يروي أن سائلا ًسأل رجلاً: ممن أنت؟ فقال: من قوم إذا عشقوا ماتوا. وكان الرجل من قبيلة بني عذرة إحدي قبائل قضاعة، التي كانت تسكن وادي القري شمالي الحجاز. وكان عشاق هذه القبيلة يتحلون بالطهر والعفة في عشقهم؛ لذا فقد انتسب إليها كل عشق نقي طاهر، وسمي بالعشق العذري. وإذا كان هذا هو حال عشاق بني عذرة في عشقهم الإنساني، فما بالنا بعشاق الذات الإلهية إذا عشقوا هل سيموتون؟ الواقع أن إجابة هذا السؤال سوف نجدها في أشعارهم التي عبروا فيها عن محبتهم وعشقهم للذات الإلهية، خاصة ما نظموه في قالب الغزل، لأنه القالب الأمثل لنظم أشعار العشق والمحبة. والغزل من أقدم الفنون الشعرية، وأكثرها شيوعًا وانتشارًا، لارتباطه بالمحبة والعشق، وتعبيره عن مشاعر وأحاسيس عاشها الناس كلهم في كل زمان ومكان. ويعد الشعراء الصوفية أشهر شعراء الغزل، وأكثرهم اهتمامًا بهذا الفن، فقد نظموا فيه آلاف الأبيات من الشعر، وخصصوا له أقسامًا كبيرة من دواوينهم أو دواوينهم كلها، ومنها ديوان الشيخ عبد القادر الجيلاني عام 561 ه ، فهو من أكثر الشخصيات الصوفية التي حظيت باهتمام الباحثين، فما من مؤرخ تناول عصره إلا وأورد عنه خبراً قد يطول أو يقصر، وكذلك كتبت عنه ترجمات كثيرة، أحصي منها الدكتور يوسف زيدان ثماني وعشرين ترجمة. ومع كل هذا الاهتمام الذي أولاه الباحثون والمؤرخون للشيخ عبد القادر ومؤلفاته، إلا أن ديوانه الشعري الفارسي (الغوث الأعظم) لم يحظ بالترجمة أو الدراسة، سوي شرح له باللغة الأردية، أعده محمد علي چراغ، ونشره نذير سنذر پيلشرز، اردو بازار، لاهور، وهو غير متوفر. وقد آثرت ترجمة هذا الديوان إلي العربية ودراسته؛ لأن الشيخ عبد القادر نفسه أشاد بأشعار هذا الديوان، وعدها كلامًا عذبًا يؤثر في الأرواح ويجعلها تذوب حرقة، وقال: "كما عدها التذكار الذي سوف يبقي عنه، ويخلد ذكره حتي يوم القيامة"، وقال أيضاً: "سوف ينشد الخلق هذه الأبيات يامحيي حتي يوم القيامة ويجيء العالم ويذهبون، وتبقي هي". وإضافة إلي ما قاله الشيخ عبد القادر عن ديوانه (الغوث الأعظم)، فإنه يمكن من خلاله تعرف سمات أسلوب الشيخ الشعري الفارسي، وملامح تجربته الروحية، وأسس مذهبه الصوفي، وتعد هذه أول دراسة بالعربية متعلقة بهذا الديوان، وأول ترجمة لأشعاره.