مجمع إعلام الفيوم ينظم ندوة لحث المرأة علي المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية    توقعات بوصول سعر جرام الذهب ل 5000 جنيها أغسطس المقبل    النائب إيهاب منصور يتقدم بسؤال عاجل للحكومة بشأن الانقطاع المتكرر للكهرباء والمياه في الجيزة    ماتت مكة فى غزة، كفن طفلة فلسطينية رحلت جائعة وصمة عار على جبين العالم (فيديو)    رياض محرز يحدد موعد اعتزاله دوليا مع منتخب الجزائر    مدبولي يترأس اجتماع الحكومة غدًا بمدينة العلمين.. ويعقبه المؤتمر الصحفي الأسبوعي    الداخلية تكشف ملابسات فيديو مشاجرة المطرية في القاهرة    «حضنتها وعيطت» والد الأولى على الثانوية الأزهرية للمكفوفين يروي لحظة الفرح    أحمد درويش عن فوزه بجائزة المبدعين: الحمد لله أن جعلني ممن تصلهم بركات النيل وجائزته    وزير الثقافة: احتفالية كبرى بدار الأوبرا لتكريم الفائزين بجوائز الدولة    مدرب سلة الأهلى الجديد يصل القاهرة بعد أسبوعين    ضخ المياه بعد انتهاء إصلاح كسر خط رئيسى فى المنصورة    تأجيل محاكمة المتهم بإنهاء حياة شاب بمقابر الزرزمون بالشرقية    رئيس الوزراء: مستعدون لوضع حوافز خارج الصندوق لتوطين صناعة السيارات الكهربائية    بدء أوكازيون تخفيض أسعار السلع 4 أغسطس المقبل    محمود سعد يطمئن الجمهور على الحالة الصحية ل أنغام: زي الفل    إكسترا نيوز ترصد تفاصيل وصول مساعدات مصرية إلى غزة ضمن قافلة "زاد العزة"    خاص.. الزمالك يفتح الباب أمام رحيل حارسه لنادي بيراميدز    "3 فرق يشاركون في دوري الأبطال".. خالد الغندور يزف خبرا سارا    "ياعم حرام عليك".. تعليق ناري من شوبير على زيارة صلاح للمعبد البوذي    إم جي تطلق سيارتها IM5 سيدان الكهربائية رسميًا في الأسواق.. صور وتفاصيل    سفيرة الاتحاد الأوروبى: مصر ركيزة الاستقرار الإقليمى وندعم جهودها لوقف حرب غزة    النقابات العمالية تدشن لجنة الانتقال العادل لمواجهة التحول الرقمي    الأردن: الكارثة في غزة وصلت لوضع لا يمكن وصفه    الخارجية الفلسطينية: الضم التدريجي لقطاع غزة مقدمة لتهجير شعبنا    38 قتيلا حصيلة ضحايا الأمطار الغزيرة والفيضانات العارمة فى الصين    ترامب: نعمل مع إسرائيل لمحاولة "تصحيح الأمور" في غزة    وزير الدفاع يلتقي رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستانية - تفاصيل المناقشات    وزير العمل ومحافظ الإسكندرية يفتتحان ندوة للتوعية بمواد قانون العمل الجديد    نادية مصطفى ومنصور هندى في انتخابات التجديد النصفى لنقابة الموسيقيين    نقابة الموسيقيين تكشف تفاصيل التحقيق مع محمود الليثي ورضا البحراوي |خاص    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    أمين الفتوى: الطهارة شرط أساسي لصحة الصلاة.. وهناك نجاسات مغلظة وأخرى مخففة ولكل منها أحكامه    كيف أعرف أن الله يحبني؟.. عالم أزهري يجيب    وزير الصحة يشهد توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة الصحة وشركة روش مصر لتطوير رعاية مرضى التصلب المتعدد    ماء المخلل.. هل هو مفيد؟    