اسكندر حبشتمثل الكتابة عن نصوص معينة - في بعض الحالات- محاولة يقظة للتسلل عبر لغة تحليلية حية إلى عوالم كُتاب آخرين، والقيام بالكشف عما خُفي أو التبس منها، بحيث تبدو تلك الكتابة كما لو أنها إعادة تشكيل تلك الحيوات، وفق جغرافية مبتدعة من رؤية خاصة لنصوص الكاتب وحياته. هكذا تتشكل كتابة مجاورة للكتابة الأولى، أو موازية لها، تسير بمحاذاتها وفق منهج جمالي يستمد خصوصيته من القدرة على قراءة تلك الإبداعات بعين مبصرة تكشف مواطن الإبداع في مغالاتها وهناتها على حد سواء. ولعل هذا ما فعله الشاعر والكاتب الصحفي إسكندر حبش في كتابه حيوات ميتافيزيقية، حين قدم تجربة إبحاره التاريخي في خرائط الرواية الغربية المعاصرة. يخوض الكاتب مغامرة منفردة كان بدأ بها في كتابيه السابقين حكاية الحكايات ومديح اللامرئي؛ حيث خصهما أيضا لكتابة تجربته في قراءة إبداعات روائية لمؤلفين غربيين. وإن كان حبش في هذه الأعمال يستكمل مشروعه الصحفي في كتابة قراءات للرواية أو تقديم بورتريه لكاتب ما، إلا أن وجود هذه النصوص ضمن دفتي كتاب، يكشف للقارئ أيضا الجهد المبذول في اختيار تلك القراءات، والحرص على تضفيرها وإثرائها بمعلومات إضافية. وفي حيوات ميتافيزيقية، نجد نوعين من النصوص يقسمها الكاتب بين بورتريهات، وكتب. وإن كان قسم البورتريهات يطغى على الكتب؛ كما نجد في البورتريهات أربعة وجوه نسائية فقط، مقابل أربعة عشر كاتبا. أما الكاتبات اللواتي اختارهن حبش؛ فهن: دوونغ ثو هيونغ (فيتنام)، ودوريس ليسينغ (إنجلترا)، وروجا لازاروفا (بلغاريا)، وألفريدية لينيك (النمسا). وفي الكتب نجد قراءة في مذكرات واقع لا يحتمل للكاتبة النرويجية آسني سييرستاد، مقابل سبع قراءات لكتاب رجال، يبدأها مع ميلان كونديرا، وينتهي مع الكاتب التركي إليف شفق؛ لذا فعند قراءة حيوات تاريخية لا يمكننا إغفال التنوع الجغرافي الواسع الذي غطى كتابات متنوعة لكتاب من أمريكا اللاتينية، وأوروبا، واليابان، وتركيا، وأفغانستان، والمجر، وإيران. لكن تبدو النقطة الأهم في هذا الكتاب هي ذائقة حبش التي تشبه تيرموميتر حساس للغاية، بحيث لا يتتبع الكُتاب ذائعي الصيت، بل إنه يتجاهل هذا المقياس تماما؛ باحثا عن أسماء ونصوص لا يتم تناولها كثيرا في الصحافة الثقافية العربية؛ بسبب عدم الترجمة؛ لذا يؤدي حبش في هذا الكتاب دور الوسيط بين القارئ وهؤلاء الكتاب الذين لم تتم ترجمة أعمالهم إلى العربية. ومن هنا قد يكتشف القارئ أسماء مبدعين جدد لا يعرفهم، أو لم يتعرف كفاية على إنتاجهم الأدبي؛ ويجد في قسم البورتريهات أو الكتب بوصلة تحرضه على مغامرة الاكتشاف. هذا ما نجده في كتابته عن الأديبة الفيتنامية دوونغ ثو هيونغ، التي تنتمي للأدب الفيتنامي الجديد، وتُعتبر أبرز أصواته، بل وأشهر كاتبة خارج بلادها، وإن كانت هيونغ تكتب باللغة الفيتنامية، فإن حبش يقرأ رواياتها بعد ترجمتها إلى الفرنسية، ويحكي عن الظروف السياسية التي أحاطت بالكاتبة؛ اعتقالها واتهامها بالخيانة، وأيضا إصرارها علي ألا تغادر فيتنام إلى الغربة؛ كي لا تنقطع مع مصادر إلهامها. فيصف