تنسيق الجامعات 2025.. 35 ألف طالب يسجلون في تنسيق المرحلة الأولى    لجنة المنشآت في جامعة بنها تتابع معدلات تنفيذ المشروعات الحالية    215 مدرسة بالفيوم تستعد لاستقبال انتخابات مجلس الشيوخ 2025    من الجيزة إلى نجع حمادى ..انقطاع الكهرباء عرض مستمر وحكومة الانقلاب تنفذ تخفيف أحمال عبر محطات مياه الشرب    رئيس الوزراء: مكافحة الاتجار بالبشر ليست مجرد التزام قانوني بل واجب أخلاقي وإنساني    معلومات الوزراء: مصر في المركز 44 عالميًا والثالث عربيا بمؤشر حقوق الطفل    شركة UEG الصينية تعلن استعدادها لتعزيز استثماراتها في مصر    انخفاض أرباح بورشه بنسبة 71% في النصف الأول من 2025    بدء تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع سكن مصر بالقاهرة الجديدة    فيديو.. مراسل القاهرة الإخبارية: قرابة 4 آلاف طن مساعدات مصرية دخلت إلى غزة    نادي الأسير: الإفراج عن قاتل الفلسطيني عودة الهذالين ترسيخ للتوحش الإسرائيلي    الجيش الأردني يعلن إسقاط طائرة مسيّرة حاولت تهريب مواد مخدرة على الواجهة الغربية في المنطقة العسكرية الجنوبية    زيارة تبون لإيطاليا.. اتفاقيات مع روما وانزعاج في باريس    قائد الجيش اللبناني: ماضون بتنفيذ مهامنا في بسط سلطة الدولة وفرض سيطرتها على جميع أراضيها    صلاح يقود تشكيل ليفربول لمواجهة يوكوهاما الودية    رسميا.. بايرن ميونخ يعلن التعاقد مع لويس دياز    مفاجأة.. الزمالك يستهدف التعاقد مع أليو ديانج برعاية ممدوح عباس    خسارة شباب الطائرة أمام بورتريكو في تحديد مراكز بطولة العالم    في حوار خاص ل"الفجر الرياضي".. مكتشف كاظم إبراهيما: شوقي حسم الصفقة ووليد رشحه لريبيرو    بعد أنباء عودته للزمالك.. شوبير يكشف عن تحرك الأهلي تجاه إمام عاشور    ضبط مالك سرك وقائد سيارة بتهمة إلقاء 29 شوال بقايا حيوانات في الشارع بالإسكندرية    طقس الإسكندرية اليوم.. نشاط للرياح وانخفاض تدريجي في الحرارة والعظمى تصل إلى 31 درجة    أمن المنافذ: ضبط 40 قضية أمن عام وتهريب خلال 24 ساعة    إصابة 5 أشخاص فى حادث انقلاب سيارة ميكروباص بكفر الشيخ    برابط التقديم.. إنشاء أول مدرسة تكنولوجية متخصصة بالغردقة (تفاصيل)    بصمة لا تُنسى في كل مشهد.. لطفي لبيب يرحل بعد إرث من التميز    إيرادات فيلم المشروع X تتخطى 140 مليون جنيه في 10 أسابيع عرض    مبيعات فيلم أحمد وأحمد تصل ل402 ألف تذكرة في 4 أسابيع    صفية القبانى: فوز نازلى مدكور وعبد الوهاب عبد المحسن تقدير لمسيرتهم الطويلة    لمسات فنية لريهام عبد الحكيم ونجوم الموسيقي العربية ترتدي قفاز الإجادة بإستاد الأسكندرية    أسعار رمزية وخيارات معرفية متنوعة قِسمٌ مخصّص ل "الكتب المخفّضة" في معرض المدينة    ما حكم كشف وجه الميت لتقبيله وتوديعه.. وهل يصح ذلك بعد التكفين؟.. الإفتاء تجيب    الرعاية الصحية تطلق مشروع رعايتك في بيتك لتقديم خدمة طبية متكاملة داخل المنازل    محافظ أسوان