الأمراض المتوطنة.. مذكرة تفاهم بين معهد تيودور بلهارس وجامعة ووهان الصينية    بالأرقام.. رئيس هيئة الإسعاف يكشف تفاصيل نقل الأطفال المبتسرين منذ بداية 2025    تحرير (144) مخالفة للمحلات التى لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة    جامعة مصر للمعلوماتية تتعاون مع شركة اديبون لتدريب طلبة الهندسة بإسبانيا    الطب البيطري بسوهاج يتفقد مجزر البلينا للتأكد من سلامة وجودة اللحوم المذبوحة    المياه أغرقت الشوارع.. كسر في خط مياه رئيسي بالدقهلية    باحث فلسطينى: مصر البيت لمن لا بيت له وحملة تشويه تستهدفها لإجهاضها خطط التهجير    مجمع إعلام القليوبية يطلق أولى فعاليات الحملة الإعلامية «صوتك فارق»    منال عوض: تمويل 16 مشروعا للتنمية بمصر ب500 مليون دولار    «أحط فلوسي في البنك ولا لأ؟».. الفوائد تشعل الجدل بين حلال وحرام والأزهر يحسم    مقتل وإصابة خمسة أشخاص في إطلاق نار بولاية نيفادا الأمريكية    بمشاركة وزير السياحة.. البابا تواضروس يفتتح معرض لوجوس للمؤسسات الخدمية والثقافية    ريال مدريد يعلن انتقال لاعبه إلى خيتافي    بايرن ميونخ يجدد عقد لاعب الفريق لمدة موسم    بالصور.. اندلاع حريق بمخلفات الأشجار على طريق البراجيل    تدريبات خاصة ل"فتوح والجفالي" بفرمان من مدرب الزمالك    موسوي: إسرائيل كشفت عن وجهها الوحشي بانتهاكها كافة الأعراف الدولية    انطلاق تصوير فيلم «ريد فلاج» بطولة أحمد حاتم    القبض على رمضان صبحى فى مطار القاهرة أثناء العودة من تركيا    عيار 21 الآن بالمصنعية.. أسعار الذهب تنخفض 320 جنيهًا اليوم بالصاغة (السبيكة بكام؟)    محافظ سوهاج يوجه بتوفير فرصة عمل لسيدة كفيفة بقرية الصلعا تحفظ القرآن بأحكامه    5 أبراج «معاهم مفاتيح النجاح».. موهوبون تُفتح لهم الأبواب ويصعدون بثبات نحو القمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إيتيل عدنان الدمشقية اليونانية في معرض باريسي
نشر في صوت البلد يوم 14 - 11 - 2016

برعاية وتنظيم معهد العالم العربي في باريس، وبالتعاون الوثيق مع غاليري ليلون، وغاليري كلود ليمون، وصفير زملر، تعرض الفنانة السورية-الأميركية إيتيل عدنان أعمالها للجمهور الباريسي، للمرة الأولى بمعرض فردي شامل. والمعرض الفردي هذا، والذي يستمر حتى نهاية العام الجاري، يقع عند تقاطع الصورة والنص، الكتابة والرسم، وهما طريقتا التعبير عن نفس اللغة، حيث تُقدّم في المعرض الذي صممه المفوض سيباستيان ديلو، العديد من الأعمال لها بالفرنسية والإنكليزية أدباً وشعراً ورسماً وتشكيلاً، ضمن أربعة محاور رئيسية هي:
النصوص العظمى: عن فتح القراءة ونهاية العالم العربي، وأهمية الكتابة في عمل الفنان والالتزام السياسي.
جبل تامالباي: الذي كانت تراه من شرفة منزل صديقتها في أميركا، وتتأرجح هذه اللوحات بين التجريد والتشكيل.
الجسور- المنفيين: حيث يعرض رحلاتها من نيويورك إلى بيروت، ومن سان فرانسيسكو إلى باريس، بأعمال مستوحاة من هذه الأرجاء.
عالم من الألوان والأصوات: تلك التي اكتشفتها من خلال الرسوم التي تُنقش على السجّاد.
