مذكرة تفاهم بين جامعتي الأزهر ومطروح تتضمن التعاون العلمي والأكاديمي وتبادل الخبرات    إزالة مزرعة سمكية مخالفة بالشرقية    منظمة الصحة العالمية: أكثر من 15 ألف شخص في غزة بحاجة لإجلاء طبي    وزير الصحة الفلسطيني: فقدنا 1500 كادر طبي.. وأطباء غزة يعالجون المرضى وهم يعانون من الجوع والإرهاق    مانشستر سيتي يسقط في عقر داره أمام توتنهام    ضبط المتهمين بالاتجار بالمخدرات وارتكاب أعمال البلطجة بالبساتين    الإتجار في السموم وحيازة خرطوش.. جنايات شبرا تقضي بسجن متهمين 6 سنوات    نادين خان تبدأ تصوير مسلسل "بنج كلي" بطولة سلمى أبو ضيف ودياب    الصحة تقدم 314 ألف خدمة طبية مجانية عبر 143 قافلة بجميع المحافظات خلال يوليو    مصر القومي: الاعتداء على السفارات المصرية امتداد لمخططات الإخوان لتشويه صورة الدولة    قيادي بمستقبل وطن: تحركات الإخوان ضد السفارات المصرية محاولة بائسة ومشبوهة    إسلام جابر: لم أتوقع انتقال إمام عاشور للأهلي.. ولا أعرف موقف مصطفى محمد من الانتقال إليه    إسلام جابر: تجربة الزمالك الأفضل في مسيرتي.. ولست نادما على عدم الانتقال للأهلي    إزالة لمزرعة سمكية مخالفة بجوار "محور 30" على مساحة 10 أفدنة بمركز الحسينية    تفعيل البريد الموحد لموجهي اللغة العربية والدراسات الاجتماعية بالفيوم    استقالات جماعية للأطباء ووفيات وهجرة الكفاءات..المنظومة الصحية تنهار فى زمن العصابة    إطلاق نار على الحدود بين كوريا الشمالية وجارتها الجنوبية    صور.. 771 مستفيدًا من قافلة جامعة القاهرة في الحوامدية    منال عوض تناقش استعدادات استضافة مؤتمر الأطراف ال24 لحماية بيئة البحر الأبيض المتوسط من التلوث    حبس فيتو!    الموت يغيب عميد القضاء العرفي الشيخ يحيى الغول الشهير ب "حكيم سيناء" بعد صراع مع المرض    50 ألف مشجع لمباراة مصر وإثيوبيا في تصفيات كأس العالم    "قصص متفوتكش".. رسالة غامضة من زوجة النني الأولى.. ومقاضاة مدرب الأهلي السابق بسبب العمولات    ماذا ينتظر كهربا حال إتمام انتقاله لصفوف القادسية الكويتي؟    وزير العمل يتفقد وحدتي تدريب متنقلتين قبل تشغيلهما غدا بالغربية    «المركزي لمتبقيات المبيدات» ينظم ورشة عمل لمنتجي ومصدري الطماطم بالشرقية    وزارة النقل تناشد المواطنين عدم اقتحام المزلقانات أو السير عكس الاتجاه أثناء غلقها    «لازم إشارات وتحاليل للسائقين».. تامر حسني يناشد المسؤولين بعد حادث طريق الضبعة    مصر ترحب بخارطة الطريق الأممية لتسوية الأزمة الليبية    وفاة سهير مجدي .. وفيفي عبده تنعيها    مؤسسة فاروق حسني تطلق الدورة ال7 لجوائز الفنون لعام 2026    قلق داخلي بشأن صديق بعيد.. برج الجدي اليوم 23 أغسطس    غدا.. قصور الثقافة تطلق ملتقى دهب العربي الأول للرسم والتصوير بمشاركة 20 فنانا    تم تصويره بالأهرامات.. قصة فيلم Fountain of Youth بعد ترشحه لجوائز LMGI 2025    تكريم الفنانة شيرين في مهرجان الإسكندرية السينمائي بدورته ال41    موعد إجازة المولد النبوي 2025.. أجندة الإجازات الرسمية المتبقية للموظفين    كيف تكون مستجابا للدعاء؟.. واعظة بالأزهر توضح    وزير الدفاع الأمريكي يجيز ل2000 من الحرس الوطني حمل السلاح.. ما الهدف؟    