الجندي يشدد على ضرورة تطوير أساليب إعداد وإخراج المحتوى العلمي لمجمع البحوث الإسلاميَّة    "الإنتاج الحربي" تكشف 10 معلومات عن المدرعة الجديدة (سينا 200)    عائلات الأسرى الإسرائيليين تحتج للمطالبة بوقف الحرب في غزة وعودة ذويهم    زلزال بقوة 6 درجات يضرب المحيط الهادئ قبالة سواحل السلفادور وجواتيمالا    الدوري الإنجليزي، برينتفورد يتقدم على أستون فيلا 1-0 في الشوط الأول    مصرع طفلة سقطت من الطابق الثاني بحدائق أكتوبر    شيرين عبد الوهاب تحرر محضرا لإلغاء التوكيل من محاميها ياسر قنطوش    صلاح عبد العاطي: إسرائيل تماطل في المفاوضات ومصر تكثف جهودها لوقف إطلاق النار    داعية: سيدنا النبي لم يكن عابسًا وكان مُتبَلِّجَ الوجه    بحوث الصحراء.. دعم فني وإرشادي لمزارعي التجمعات الزراعية في سيناء    إسماعيل يوسف مديرا لشؤون الكرة في الاتحاد الليبي    مؤتمر ألونسو: هذا سبب تخطيط ملعب التدريبات.. وموقفنا من الانتقالات    إسلام جابر: لم أتوقع انتقال إمام عاشور للأهلي.. ولا أعرف موقف مصطفى محمد من الانتقال إليه    إسلام جابر: تجربة الزمالك الأفضل في مسيرتي.. ولست نادما على عدم الانتقال للأهلي    15 صورة.. البابا تواضروس يدشن كنيسة الشهيد مارمينا بفلمنج شرق الإسكندرية    قيادي بمستقبل وطن: تحركات الإخوان ضد السفارات المصرية محاولة بائسة ومشبوهة    مصر القومي: الاعتداء على السفارات المصرية امتداد لمخططات الإخوان لتشويه صورة الدولة    إزالة لمزرعة سمكية مخالفة بجوار "محور 30" على مساحة 10 أفدنة بمركز الحسينية    صور.. 771 مستفيدًا من قافلة جامعة القاهرة في الحوامدية    "عبد الغفار" يتابع استعدادات "المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية -3"    وزارة الصحة تقدم 314 ألف خدمة طبية مجانية عبر 143 قافلة بجميع المحافظات    الموت يغيب عميد القضاء العرفي الشيخ يحيى الغول الشهير ب "حكيم سيناء" بعد صراع مع المرض    50 ألف مشجع لمباراة مصر وإثيوبيا في تصفيات كأس العالم    "قصص متفوتكش".. رسالة غامضة من زوجة النني الأولى.. ومقاضاة مدرب الأهلي السابق بسبب العمولات    «تعليم أسوان» تعلن عن فرص عمل للمعلمين بنظام الحصة.. الشروط والأوراق المطلوبة    الداخلية تكشف ملابسات اعتداء "سايس" على قائد دراجة نارية بالقاهرة    وزارة النقل تناشد المواطنين عدم اقتحام المزلقانات أو السير عكس الاتجاه أثناء غلقها    «لازم إشارات وتحاليل للسائقين».. تامر حسني يناشد المسؤولين بعد حادث طريق الضبعة    مصر ترحب بخارطة الطريق الأممية لتسوية الأزمة الليبية    وزير الدفاع الأمريكي يجيز ل2000 من الحرس الوطني حمل السلاح.. ما الهدف؟    وفاة سهير مجدي .. وفيفي عبده تنعيها    تم تصويره بالأهرامات.. قصة فيلم Fountain of Youth بعد ترشحه لجوائز LMGI 2025    مؤسسة فاروق حسني تطلق الدورة ال7 لجوائز الفنون لعام 2026    قلق داخلي بشأن صديق بعيد.. برج الجدي اليوم 23 أغسطس    غدا.. قصور الثقافة تطلق ملتقى دهب العربي الأول للرسم والتصوير بمشاركة 20 فنانا    وزير العمل يتفقد وحدتي تدريب متنقلتين قبل تشغيلهما غدا بالغربية    موعد إجازة المولد النبوي 2025.. أجندة الإجازات الرسمية المتبقية للموظفين    كيف تكون مستجابا للدعاء؟.. واعظة بالأزهر توضح    «المركزي لمتبقيات المبيدات» ينظم ورشة عمل لمنتجي ومصدري الطماطم بالشرقية    منال عوض تناقش استعدادات استضافة مؤتمر الأطراف ال24 لحماية بيئة البحر