رسميا.. جامعة الأزهر 2025 تفتتح أول كلية للبنات في مطروح وتعلن عن تخصصات جديدة    رسميا بعد الهبوط الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 23 أغسطس 2025    تشيلسي يكتسح وست هام بخماسية في الدوري الإنجليزي الممتاز    محمد الشناوي خارج مباراة الأهلي وغزل المحلة.. هاني رمزي يكشف السبب    رسميا.. مدرسة صناعة الطائرات تعلن قوائم القبول للعام الدراسي الجديد 2025/ 2026    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه    مدحت صالح يتألق بغناء حبيبى يا عاشق وزى المليونيرات بحفله فى مهرجان القلعة    ابنة سيد مكاوي عن شيرين عبدالوهاب: فقدت تعاطفي بسبب عدم مسؤوليتها    إسرائيل تشن هجومًا على مخازن تابعة لحزب الله في لبنان    مراسل من دير البلح: المنطقة باتت مستباحة بالكامل تحت نيران الاحتلال    وزير الدفاع الإيراني: صواريخ جديدة برؤوس حربية متطورة لم تُستخدم في حرب ال12 يومًا    استقالة وزير الخارجية الهولندي بسبب موقف بلاده من إسرائيل    تشيلسي يدمر وست هام بخماسية في الدوري الإنجليزي.. فيديو    الحوثيون يعلنون تنفيذ 3 عمليات ضد أهداف في تل أبيب    تنسيق الشهادات المعادلة 2025، قواعد قبول طلاب الثانوية السعودية بالجامعات المصرية    وزير الري يشارك في جلسة "القدرة على الصمود في مواجهة التغير المناخي بقطاع المياه"    أمم إفريقيا للمحليين - المليوي يقود المغرب إلى نصف النهائي.. ومدغشقر تقصي كينيا    فالنسيا من قمم المجد إلى هاوية النسيان.. حين تقودك الإدارة إلى اللعنة    تقرير: ليس فينيسيوس فقط.. أنشيلوتي يستبعد رودريجو من قائمة البرازيل    محمود وفا حكما لمباراة الاتحاد والبنك الأهلى والسيد للإسماعيلى والطلائع    ارتفاع الكندوز 39 جنيها، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    سليم غنيم يحافظ على الصدارة للعام الثاني في سباقات الحمام الزاجل الدولية    اليوم، دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ربيع الأول لعام 1447 هجريا    في لحظات.. شقة تتحول إلى ساحة من اللهب والدخان    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    قطع المياه عن بعض المناطق بأكتوبر الجديدة لمدة 6 ساعات    خطة عاجلة لتحديث مرافق المنطقة الصناعية بأبو رواش وتطوير بنيتها التحتية    تحت عنوان كامل العدد، مدحت صالح يفتتح حفله على مسرح المحكي ب "زي ما هي حبها"    3 أبراج على موعد مع التفاؤل اليوم: عالم جديد يفتح الباب أمامهم ويتلقون أخبارا مشجعة    خيرى حسن ينضم إلى برنامج صباح الخير يا مصر بفقرة أسبوعية على شاشة ماسبيرو    ميرهان حسين جريئة وليلى علوي بإطلالة شبابية.. لقطات نجوم الفن في 24 ساعة    حدث بالفن| أول تعليق من شيرين عبد الوهاب بعد أنباء عودتها ل حسام حبيب وفنان يرفض مصافحة معجبة ونجوم الفن في سهرة صيفية خاصة    المنوفية تقدم أكثر من 2.6 مليون خدمة طبية ضمن حملة 100 يوم صحة    صحة المنوفية تواصل حملاتها بسرس الليان لضمان خدمات طبية آمنة وذات جودة    كتر ضحك وقلل قهوة.. طرق للتخلص من زيادة هرمون التوتر «الكورتيزول»    نجاح عملية جراحية دقيقة لاستئصال ورم ليفي بمستشفى القصاصين فى الإسماعيلية    مقتل عنصر من الأمن السورى فى هجوم انتحارى نفذه "داعش" بدير الزور    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. الدفاع الروسية: