيلة، والحكمة الإنسانية العظيمة، والمثل السامية، فمنحوها إيحاءات ودلالات وامتدادات وفق رؤيتهم للتعبير عن قضايا حاسمة ومهمة، وأفلحوا بشكل واضح، وإن كان بدرجات تختلف بحسب النقاد. وأكد أن الانكسارات السياسية والرجات المجتمعية والإحباطات التي رافقتها، كانت عاملا حاسما في الطريقة والمقاربة التي تعامل بها الكتاب مع الأساطير، وتوظيفها في المسرح، ومواقفهم من القضايا وانعكاساتها على طريقة معالجتهم الدرامية للموضوعات.
أبان الباحث عن تمكن كامل من مادته الثقافية وأدواته العلمية، فخبرته وتكوينه الأكاديمي العميق يبدو جليا في تنوع وتعدد وقيمة المصادر والمراجع المعتمدة باللغات العربية والأجنبية، وجهده البحثي الكبير تدل عليه منهجيته في الدراسة، بحيث اعتمد على عدة مناهج:
- المنهج الجمالي في تحليل النصوص المسرحية واكتشاف طرق تشكلها؛
- المنهج المقارن لموازنة عناصر المصادر الأسطورية وما تحويه المسرحيات من حدث وشخوص؛
- المنهج الاجتماعي لتحديد الوظيفة الأساسية التي تربط المسرح بقضايا المجتمع وموقف الكتاب منها.
ما مكنه من الوصول إلى استنتاجات مهمة جدا.
الكتاب – الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة - دراسة أكاديمية جادة، شاملة وموسوعية، تكشف من خلال صفحاتها التي تجاوزت الأربعمائة عن مكانة هذا الفن في النسيج الثقافي المصري، وتأثره بالأحداث الجسيمة التي عاشتها مصر خلال فترة حاسمة من تاريخها المعاصر، ما يعد شهادة تقدير لهذا الفن ولرجالاته.
يتتبع كتاب "الأسطورة في المسرح المصري المعاصر - دراسة في الأدب المقارن" للدكتور تامر فايز، علاقة الأسطورة بالمسرح المصري المعاصر منذ 1971 حتى 2005، من خلال رصد وتحليل مجموعة من الأعمال المسرحية التي استمد مبدعوها عناصر مسرحياتهم من ينابيع ومصادر أسطورية، وظفوها في معالجة قضايا سياسية واجتماعية.
تميزت الفترة موضوع الدراسة بتعدد المتغيرات على المستويين الإبداعي والاجتماعي، الأمر الذي أمال دفة المؤلفين إلى الاتجاه نحو الأسطورة، التي تنطوي على الدلالات العميقة والمتسعة التعبير، ما يتيح لهم حرية كاملة للتعبير عما يدور في خلدهم من أفكار إبداعية وآراء اجتماعية وسياسية في عصرهم.
اعتمد الباحث عينة تتألف من ثمانية نصوص مسرحية لستة مؤلفين: فوزي فهمي، عبدالعزيز حمودة، عصام عبدالعزيز، حسن السيد، جورجي كامل، وسامح عبدالرؤوف. نصوص نثرية تتميز بالطول وبلغتها العربية الفصحى تستلهم الأسطورة، وتعتمد على عناصرها في طرح قضايا سياسية واجتماعية مشتركة.
• علاقة الأسطورة بالمسرح
يؤكد الباحث أن تعريف الأسطورة استعصى على الباحثين، فتعددت التعريفات بتعدد المقاربات التي تناولت الموضوع، كما تعددت الأغراض التي تخدمها الأساطير. ولكن الغرض المهيمن هو الغرض الديني، لأن الأسطورة تحاول تقديم تفسير لما لا يفسر من غوامض الحياة الإنسانية، والإجابة عن الأسئلة المقلقة التي رافقت الوجود البشري، فالديانة المصرية القديمة اختزلتها أسطورة ايزيس وأوزوريس، كما أن ديانات أخرى، أكدت أهمية الأسطورة في تشكلها، حيث وجد اعتراف واضح بوجود أساس راسخ في الأساطير القديمة لسفر التكوين، فالأسطورة في أصلها طقس شعائري تحول إلى عقيدة متكاملة العناصر.