يوجه بسرعة الانتهاء من المبنى الجديد لقسم الغسيل الكلوي في المستشفى    تحرير (145) مخالفة للمحلات التى لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة    ما معنى (ورابطوا) في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا)؟.. عالم أزهري يوضح    علي جمعة يكشف عن حقيقة إيمانية مهمة وكيف نحولها إلى منهج حياة    هل التفاوت بين المساجد في وقت ما بين الأذان والإقامة فيه مخالفة شرعية؟.. أمين الفتوى يجيب    تعليم الفيوم تعلن عن مسابقة لشغل الوظائف القيادية من بين العاملين بها    براتب 550 دينار .. العمل تعلن عن 4 وظائف في الأردن    من هم «بنو معروف» المؤمنون بعودة «الحاكم بأمر الله»؟!    حفل جماهيري حاشد بالشرقية لدعم مرشح حزب الجبهة بالشرقية    «البترول» تعلن السيطرة على حريق سفينة حاويات بمنطقة رأس غارب    تنسيق الجامعات.. تفاصيل الدراسة ببرنامج الهندسة الإنشائية ب"هندسة حلوان"    استراتيجية الفوضى المعلوماتية.. مخطط إخواني لضرب استقرار مصر واستهداف مؤسسات الدولة    نجاح 37 حكمًا و51 مساعدًا في اختبارات اللياقة البدنية    وفري في الميزانية، طريقة عمل الآيس كوفي في البيت زي الكافيهات    ثروت سويلم: لن يتكرر إلغاء الهبوط في الدوري المصري.. وخصم 6 نقاط فوري للمنسحبين    حظك اليوم الأربعاء 30 يوليو وتوقعات الأبراج    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 1447-2026    عبداللطيف حجازي يكتب: الرهان المزدوج.. اتجاهات أردوغان لهندسة المشهد التركي عبر الأكراد والمعارضة    متابعة تطورات حركة جماعة الإخوان الإرهابية مع الإعلامية آلاء شتا.. فيديو    يسمح ب«تقسيط المصروفات».. حكاية معهد السياحة والفنادق بعد قضية تزوير رمضان صبحي    رسميًا.. جدول صرف مرتبات شهر أغسطس 2025 بعد تصريحات وزارة المالية (تفاصيل)    عاجل- ترمب: زوجتي ميلانيا شاهدت الصور المروعة من غزة والوضع هناك قاس ويجب إدخال المساعدات    الدكتورة ميرفت السيد: مستشفيات الأمانة جاهزة لتطبيق التأمين الصحي الشامل فور اعتماد "Gahar"    سعر الفول والسكر والسلع الأساسية بالأسواق اليوم الأربعاء 30 يوليو 2025    السيطرة على حريق هائل بشقة سكنية في المحلة الكبرى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اسكندر حبش، كتابة متوازية عن الألم والمنافي والأحلام
نشر في صوت البلد يوم 31 - 12 - 2016

اسكندر حبشتمثل الكتابة عن نصوص معينة - في بعض الحالات- محاولة يقظة للتسلل عبر لغة تحليلية حية إلى عوالم كُتاب آخرين، والقيام بالكشف عما خُفي أو التبس منها، بحيث تبدو تلك الكتابة كما لو أنها إعادة تشكيل تلك الحيوات، وفق جغرافية مبتدعة من رؤية خاصة لنصوص الكاتب وحياته. هكذا تتشكل كتابة مجاورة للكتابة الأولى، أو موازية لها، تسير بمحاذاتها وفق منهج جمالي يستمد خصوصيته من القدرة على قراءة تلك الإبداعات بعين مبصرة تكشف مواطن الإبداع في مغالاتها وهناتها على حد سواء.