وزير خارجية باكستان يبدأ زيارة إلى بنجلاديش    رئيس «الرعاية الصحية»: تقديم أكثر من 2.5 مليون خدمة طبية بمستشفيات الهيئة في جنوب سيناء    الصحة: حملة «100 يوم صحة» قدّمت 59 مليون خدمة طبية مجانية خلال 38 يوما    فحص وصرف العلاج ل247 مواطنا ضمن قافلة بقرية البرث في شمال سيناء    نور القلوب يضىء المنصورة.. 4 من ذوى البصيرة يبدعون فى مسابقة دولة التلاوة    ضبط وتحرير 18 محضرا فى حملة إشغالات بمركز البلينا فى سوهاج    8 وفيات نتيجة المجاعة وسوء التغذية في قطاع غزة خلال ال24 ساعة الماضية    محاضرة فنية وتدريبات خططية في مران الأهلي استعدادًا للمحلة    محافظ أسوان يتابع معدلات الإنجاز بمشروع محطة النصراب بإدفو    طقس الإمارات اليوم.. غيوم جزئية ورياح مثيرة للغبار على هذه المناطق    مصر تستضيف النسخة الأولى من قمة ومعرض "عالم الذكاء الاصطناعي" فبراير المقبل    تحرير 125 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    الأوقاف: «صحح مفاهيمك» تتوسع إلى مراكز الشباب وقصور الثقافة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 23-8-2025 في محافظة قنا    إعلام فلسطينى: مصابون من منتظرى المساعدات شمال رفح الفلسطينية    حسن الخاتمة.. وفاة معتمر أقصري أثناء أدائه مناسك الحج    تنسيق الجامعات 2025| مواعيد فتح موقع التنسيق لطلاب الشهادات المعادلة    كأس السوبر السعودي.. هونج كونج ترغب في استضافة النسخة المقبلة    «مياه الأقصر» تسيطر على بقعة زيت فى مياه النيل دون تأثر المواطنين أو إنقطاع الخدمة    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



باحثة ومترجمة مصرية تقدم أول ترجمة ودراسة لديوان الغوث الأعظم للجيلاني
نشر في صوت البلد يوم 22 - 11 - 2016

الشيخ عبدالقادر الجيلاني، الإمام الصوفي والفقيه الحنبلي، الذي يوصف ب "سلطان الأولياء"، و"تاج العارفين" و"محيي الدين" و"شيخ الشيوخ". إليه تنتسب الطريقة القادرية الصوفية، هو أبو صالح السيد محي الدين عبد القادر الجيلاني، ولد في جيلان ويقال لها أيضاً كيلان سنة 470 ه الموافق 1077 وهي تقع في شمال إيران حالياً على ضفاف بحر قزوين، ونشأ في أسرة صالحة، فقد كان والده أبو صالح موسى على جانب كبير من الزهد وكان شعاره مجاهدة النفس وتزكيتها بالأعمال الصالحة ولذا كان لقبه "محب الجهاد".
صنف الشيخ عبدالقادر الجيلاني مصنفات كثيرة في الأصول والفروع وفي أهل الأحوال والحقائق والتصوف، منها ما هو مطبوع ومنها مخطوط ومنها مصور، قال عنه الإمام النووي "ما علمنا فيما بلغنا من التفات الناقلين وكرامات الأولياء أكثر مما وصل إلينا من كرامات القطب شيخ بغداد محيي الدين عبدالقادر الجيلاني رضي الله عنه, كان شيخ السادة الشافعية والسادة الحنابلة ببغداد وانتهت إليه رياسة العلم في وقته, وتخرج بصحبته غير واحد من الأكابر وانتهى إليه أكثر أعيان مشايخ العراق وتتلمذ له خلق لا يحصون عدداً من أرباب المقامات الرفيعة, وانعقد علية إجماع المشايخ والعلماء بالتبجيل والإعظام, والرجوع إلى قولة والمصير إلى حكمه, وأُهرع إليه أهل السلوك (التصوف) من كل فج عميق.
وكان جميل الصفات شريف الأخلاق كامل الأدب والمروءة كثير التواضع دائم البشر وافر العلم والعقل شديد الاقتفاء لكلام الشرع وأحكامه معظما لأهل العلم مُكرِّماً لأرباب الدين والسنة, مبغضاً لأهل البدع والأهواء محبا لمريدي الحق مع دوام المجاهد ولزوم المراقبة إلى الموت.