الأبيض المتوسط من التلوث    وزارة الأوقاف 13 قافلة دعوية وإنسانية ضمن برنامج "قوافل الرحمة والمواساة"    رئيس «الرعاية الصحية»: تقديم أكثر من 2.5 مليون خدمة طبية بمستشفيات الهيئة في جنوب سيناء    قافلة حياة كريمة تقدم خدماتها الطبية المجانية لأكثر من 1050 مواطنا بقرية عزاقة في المنيا    إعلام إسرائيلي: محتجون يعترضون طريق بن جفير ويرفعون صور المحتجزين في غزة    طقس الإمارات اليوم.. غيوم جزئية ورياح مثيرة للغبار على هذه المناطق    8 وفيات نتيجة المجاعة وسوء التغذية في قطاع غزة خلال ال24 ساعة الماضية    محاضرة فنية وتدريبات خططية في مران الأهلي استعدادًا للمحلة    نور القلوب يضىء المنصورة.. 4 من ذوى البصيرة يبدعون فى مسابقة دولة التلاوة    مصر تستضيف النسخة الأولى من قمة ومعرض "عالم الذكاء الاصطناعي" فبراير المقبل    حملة مكبرة لإزالة إشغالات الباعة الجائلين والتعديات على الطريق بمدينة أبوتيج بأسيوط    تحرير 125 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    "يونيسيف" تطالب إسرائيل بالوفاء بالتزاماتها والسماح بدخول المساعدات بالكميات اللازمة لغزة    الأوقاف: «صحح مفاهيمك» تتوسع إلى مراكز الشباب وقصور الثقافة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 23-8-2025 في محافظة قنا    إعلام فلسطينى: مصابون من منتظرى المساعدات شمال رفح الفلسطينية    تنسيق الجامعات 2025| مواعيد فتح موقع التنسيق لطلاب الشهادات المعادلة    «مياه الأقصر» تسيطر على بقعة زيت فى مياه النيل دون تأثر المواطنين أو إنقطاع الخدمة    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأسطورة في المسرح المصري المعاصر .. دراسة أكاديمية جادة
نشر في صوت البلد يوم 15 - 01 - 2017

يتتبع كتاب "الأسطورة في المسرح المصري المعاصر - دراسة في الأدب المقارن" للدكتور تامر فايز، علاقة الأسطورة بالمسرح المصري المعاصر منذ 1971 حتى 2005، من خلال رصد وتحليل مجموعة من الأعمال المسرحية التي استمد مبدعوها عناصر مسرحياتهم من ينابيع ومصادر أسطورية، وظفوها في معالجة قضايا سياسية واجتماعية.
تميزت الفترة موضوع الدراسة بتعدد المتغيرات على المستويين الإبداعي والاجتماعي، الأمر الذي أمال دفة المؤلفين إلى الاتجاه نحو الأسطورة، التي تنطوي على الدلالات العميقة والمتسعة التعبير، ما يتيح لهم حرية كاملة للتعبير عما يدور في خلدهم من أفكار إبداعية وآراء اجتماعية وسياسية في عصرهم.
اعتمد الباحث عينة تتألف من ثمانية نصوص مسرحية لستة مؤلفين: فوزي فهمي، عبدالعزيز حمودة، عصام عبدالعزيز، حسن السيد، جورجي كامل، وسامح عبدالرؤوف. نصوص نثرية تتميز بالطول وبلغتها العربية الفصحى تستلهم الأسطورة، وتعتمد على عناصرها في طرح قضايا سياسية واجتماعية مشتركة.
• علاقة الأسطورة بالمسرح
يؤكد الباحث أن تعريف الأسطورة استعصى على الباحثين، فتعددت التعريفات بتعدد المقاربات التي تناولت الموضوع، كما تعددت الأغراض التي تخدمها الأساطير. ولكن الغرض المهيمن هو الغرض الديني، لأن الأسطورة تحاول تقديم تفسير لما لا يفسر من غوامض الحياة الإنسانية، والإجابة عن الأسئلة المقلقة التي رافقت الوجود البشري، فالديانة المصرية القديمة اختزلتها أسطورة ايزيس وأوزوريس، كما أن ديانات أخرى، أكدت أهمية الأسطورة في تشكلها، حيث وجد اعتراف واضح بوجود أساس راسخ في الأساطير القديمة لسفر التكوين، فالأسطورة في أصلها طقس شعائري تحول إلى عقيدة متكاملة العناصر.