سيطرنا على 9 بلدات فى أوكرانيا خلال أسبوع .. وزيرة خارجية سلوفينيا: المجاعة مرحلة جديدة من الجحيم فى غزة.. إسرائيل عطلت 60 محطة تحلية مياه فى غزة    نتيجة تنسيق رياض الأطفال والصف الأول الابتدائي الأزهر الشريف 2025 خلال ساعات.. «رابط مباشر»    أخبار × 24 ساعة.. موعد انطلاق العام الدراسى الجديد بالمدارس الدولية والرسمية    قدم لكلية الطب وسبقه القدر.. وفاة طالب أثناء تركيبه ميكروفون لمسجد في قنا    ظهور مفاجئ ل «منخفض الهند».. تحذير بشأن حالة الطقس اليوم: القاهرة تُسجل 40 مئوية    القضاء على بؤرة إجرامية خطرة بأشمون خلال تبادل النار مع قوات الشرطة    ضبط 1954 مخالفة ورفع كفاءة طريق «أم جعفر – الحلافي» ورصف شارع الجيش بكفر الشيخ    الزمالك يواصل استعداداته لمواجهة فاركو بتدريبات استشفائية وفنية    محمد طاهر: الكرة من أفضل أدوات التسويق ورعاية للزمالك لدعم الأندية الشعبية    منها الإقلاع عن التدخين.. 10 نصائح للحفاظ على صحة عينيك مع تقدمك فى العمر (تعرف عليها)    خدعوك فقالوا: «الرزق مال»    هل يجوز شرعًا معاقبة تارك صلاة الجمعة بالسجن؟.. أحمد كريمة يجيب    هل إفشاء السر بدون قصد خيانة أمانة وما حكمه؟ أمين الفتوى يجيب    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    شنوان.. القرية التي جعلت من القلقاس جواز سفر إلى العالم| صور    محافظ مطروح ورئيس جامعة الأزهر يفتتحان كلية البنات الأزهرية بالمحافظة    رئيس جهاز القرى السياحية يلتقي البابا تواضروس الثاني بالعلمين (صور)    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    مصلحة الضرائب تنفي وجود خلاف بين الحكومة وشركات البترول حول ضريبة القيمة المضافة    سعر طن الحديد الاستثماري وعز والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 22 أغسطس 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قد تقول الصورة ما لا يقوله الكلام
نشر في صوت البلد يوم 03 - 01 - 2017

اشتغل الروائي البحريني حسين المحروس في روايته الأخيرة “سماهوي” على التاريخ الخليجي محاولا نقله وأرشفة تفاصيله التي لا نكاد نرى أثرها في الحاضر. فنظرا إلى قلة الرواة والمؤرخين للمنطقة، بدأت الذاكرة الشعبية الجماعية تنحسر بسبب رحيل الجيل الذي كان يمتلك ذاكرة العجائز الشفهية، الأمر الذي قد يشعر المثقف بمسؤوليته حيال ذاكرته وتاريخه.
جاءت رواية “سماهوي”، الصادرة عن دار مسعى البحرينية، بعد سلسلة من الأعمال السردية للمحروس الذي كتب في القصة القصيرة مجموعته “ضيح الماء” 2001، كما قدم أعمالا روائية مختلفة نذكر منها “قندة” 2006، و”حوّام” 2008، و”مريم” في طبعتيها 2013 و2015. ويعكف الكاتب حالياً على كتابة نص سيري طويل.
حول كتابة الرواية يقول المحروس “كتابة الرواية عملية بحث مستمرة، والإنسان يميل غالبا إلى البحث في التاريخ وتقليبه عن حوادث قريبة الشبه في أسبابها أو نتائجها، وليس في سياق مجرياتها. ما يحدث الآن هو تاريخ أيضا. أميل إلى الروائي الذي يحفر في الأرض، في السير، وفي تغيرات وتحولات الأمكنة والناس. أهتم بالتفاصيل كثيرا مكتوبة أو مصورة منذ زمن طويل، أو بتلك التي أراها أمامي، لا يأتي في بالي حينها أنّها تاريخ أو لا، لكن الذي أهتم به ساعتها: كيف عملت في الناس، كيف تعاملوا معها، وكيف غيرتهم أو مرّت بهم دون أن تحدث فرقا كبيراً في حياتهم”.
