يعد كتاب "معارك حول الإسلام في الغرب"، والذي صدر مؤخرًا عن دار "مدبولي للنشر والتوزيع"، بالقاهرة، للكاتب حسام تمام خبير الحركات الاسلامية، هو أول كتاب يتناول دراسة المبادرة السويسرية لمنع إقامة المآذن بها، عبر مقدمتين ومجموعة أبحاث متنوعة لباحثين ينتمون لجنسيات شرقية وغربية. وفي مقدمة الكتاب، يلمح تمام إلي أن الشعب السويسري يعيش حالة من الجدل حول الوجود الإسلامي في سويسرا بشكل خاص، وفي أوروبا بشكل عام، الأمر الذي دفع بعضهم لإطلاق مبادرة تتضمن إضافة فقرة إلى المادة الثانية والسبعين من الدستور الفيدرالي تحظر بناء المآذن. ويشير إلي إن أهمية هذه المبادرة، تكمن في لجوئها إلى استخدام الآليات القانونية والتشريعية لحظر رمز ديني إسلامي في بلد غربي الثقافة، مما يكشف حالة الخوف التي تعيشها تلك البلاد جراء انتشار المظاهر الإسلامية التي اجتاحت الدول أوروبا خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الشهيرة، الأمر الذي يفتح بابا للتساؤلات حول تأثيرات المظاهر الدينية الإسلامية في المجتمعات الغربية؟.. وكذا دور الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والمحليين الدوليين، في إثارة النقاشات المتعلقة بأوضاع المجموعات الدينية الإسلامية هناك؟ ويخلص تمام - في مقدمته - إلى أن هذه القضية أعادت الدين إلى ساحة النقاش مجددًا، إذ إنه لم يعد شأنا خاصا كما أرادت له الحداثة، لكنه يتساءل: هل هذه العودة هي استعادة للقوة الرمزية للمعايير الدينية، أم سيظل الدين مجالا للخاص فقط؟ وعن قضية المآذن المثارة مؤخرًا، يضيف تمام: تفجرت القضية على خلفية قضية مئذنة "فانجن"، التي كانت الباعث على إطلاق حركة تعتبر المئذنة مؤشرا على أَسلَمة زاحفة على سويسرا في عيون الدوائر السويسرية ولدى مواطنين قلقين.. ضاربًا مثالُا ببناء معبد للسيخيين والذي لم يواجه بأية اعتراضات غربية، ليخلص إلي تفسير ردود الأفعال بأن أزمة المآذن لا تقتصر على اعتبارها مظهرًا لكراهية الأجانب، بل يمتد إلى ما يثيره الإسلام من مخاوف ذات طبيعة خاصة. أما فيما يتعلق بحالة النقاش التي خلقتها هذه المبادرة، فيلمح الكاتب - علي لسان المستشرق جان فرانسو مايير - إلى أن النقاش دائما يختزل الإسلام في مسألة المئذنة، رغم أن الأهم منها الأسباب وراء قبول المبادرة، فالمسألة ليست في الضجيج الذي تحدثه المآذن؛ وإنما حول الوجود الإسلامي في سويسرا. لينتقل الباحث إلي المستشرق ستيفان لاتيون، الذي يؤكد أن نجاح المبادرة المطروحة علي الساحة ليس مهما بحد ذاته بقدر أهمية تأثيرها في المدى الطويل على مستوى النظام السياسي وعلاقاته بديناميكيات الإسلام هناك. ونقلًا عن المفكر الإسلامي المغربي رشيد بن زين، يقول تمام إن المئذنة عرفت في التاريخ الإسلامي في حدود القرن الثامن الميلادي، ومنذ ذاك التاريخ باتت المئذنة مكونًا ثابتا في بناء المساجد في العالم الإسلامي، قبل أن تنتشر في وقتنا الحاضر في المناطق التي لم تكن تشهد فيها سابقا