وكان له كلام عال في علوم المعارف شديد الغضب إذا انتهكت محارم الله سبحانه وتعالى سخي الكف كريم النفس على أجمل طريقة. وبالجملة لم يكن في زمنه مثله رضي الله عنه.
وقد استمر الشيخ عبدالقادر مثابرا في دعوته إلى الله تعالى وجهاده في سبيله، حتى وافاه الأجل ليلة السبت 10 ربيع الثاني سنة 561 ه، فرغ من تجهيزه ليلا وصلي عليه ولده عبدالوهاب في جماعة من حضر من أولاده وأصحابه، ثم دفن في رواق مدرسته، ولم يفتح باب المدرسة حتى علا النهار وأهرع الناس للصلاة على قبره وزيارته وكان يوما مشهودا، وبلغ تسعين سنة من عمره.
وفي إضافة للمكتبة العربية بشكل عام، والمكتبة الصوفية بشكل خاص، أصدرت دار "آفاق للنشر والتوزيع" ترجمة بالعربية لديوان "الغوث الأعظم" للشيخ عبدالقادر الجيلاني، قامت بها المترجمة د. منال اليمني عبدالعزيز الأستاذ المساعد بقسم اللغات الشرقيه وآدابها جامعة عين شمس التي قدمت للديوان ودرسته، وهذه الترجمة تعد الأولى باللغة العربية التي تصدر عن الديوان الفارسي الأصل، وتتميز بأنها تضم دراسة وتعليق هي الأولى أيضا لمحتوى الديوان.
يحمل الديوان بين دفتيه مجموعة من الأشعار الفارسية التي نظمها الشيخ، والتي يعبر فيها عن تجربته الروحية في العشق الإلهي، ومن خلال هذا الديوان يتعرف القارئ على ملامح تجربة "الجيلاني" الروحية، ومذهبه الصوفي، وسمات تجربته الشعرية الفريدة،
في مقدمتها تروي د. منال أن سائلا سأل رجلاً: ممن أنت؟ فقال: من قوم إذا عشقوا ماتوا. وكان الرجل من قبيلة بني عذرة إحدى قبائل قضاعة، التي كانت تسكن وادي القري شمالي الحجاز. وكان عشاق هذه القبيلة يتحلون بالطهر والعفة في عشقهم؛ لذا فقد انتسب إليها كل عشق نقي طاهر، وسمي بالعشق العذري.
وتقول "إذا كان هذا هو حال عشاق بني عذرة في عشقهم الإنساني، فما بالنا بعشاق الذات الإلهية إذا عشقوا هل سيموتون؟ الواقع أن إجابة هذا السؤال سوف نجدها في أشعارهم التي عبروا فيها عن محبتهم وعشقهم للذات الإلهية، خاصة ما نظموه في قالب الغزل، لأنه القالب الأمثل لنظم أشعار العشق والمحبة. والغزل من أقدم الفنون الشعرية، وأكثرها شيوعًا وانتشارًا، لارتباطه بالمحبة والعشق، وتعبيره عن مشاعر وأحاسيس عاشها الناس كلهم في كل زمان ومكان".
وتضيف "يعد الشعراء الصوفية أشهر شعراء الغزل، وأكثرهم اهتمامًا بهذا الفن، فقد نظموا فيه آلاف الأبيات من الشعر، وخصصوا له أقسامًا كبيرة من دواوينهم أو دواوينهم كلها، ومنها ديوان الشيخ عبدالقادر الجيلاني عام 561 ه ، فهو من أكثر الشخصيات الصوفية التي حظيت باهتمام الباحثين، فما من مؤرخ تناول عصره إلا وأورد عنه خبراً قد يطول أو يقصر، وكذلك كتبت عنه ترجمات كثيرة، أحصي منها الدكتور يوسف زيدان ثماني وعشرين ترجمة. ومع كل هذا الاهتمام الذي أولاه الباحثون والمؤرخون للشيخ عبدالقادر ومؤلفاته، إلا أن ديوانه الشعري الفارسي (الغوث الأعظم) لم يحظ بالترجمة أو الدراسة، سوى شرح له باللغة الأردية، أعده محمد علي چراغ، ونشره نذير سنذر پيلشرز، اردو بازار، لاهور، وهو غير متوفر".