والغرض الآخر الذي تخدمه الأسطورة هو تبرير النظام الاجتماعي وتفسير طقوسه وتقاليده، لأن ما يحدث بين شخوص الأسطورة يعكس الأحداث التي تقع بين الناس على الأرض، لذلك ظلت الأساطير أرضاً صلبة تعاد من خلالها الحكاية المسرحية لتناقش قضايا ومواقف اجتماعية وسياسية وجمالية آنية. فالأساطير على الرغم من اضمحلال دورها الديني، فإنها ظلت حية على خشبة المسرح، يتم التوسل بها للوقوف على مشكلات ومعضلات عصرية، يهرب بها الكاتب من سلطة زمنية ونظام حُكم لا يرحم، أو أن يبحث في قضايا وجودية وجمالية لا يجد أمثل من الأسطورة مُعبّراً عنها أو من خلالها.
تمكنت الدراسة - في بابها الأول - من الكشف عن المصادر التي استلهم الكتاب منها موادهم المسرحية، حيث استمدوا من الأساطير اليونانية والفرعونية العناصر التي مكنتهم من صياغة وتشكيل مسرحياتهم، متصرفين فيها بشكل مكنهم من التعبير عن رؤاهم التي رغبوا في تقديمها داخل المسرحيات. فالأسطورة تلهم المسرحيين، تمنحهم القوة الإبداعية، بما لها من تدفقات رمزية وعناصر درامية تصلح للتشكيل المسرحي.
ورغم أن استلهام الأسطورة، لم يتح للمسرح المصري فرصة للتطور، حيث أدى إلى ثبات الشكل الفني في المسرح المصري، فاستمر الكتاب في نهجهم الحكائي السردي دون تغيير، فإنه استجاب لذائقة المتلقي المصري الذي يميل إلى تفضيل السرد والحكايات والغنائية.
وخصص الباحث الباب الثاني من الدراسة لاستعراض القضايا السياسية والاجتماعية التي تطرق لها المؤلفون في مسرحياتهم، تطرق في الفصل الأول للقضايا السياسية، في حين خصص الفصل الثاني للقضايا الاجتماعية.
• القضايا السياسية
عالج الفصل القضايا السياسية التي نوقشت داخل المسرحيات وتمثلت في قضايا السلطة والاستبداد، وغياب الحرية والعدالة الاجتماعية، وقضيتي الثورة والسلام، بالكشف عن طريقة كل مسرحية في مناقشة القضايا بإبراز موقف المؤلف المسرحي منها.
توظيف الأسطورة في هذه النصوص يعكس وعياً من الكاتب بقضايا وطنه، ووجهة نظره، فبدءا من الحكيم، الذي كان الهاجس الذي يوجّهه هو مدى النجاح في تطويع أحداث الأسطورة المتغلغلة في وجدان الشعب لخدمة القضايا الشعبية، لمعالجتها مواضيع ذات صلة مباشرة بحياة الناس مثل الظلم الاجتماعي والاستعباد.
ومن خلال الدراسة نجد أن المسرحيات التي تأسست على الأسطورة لم تبق محصورة في الخيال، بل ربطها مصنفوها بالواقع المصري، فناقشت في أغلبها طبيعة السلطة السياسية ونظام الحكم الذي ظل ثابتا على الرغم من التغير الشكلي البسيط الذي طرأ عليه.
مواقف المسرحيين تنوعت ما بين المطالبة بتعديل أساليب ممارسة السلطة السياسية باعتباره الشرط الوحيد لتحقيق مزيد من الحرية والعدالة، في حين يرى آخر أن شرط التغيير نحو الأفضل هو انسحاب الحاكم من السلطة في حال فشله، وجه الدعوة في مسرحيته للشعب يحثه على المشاركة في الحكم لإحداث إصلاحات سياسية في نظام الحكم، فالكاتبان معا يلتقيان في موقفهما من السلطة باعتبارها الطرف المسؤول عن الفساد السياسي، في إغفال تام لدور المواطن.
في حين عبر كاتب مسرحي آخر عن موقف مخالف مفاده أن تمسك الحاكم بفكرة الحق الإلهي إنما قد يكون سببا لإسقاطه وإسقاط نظامه وحاشيته. ورغم هذه المواقف المتباينة فإن هذا المسرح لم يفقد دعوته إلى الحق والسلام والعدل. كما أن المسرحيات كلها لفتت النظر إلى أن فساد النظام السياسي يعتمد على عاملين وهما: سلبية المحكومين وفساد الحاشية.
• الحب والموت في الأسطورة
الفصل الثاني انشغل بدراسة قضيتي الحب والموت، ويؤكد الباحث أن إدراك المسرحيين للوظيفة الاجتماعية للمسرح دفعهم للانشغال بالقضايا الاجتماعية.