كتابة هيونغ قائلا: أدب هيونغ يذكر بأدب الندوب، الذي ازدهر في الصين عقب الثورة الثقافية؛ فبعد المرحلة المثالية والورود التي من غير أشواك التي أفرزتها حرب التحرير، يبدو نظام هانوي في أدب هيونغ كأنه يكشف عن وجهه الحقيقي المليء بالأشواك. وفي قراءته لحياة الكاتبة البلغارية روجا لازاروفا التي يدعوها ابنة العصر، يتوقف حبش في البداية عند نقاش طفيف عن النشر الورقي والإلكتروني؛ ممهدا بهذا المدخل للحديث عن لازاروفا التي نشرت روايتها على طرف اللسان على موقع خاص بالنشر الإلكتروني فقط، مكتفية به، ومتنازلة عن النشر الورقي، وسرعان ما سمعت بها الأوساط الأدبية بفضل هذه الرواية الأولى. رواية على طرف اللسان، يرى فيها حبش أنها جزء من السيرة الذاتية للكاتبة، في غربتها الباريسية وصراعها مع اللغة؛ فيصف الرواية بقوله: تأخذنا روجا بحنان قلق، داخل صعوبات اللغة الفرنسية، إلى تلك المناطق الغامضة فيها التي تنبثق فجأة لننظر إليها بشاعرية قليلا، بعيدا عن آلياتها. بعض من تحدثوا عن الرواية قالوا إن الكتاب عبارة عن موسيقى صغيرة لا ننساها أبدا بعد أن نسمعها. الحديث عن الكاتب الإسباني ميجيل ديليبس - الذي غيبه الموت في آذار/مارس 2010 - يبدأه حبش في عودة تاريخية سريعة؛ لعلاقة العرب التاريخية مع إسبانيا والأدب الإسباني، إلا أن هذه المقدمة لا يضعها إلا ليكشف عن ضيق العلاقة الأدبية في العصر الحالي، بحيث لا تعدو معرفتنا بالأدب الإسباني سوى بعض الترجمات الشعرية والروائية. أما ميجيل ديليبس الذي يتوقف حبش عند روايته المجنون - الصادرة عن دار شرقيات في القاهرة- فإنه واحد من أشهر وأكبر روائيي إسبانيا في العصر الحديث، وإذ يقدم حبش سيرة حياته الحافلة بالحزن والألم، وصراعات الكتابة بين كر وفر، فإنه يقدم أيضا لمحات عن رواياته (ثلاثيته: الجرذان- القديسون الأبرياء- والكذب)، وعن مواقفه السياسية خلال الحرب الأهلية في إسبانيا. يصفه بالقول: كانت شهرته تحميه وإن كانت كل رواية من رواياته تتعرض إلى بتر عدة صفحات منها.. وكانت الرقابة أشد على الصحافي الذي فيه منها على الروائي الذي بداخله، إذ منعت تحقيقات قام بها؛ لذلك أعطاها خطًا ثانيًا أي ولد منها كتاب قصص كاستيلا القديمة. إنه أحد الناجين من الهولوكست، بهذه العبارة يبدأ بورتريه الكاتب المجري إيميري كيرتيش. وهذه العبارة كانت بثتها وكالات الأنباء عند حصول كيريتش على جائزة نوبل عام 2002، مكافأة لنتاجه الذي يروي تجربة الفرد الهشة في مواجهة تعسف التاريخ الوحشي، كما رأت الأكاديمية السويدية. لكن حبش يكشف أن حصول هذا الكاتب على جائزة نوبل يمثل احتفاءً باللغة المجرية؛ لأنها المرة الأولى التي ينال فيها كاتب مجري جائزة بهذا الحجم. ويحكي كيريتش في روايته كائن بلا مصير عن المعتقل النازي أوشفيتز، ويقول في حوار أجراه لمجلة ديرشبيغل الألمانية: سيبدو الأمر معيبًا فيما لو كتبنا رواية عن أوشفيتز لا تجرح القارئ. ما أرغب فيه هو جرح هذا القارئ، كل تقنيتي في الكتابة تنحو إلى ذلك. وفي تحليل إسكندر حبش لكتابات كيريتش يرى أنها تحمل رموزا