وقد أكدت د. منال أنها آثرت ترجمة ديوان الشيخ عبدالقادر الجيلاني إليى العربية ودراسته؛ لأن الشيخ عبدالقادر نفسه أشاد بأشعار هذا الديوان، وعدها كلامًا عذبًا يؤثر في الأرواح ويجعلها تذوب حرقة، وقال: "كما عدها التذكار الذي سوف يبقي عنه، ويخلد ذكره حتي يوم القيامة"، وقال أيضاً: "سوف ينشد الخلق هذه الأبيات يا محيي حتي يوم القيامة ويجيء العالم ويذهبون، وتبقي هي".
وإضافة إلي ما قاله الشيخ عبدالقادر عن ديوانه "الغوث الأعظم"، فإنه يمكن من خلاله تعرف سمات أسلوب الشيخ الشعري الفارسي، وملامح تجربته الروحية، وأسس مذهبه الصوفي، وتعد هذه أول دراسة بالعربية متعلقة بهذا الديوان، وأول ترجمة لأشعاره".
عمدت د. منال في دراستها إلى المناهج: التاريخي والوصفي والأسلوبي والإحصائي مع الإفادة من المناهج الأخرى كلما اقتضت الضرورة.
والدراسة تتكون من جزئين، الجزء الأول يشتمل على مقدمة وتمهيد وقسمين وخاتمة، أما التمهيد فيعرف بالشيخ عبدالقادر الجيلاني، والقسم الأول يتناول الديوان من حيث الشكل، ويشتمل على ثلاثة مباحث: المبحث الأول يعرف بالديوان وسمات أسلوبه الإيقاعية والتصويرية والصرفية، والمبحث الثاني: يتضمن السمات المتعلقة بالألفاظ والتراكيب والرديف، أما المبحث الثالث فيتعلق بالتناص والرمز في الديوان.
والقسم الثاني يتناول الديوان من حيث المضمون ويتكون من ثلاثة مباحث المبحث الأول يعرف بالمقامات والأحوال والآداب والرسوم الصوفية الواردة في الديوان، والمبحث الثاني يختص بالأفكار والمفاهيم الصوفية، والمبحث الثالث: يشرح مذهب الشيخ عبدالقادر الصوفي كما يبدو في ديوانه وتعقبه الخاتمة، وتشتمل على أهم النتائج توصلت إليها الدراسة، أما الجزء الثاني فيتضمن ترجمة ترجمة الديوان إلى العربية.
ورأت د. منال أن الشيخ عبدالقادر عد العشق مقاما من المقامات الصوفية التي ينبغي على السالك أن يطويها، لأن العبد فطر على محبة الرب، والعشق عنده هو المرشد الذي يرشد السالك ويصل به إلى الغابة من السلوك، والمعشوق هو الذات الإلهية، وعشق العاشق للحق عشق أزلي أبدي، وهو السبيل إلى سعادة الروح والجسد والقلب ومشاهدة جمال الحق تعالى.
وقالت "وصف الشيخ عبدالقادر المعشوق بشدة الجمال، وبالعزة والكبرياء. ونعته أيضا بالقسوة وسفك الدماء وانعدام الوفاء ونقض العهد، وربما كان هذا بسبب شدة معاناته في عشقه أو لأن هذه السمات كانت هي سمات المعشوق الرائجة في عصره.
وقد نعت الشيخ عبدالقادر العاشق بأنه مسلوب الإرادة وضعيف وعاجز، يكابد الألم والحزن في عشقه، ويحتمل ما لا يطيق، ويضيق لشدة ما يعاني، ويصيبه اليأس والاحباط، فيتمنى الخلاص من الحياة، وقد ينوح ويشكو، فيفقد صوابه من كثرة أنينه، ثم يعود إلى رشده ليئن من جديد، ويعتقد أن أحدا في الدنيا لم يتألم ألمه أو يعاني معاناته في عشقه.
وحث الشيخ عبدالقادر السالك على التوبة لأنها تكفر الذنوب والآثام، ودعاه إلى الصبر على المحبوب حتى وإن صبر حتى يوم القيامة ونصح بالاعتدال في الخوف والرجاء".