بحث مستمر
في معرض هذا الحديث يبدي المحروس انزعاجه من كون الجهة المسؤولة عن تسجيل التاريخ الشفوي منشغلة عنه أو غير مدركة لأهميته. ويؤكد على أنه لا توجد مؤسسات رسمية ترعى ذلك. يقول “مركز التراث الشعبي الخليجي التابع لدول مجلس التعاون كان عمله شبه فاشل. هذا المركز أسس في العام 1982، وما صدر عنه قليل جداً حتى أغلق في منتصف العام 2005، وتقاسمت الدول الست مواده مثل ميراث ميت، لكن ذلك كلّه ليس مبرراً لإهمال العمل الفردي لتدوين الحكايات الشفاهية الشعبية وما فيها من إشارات إلى الأزياء وأعمال الخياطة والطبخ وأغان وألعاب وغيرها مرتبطة بالإنسان وبحالاته وليست منفصلة عنه، وليست للتسلية أو للتسطيح. أحبّ توثيق ذلك عبر كتابة السير”.
رواية “سِماهوي” تصف التفاصيل الفوتوغرافية للمشهد السردي بعناية فائقة، إذ يجد القارئ ذلك واضحا في عدة مشاهد، منها: وصف “الحظرة”، ورحلات الصيد ومناطق الهيرات، ومصائد اللؤلؤ. وربما تؤكد ذلك تفاصيل الحوار بين شخصياته الروائية متمثلةً في عيسى بن غانم والمهاجر، حين أخبره بأن يتذكره بصورته، ف”الذاكرة ليست أسماء”. لقد قدّم الصورة على الهوية. نسأل ضيفنا هنا هل يزاحم المحروسُ الفوتوغرافي المحروسَ الروائي؟
يجيب الكاتب “لا، على الإطلاق. المزاحمة تعني أن يعمل أحدهما على أن يحلّ محل الآخر، يلغيه، فلا يبقى إلا واحد، والحال أنّ خبرة المصور تُسند خبرة الكاتب، وخبرة الكاتب ترفد المصوّر بجعل عينه عيناً خاصة، تتجاوز النظرة إلى الرؤية. ربّما أميل إلى أحدهما لكن ذلك لا يحدث إلاّ لسبب، ففي الكثير من الأحيان أجد القول غير قادر على تجاوز الصورة أو يكون أكثر منها، وتكون الصورة أكبر بكثير من الكلام عليها”.
لكل منا قصته
نتوقف مع ضيفنا المحروس في تفاصيل الرواية الخاصة بالمنافي والهجرات، يتساءل ضيفنا معلّقا “منذ زمن غير قصير وأنا أتتبع قضايا الهجرة والنفي في هذه البلاد والصراعات والأحداث التي تؤدي إليها على أنواعها، ما تمّ توثيقه منها، والذي لا يزال في رواياته وقصصه الشفوية. الجزء الأوّل وهو الموثّق وجدته في تراجم وسير رجال الدين أكثر، فالذين كتبوهم وترجموا لهم وثّقوا تنقلاتهم وهجراتهم على أنواعها الاختيارية والقسرية، وكانت هذه الهجرات تبدو أوضح وأكثر كلّما اقتربنا من التاريخ الحديث في المنطقة والبلاد والصراعات فيها حتى صرت أرى عناوين جانبية في ترجمة رجل الدين بمفردة ‘هجرته‘، فأيوب بن عبدالباقي البوري مثلاً، المتوفى في عام 1601 هاجر إلى مصر عام 1600 وكانت البحرين تخضع للاحتلال البرتغالي، قتله المصريون كما في الرواية.
بعده ستجد شخصا مهما جدا مثل الشيخ يوسف العصفور الذي هاجر وتنقل كثيرا، هجرات قسرية شهدتها فترة الصراعات بين العمانيين والقوى الأخرى المتنازعة على البلاد. وقد دوّن قليلا من ذلك في كتابة -للأسف- قصيرة جدا عن نفسه وعن الوضع الخراب آنذاك في كتابه ‘لؤلؤة البحرين‘، لم ينصف ذاته كتابةً، وهكذا فعل الكثيرون حتى من غير رجال الدين الذين بدأوا تدوينهم للهجرات ضمنيا بشكل متأخر كثيرا عنهم”.