ولعل هذا ما فعله الشاعر والكاتب الصحفي إسكندر حبش في كتابه حيوات ميتافيزيقية، حين قدم تجربة إبحاره التاريخي في خرائط الرواية الغربية المعاصرة. يخوض الكاتب مغامرة منفردة كان بدأ بها في كتابيه السابقين حكاية الحكايات ومديح اللامرئي؛ حيث خصهما أيضا لكتابة تجربته في قراءة إبداعات روائية لمؤلفين غربيين. وإن كان حبش في هذه الأعمال يستكمل مشروعه الصحفي في كتابة قراءات للرواية أو تقديم بورتريه لكاتب ما، إلا أن وجود هذه النصوص ضمن دفتي كتاب، يكشف للقارئ أيضا الجهد المبذول في اختيار تلك القراءات، والحرص على تضفيرها وإثرائها بمعلومات إضافية.
وفي حيوات ميتافيزيقية، نجد نوعين من النصوص يقسمها الكاتب بين بورتريهات، وكتب. وإن كان قسم البورتريهات يطغى على الكتب؛ كما نجد في البورتريهات أربعة وجوه نسائية فقط، مقابل أربعة عشر كاتبا. أما الكاتبات اللواتي اختارهن حبش؛ فهن: دوونغ ثو هيونغ (فيتنام)، ودوريس ليسينغ (إنجلترا)، وروجا لازاروفا (بلغاريا)، وألفريدية لينيك (النمسا). وفي الكتب نجد قراءة في مذكرات واقع لا يحتمل للكاتبة النرويجية آسني سييرستاد، مقابل سبع قراءات لكتاب رجال، يبدأها مع ميلان كونديرا، وينتهي مع الكاتب التركي إليف شفق؛ لذا فعند قراءة حيوات تاريخية لا يمكننا إغفال التنوع الجغرافي الواسع الذي غطى كتابات متنوعة لكتاب من أمريكا اللاتينية، وأوروبا، واليابان، وتركيا، وأفغانستان، والمجر، وإيران. لكن تبدو النقطة الأهم في هذا الكتاب هي ذائقة حبش التي تشبه تيرموميتر حساس للغاية، بحيث لا يتتبع الكُتاب ذائعي الصيت، بل إنه يتجاهل هذا المقياس تماما؛ باحثا عن أسماء ونصوص لا يتم تناولها كثيرا في الصحافة الثقافية العربية؛ بسبب عدم الترجمة؛ لذا يؤدي حبش في هذا الكتاب دور الوسيط بين القارئ وهؤلاء الكتاب الذين لم تتم ترجمة أعمالهم إلى العربية.
ومن هنا قد يكتشف القارئ أسماء مبدعين جدد لا يعرفهم، أو لم يتعرف كفاية على إنتاجهم الأدبي؛ ويجد في قسم البورتريهات أو الكتب بوصلة تحرضه على مغامرة الاكتشاف.
هذا ما نجده في كتابته عن الأديبة الفيتنامية دوونغ ثو هيونغ، التي تنتمي للأدب الفيتنامي الجديد، وتُعتبر أبرز أصواته، بل وأشهر كاتبة خارج بلادها، وإن كانت هيونغ تكتب باللغة الفيتنامية، فإن حبش يقرأ رواياتها بعد ترجمتها إلى الفرنسية، ويحكي عن الظروف السياسية التي أحاطت بالكاتبة؛ اعتقالها واتهامها بالخيانة، وأيضا إصرارها علي ألا تغادر فيتنام إلى الغربة؛ كي لا تنقطع مع مصادر إلهامها. فيصف كتابة هيونغ قائلا: أدب هيونغ يذكر بأدب الندوب، الذي ازدهر في الصين عقب الثورة الثقافية؛ فبعد المرحلة المثالية والورود التي من غير أشواك التي أفرزتها حرب التحرير، يبدو نظام هانوي في أدب هيونغ كأنه يكشف عن وجهه الحقيقي المليء بالأشواك.
وفي قراءته لحياة الكاتبة البلغارية روجا لازاروفا التي يدعوها ابنة العصر، يتوقف حبش في البداية عند نقاش طفيف عن النشر الورقي والإلكتروني؛ ممهدا بهذا المدخل للحديث عن لازاروفا التي نشرت روايتها على طرف اللسان على موقع خاص بالنشر الإلكتروني فقط، مكتفية به، ومتنازلة عن النشر الورقي، وسرعان ما سمعت بها الأوساط الأدبية بفضل هذه الرواية الأولى.