والغرض الآخر الذي تخدمه الأسطورة هو تبرير النظام الاجتماعي وتفسير طقوسه وتقاليده، لأن ما يحدث بين شخوص الأسطورة يعكس الأحداث التي تقع بين الناس على الأرض، لذلك ظلت الأساطير أرضاً صلبة تعاد من خلالها الحكاية المسرحية لتناقش قضايا ومواقف اجتماعية وسياسية وجمالية آنية. فالأساطير على الرغم من اضمحلال دورها الديني، فإنها ظلت حية على خشبة المسرح، يتم التوسل بها للوقوف على مشكلات ومعضلات عصرية، يهرب بها الكاتب من سلطة زمنية ونظام حُكم لا يرحم، أو أن يبحث في قضايا وجودية وجمالية لا يجد أمثل من الأسطورة مُعبّراً عنها أو من خلالها.
تمكنت الدراسة - في بابها الأول - من الكشف عن المصادر التي استلهم الكتاب منها موادهم المسرحية، حيث استمدوا من الأساطير اليونانية والفرعونية العناصر التي مكنتهم من صياغة وتشكيل مسرحياتهم، متصرفين فيها بشكل مكنهم من التعبير عن رؤاهم التي رغبوا في تقديمها داخل المسرحيات. فالأسطورة تلهم المسرحيين، تمنحهم القوة الإبداعية، بما لها من تدفقات رمزية وعناصر درامية تصلح للتشكيل المسرحي.
ورغم أن استلهام الأسطورة، لم يتح للمسرح المصري فرصة للتطور، حيث أدى إلى ثبات الشكل الفني في المسرح المصري، فاستمر الكتاب في نهجهم الحكائي السردي دون تغيير، فإنه استجاب لذائقة المتلقي المصري الذي يميل إلى تفضيل السرد والحكايات والغنائية.
وخصص الباحث الباب الثاني من الدراسة لاستعراض القضايا السياسية والاجتماعية التي تطرق لها المؤلفون في مسرحياتهم، تطرق في الفصل الأول للقضايا السياسية، في حين خصص الفصل الثاني للقضايا الاجتماعية.
• القضايا السياسية
عالج الفصل القضايا السياسية التي نوقشت داخل المسرحيات وتمثلت في قضايا السلطة والاستبداد، وغياب الحرية والعدالة الاجتماعية، وقضيتي الثورة والسلام، بالكشف عن طريقة كل مسرحية في مناقشة القضايا بإبراز موقف المؤلف المسرحي منها.
توظيف الأسطورة في هذه النصوص يعكس وعياً من الكاتب بقضايا وطنه، ووجهة نظره، فبدءا من الحكيم، الذي كان الهاجس الذي يوجّهه هو مدى النجاح في تطويع أحداث الأسطورة المتغلغلة في وجدان الشعب لخدمة القضايا الشعبية، لمعالجتها مواضيع ذات صلة مباشرة بحياة الناس مثل الظلم الاجتماعي والاستعباد.
ومن خلال الدراسة نجد أن المسرحيات التي تأسست على الأسطورة لم تبق محصورة في الخيال، بل ربطها مصنفوها بالواقع المصري، فناقشت في أغلبها طبيعة السلطة السياسية ونظام الحكم الذي ظل ثابتا على الرغم من التغير الشكلي البسيط الذي طرأ عليه.
مواقف المسرحيين تنوعت ما بين المطالبة بتعديل أساليب ممارسة السلطة السياسية باعتباره الشرط الوحيد لتحقيق مزيد من الحرية والعدالة، في حين يرى آخر أن شرط التغيير نحو الأفضل هو انسحاب الحاكم من السلطة في حال فشله، وجه الدعوة في مسرحيته للشعب يحثه على المشاركة في الحكم لإحداث إصلاحات سياسية في نظام الحكم، فالكاتبان معا يلتقيان في موقفهما من السلطة باعتبارها الطرف المسؤول عن الفساد السياسي، في إغفال تام لدور المواطن.