المعرض يؤرخ لعقود من الإنتاج الفني والأدبي لهذه الفنانة المخضرمة، ويتنوّع بين الكتابة والرسم والطباعة على السجاد، ويضم مجموعة من المطويات “الأكورديون” على الطريقة اليابانية، مصوّرة وملونة بالباستيل، تجتمع الكلمة والصورة في تآلف وانسجام، أو تتلاعب فيها بالألوان على شكل سطور تُكتب ضمنها كلمات، بعضها حديث والبعض الآخر يعود إلى سبعينات القرن العشرين، ويضم كذلك رسوماً بريشتها عن الحرب والسّلم والحرية، إضافة إلى رسوم على الورق وعلى خامات مختلفة أخرى استقتها من فن تطريز السجاد الذي اكتشفته في مصر خلال أول زيارة لها في ستينات القرن الماضي، ومن بين المعروضات أيضاً قصيدة للشاعر العراقي بدر شاكر السياب كتبها لابنته، رسمتها بكلمات عربية مُلوّنة، فيها براءة وعفوية.
لا تُصنّف أعمال إيتيل ضمن مدارس ونظريات فنية، وهي أعمال مسافرة مثلها، في الزمان والمكان، من بيروت إلى باريس ثم نيويورك، وتجتمع في معرضها هذا لتضع حصيلة عقود من العمل والإبداع، وتصف هي إبداعها التشكيلي بأنه نوع من الشعر، شعر بصري، قادر على إيصال الصوت والمعنى.
وُزِّع المعرض كغرف، ففي الأولى توجد النهاية العربية، وفيها تسلط الضوء على الحروب ودائرة الموت المحيطة بالشرق الأوسط، والحلول الثورية والعسكرية، والسلام، وقبول الآخر.
وفي الثانية كانت الجبال الموضوع الأساس، الذي تعتبرها معجزة صغيرة من التوازن، وإعلان حب للكون، وفي الثالثة كان المنفيون هم الأبطال، من رحلة منفاها، وسفرها، بحثاً عن الذات، وفي الرابعة كانت عوالم الألوان والأصوات، ونسيج من الثقافات واللغات.
وعن أعمالها قال الكاتب والشاعر عيسى مخلوف “كل هذه الجبال والتلال والوهاد، البحار والخلجان والشواطئ، كلها، في عيني إيتيل عدنان، أشرعة لسفر ملون في الذات والطبيعة. يكفي أن تحمل بيدها أنابيب الألوان الزيتية، تضغط عليها بأصابعها، وتفرغ عيّنات منها فوق سطح القماشة، حتى تولد المفاجأة. المشهد الطبيعي في لوحتها مكتف بذاته ولا يحتمل عناصر أخرى. تغيب الشخوص كليا عن أعمالها. وتبدو تلك الأعمال كالحديقة اليابانية التي لا ينظر إليها إلا من الخارج. وحدها العين البصيرة تطأ أرضها وتحلق في فضاءاتها”.
ولإيتيل العديد من الأعمال الأدبية، ونشرت عشرين كتاباً بالفرنسية والإنكليزية، شعراً ونثراً، وعن علاقة الكتابة بالفن والرسم عندها، قال مخلوف “تتحرّك لوحة إيتيل عدنان في موقع آخر غير الذي تتحرك فيه أعمالها الأدبية، بينما يحضر لبنان الحرب الأهلية في روايتها “الستّ ماري روز” (1977) أو في كتابها “يوم القيامة العربي” (1989)، وبينما تحضر أحداث التاريخ المعاصر في شعرها، من فلسطين ولبنان إلى سوريا والعراق، كاشفة عن وجه المبدعة الملتزمة، يغيب هذا المنحى بصورة عامة عن أعمالها الفنية. عندما ترسم، تنتصر لجانب آخر في نفسها، لوجه آخر من وجوهها، هو الوجه الذي يلتفت إلى الطبيعة وعناصرها، الوجه الذي يقبل بحب على العالم”.
لا يبدو على أعمال إيتيل التأثّر بالعمر، فهي ترسم بروح شابة مُتّقدة، وتكتب بنضارة ربيع العمر، وتقوم بالعملين معاً بحرية وانطلاق كعصفور يبحث عن حرية، وتُقدّم أعمالاً مسافرة، لا يُعكّرها الزمان، ولا الذاكرة.
ويقول مخلوف “تغيب الشخوص كلياً عن أعمالها، وتبدو تلك الأعمال كالحديقة اليابانية التي لا يُنظر إليها إلّا من الخارج، وحدها العين البصيرة تطأ أرضها وتحلّق في فضاءاتها، وهذا ما يميّزها عن الحديقة الأوروبية أو الحديقة في الإسلام، كما عهدناها، مثلاً، في “جنّة العريف” في غرناطة، لا أثر لشيء في اللوحة من خارج المشهد إذن. لا شيء يعكّر صفوَ اللوحة حتى توقيع الفنانة.. وهل تحتاج اللوحة إلى توقيع ممّن تتماهى مع المشهد الذي ترسمه، وهو، على نحو ما، صورتها الشخصية”.