وجودا كثيفا.. ويضيف: ومنذ القرن الثالث عشر الميلادي أصبحت المآذن تعكس معاني النصر الإسلامي؛ فحين ترتفع المئذنة في السماء وحيدة فإنها تعلن عن عقيدة التوحيد، وينوه إلي أن يجب الوقوف علي الفهم الحقيقي للأهمية التي تمثلها المئذنة لدى عدد كبير من المسلمين. ويعود تمام إلي المستشرق ستيفان لاتيون، الذي يؤكد أن انتقال الإسلام إلى أوروبا سمح بخلق ابتكارات معمارية جديدة، بحيث لم يُعد المسلمون إنتاج نموذجهم الثقافي، مما يؤكد استفادة المسلمين واستيعابهم لما وجدوه في مختلف أجزاء العالم من فنون معمارية.. ويضيف: وابتداء من القرن الهجري الأول أصبحت المساجد المكان الرمزي والعملي للممارسات الشعائرية.. لافتًا إلي أنه مع التوسع الاستعماري الأوروبي خلال القرن التاسع عشر نتجت عنه العديد من التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية داخل العالم الإسلامي، امتدت خيوط تأثيراتها إلى العمارة عن طريق قيام الأساتذة الأوروبيين بالتدريس في الجامعات العربية والإسلامية، وكذلك البعثات الطلابية التي كانت توفد إلى أوروبا، مما زاد من تأثير العولمة وتصاعد وتيرة التمازجات العمرانية، حتي بات الإسلام وحدة قابلة للتبادل الثقافي في شتي المجالات. وأفاد لايتون بأنه رغم أن المساجد في أوروبا لا تعيد ما هو موجود في العالم الإسلامي، إلا أن تأثيراتها الثقافية لا تزال باقية إلي الآن، لذا يجب الانتباه إلي أن السياق الأوروبي لاشك سيغير من النظرة التي سيوليها المسلمون إلى ممارساتهم ومعتقداتهم وأماكن عباداتهم. السياقات العامة ويحاول حسام تمام في القسم المخصص لدراسة السياقات العامة للأزمة، أن يستعرض محاولات باتريك هاني، وسمير آمغار، والتي تنطلق من نظرة الداعين للمبادرة واللذين يريان أن هناك مشروعا للهيمنة السياسية، وأن التوسع عنصر موجود في بنية الأيديولوجية الإسلامية، وأن هناك فاعلين لديهم مشروع لتنفيذ هذا التوسع، وهم الذين يرون أن الإسلام دين الخلاص للإنسانية. وأضاف الفصل، أن هناك تيارين للإسلام في الغرب؛ هما: الإخوان المسلمون، وحركة الرأي الوطني التركية، ورغم ذاك فإن الطبيعة الأقلاوية للمسلمين، لم تمكن من بناء دولة إسلامية أو حتى مشروع سياسي متكامل؛ لهذا لم يتبق أمامهم إلا "الإسلام السياسي للأقلية"، والذي ينقسم إما إلى الوعظ الديني، أو إلى الدخول في استراتيجية البحث عن دور الوسيط بين السلطة والسكان المسلمين. أما عن مسارات القطيعة مع الأطروحة الإسلامية، والتي بدأت تتضاعف لتفضي إلى ظاهرة ما بعد الإسلام السياسي، فألمح باتريك وآمغار إلي أنها تتضمن ثلاثة مداخل؛ هي: العودة إلى المجال السياسي الصرف، والبحث عن الديني النقي، والتطبيع الثقافي، الذي يستهدف البحث عن هوية إسلامية لا تحمل وصما معينا، بل تعتمد على الفرد والنجاح الشخصي. ويضيفان: وبالنظر إلى الديمغرافية الإسلامية، يتراءي أنها تتراجع في كل أنحاء العالم الإسلامي عدا باكستان وبعض دول إفريقيا السوداء، وهذا التراجع يتزامن مع