في حين عبر كاتب مسرحي آخر عن موقف مخالف مفاده أن تمسك الحاكم بفكرة الحق الإلهي إنما قد يكون سببا لإسقاطه وإسقاط نظامه وحاشيته. ورغم هذه المواقف المتباينة فإن هذا المسرح لم يفقد دعوته إلى الحق والسلام والعدل. كما أن المسرحيات كلها لفتت النظر إلى أن فساد النظام السياسي يعتمد على عاملين وهما: سلبية المحكومين وفساد الحاشية.
• الحب والموت في الأسطورة
الفصل الثاني انشغل بدراسة قضيتي الحب والموت، ويؤكد الباحث أن إدراك المسرحيين للوظيفة الاجتماعية للمسرح دفعهم للانشغال بالقضايا الاجتماعية.
وعلى نفس منوال الفصل السابق حرص الباحث على الكشف عن طريقة كل مسرحية في مناقشة الموضوع، بإبراز ومقارنة رؤى المؤلفين داخل أعمالهم المسرحية، ومواقفهم من أشكال الحب؛ كالحب الأسري في تجلياته الأبوية والبنوية والأخوية، والحب المدنس وحب الوطن، وكذا أشكال الموت كالقسري والانتحار، وموضوع بعث الموتى الذي يعد مميزا للمسرحيات الأسطورية دون غيرها.
وعلى الرغم من أن المسرحيين لم يجعلوا القضيتين محورا لنصوصهم، إلا أن معالجة القضايا السياسية تمت بشكل تفاعلت فيه مع هاتين القضيتين الاجتماعيتين. جاء حب الوطن، والموت من أجله كأبرز هذه الصور التي ناقشتها المسرحيات بهذه القضايا.
انقسم الموت القسري في المسرحيات إلى القتل المبني على التضحية بالذات من أجل الوطن، والقتل المبني على الظلم من قبل الحاكم المستبد. قصة طروادة إحدى القصص التي تجسد بوضوح ظاهرة القتل في سبيل الوطن، لكن الكاتب خلال معالجته للحكاية تمسك بموقفه النابذ للعنف والقتل، باعتبار القتل أيا كان شكله فإن دافعه الأساس هو الغل، فهو مدنس يضيع معه الحب والجمال. على الرغم من إشادته بشرف الموت دفاعا عن الوطن، دفاعا عن الحق والعدل اللذين يتعلقان به. أما القتل المبني على الظلم فلا سماحة معه. فهو يمثل أقصى درجات الاستقواء وأقسى درجات الاستبداد.
•شهادة في حق المسرح المصري
إن المسرح أبو الفنون، أهم وسائل التعبير الإنسانية وأقدرها على نقل الأفكار والمشاعر والمواقف بدقة، وعلى إشراك المتفرج في تلمس ذلك والتفاعل معه بطريقة فنية لينة وسلسة، لذلك يبحث المسرحيون عن أفضل وأجدى وسائل إيصال الخطاب واستيعاب الأفكار، وليس أقدر على ذلك من الثقافة الشعبية والأساطير، فكانت الأسطورة مجاله الأوسع لتوظيفها وعصرنتها في نصوص مسرحية، تتحول في الركح إلى إنتاج ثقافي ومعرفي هائل، يسلط عليه المسرحي الضوء من جوانب متعددة. من شخوصه وحواره وديكوره وطريقه معالجته الشمولية للموضوع.
أبرز تامر فايز في كتابه طريقة تصرف المسرحيين خلال معالجتهم لقضايا مهمة جدا سياسية واجتماعية، بتوظيف الأسطورة لخدمة الواقع، تصرفوا بشكل تجاوز المأثور المحفوظ لدى الناس، فاستلهموا منها القيم النبيلة، والحكمة الإنسانية العظيمة، والمثل السامية، فمنحوها إيحاءات ودلالات وامتدادات وفق رؤيتهم للتعبير عن قضايا حاسمة ومهمة، وأفلحوا بشكل واضح، وإن كان بدرجات تختلف بحسب النقاد. وأكد أن الانكسارات السياسية والرجات المجتمعية والإحباطات التي رافقتها، كانت عاملا حاسما في الطريقة والمقاربة التي تعامل بها الكتاب مع الأساطير، وتوظيفها في المسرح، ومواقفهم من القضايا وانعكاساتها على طريقة معالجتهم الدرامية للموضوعات.