والشاعرة الفنانة إيتيل عدنان، وُلدت في بيروت عام 1925 من أب سوري دمشقي وأمّ يونانية، وعاشت ضمن تنوّع عرقي وثقافي سليم، وكان والداها يتكلمان مع بعضهما باللغة التركية، وأمها تتكلم معها باليونانية، وكان الناس في بيروت يتكلمون معها بالعربية، وفي مدرستها بالفرنسية، ودرست بالجامعة بالإنكليزية، فتحدثت كل هذه اللغات بطلاقة، وألّفت أولى قصائدها باللغة الفرنسية في سن العشرين، وصارت خريجة جامعات السوربون، ثم بيركلي وهارفارد، ودرّست الفلسفة من العام 1958 ولغاية العام 1972.
اشتركت بحملات في كاليفورنيا ضد حرب فيتنام، وحروب أخرى، كحرب الجزائر والحرب اللبنانية حيث كانت تقيم في لبنان في العام 1970، قبل أن تغادر إلى ولاية كاليفورنيا لتحصل على اللجوء هناك.
تنتمي عدنان إلى جيل لا يستطيع فصل السياسة وهموم البشر عن همّه الشخصي، فهي لم تتردد فيما مضى بتوجيه النقد للعالم العربي، في شعرها، الذي ينطق بلغة كونية فلسفية لا عرقية، وتتحدث عن كفاح الإنسان ضد الحروب والظلم، وفي لوحاتها، التي تصوّر فيها الجمال والسلام والتفاؤل، وكتبت رواية “الست ماري روز” (1977) باللغة الفرنسية عن الحرب الأهلية اللبنانية التي شهدتها، وفازت بجائزة جمعية الصداقة الفرنسية العربية، وأدانت الإمبريالية والوحشية في ديوانها “بحر وضباب”، وساندت الثورة الفلسطينية شعراً ورسماً، ومؤخرا عبّرت عن تأييدها للثورة السورية، لأجل تحول ديمقراطي يصون كرامة البشر وحرياتهم.
وتقول في لقاء سابق عن وضع العالم العربي “لقد كان العالم العربي برمَّته في أيدي أنظمة استبدادية، تُعتبر في غاية الفساد، ولا تريد الرحيل ببساطة، لأنَّها مترسِّخة في البنى الهيكلية وذلك أيضًا بسبب الدعم الذي تتلقاه من الخارج، وبناءً على ذلك فإنَّ المشكلة لها وجهان، إذ أنَّ كلَّ بلد لديه مشكلاته المحلية ويعتبر نفسه بالإضافة إلى ذلك معرَّضًا لتأثير القوى العالمية، وعلى سبيل المثال سوريا التي تحكمها حكومة فاسدة منذ أكثر من أربعين عامًا؛ كانت الأوضاع هناك على وشك التحسّن حيث قامت ثورة ما تزال مستمرة، ولكن النظام مع ذلك يرفض بشدة إجراء أيّ إصلاحات، روسيا والصين تساعدان النظام السوري، وصحيح أنَّ بإمكان الشعب السوري المسكين أن يثور على حكومة بلده، ولكنه لا يستطيع بمثل هذه السهولة أن يثور على روسيا والصين، ولذلك فإنَّ الدول العربية غير متحرِّرة لا من حكوماتها ولا من بقية حكومات العالم، وهذا وضع مأساوي”.
وقال عنها الشاعر الأميركي روبرت بلاي “إن موهبة الشاعر السويدي توماس ترانسترومر تكمن في إدراكه متى يتوقف عن الكتابة ليتردد صدى البلاغة في هوامش القصيدة، شأنها شأن النغمات الموسيقية، ويتراءى لي أن عدنان تَنعم بالموهبة نفسها، لا تصوغ المقطع الأخير كي يُعبِّر متعالياً عن حكمة أخلاقية، وإنما تتيح للقارئ فرصة لإتمام ذلك المقطع المتواري عمداً”.