صعود المد الإسلامي، ومن ثم فلا الصحوة الإسلامية ولا الحكم الإسلامي استطاعا التأثير في اصطفاف المسلمين خلف المعايير الديمغرافية الحديثة. وفي القسم الثالث، المتعلق بوضعية الكنائس في الشرق، يذكر تمام - مستشهدًا برأي المستشرقة لور جرجس - أن غالبية الدول العربية تحكمها نظم تسلطية تفرض سيطرتها على الفضاءات السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية، بل إنها الديانات الموجودة والتي تعترف بها رسميا. وتضيف جرجس: والكنائس - بهذه النظم التسلطية - لها علاقات تنظيمية بدرجة أو بأخرى مع العديد من الجهات والتنظيمات، خصوصا في ظل اعتراف الدساتير العربية والإسلامية، فيما عدا إيران والسعودية واليمن، بحرية المعتقد والممارسة الدينية في حدود الشريعة الإسلامية، واحترام تقاليد المجتمعات الإسلامية.. أما عما يتعلق ببناء الكنائس وتجديدها، فتقول: هي مسألة متفاوتة بين الدول الإسلامية.. إلا أنها وبصفة إجمالية، تؤكد أن حكومات الدول الإسلامية تخضع في تعاملها مع المؤسسات الكنسية لعدة اعتبارات؛ منها طبيعة النظام التسلطية، واعتماد أكثر من خطاب إسلامي رسمي، ووجود معارضة إسلامية متشددة واستراتيجيات الدولة تجاهها. النقد الاستشراقي وينتقل الباحث إلي رأي المستشرق أوليفيه موس، الذي ينظر إلي المبادرة من جهة أنها تعبر عن تيار النقد الاستشراقي الموجه للإسلام.. مؤكدا أن هذا التيار عابر للحدود، بل إنه وصل إلى سويسرا من أجل استغلال نظامها القانوني لتحقيق أهدافه.. لافتًا إلي أن هذا التيار لا يمثل مدرسة فكرية محددة، بل يشبه الرواية المتعلقة بالمواجهة بين الغرب والإسلام، فليست كراهية الأجانب هي التي تقع في قلب هذا الانتقاد، بل الإسلام والمسلمين، باعتبارهما يقعان خارج سياقات الزمان والمكان. وعن المبادرة وما استندت إليه، قال موس: كل الحججِ التي استندت إليها المبادرة تضع الموضوع ضمن اتجاه النقد الموجه للإسلام، لافتًا إلي أن هناك سياسيين وجماعات ضغط تقوم باستعراض وتكرار هذه الحجج بصورة ثابتة لتأكيد هذا التوجه الفكري المعادي للإسلام. ويختتم الباحث حسام تمام، بقسمه المخصص لدراسة تداعيات المبادرة علي السياق العربي.. مشيرًا إلى ما يعتبره أسبابا للصمت، حيث يتناولها الإعلام العربي بشيء من الهدوء على العكس القضايا المشابهة السابقة، بل إنه يستهجن أنه لم تُثر ردود الأفعال السلبية ضد المصالح السويسرية كما حدث مع الرسوم المسيئة للرسول الكريم من الدانمارك. وأرجع الأسباب وراء ذلك إلي مسألة المقاربة الإعلامية، خاصة في ظل ندرة المراسلين العرب، داخل لوسط الاجتماعي السويسري، وأن موضوع "المئذنة"، بات لا يحظى بدعم من التيارات الدينية القادرة على التعبئة.. لافتًا إلي أن هناك قطاعات كبيرة من التيار السلفي ترى أن المئذنة لم تكن موجودة في الأزمنة الأولى للإسلام، بل هي أقرب للبدعة. وأضاف: ومن الأسباب أيضًا: طبيعة المبادرة نفسها؛ والتي تستهدف رمزا متعلقا بالثقافة الإسلامية، وليس المسلمين وحدهم.