يتابع الكاتب “القسم الثاني الذي بقي شفويا لشخصيات يبدو لي أن المؤرخين والمدونين وجدوا أنّها ليست شخصيات اعتبارية، لذا لم يهتموا بما حلّ بها ويدونوه، وهذا هو القسم الذي أهتم به، وهذه الشخصيات كثيرة جدا ولكل واحدة قصتها، حاولت البحث عنها وتجميعها ومعرفة تحولات الظروف التي تجعل من شخص أو أسرة كاملة تقدم على الهجرة مهما كان نوعها. هنا بالتحديد يأتي دور الروائي الذي يتجاوز تأريخ حدث الهجرة أو النفي إلى تلمّس الشعور والحالة النفسية للمهاجر أو المنفيّ، لكي لا يكون التاريخ في الرواية يابسا. وهذا لا يحدث إلاّ عبر متابعة ظروف حالات قريبة مثل الأصدقاء والبعض من العائلة”.
ويتابع المحروس المنتج السردي البحريني في السيرة أكثر من أيّ شيء آخر، لذا يجد نفسه غير ملم بالمشهد الروائي بالبحرين بالكامل، ولا تعجبه التقسيمات التي تقسّم الروائيين إلى شباب وكبار وروّاد، ويجد أنها تقسيمات مدرسية، فالتعويل -حسب رأيه- على النص فقط. يقول “نتعلم شيئا مهما من نصّ جديد، لكاتب جديد، يجعلك تقف لترى منجزك الأدبي بهدوء وربما بقلق”.
لا يحب ضيفنا الانتماء إلى أيّ جهة ثقافية أو فنّية، رسمية أو أهلية رغم أنه دُعي لذلك لكنه اعتذر. ويرى أن هذه المناخات ما لم ينتج عنها حوار جاد مستمر، يغني تجربته وتجربة الآخرين فلا معنى لها. يقول “أنا مهتم بالكتابة والتصوير أكثر من الثقافة أو العمل الثقافي الذي يشترط التفاعل مع آخرين من أجله، أشعر بسأم وملل كبيرين كلما دخلت في مبنى جمعية أو جلست في فعالية فيها كلام طويل، وأكاد أهرب حتى من الجلسات مع الأصدقاء. لا يهمني أن أكون مثقفاً اجتماعيا. أتمنى أن أكون مثقفا في الزراعة، في النخلة، في الطيور، في التشكيل الفنّي وفي الصورة، مثقفا في مهنة ما”.
ويقودنا الحديث ونحن نستعرض المشهد الثقافي في البحرين إلى الحديث عن أسرة الأدباء وكيف يقرأ واقعها الآن، يقول ضيفنا “إنّ واحدا من أهم شروط تأسيس الأسرة هو أن تكون مستقلة تماماً عن السلطة الرسمية، أي غير تابعة لها، لإدراك المؤسسين لها آنذاك وبشكل عميق بأهمية دور الثقافة في الحياة التي لا تعمل بشكلها وروحها الحيويين ما لم تكن مستقلة تماما وحرة من القيد الرسمي، وهذا لا يعني أن تكون معارضة أو تنظيما سريا. آمل أن يقف المهتمون بها عند هذا الشرط، وأن يتأملوا فيه جيدا وفي شعاره ‘الكلمة من أجل الإنسان'. طبعاً، هنا لا أتحدث عن أثر الأسرة، ولا منجزها الثقافي، فلا يمكن إنكار علاقتي به، منجز مؤسسيها، مجلتها ‘كلمات‘، أحمد المناعي، قاسم حداد، خلف أحمد خلف، عبدالقادر عقيل، حمدة خميس، وغيرهم. هذا موضوع آخر تماما”.
اشتغل الروائي البحريني حسين المحروس في روايته الأخيرة “سماهوي” على التاريخ الخليجي محاولا نقله وأرشفة تفاصيله التي لا نكاد نرى أثرها في الحاضر. فنظرا إلى قلة الرواة والمؤرخين للمنطقة، بدأت الذاكرة الشعبية الجماعية تنحسر بسبب رحيل الجيل الذي كان يمتلك ذاكرة العجائز الشفهية، الأمر الذي قد يشعر المثقف بمسؤوليته حيال ذاكرته وتاريخه.
جاءت رواية “سماهوي”، الصادرة عن دار مسعى البحرينية، بعد سلسلة من الأعمال السردية للمحروس الذي كتب في القصة القصيرة مجموعته “ضيح الماء” 2001، كما قدم أعمالا روائية مختلفة نذكر منها “قندة” 2006، و”حوّام” 2008، و”مريم” في طبعتيها 2013 و2015. ويعكف الكاتب حالياً على كتابة نص سيري طويل.