رواية على طرف اللسان، يرى فيها حبش أنها جزء من السيرة الذاتية للكاتبة، في غربتها الباريسية وصراعها مع اللغة؛ فيصف الرواية بقوله: تأخذنا روجا بحنان قلق، داخل صعوبات اللغة الفرنسية، إلى تلك المناطق الغامضة فيها التي تنبثق فجأة لننظر إليها بشاعرية قليلا، بعيدا عن آلياتها. بعض من تحدثوا عن الرواية قالوا إن الكتاب عبارة عن موسيقى صغيرة لا ننساها أبدا بعد أن نسمعها.
الحديث عن الكاتب الإسباني ميجيل ديليبس - الذي غيبه الموت في آذار/مارس 2010 - يبدأه حبش في عودة تاريخية سريعة؛ لعلاقة العرب التاريخية مع إسبانيا والأدب الإسباني، إلا أن هذه المقدمة لا يضعها إلا ليكشف عن ضيق العلاقة الأدبية في العصر الحالي، بحيث لا تعدو معرفتنا بالأدب الإسباني سوى بعض الترجمات الشعرية والروائية. أما ميجيل ديليبس الذي يتوقف حبش عند روايته المجنون - الصادرة عن دار شرقيات في القاهرة- فإنه واحد من أشهر وأكبر روائيي إسبانيا في العصر الحديث، وإذ يقدم حبش سيرة حياته الحافلة بالحزن والألم، وصراعات الكتابة بين كر وفر، فإنه يقدم أيضا لمحات عن رواياته (ثلاثيته: الجرذان- القديسون الأبرياء- والكذب)، وعن مواقفه السياسية خلال الحرب الأهلية في إسبانيا. يصفه بالقول: كانت شهرته تحميه وإن كانت كل رواية من رواياته تتعرض إلى بتر عدة صفحات منها.. وكانت الرقابة أشد على الصحافي الذي فيه منها على الروائي الذي بداخله، إذ منعت تحقيقات قام بها؛ لذلك أعطاها خطًا ثانيًا أي ولد منها كتاب قصص كاستيلا القديمة.
إنه أحد الناجين من الهولوكست، بهذه العبارة يبدأ بورتريه الكاتب المجري إيميري كيرتيش. وهذه العبارة كانت بثتها وكالات الأنباء عند حصول كيريتش على جائزة نوبل عام 2002، مكافأة لنتاجه الذي يروي تجربة الفرد الهشة في مواجهة تعسف التاريخ الوحشي، كما رأت الأكاديمية السويدية. لكن حبش يكشف أن حصول هذا الكاتب على جائزة نوبل يمثل احتفاءً باللغة المجرية؛ لأنها المرة الأولى التي ينال فيها كاتب مجري جائزة بهذا الحجم. ويحكي كيريتش في روايته كائن بلا مصير عن المعتقل النازي أوشفيتز، ويقول في حوار أجراه لمجلة ديرشبيغل الألمانية: سيبدو الأمر معيبًا فيما لو كتبنا رواية عن أوشفيتز لا تجرح القارئ. ما أرغب فيه هو جرح هذا القارئ، كل تقنيتي في الكتابة تنحو إلى ذلك.
وفي تحليل إسكندر حبش لكتابات كيريتش يرى أنها تحمل رموزا كافكاوية، كما يجد في كتابته بعض التوثيق، ويختم مقالته عنه بالقول: مع إيمري كيريتش كسبت الآداب الأوروبية في القرن العشرين كاتبًا، ما قلة غيره، عرف كيف يهب لجدية الوجود صوتا نافذا.