وعلى نفس منوال الفصل السابق حرص الباحث على الكشف عن طريقة كل مسرحية في مناقشة الموضوع، بإبراز ومقارنة رؤى المؤلفين داخل أعمالهم المسرحية، ومواقفهم من أشكال الحب؛ كالحب الأسري في تجلياته الأبوية والبنوية والأخوية، والحب المدنس وحب الوطن، وكذا أشكال الموت كالقسري والانتحار، وموضوع بعث الموتى الذي يعد مميزا للمسرحيات الأسطورية دون غيرها.
وعلى الرغم من أن المسرحيين لم يجعلوا القضيتين محورا لنصوصهم، إلا أن معالجة القضايا السياسية تمت بشكل تفاعلت فيه مع هاتين القضيتين الاجتماعيتين. جاء حب الوطن، والموت من أجله كأبرز هذه الصور التي ناقشتها المسرحيات بهذه القضايا.
انقسم الموت القسري في المسرحيات إلى القتل المبني على التضحية بالذات من أجل الوطن، والقتل المبني على الظلم من قبل الحاكم المستبد. قصة طروادة إحدى القصص التي تجسد بوضوح ظاهرة القتل في سبيل الوطن، لكن الكاتب خلال معالجته للحكاية تمسك بموقفه النابذ للعنف والقتل، باعتبار القتل أيا كان شكله فإن دافعه الأساس هو الغل، فهو مدنس يضيع معه الحب والجمال. على الرغم من إشادته بشرف الموت دفاعا عن الوطن، دفاعا عن الحق والعدل اللذين يتعلقان به. أما القتل المبني على الظلم فلا سماحة معه. فهو يمثل أقصى درجات الاستقواء وأقسى درجات الاستبداد.
•شهادة في حق المسرح المصري
إن المسرح أبو الفنون، أهم وسائل التعبير الإنسانية وأقدرها على نقل الأفكار والمشاعر والمواقف بدقة، وعلى إشراك المتفرج في تلمس ذلك والتفاعل معه بطريقة فنية لينة وسلسة، لذلك يبحث المسرحيون عن أفضل وأجدى وسائل إيصال الخطاب واستيعاب الأفكار، وليس أقدر على ذلك من الثقافة الشعبية والأساطير، فكانت الأسطورة مجاله الأوسع لتوظيفها وعصرنتها في نصوص مسرحية، تتحول في الركح إلى إنتاج ثقافي ومعرفي هائل، يسلط عليه المسرحي الضوء من جوانب متعددة. من شخوصه وحواره وديكوره وطريقه معالجته الشمولية للموضوع.
أبرز تامر فايز في كتابه طريقة تصرف المسرحيين خلال معالجتهم لقضايا مهمة جدا سياسية واجتماعية، بتوظيف الأسطورة لخدمة الواقع، تصرفوا بشكل تجاوز المأثور المحفوظ لدى الناس، فاستلهموا منها القيم النبيلة، والحكمة الإنسانية العظيمة، والمثل السامية، فمنحوها إيحاءات ودلالات وامتدادات وفق رؤيتهم للتعبير عن قضايا حاسمة ومهمة، وأفلحوا بشكل واضح، وإن كان بدرجات تختلف بحسب النقاد. وأكد أن الانكسارات السياسية والرجات المجتمعية والإحباطات التي رافقتها، كانت عاملا حاسما في الطريقة والمقاربة التي تعامل بها الكتاب مع الأساطير، وتوظيفها في المسرح، ومواقفهم من القضايا وانعكاساتها على طريقة معالجتهم الدرامية للموضوعات.
أبان الباحث عن تمكن كامل من مادته الثقافية وأدواته العلمية، فخبرته وتكوينه الأكاديمي العميق يبدو جليا في تنوع وتعدد وقيمة المصادر والمراجع المعتمدة باللغات العربية والأجنبية، وجهده البحثي الكبير تدل عليه منهجيته في الدراسة، بحيث اعتمد على عدة مناهج:
- المنهج الجمالي في تحليل النصوص المسرحية واكتشاف طرق تشكلها؛
- المنهج المقارن لموازنة عناصر المصادر الأسطورية وما تحويه المسرحيات من حدث وشخوص؛
- المنهج الاجتماعي لتحديد الوظيفة الأساسية التي تربط المسرح بقضايا المجتمع وموقف الكتاب منها.
ما مكنه من الوصول إلى استنتاجات مهمة جدا.
الكتاب – الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة - دراسة أكاديمية جادة، شاملة وموسوعية، تكشف من خلال صفحاتها التي تجاوزت الأربعمائة عن مكانة هذا الفن في النسيج الثقافي المصري، وتأثره بالأحداث الجسيمة التي عاشتها مصر خلال فترة حاسمة من تاريخها المعاصر، ما يعد شهادة تقدير لهذا الفن ولرجالاته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.