حول كتابة الرواية يقول المحروس “كتابة الرواية عملية بحث مستمرة، والإنسان يميل غالبا إلى البحث في التاريخ وتقليبه عن حوادث قريبة الشبه في أسبابها أو نتائجها، وليس في سياق مجرياتها. ما يحدث الآن هو تاريخ أيضا. أميل إلى الروائي الذي يحفر في الأرض، في السير، وفي تغيرات وتحولات الأمكنة والناس. أهتم بالتفاصيل كثيرا مكتوبة أو مصورة منذ زمن طويل، أو بتلك التي أراها أمامي، لا يأتي في بالي حينها أنّها تاريخ أو لا، لكن الذي أهتم به ساعتها: كيف عملت في الناس، كيف تعاملوا معها، وكيف غيرتهم أو مرّت بهم دون أن تحدث فرقا كبيراً في حياتهم”.
بحث مستمر
في معرض هذا الحديث يبدي المحروس انزعاجه من كون الجهة المسؤولة عن تسجيل التاريخ الشفوي منشغلة عنه أو غير مدركة لأهميته. ويؤكد على أنه لا توجد مؤسسات رسمية ترعى ذلك. يقول “مركز التراث الشعبي الخليجي التابع لدول مجلس التعاون كان عمله شبه فاشل. هذا المركز أسس في العام 1982، وما صدر عنه قليل جداً حتى أغلق في منتصف العام 2005، وتقاسمت الدول الست مواده مثل ميراث ميت، لكن ذلك كلّه ليس مبرراً لإهمال العمل الفردي لتدوين الحكايات الشفاهية الشعبية وما فيها من إشارات إلى الأزياء وأعمال الخياطة والطبخ وأغان وألعاب وغيرها مرتبطة بالإنسان وبحالاته وليست منفصلة عنه، وليست للتسلية أو للتسطيح. أحبّ توثيق ذلك عبر كتابة السير”.
رواية “سِماهوي” تصف التفاصيل الفوتوغرافية للمشهد السردي بعناية فائقة، إذ يجد القارئ ذلك واضحا في عدة مشاهد، منها: وصف “الحظرة”، ورحلات الصيد ومناطق الهيرات، ومصائد اللؤلؤ. وربما تؤكد ذلك تفاصيل الحوار بين شخصياته الروائية متمثلةً في عيسى بن غانم والمهاجر، حين أخبره بأن يتذكره بصورته، ف”الذاكرة ليست أسماء”. لقد قدّم الصورة على الهوية. نسأل ضيفنا هنا هل يزاحم المحروسُ الفوتوغرافي المحروسَ الروائي؟
يجيب الكاتب “لا، على الإطلاق. المزاحمة تعني أن يعمل أحدهما على أن يحلّ محل الآخر، يلغيه، فلا يبقى إلا واحد، والحال أنّ خبرة المصور تُسند خبرة الكاتب، وخبرة الكاتب ترفد المصوّر بجعل عينه عيناً خاصة، تتجاوز النظرة إلى الرؤية. ربّما أميل إلى أحدهما لكن ذلك لا يحدث إلاّ لسبب، ففي الكثير من الأحيان أجد القول غير قادر على تجاوز الصورة أو يكون أكثر منها، وتكون الصورة أكبر بكثير من الكلام عليها”.
لكل منا قصته
نتوقف مع ضيفنا المحروس في تفاصيل الرواية الخاصة بالمنافي والهجرات، يتساءل ضيفنا معلّقا “منذ زمن غير قصير وأنا أتتبع قضايا الهجرة والنفي في هذه البلاد والصراعات والأحداث التي تؤدي إليها على أنواعها، ما تمّ توثيقه منها، والذي لا يزال في رواياته وقصصه الشفوية. الجزء الأوّل وهو الموثّق وجدته في تراجم وسير رجال الدين أكثر، فالذين كتبوهم وترجموا لهم وثّقوا تنقلاتهم وهجراتهم على أنواعها الاختيارية والقسرية، وكانت هذه الهجرات تبدو أوضح وأكثر كلّما اقتربنا من التاريخ الحديث في المنطقة والبلاد والصراعات فيها حتى صرت أرى عناوين جانبية في ترجمة رجل الدين بمفردة ‘هجرته‘، فأيوب بن عبدالباقي البوري مثلاً، المتوفى في عام 1601 هاجر إلى مصر عام 1600 وكانت البحرين تخضع للاحتلال البرتغالي، قتله المصريون كما في الرواية.