أبان الباحث عن تمكن كامل من مادته الثقافية وأدواته العلمية، فخبرته وتكوينه الأكاديمي العميق يبدو جليا في تنوع وتعدد وقيمة المصادر والمراجع المعتمدة باللغات العربية والأجنبية، وجهده البحثي الكبير تدل عليه منهجيته في الدراسة، بحيث اعتمد على عدة مناهج:
- المنهج الجمالي في تحليل النصوص المسرحية واكتشاف طرق تشكلها؛
- المنهج المقارن لموازنة عناصر المصادر الأسطورية وما تحويه المسرحيات من حدث وشخوص؛
- المنهج الاجتماعي لتحديد الوظيفة الأساسية التي تربط المسرح بقضايا المجتمع وموقف الكتاب منها.
ما مكنه من الوصول إلى استنتاجات مهمة جدا.
الكتاب – الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة - دراسة أكاديمية جادة، شاملة وموسوعية، تكشف من خلال صفحاتها التي تجاوزت الأربعمائة عن مكانة هذا الفن في النسيج الثقافي المصري، وتأثره بالأحداث الجسيمة التي عاشتها مصر خلال فترة حاسمة من تاريخها المعاصر، ما يعد شهادة تقدير لهذا الفن ولرجالاته.
يتتبع كتاب "الأسطورة في المسرح المصري المعاصر - دراسة في الأدب المقارن" للدكتور تامر فايز، علاقة الأسطورة بالمسرح المصري المعاصر منذ 1971 حتى 2005، من خلال رصد وتحليل مجموعة من الأعمال المسرحية التي استمد مبدعوها عناصر مسرحياتهم من ينابيع ومصادر أسطورية، وظفوها في معالجة قضايا سياسية واجتماعية.
تميزت الفترة موضوع الدراسة بتعدد المتغيرات على المستويين الإبداعي والاجتماعي، الأمر الذي أمال دفة المؤلفين إلى الاتجاه نحو الأسطورة، التي تنطوي على الدلالات العميقة والمتسعة التعبير، ما يتيح لهم حرية كاملة للتعبير عما يدور في خلدهم من أفكار إبداعية وآراء اجتماعية وسياسية في عصرهم.
اعتمد الباحث عينة تتألف من ثمانية نصوص مسرحية لستة مؤلفين: فوزي فهمي، عبدالعزيز حمودة، عصام عبدالعزيز، حسن السيد، جورجي كامل، وسامح عبدالرؤوف. نصوص نثرية تتميز بالطول وبلغتها العربية الفصحى تستلهم الأسطورة، وتعتمد على عناصرها في طرح قضايا سياسية واجتماعية مشتركة.
• علاقة الأسطورة بالمسرح
يؤكد الباحث أن تعريف الأسطورة استعصى على الباحثين، فتعددت التعريفات بتعدد المقاربات التي تناولت الموضوع، كما تعددت الأغراض التي تخدمها الأساطير. ولكن الغرض المهيمن هو الغرض الديني، لأن الأسطورة تحاول تقديم تفسير لما لا يفسر من غوامض الحياة الإنسانية، والإجابة عن الأسئلة المقلقة التي رافقت الوجود البشري، فالديانة المصرية القديمة اختزلتها أسطورة ايزيس وأوزوريس، كما أن ديانات أخرى، أكدت أهمية الأسطورة في تشكلها، حيث وجد اعتراف واضح بوجود أساس راسخ في الأساطير القديمة لسفر التكوين، فالأسطورة في أصلها طقس شعائري تحول إلى عقيدة متكاملة العناصر.
والغرض الآخر الذي تخدمه الأسطورة هو تبرير النظام الاجتماعي وتفسير طقوسه وتقاليده، لأن ما يحدث بين شخوص الأسطورة يعكس الأحداث التي تقع بين الناس على الأرض، لذلك ظلت الأساطير أرضاً صلبة تعاد من خلالها الحكاية المسرحية لتناقش قضايا ومواقف اجتماعية وسياسية وجمالية آنية. فالأساطير على الرغم من اضمحلال دورها الديني، فإنها ظلت حية على خشبة المسرح، يتم التوسل بها للوقوف على مشكلات ومعضلات عصرية، يهرب بها الكاتب من سلطة زمنية ونظام حُكم لا يرحم، أو أن يبحث في قضايا وجودية وجمالية لا يجد أمثل من الأسطورة مُعبّراً عنها أو من خلالها.