كافكاوية، كما يجد في كتابته بعض التوثيق، ويختم مقالته عنه بالقول: مع إيمري كيريتش كسبت الآداب الأوروبية في القرن العشرين كاتبًا، ما قلة غيره، عرف كيف يهب لجدية الوجود صوتا نافذا. لعله من الجدير بالذكر أن كل مقالة في حيوات ميتافيزيقية: حيوات تاريخية، تحمل تفردها وجمالها الخاص؛ لأنها تقدم للقارئ حياة حقيقية بما فيها من وقائع وأشباح وظلال، تشابكت مع مصير الكاتب أو الكاتبة، وأدت لظهور نص ما إلى الوجود؛ لذا تنطوي القراءة على متعة فكرية في ترحال جغرافي وتاريخي سلس في لغته، وثري في مضمونه، يستخدم تقنية الكتابة الصحفية؛ ليدمجها مع التحليل الأدبي؛ لينتج عن هذا التفاعل كتابة منسجمة مع ذاتها في الطرح والرؤية، بعيدة عن النقد الأكاديمي، لكنها لا تقل عنه في العمق والجوهر. لكن تظل ثمة نقطة أخرى ينبغي الإضاءة عليها في حيوات هؤلاء الكتاب المجموعين بين دفتي الكتاب، وهي أن حياتهم جميعًا متماهية تمامًا مع العنوان بأنها تحمل صفة الميتافيزيقا، وأيضًا صفة تغلغل التاريخي بالسياسي، إذ لم أجد بينهم كاتبًا ظل نائيًا عن عالم السياسة والحروب والمعتقلات، أو أنه لم يكن متجذرا في عالم الأحلام والأوهام الداخلية التي عاش عليها، واستمد منها وحيه وإلهامه. بيد أنه ما ينبغي ملاحظته هنا هو ذائقة حبش في اختيار هؤلاء الكتاب، وتقديم حيواتهم ببراعة مثيرة للكشف عن المشترك فيها، ذاك الذي جمع بينهم على أرض الكتابة، تلك الأرض الخصبة والحرة من أي عقائد أو أيديولوجيات تمنعهم من السفر والعودة بسلام تام. اسكندر حبشتمثل الكتابة عن نصوص معينة - في بعض الحالات- محاولة يقظة للتسلل عبر لغة تحليلية حية إلى عوالم كُتاب آخرين، والقيام بالكشف عما خُفي أو التبس منها، بحيث تبدو تلك الكتابة كما لو أنها إعادة تشكيل تلك الحيوات، وفق جغرافية مبتدعة من رؤية خاصة لنصوص الكاتب وحياته. هكذا تتشكل كتابة مجاورة للكتابة الأولى، أو موازية لها، تسير بمحاذاتها وفق منهج جمالي يستمد خصوصيته من القدرة على قراءة تلك الإبداعات بعين مبصرة تكشف مواطن الإبداع في مغالاتها وهناتها على حد سواء. ولعل هذا ما فعله الشاعر والكاتب الصحفي إسكندر حبش في كتابه حيوات ميتافيزيقية، حين قدم تجربة إبحاره التاريخي في خرائط الرواية الغربية المعاصرة. يخوض الكاتب مغامرة منفردة كان بدأ بها في كتابيه السابقين حكاية الحكايات ومديح اللامرئي؛ حيث خصهما أيضا لكتابة تجربته في قراءة إبداعات روائية لمؤلفين غربيين. وإن كان حبش في هذه الأعمال يستكمل مشروعه الصحفي في كتابة قراءات للرواية أو تقديم بورتريه لكاتب ما، إلا أن وجود هذه النصوص ضمن دفتي كتاب، يكشف للقارئ أيضا الجهد المبذول في اختيار تلك القراءات، والحرص على تضفيرها وإثرائها بمعلومات إضافية. وفي حيوات ميتافيزيقية، نجد نوعين من النصوص يقسمها الكاتب بين بورتريهات، وكتب. وإن كان قسم البورتريهات يطغى على الكتب؛ كما نجد في البورتريهات أربعة وجوه نسائية فقط، مقابل أربعة عشر كاتبا. أما الكاتبات اللواتي اختارهن حبش؛ فهن: دوونغ ثو هيونغ (فيتنام)، ودوريس ليسينغ (إنجلترا)، وروجا لازاروفا (بلغاريا)، وألفريدية لينيك (النمسا). وفي الكتب نجد قراءة في مذكرات واقع لا يحتمل للكاتبة النرويجية آسني سييرستاد، مقابل سبع قراءات لكتاب رجال، يبدأها مع ميلان كونديرا، وينتهي مع الكاتب التركي إليف شفق؛ لذا فعند قراءة حيوات تاريخية لا يمكننا إغفال التنوع الجغرافي الواسع الذي غطى كتابات متنوعة لكتاب من أمريكا اللاتينية، وأوروبا، واليابان، وتركيا، وأفغانستان، والمجر، وإيران. لكن تبدو النقطة الأهم في هذا الكتاب هي ذائقة حبش التي تشبه تيرموميتر حساس للغاية، بحيث لا يتتبع الكُتاب ذائعي الصيت، بل إنه يتجاهل هذا المقياس تماما؛ باحثا عن أسماء ونصوص لا يتم تناولها كثيرا في الصحافة الثقافية العربية؛ بسبب عدم الترجمة؛ لذا يؤدي حبش في هذا الكتاب دور الوسيط بين القارئ وهؤلاء الكتاب الذين لم تتم ترجمة أعمالهم إلى العربية. ومن هنا قد يكتشف القارئ أسماء مبدعين جدد لا يعرفهم، أو لم يتعرف كفاية على إنتاجهم الأدبي؛ ويجد في قسم البورتريهات أو الكتب بوصلة تحرضه على مغامرة الاكتشاف. هذا ما نجده في كتابته عن الأديبة الفيتنامية دوونغ ثو هيونغ، التي تنتمي للأدب الفيتنامي الجديد، وتُعتبر أبرز أصواته، بل وأشهر كاتبة خارج بلادها، وإن كانت هيونغ تكتب باللغة الفيتنامية، فإن حبش يقرأ رواياتها بعد ترجمتها إلى الفرنسية، ويحكي عن الظروف السياسية التي أحاطت بالكاتبة؛ اعتقالها واتهامها بالخيانة، وأيضا إصرارها علي ألا تغادر فيتنام إلى الغربة؛ كي لا تنقطع مع مصادر إلهامها. فيصف كتابة هيونغ قائلا: أدب هيونغ يذكر بأدب الندوب، الذي ازدهر في الصين عقب الثورة الثقافية؛ فبعد المرحلة المثالية والورود التي من غير أشواك التي أفرزتها حرب التحرير، يبدو نظام هانوي في أدب هيونغ كأنه يكشف عن وجهه الحقيقي المليء بالأشواك. وفي قراءته لحياة الكاتبة البلغارية روجا لازاروفا التي يدعوها ابنة العصر، يتوقف حبش في البداية عند نقاش طفيف عن النشر الورقي والإلكتروني؛ ممهدا بهذا المدخل للحديث عن لازاروفا التي نشرت روايتها على طرف اللسان على موقع خاص بالنشر الإلكتروني فقط، مكتفية به، ومتنازلة عن النشر الورقي، وسرعان ما سمعت بها الأوساط الأدبية بفضل هذه الرواية الأولى. رواية على طرف اللسان، يرى فيها حبش أنها جزء من السيرة الذاتية للكاتبة، في غربتها الباريسية وصراعها مع اللغة؛ فيصف الرواية بقوله: تأخذنا روجا بحنان قلق، داخل صعوبات اللغة الفرنسية، إلى تلك المناطق الغامضة فيها التي تنبثق فجأة لننظر إليها بشاعرية قليلا، بعيدا عن آلياتها. بعض من تحدثوا عن الرواية قالوا إن الكتاب عبارة عن موسيقى صغيرة لا ننساها أبدا بعد أن نسمعها. الحديث عن الكاتب الإسباني ميجيل ديليبس - الذي غيبه الموت في آذار/مارس 2010 - يبدأه حبش في عودة تاريخية سريعة؛ لعلاقة العرب التاريخية مع إسبانيا والأدب الإسباني، إلا أن هذه المقدمة لا يضعها إلا ليكشف عن ضيق العلاقة الأدبية في العصر الحالي، بحيث لا تعدو معرفتنا بالأدب الإسباني سوى بعض الترجمات الشعرية والروائية. أما ميجيل ديليبس الذي