بعده ستجد شخصا مهما جدا مثل الشيخ يوسف العصفور الذي هاجر وتنقل كثيرا، هجرات قسرية شهدتها فترة الصراعات بين العمانيين والقوى الأخرى المتنازعة على البلاد. وقد دوّن قليلا من ذلك في كتابة -للأسف- قصيرة جدا عن نفسه وعن الوضع الخراب آنذاك في كتابه ‘لؤلؤة البحرين‘، لم ينصف ذاته كتابةً، وهكذا فعل الكثيرون حتى من غير رجال الدين الذين بدأوا تدوينهم للهجرات ضمنيا بشكل متأخر كثيرا عنهم”.
يتابع الكاتب “القسم الثاني الذي بقي شفويا لشخصيات يبدو لي أن المؤرخين والمدونين وجدوا أنّها ليست شخصيات اعتبارية، لذا لم يهتموا بما حلّ بها ويدونوه، وهذا هو القسم الذي أهتم به، وهذه الشخصيات كثيرة جدا ولكل واحدة قصتها، حاولت البحث عنها وتجميعها ومعرفة تحولات الظروف التي تجعل من شخص أو أسرة كاملة تقدم على الهجرة مهما كان نوعها. هنا بالتحديد يأتي دور الروائي الذي يتجاوز تأريخ حدث الهجرة أو النفي إلى تلمّس الشعور والحالة النفسية للمهاجر أو المنفيّ، لكي لا يكون التاريخ في الرواية يابسا. وهذا لا يحدث إلاّ عبر متابعة ظروف حالات قريبة مثل الأصدقاء والبعض من العائلة”.
ويتابع المحروس المنتج السردي البحريني في السيرة أكثر من أيّ شيء آخر، لذا يجد نفسه غير ملم بالمشهد الروائي بالبحرين بالكامل، ولا تعجبه التقسيمات التي تقسّم الروائيين إلى شباب وكبار وروّاد، ويجد أنها تقسيمات مدرسية، فالتعويل -حسب رأيه- على النص فقط. يقول “نتعلم شيئا مهما من نصّ جديد، لكاتب جديد، يجعلك تقف لترى منجزك الأدبي بهدوء وربما بقلق”.
لا يحب ضيفنا الانتماء إلى أيّ جهة ثقافية أو فنّية، رسمية أو أهلية رغم أنه دُعي لذلك لكنه اعتذر. ويرى أن هذه المناخات ما لم ينتج عنها حوار جاد مستمر، يغني تجربته وتجربة الآخرين فلا معنى لها. يقول “أنا مهتم بالكتابة والتصوير أكثر من الثقافة أو العمل الثقافي الذي يشترط التفاعل مع آخرين من أجله، أشعر بسأم وملل كبيرين كلما دخلت في مبنى جمعية أو جلست في فعالية فيها كلام طويل، وأكاد أهرب حتى من الجلسات مع الأصدقاء. لا يهمني أن أكون مثقفاً اجتماعيا. أتمنى أن أكون مثقفا في الزراعة، في النخلة، في الطيور، في التشكيل الفنّي وفي الصورة، مثقفا في مهنة ما”.
ويقودنا الحديث ونحن نستعرض المشهد الثقافي في البحرين إلى الحديث عن أسرة الأدباء وكيف يقرأ واقعها الآن، يقول ضيفنا “إنّ واحدا من أهم شروط تأسيس الأسرة هو أن تكون مستقلة تماماً عن السلطة الرسمية، أي غير تابعة لها، لإدراك المؤسسين لها آنذاك وبشكل عميق بأهمية دور الثقافة في الحياة التي لا تعمل بشكلها وروحها الحيويين ما لم تكن مستقلة تماما وحرة من القيد الرسمي، وهذا لا يعني أن تكون معارضة أو تنظيما سريا. آمل أن يقف المهتمون بها عند هذا الشرط، وأن يتأملوا فيه جيدا وفي شعاره ‘الكلمة من أجل الإنسان'. طبعاً، هنا لا أتحدث عن أثر الأسرة، ولا منجزها الثقافي، فلا يمكن إنكار علاقتي به، منجز مؤسسيها، مجلتها ‘كلمات‘، أحمد المناعي، قاسم حداد، خلف أحمد خلف، عبدالقادر عقيل، حمدة خميس، وغيرهم. هذا موضوع آخر تماما”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.