تمكنت الدراسة - في بابها الأول - من الكشف عن المصادر التي استلهم الكتاب منها موادهم المسرحية، حيث استمدوا من الأساطير اليونانية والفرعونية العناصر التي مكنتهم من صياغة وتشكيل مسرحياتهم، متصرفين فيها بشكل مكنهم من التعبير عن رؤاهم التي رغبوا في تقديمها داخل المسرحيات. فالأسطورة تلهم المسرحيين، تمنحهم القوة الإبداعية، بما لها من تدفقات رمزية وعناصر درامية تصلح للتشكيل المسرحي.
ورغم أن استلهام الأسطورة، لم يتح للمسرح المصري فرصة للتطور، حيث أدى إلى ثبات الشكل الفني في المسرح المصري، فاستمر الكتاب في نهجهم الحكائي السردي دون تغيير، فإنه استجاب لذائقة المتلقي المصري الذي يميل إلى تفضيل السرد والحكايات والغنائية.
وخصص الباحث الباب الثاني من الدراسة لاستعراض القضايا السياسية والاجتماعية التي تطرق لها المؤلفون في مسرحياتهم، تطرق في الفصل الأول للقضايا السياسية، في حين خصص الفصل الثاني للقضايا الاجتماعية.
• القضايا السياسية
عالج الفصل القضايا السياسية التي نوقشت داخل المسرحيات وتمثلت في قضايا السلطة والاستبداد، وغياب الحرية والعدالة الاجتماعية، وقضيتي الثورة والسلام، بالكشف عن طريقة كل مسرحية في مناقشة القضايا بإبراز موقف المؤلف المسرحي منها.
توظيف الأسطورة في هذه النصوص يعكس وعياً من الكاتب بقضايا وطنه، ووجهة نظره، فبدءا من الحكيم، الذي كان الهاجس الذي يوجّهه هو مدى النجاح في تطويع أحداث الأسطورة المتغلغلة في وجدان الشعب لخدمة القضايا الشعبية، لمعالجتها مواضيع ذات صلة مباشرة بحياة الناس مثل الظلم الاجتماعي والاستعباد.
ومن خلال الدراسة نجد أن المسرحيات التي تأسست على الأسطورة لم تبق محصورة في الخيال، بل ربطها مصنفوها بالواقع المصري، فناقشت في أغلبها طبيعة السلطة السياسية ونظام الحكم الذي ظل ثابتا على الرغم من التغير الشكلي البسيط الذي طرأ عليه.
مواقف المسرحيين تنوعت ما بين المطالبة بتعديل أساليب ممارسة السلطة السياسية باعتباره الشرط الوحيد لتحقيق مزيد من الحرية والعدالة، في حين يرى آخر أن شرط التغيير نحو الأفضل هو انسحاب الحاكم من السلطة في حال فشله، وجه الدعوة في مسرحيته للشعب يحثه على المشاركة في الحكم لإحداث إصلاحات سياسية في نظام الحكم، فالكاتبان معا يلتقيان في موقفهما من السلطة باعتبارها الطرف المسؤول عن الفساد السياسي، في إغفال تام لدور المواطن.
في حين عبر كاتب مسرحي آخر عن موقف مخالف مفاده أن تمسك الحاكم بفكرة الحق الإلهي إنما قد يكون سببا لإسقاطه وإسقاط نظامه وحاشيته. ورغم هذه المواقف المتباينة فإن هذا المسرح لم يفقد دعوته إلى الحق والسلام والعدل. كما أن المسرحيات كلها لفتت النظر إلى أن فساد النظام السياسي يعتمد على عاملين وهما: سلبية المحكومين وفساد الحاشية.
• الحب والموت في الأسطورة
الفصل الثاني انشغل بدراسة قضيتي الحب والموت، ويؤكد الباحث أن إدراك المسرحيين للوظيفة الاجتماعية للمسرح دفعهم للانشغال بالقضايا الاجتماعية.
وعلى نفس منوال الفصل السابق حرص الباحث على الكشف عن طريقة كل مسرحية في مناقشة الموضوع، بإبراز ومقارنة رؤى المؤلفين داخل أعمالهم المسرحية، ومواقفهم من أشكال الحب؛ كالحب الأسري في تجلياته الأبوية والبنوية والأخوية، والحب المدنس وحب الوطن، وكذا أشكال الموت كالقسري والانتحار، وموضوع بعث الموتى الذي يعد مميزا للمسرحيات الأسطورية دون غيرها.