لعله من الجدير بالذكر أن كل مقالة في حيوات ميتافيزيقية: حيوات تاريخية، تحمل تفردها وجمالها الخاص؛ لأنها تقدم للقارئ حياة حقيقية بما فيها من وقائع وأشباح وظلال، تشابكت مع مصير الكاتب أو الكاتبة، وأدت لظهور نص ما إلى الوجود؛ لذا تنطوي القراءة على متعة فكرية في ترحال جغرافي وتاريخي سلس في لغته، وثري في مضمونه، يستخدم تقنية الكتابة الصحفية؛ ليدمجها مع التحليل الأدبي؛ لينتج عن هذا التفاعل كتابة منسجمة مع ذاتها في الطرح والرؤية، بعيدة عن النقد الأكاديمي، لكنها لا تقل عنه في العمق والجوهر. لكن تظل ثمة نقطة أخرى ينبغي الإضاءة عليها في حيوات هؤلاء الكتاب المجموعين بين دفتي الكتاب، وهي أن حياتهم جميعًا متماهية تمامًا مع العنوان بأنها تحمل صفة الميتافيزيقا، وأيضًا صفة تغلغل التاريخي بالسياسي، إذ لم أجد بينهم كاتبًا ظل نائيًا عن عالم السياسة والحروب والمعتقلات، أو أنه لم يكن متجذرا في عالم الأحلام والأوهام الداخلية التي عاش عليها، واستمد منها وحيه وإلهامه. بيد أنه ما ينبغي ملاحظته هنا هو ذائقة حبش في اختيار هؤلاء الكتاب، وتقديم حيواتهم ببراعة مثيرة للكشف عن المشترك فيها، ذاك الذي جمع بينهم على أرض الكتابة، تلك الأرض الخصبة والحرة من أي عقائد أو أيديولوجيات تمنعهم من السفر والعودة بسلام تام.
اسكندر حبشتمثل الكتابة عن نصوص معينة - في بعض الحالات- محاولة يقظة للتسلل عبر لغة تحليلية حية إلى عوالم كُتاب آخرين، والقيام بالكشف عما خُفي أو التبس منها، بحيث تبدو تلك الكتابة كما لو أنها إعادة تشكيل تلك الحيوات، وفق جغرافية مبتدعة من رؤية خاصة لنصوص الكاتب وحياته. هكذا تتشكل كتابة مجاورة للكتابة الأولى، أو موازية لها، تسير بمحاذاتها وفق منهج جمالي يستمد خصوصيته من القدرة على قراءة تلك الإبداعات بعين مبصرة تكشف مواطن الإبداع في مغالاتها وهناتها على حد سواء.
ولعل هذا ما فعله الشاعر والكاتب الصحفي إسكندر حبش في كتابه حيوات ميتافيزيقية، حين قدم تجربة إبحاره التاريخي في خرائط الرواية الغربية المعاصرة. يخوض الكاتب مغامرة منفردة كان بدأ بها في كتابيه السابقين حكاية الحكايات ومديح اللامرئي؛ حيث خصهما أيضا لكتابة تجربته في قراءة إبداعات روائية لمؤلفين غربيين. وإن كان حبش في هذه الأعمال يستكمل مشروعه الصحفي في كتابة قراءات للرواية أو تقديم بورتريه لكاتب ما، إلا أن وجود هذه النصوص ضمن دفتي كتاب، يكشف للقارئ أيضا الجهد المبذول في اختيار تلك القراءات، والحرص على تضفيرها وإثرائها بمعلومات إضافية.
وفي حيوات ميتافيزيقية، نجد نوعين من النصوص يقسمها الكاتب بين بورتريهات، وكتب. وإن كان قسم البورتريهات يطغى على الكتب؛ كما نجد في البورتريهات أربعة وجوه نسائية فقط، مقابل أربعة عشر كاتبا. أما الكاتبات اللواتي اختارهن حبش؛ فهن: دوونغ ثو هيونغ (فيتنام)، ودوريس ليسينغ (إنجلترا)، وروجا لازاروفا (بلغاريا)، وألفريدية لينيك (النمسا). وفي الكتب نجد قراءة في مذكرات واقع لا يحتمل للكاتبة النرويجية آسني سييرستاد، مقابل سبع قراءات لكتاب رجال، يبدأها مع ميلان كونديرا، وينتهي مع الكاتب التركي إليف شفق؛ لذا فعند قراءة حيوات تاريخية لا يمكننا إغفال التنوع الجغرافي الواسع الذي غطى كتابات متنوعة لكتاب من أمريكا اللاتينية، وأوروبا، واليابان، وتركيا، وأفغانستان، والمجر، وإيران. لكن تبدو النقطة الأهم في هذا الكتاب هي ذائقة حبش التي تشبه تيرموميتر حساس للغاية، بحيث لا يتتبع الكُتاب ذائعي الصيت، بل إنه يتجاهل هذا المقياس تماما؛ باحثا عن أسماء ونصوص لا يتم تناولها كثيرا في الصحافة الثقافية العربية؛ بسبب عدم الترجمة؛ لذا يؤدي حبش في هذا الكتاب دور الوسيط بين القارئ وهؤلاء الكتاب الذين لم تتم ترجمة أعمالهم إلى العربية.
ومن هنا قد يكتشف القارئ أسماء مبدعين جدد لا يعرفهم، أو لم يتعرف كفاية على إنتاجهم الأدبي؛ ويجد في قسم البورتريهات أو الكتب بوصلة تحرضه على مغامرة الاكتشاف.
هذا ما نجده في كتابته عن الأديبة الفيتنامية دوونغ ثو هيونغ، التي تنتمي للأدب الفيتنامي الجديد، وتُعتبر أبرز أصواته، بل وأشهر كاتبة خارج بلادها، وإن كانت هيونغ تكتب باللغة الفيتنامية، فإن حبش يقرأ رواياتها بعد ترجمتها إلى الفرنسية، ويحكي عن الظروف السياسية التي أحاطت بالكاتبة؛ اعتقالها واتهامها بالخيانة، وأيضا إصرارها علي ألا تغادر فيتنام إلى الغربة؛ كي لا تنقطع مع مصادر إلهامها. فيصف كتابة هيونغ قائلا: أدب هيونغ يذكر بأدب الندوب، الذي ازدهر في الصين عقب الثورة الثقافية؛ فبعد المرحلة المثالية والورود التي من غير أشواك التي أفرزتها حرب التحرير، يبدو نظام هانوي في أدب هيونغ كأنه يكشف عن وجهه الحقيقي المليء بالأشواك.
وفي قراءته لحياة الكاتبة البلغارية روجا لازاروفا التي يدعوها ابنة العصر، يتوقف حبش في البداية عند نقاش طفيف عن النشر الورقي والإلكتروني؛ ممهدا بهذا المدخل للحديث عن لازاروفا التي نشرت روايتها على طرف اللسان على موقع خاص بالنشر الإلكتروني فقط، مكتفية به، ومتنازلة عن النشر الورقي، وسرعان ما سمعت بها الأوساط الأدبية بفضل هذه الرواية الأولى.
رواية على طرف اللسان، يرى فيها حبش أنها جزء من السيرة الذاتية للكاتبة، في غربتها الباريسية وصراعها مع اللغة؛ فيصف الرواية بقوله: تأخذنا روجا بحنان قلق، داخل صعوبات اللغة الفرنسية، إلى تلك المناطق الغامضة فيها التي تنبثق فجأة لننظر إليها بشاعرية قليلا، بعيدا عن آلياتها. بعض من تحدثوا عن الرواية قالوا إن الكتاب عبارة عن موسيقى صغيرة لا ننساها أبدا بعد أن نسمعها.
الحديث عن الكاتب الإسباني ميجيل ديليبس - الذي غيبه الموت في آذار/مارس 2010 - يبدأه حبش في عودة تاريخية سريعة؛ لعلاقة العرب التاريخية مع إسبانيا والأدب الإسباني، إلا أن هذه المقدمة لا يضعها إلا ليكشف عن ضيق العلاقة الأدبية في العصر الحالي، بحيث لا تعدو معرفتنا بالأدب الإسباني سوى بعض الترجمات الشعرية والروائية. أما ميجيل ديليبس الذي يتوقف حبش عند روايته المجنون - الصادرة عن دار شرقيات في القاهرة- فإنه واحد من أشهر وأكبر روائيي إسبانيا في العصر الحديث، وإذ يقدم حبش سيرة حياته الحافلة بالحزن والألم، وصراعات الكتابة بين كر وفر، فإنه يقدم أيضا لمحات عن رواياته (ثلاثيته: الجرذان- القديسون الأبرياء- والكذب)، وعن مواقفه السياسية خلال الحرب الأهلية في إسبانيا. يصفه بالقول: كانت شهرته تحميه وإن كانت كل رواية من رواياته تتعرض إلى بتر عدة صفحات منها.. وكانت الرقابة أشد على الصحافي الذي فيه منها على الروائي الذي بداخله، إذ منعت تحقيقات قام بها؛ لذلك أعطاها خطًا ثانيًا أي ولد منها كتاب قصص كاستيلا القديمة.