يتوقف حبش عند روايته المجنون - الصادرة عن دار شرقيات في القاهرة- فإنه واحد من أشهر وأكبر روائيي إسبانيا في العصر الحديث، وإذ يقدم حبش سيرة حياته الحافلة بالحزن والألم، وصراعات الكتابة بين كر وفر، فإنه يقدم أيضا لمحات عن رواياته (ثلاثيته: الجرذان- القديسون الأبرياء- والكذب)، وعن مواقفه السياسية خلال الحرب الأهلية في إسبانيا. يصفه بالقول: كانت شهرته تحميه وإن كانت كل رواية من رواياته تتعرض إلى بتر عدة صفحات منها.. وكانت الرقابة أشد على الصحافي الذي فيه منها على الروائي الذي بداخله، إذ منعت تحقيقات قام بها؛ لذلك أعطاها خطًا ثانيًا أي ولد منها كتاب قصص كاستيلا القديمة. إنه أحد الناجين من الهولوكست، بهذه العبارة يبدأ بورتريه الكاتب المجري إيميري كيرتيش. وهذه العبارة كانت بثتها وكالات الأنباء عند حصول كيريتش على جائزة نوبل عام 2002، مكافأة لنتاجه الذي يروي تجربة الفرد الهشة في مواجهة تعسف التاريخ الوحشي، كما رأت الأكاديمية السويدية. لكن حبش يكشف أن حصول هذا الكاتب على جائزة نوبل يمثل احتفاءً باللغة المجرية؛ لأنها المرة الأولى التي ينال فيها كاتب مجري جائزة بهذا الحجم. ويحكي كيريتش في روايته كائن بلا مصير عن المعتقل النازي أوشفيتز، ويقول في حوار أجراه لمجلة ديرشبيغل الألمانية: سيبدو الأمر معيبًا فيما لو كتبنا رواية عن أوشفيتز لا تجرح القارئ. ما أرغب فيه هو جرح هذا القارئ، كل تقنيتي في الكتابة تنحو إلى ذلك. وفي تحليل إسكندر حبش لكتابات كيريتش يرى أنها تحمل رموزا كافكاوية، كما يجد في كتابته بعض التوثيق، ويختم مقالته عنه بالقول: مع إيمري كيريتش كسبت الآداب الأوروبية في القرن العشرين كاتبًا، ما قلة غيره، عرف كيف يهب لجدية الوجود صوتا نافذا. لعله من الجدير بالذكر أن كل مقالة في حيوات ميتافيزيقية: حيوات تاريخية، تحمل تفردها وجمالها الخاص؛ لأنها تقدم للقارئ حياة حقيقية بما فيها من وقائع وأشباح وظلال، تشابكت مع مصير الكاتب أو الكاتبة، وأدت لظهور نص ما إلى الوجود؛ لذا تنطوي القراءة على متعة فكرية في ترحال جغرافي وتاريخي سلس في لغته، وثري في مضمونه، يستخدم تقنية الكتابة الصحفية؛ ليدمجها مع التحليل الأدبي؛ لينتج عن هذا التفاعل كتابة منسجمة مع ذاتها في الطرح والرؤية، بعيدة عن النقد الأكاديمي، لكنها لا تقل عنه في العمق والجوهر. لكن تظل ثمة نقطة أخرى ينبغي الإضاءة عليها في حيوات هؤلاء الكتاب المجموعين بين دفتي الكتاب، وهي أن حياتهم جميعًا متماهية تمامًا مع العنوان بأنها تحمل صفة الميتافيزيقا، وأيضًا صفة تغلغل التاريخي بالسياسي، إذ لم أجد بينهم كاتبًا ظل نائيًا عن عالم السياسة والحروب والمعتقلات، أو أنه لم يكن متجذرا في عالم الأحلام والأوهام الداخلية التي عاش عليها، واستمد منها وحيه وإلهامه. بيد أنه ما ينبغي ملاحظته هنا هو ذائقة حبش في اختيار هؤلاء الكتاب، وتقديم حيواتهم ببراعة مثيرة للكشف عن المشترك فيها، ذاك الذي جمع بينهم على أرض الكتابة، تلك الأرض الخصبة والحرة من أي عقائد أو أيديولوجيات تمنعهم من السفر والعودة بسلام تام.