ومن أجواء الديوان قوله:
"فلتسعد قلوب الناس باللهو والطرب،
أما أنا فتعودت على المحنة ويلزمني الألم والبلاء".
***
"كان الشمع يشبهني في الحرقة والانصهار
لو كان يملك قلبًا مكتويا وعينا غزيرة الدمع" .
***
"أقضي الليل في التفكير فيك،
وحين يطلع النهار يؤرقني التفكير في أنين الليالي الحالكة".
***
"سوف أقود الجند، وأمضى إلى الفلك
وأستولي على قلعة الملائكة وأمضي بعدها
أنا ملك مقبل، لكنني محارب فحسب في هذا المنزل
وسأنضم إلى الجند بكل شجاعة
هذه الدعوة كانت تصلني من العلا في كل لحظة
فأتخلص من هذا البلاء وأمضي إلى المحبوب
لو يسحبني شيخ الحانة من شعري قائلا:
أين أنت أيها العبد؟ تعال. أذهب إلى الملك على رأسي
قبلة حاجات القلب، محلتنا الخربة
فلتذهب يا محيي إلى ذلك الباب عند مناجاة القلب".
الشيخ عبدالقادر الجيلاني، الإمام الصوفي والفقيه الحنبلي، الذي يوصف ب "سلطان الأولياء"، و"تاج العارفين" و"محيي الدين" و"شيخ الشيوخ". إليه تنتسب الطريقة القادرية الصوفية، هو أبو صالح السيد محي الدين عبد القادر الجيلاني، ولد في جيلان ويقال لها أيضاً كيلان سنة 470 ه الموافق 1077 وهي تقع في شمال إيران حالياً على ضفاف بحر قزوين، ونشأ في أسرة صالحة، فقد كان والده أبو صالح موسى على جانب كبير من الزهد وكان شعاره مجاهدة النفس وتزكيتها بالأعمال الصالحة ولذا كان لقبه "محب الجهاد".
صنف الشيخ عبدالقادر الجيلاني مصنفات كثيرة في الأصول والفروع وفي أهل الأحوال والحقائق والتصوف، منها ما هو مطبوع ومنها مخطوط ومنها مصور، قال عنه الإمام النووي "ما علمنا فيما بلغنا من التفات الناقلين وكرامات الأولياء أكثر مما وصل إلينا من كرامات القطب شيخ بغداد محيي الدين عبدالقادر الجيلاني رضي الله عنه, كان شيخ السادة الشافعية والسادة الحنابلة ببغداد وانتهت إليه رياسة العلم في وقته, وتخرج بصحبته غير واحد من الأكابر وانتهى إليه أكثر أعيان مشايخ العراق وتتلمذ له خلق لا يحصون عدداً من أرباب المقامات الرفيعة, وانعقد علية إجماع المشايخ والعلماء بالتبجيل والإعظام, والرجوع إلى قولة والمصير إلى حكمه, وأُهرع إليه أهل السلوك (التصوف) من كل فج عميق.
وكان جميل الصفات شريف الأخلاق كامل الأدب والمروءة كثير التواضع دائم البشر وافر العلم والعقل شديد الاقتفاء لكلام الشرع وأحكامه معظما لأهل العلم مُكرِّماً لأرباب الدين والسنة, مبغضاً لأهل البدع والأهواء محبا لمريدي الحق مع دوام المجاهد ولزوم المراقبة إلى الموت.
وكان له كلام عال في علوم المعارف شديد الغضب إذا انتهكت محارم الله سبحانه وتعالى سخي الكف كريم النفس على أجمل طريقة. وبالجملة لم يكن في زمنه مثله رضي الله عنه.
وقد استمر الشيخ عبدالقادر مثابرا في دعوته إلى الله تعالى وجهاده في سبيله، حتى وافاه الأجل ليلة السبت 10 ربيع الثاني سنة 561 ه، فرغ من تجهيزه ليلا وصلي عليه ولده عبدالوهاب في جماعة من حضر من أولاده وأصحابه، ثم دفن في رواق مدرسته، ولم يفتح باب المدرسة حتى علا النهار وأهرع الناس للصلاة على قبره وزيارته وكان يوما مشهودا، وبلغ تسعين سنة من عمره.