إنه أحد الناجين من الهولوكست، بهذه العبارة يبدأ بورتريه الكاتب المجري إيميري كيرتيش. وهذه العبارة كانت بثتها وكالات الأنباء عند حصول كيريتش على جائزة نوبل عام 2002، مكافأة لنتاجه الذي يروي تجربة الفرد الهشة في مواجهة تعسف التاريخ الوحشي، كما رأت الأكاديمية السويدية. لكن حبش يكشف أن حصول هذا الكاتب على جائزة نوبل يمثل احتفاءً باللغة المجرية؛ لأنها المرة الأولى التي ينال فيها كاتب مجري جائزة بهذا الحجم. ويحكي كيريتش في روايته كائن بلا مصير عن المعتقل النازي أوشفيتز، ويقول في حوار أجراه لمجلة ديرشبيغل الألمانية: سيبدو الأمر معيبًا فيما لو كتبنا رواية عن أوشفيتز لا تجرح القارئ. ما أرغب فيه هو جرح هذا القارئ، كل تقنيتي في الكتابة تنحو إلى ذلك.
وفي تحليل إسكندر حبش لكتابات كيريتش يرى أنها تحمل رموزا كافكاوية، كما يجد في كتابته بعض التوثيق، ويختم مقالته عنه بالقول: مع إيمري كيريتش كسبت الآداب الأوروبية في القرن العشرين كاتبًا، ما قلة غيره، عرف كيف يهب لجدية الوجود صوتا نافذا.
لعله من الجدير بالذكر أن كل مقالة في حيوات ميتافيزيقية: حيوات تاريخية، تحمل تفردها وجمالها الخاص؛ لأنها تقدم للقارئ حياة حقيقية بما فيها من وقائع وأشباح وظلال، تشابكت مع مصير الكاتب أو الكاتبة، وأدت لظهور نص ما إلى الوجود؛ لذا تنطوي القراءة على متعة فكرية في ترحال جغرافي وتاريخي سلس في لغته، وثري في مضمونه، يستخدم تقنية الكتابة الصحفية؛ ليدمجها مع التحليل الأدبي؛ لينتج عن هذا التفاعل كتابة منسجمة مع ذاتها في الطرح والرؤية، بعيدة عن النقد الأكاديمي، لكنها لا تقل عنه في العمق والجوهر. لكن تظل ثمة نقطة أخرى ينبغي الإضاءة عليها في حيوات هؤلاء الكتاب المجموعين بين دفتي الكتاب، وهي أن حياتهم جميعًا متماهية تمامًا مع العنوان بأنها تحمل صفة الميتافيزيقا، وأيضًا صفة تغلغل التاريخي بالسياسي، إذ لم أجد بينهم كاتبًا ظل نائيًا عن عالم السياسة والحروب والمعتقلات، أو أنه لم يكن متجذرا في عالم الأحلام والأوهام الداخلية التي عاش عليها، واستمد منها وحيه وإلهامه. بيد أنه ما ينبغي ملاحظته هنا هو ذائقة حبش في اختيار هؤلاء الكتاب، وتقديم حيواتهم ببراعة مثيرة للكشف عن المشترك فيها، ذاك الذي جمع بينهم على أرض الكتابة، تلك الأرض الخصبة والحرة من أي عقائد أو أيديولوجيات تمنعهم من السفر والعودة بسلام تام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.