وعلى الرغم من أن المسرحيين لم يجعلوا القضيتين محورا لنصوصهم، إلا أن معالجة القضايا السياسية تمت بشكل تفاعلت فيه مع هاتين القضيتين الاجتماعيتين. جاء حب الوطن، والموت من أجله كأبرز هذه الصور التي ناقشتها المسرحيات بهذه القضايا.
انقسم الموت القسري في المسرحيات إلى القتل المبني على التضحية بالذات من أجل الوطن، والقتل المبني على الظلم من قبل الحاكم المستبد. قصة طروادة إحدى القصص التي تجسد بوضوح ظاهرة القتل في سبيل الوطن، لكن الكاتب خلال معالجته للحكاية تمسك بموقفه النابذ للعنف والقتل، باعتبار القتل أيا كان شكله فإن دافعه الأساس هو الغل، فهو مدنس يضيع معه الحب والجمال. على الرغم من إشادته بشرف الموت دفاعا عن الوطن، دفاعا عن الحق والعدل اللذين يتعلقان به. أما القتل المبني على الظلم فلا سماحة معه. فهو يمثل أقصى درجات الاستقواء وأقسى درجات الاستبداد.
•شهادة في حق المسرح المصري
إن المسرح أبو الفنون، أهم وسائل التعبير الإنسانية وأقدرها على نقل الأفكار والمشاعر والمواقف بدقة، وعلى إشراك المتفرج في تلمس ذلك والتفاعل معه بطريقة فنية لينة وسلسة، لذلك يبحث المسرحيون عن أفضل وأجدى وسائل إيصال الخطاب واستيعاب الأفكار، وليس أقدر على ذلك من الثقافة الشعبية والأساطير، فكانت الأسطورة مجاله الأوسع لتوظيفها وعصرنتها في نصوص مسرحية، تتحول في الركح إلى إنتاج ثقافي ومعرفي هائل، يسلط عليه المسرحي الضوء من جوانب متعددة. من شخوصه وحواره وديكوره وطريقه معالجته الشمولية للموضوع.
أبرز تامر فايز في كتابه طريقة تصرف المسرحيين خلال معالجتهم لقضايا مهمة جدا سياسية واجتماعية، بتوظيف الأسطورة لخدمة الواقع، تصرفوا بشكل تجاوز المأثور المحفوظ لدى الناس، فاستلهموا منها القيم النبيلة، والحكمة الإنسانية العظيمة، والمثل السامية، فمنحوها إيحاءات ودلالات وامتدادات وفق رؤيتهم للتعبير عن قضايا حاسمة ومهمة، وأفلحوا بشكل واضح، وإن كان بدرجات تختلف بحسب النقاد. وأكد أن الانكسارات السياسية والرجات المجتمعية والإحباطات التي رافقتها، كانت عاملا حاسما في الطريقة والمقاربة التي تعامل بها الكتاب مع الأساطير، وتوظيفها في المسرح، ومواقفهم من القضايا وانعكاساتها على طريقة معالجتهم الدرامية للموضوعات.
أبان الباحث عن تمكن كامل من مادته الثقافية وأدواته العلمية، فخبرته وتكوينه الأكاديمي العميق يبدو جليا في تنوع وتعدد وقيمة المصادر والمراجع المعتمدة باللغات العربية والأجنبية، وجهده البحثي الكبير تدل عليه منهجيته في الدراسة، بحيث اعتمد على عدة مناهج:
- المنهج الجمالي في تحليل النصوص المسرحية واكتشاف طرق تشكلها؛
- المنهج المقارن لموازنة عناصر المصادر الأسطورية وما تحويه المسرحيات من حدث وشخوص؛
- المنهج الاجتماعي لتحديد الوظيفة الأساسية التي تربط المسرح بقضايا المجتمع وموقف الكتاب منها.
ما مكنه من الوصول إلى استنتاجات مهمة جدا.
الكتاب – الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة - دراسة أكاديمية جادة، شاملة وموسوعية، تكشف من خلال صفحاتها التي تجاوزت الأربعمائة عن مكانة هذا الفن في النسيج الثقافي المصري، وتأثره بالأحداث الجسيمة التي عاشتها مصر خلال فترة حاسمة من تاريخها المعاصر، ما يعد شهادة تقدير لهذا الفن ولرجالاته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.