وفي إضافة للمكتبة العربية بشكل عام، والمكتبة الصوفية بشكل خاص، أصدرت دار "آفاق للنشر والتوزيع" ترجمة بالعربية لديوان "الغوث الأعظم" للشيخ عبدالقادر الجيلاني، قامت بها المترجمة د. منال اليمني عبدالعزيز الأستاذ المساعد بقسم اللغات الشرقيه وآدابها جامعة عين شمس التي قدمت للديوان ودرسته، وهذه الترجمة تعد الأولى باللغة العربية التي تصدر عن الديوان الفارسي الأصل، وتتميز بأنها تضم دراسة وتعليق هي الأولى أيضا لمحتوى الديوان.
يحمل الديوان بين دفتيه مجموعة من الأشعار الفارسية التي نظمها الشيخ، والتي يعبر فيها عن تجربته الروحية في العشق الإلهي، ومن خلال هذا الديوان يتعرف القارئ على ملامح تجربة "الجيلاني" الروحية، ومذهبه الصوفي، وسمات تجربته الشعرية الفريدة،
في مقدمتها تروي د. منال أن سائلا سأل رجلاً: ممن أنت؟ فقال: من قوم إذا عشقوا ماتوا. وكان الرجل من قبيلة بني عذرة إحدى قبائل قضاعة، التي كانت تسكن وادي القري شمالي الحجاز. وكان عشاق هذه القبيلة يتحلون بالطهر والعفة في عشقهم؛ لذا فقد انتسب إليها كل عشق نقي طاهر، وسمي بالعشق العذري.
وتقول "إذا كان هذا هو حال عشاق بني عذرة في عشقهم الإنساني، فما بالنا بعشاق الذات الإلهية إذا عشقوا هل سيموتون؟ الواقع أن إجابة هذا السؤال سوف نجدها في أشعارهم التي عبروا فيها عن محبتهم وعشقهم للذات الإلهية، خاصة ما نظموه في قالب الغزل، لأنه القالب الأمثل لنظم أشعار العشق والمحبة. والغزل من أقدم الفنون الشعرية، وأكثرها شيوعًا وانتشارًا، لارتباطه بالمحبة والعشق، وتعبيره عن مشاعر وأحاسيس عاشها الناس كلهم في كل زمان ومكان".
وتضيف "يعد الشعراء الصوفية أشهر شعراء الغزل، وأكثرهم اهتمامًا بهذا الفن، فقد نظموا فيه آلاف الأبيات من الشعر، وخصصوا له أقسامًا كبيرة من دواوينهم أو دواوينهم كلها، ومنها ديوان الشيخ عبدالقادر الجيلاني عام 561 ه ، فهو من أكثر الشخصيات الصوفية التي حظيت باهتمام الباحثين، فما من مؤرخ تناول عصره إلا وأورد عنه خبراً قد يطول أو يقصر، وكذلك كتبت عنه ترجمات كثيرة، أحصي منها الدكتور يوسف زيدان ثماني وعشرين ترجمة. ومع كل هذا الاهتمام الذي أولاه الباحثون والمؤرخون للشيخ عبدالقادر ومؤلفاته، إلا أن ديوانه الشعري الفارسي (الغوث الأعظم) لم يحظ بالترجمة أو الدراسة، سوى شرح له باللغة الأردية، أعده محمد علي چراغ، ونشره نذير سنذر پيلشرز، اردو بازار، لاهور، وهو غير متوفر".
وقد أكدت د. منال أنها آثرت ترجمة ديوان الشيخ عبدالقادر الجيلاني إليى العربية ودراسته؛ لأن الشيخ عبدالقادر نفسه أشاد بأشعار هذا الديوان، وعدها كلامًا عذبًا يؤثر في الأرواح ويجعلها تذوب حرقة، وقال: "كما عدها التذكار الذي سوف يبقي عنه، ويخلد ذكره حتي يوم القيامة"، وقال أيضاً: "سوف ينشد الخلق هذه الأبيات يا محيي حتي يوم القيامة ويجيء العالم ويذهبون، وتبقي هي".
وإضافة إلي ما قاله الشيخ عبدالقادر عن ديوانه "الغوث الأعظم"، فإنه يمكن من خلاله تعرف سمات أسلوب الشيخ الشعري الفارسي، وملامح تجربته الروحية، وأسس مذهبه الصوفي، وتعد هذه أول دراسة بالعربية متعلقة بهذا الديوان، وأول ترجمة لأشعاره".
عمدت د. منال في دراستها إلى المناهج: التاريخي والوصفي والأسلوبي والإحصائي مع الإفادة من المناهج الأخرى كلما اقتضت الضرورة.
والدراسة تتكون من جزئين، الجزء الأول يشتمل على مقدمة وتمهيد وقسمين وخاتمة، أما التمهيد فيعرف بالشيخ عبدالقادر الجيلاني، والقسم الأول يتناول الديوان من حيث الشكل، ويشتمل على ثلاثة مباحث: المبحث الأول يعرف بالديوان وسمات أسلوبه الإيقاعية والتصويرية والصرفية، والمبحث الثاني: يتضمن السمات المتعلقة بالألفاظ والتراكيب والرديف، أما المبحث الثالث فيتعلق بالتناص والرمز في الديوان.
والقسم الثاني يتناول الديوان من حيث المضمون ويتكون من ثلاثة مباحث المبحث الأول يعرف بالمقامات والأحوال والآداب والرسوم الصوفية الواردة في الديوان، والمبحث الثاني يختص بالأفكار والمفاهيم الصوفية، والمبحث الثالث: يشرح مذهب الشيخ عبدالقادر الصوفي كما يبدو في ديوانه وتعقبه الخاتمة، وتشتمل على أهم النتائج توصلت إليها الدراسة، أما الجزء الثاني فيتضمن ترجمة ترجمة الديوان إلى العربية.
ورأت د. منال أن الشيخ عبدالقادر عد العشق مقاما من المقامات الصوفية التي ينبغي على السالك أن يطويها، لأن العبد فطر على محبة الرب، والعشق عنده هو المرشد الذي يرشد السالك ويصل به إلى الغابة من السلوك، والمعشوق هو الذات الإلهية، وعشق العاشق للحق عشق أزلي أبدي، وهو السبيل إلى سعادة الروح والجسد والقلب ومشاهدة جمال الحق تعالى.
وقالت "وصف الشيخ عبدالقادر المعشوق بشدة الجمال، وبالعزة والكبرياء. ونعته أيضا بالقسوة وسفك الدماء وانعدام الوفاء ونقض العهد، وربما كان هذا بسبب شدة معاناته في عشقه أو لأن هذه السمات كانت هي سمات المعشوق الرائجة في عصره.
وقد نعت الشيخ عبدالقادر العاشق بأنه مسلوب الإرادة وضعيف وعاجز، يكابد الألم والحزن في عشقه، ويحتمل ما لا يطيق، ويضيق لشدة ما يعاني، ويصيبه اليأس والاحباط، فيتمنى الخلاص من الحياة، وقد ينوح ويشكو، فيفقد صوابه من كثرة أنينه، ثم يعود إلى رشده ليئن من جديد، ويعتقد أن أحدا في الدنيا لم يتألم ألمه أو يعاني معاناته في عشقه.
وحث الشيخ عبدالقادر السالك على التوبة لأنها تكفر الذنوب والآثام، ودعاه إلى الصبر على المحبوب حتى وإن صبر حتى يوم القيامة ونصح بالاعتدال في الخوف والرجاء".
ومن أجواء الديوان قوله:
"فلتسعد قلوب الناس باللهو والطرب،
أما أنا فتعودت على المحنة ويلزمني الألم والبلاء".
***
"كان الشمع يشبهني في الحرقة والانصهار
لو كان يملك قلبًا مكتويا وعينا غزيرة الدمع" .
***
"أقضي الليل في التفكير فيك،
وحين يطلع النهار يؤرقني التفكير في أنين الليالي الحالكة".
***
"سوف أقود الجند، وأمضى إلى الفلك
وأستولي على قلعة الملائكة وأمضي بعدها
أنا ملك مقبل، لكنني محارب فحسب في هذا المنزل
وسأنضم إلى الجند بكل شجاعة
هذه الدعوة كانت تصلني من العلا في كل لحظة
فأتخلص من هذا البلاء وأمضي إلى المحبوب
لو يسحبني شيخ الحانة من شعري قائلا:
أين أنت أيها العبد؟ تعال. أذهب إلى الملك على رأسي
قبلة حاجات القلب، محلتنا الخربة
فلتذهب يا محيي إلى ذلك الباب عند مناجاة القلب".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.