خلال رحلة حياتها، ترجمت ونشرت في العديد من البلدان، كما عرضت أعمالها الفنية المختلطة في لندن ونيويورك، وفي متحف الفن الحديث في الدوحة بقطر، واقتنيت أعمالها في العديد من المتاحف، ومن كتبها الأخيرة “سماء بلا سماء”، و”باريس عندما تتعرى” و”قصائد الزيزفون”.
......
كاتب من سوريا
برعاية وتنظيم معهد العالم العربي في باريس، وبالتعاون الوثيق مع غاليري ليلون، وغاليري كلود ليمون، وصفير زملر، تعرض الفنانة السورية-الأميركية إيتيل عدنان أعمالها للجمهور الباريسي، للمرة الأولى بمعرض فردي شامل. والمعرض الفردي هذا، والذي يستمر حتى نهاية العام الجاري، يقع عند تقاطع الصورة والنص، الكتابة والرسم، وهما طريقتا التعبير عن نفس اللغة، حيث تُقدّم في المعرض الذي صممه المفوض سيباستيان ديلو، العديد من الأعمال لها بالفرنسية والإنكليزية أدباً وشعراً ورسماً وتشكيلاً، ضمن أربعة محاور رئيسية هي:
النصوص العظمى: عن فتح القراءة ونهاية العالم العربي، وأهمية الكتابة في عمل الفنان والالتزام السياسي.
جبل تامالباي: الذي كانت تراه من شرفة منزل صديقتها في أميركا، وتتأرجح هذه اللوحات بين التجريد والتشكيل.
الجسور- المنفيين: حيث يعرض رحلاتها من نيويورك إلى بيروت، ومن سان فرانسيسكو إلى باريس، بأعمال مستوحاة من هذه الأرجاء.
عالم من الألوان والأصوات: تلك التي اكتشفتها من خلال الرسوم التي تُنقش على السجّاد.
المعرض يؤرخ لعقود من الإنتاج الفني والأدبي لهذه الفنانة المخضرمة، ويتنوّع بين الكتابة والرسم والطباعة على السجاد، ويضم مجموعة من المطويات “الأكورديون” على الطريقة اليابانية، مصوّرة وملونة بالباستيل، تجتمع الكلمة والصورة في تآلف وانسجام، أو تتلاعب فيها بالألوان على شكل سطور تُكتب ضمنها كلمات، بعضها حديث والبعض الآخر يعود إلى سبعينات القرن العشرين، ويضم كذلك رسوماً بريشتها عن الحرب والسّلم والحرية، إضافة إلى رسوم على الورق وعلى خامات مختلفة أخرى استقتها من فن تطريز السجاد الذي اكتشفته في مصر خلال أول زيارة لها في ستينات القرن الماضي، ومن بين المعروضات أيضاً قصيدة للشاعر العراقي بدر شاكر السياب كتبها لابنته، رسمتها بكلمات عربية مُلوّنة، فيها براءة وعفوية.
لا تُصنّف أعمال إيتيل ضمن مدارس ونظريات فنية، وهي أعمال مسافرة مثلها، في الزمان والمكان، من بيروت إلى باريس ثم نيويورك، وتجتمع في معرضها هذا لتضع حصيلة عقود من العمل والإبداع، وتصف هي إبداعها التشكيلي بأنه نوع من الشعر، شعر بصري، قادر على إيصال الصوت والمعنى.
وُزِّع المعرض كغرف، ففي الأولى توجد النهاية العربية، وفيها تسلط الضوء على الحروب ودائرة الموت المحيطة بالشرق الأوسط، والحلول الثورية والعسكرية، والسلام، وقبول الآخر.
وفي الثانية كانت الجبال الموضوع الأساس، الذي تعتبرها معجزة صغيرة من التوازن، وإعلان حب للكون، وفي الثالثة كان المنفيون هم الأبطال، من رحلة منفاها، وسفرها، بحثاً عن الذات، وفي الرابعة كانت عوالم الألوان والأصوات، ونسيج من الثقافات واللغات.
وعن أعمالها قال الكاتب والشاعر عيسى مخلوف “كل هذه الجبال والتلال والوهاد، البحار والخلجان والشواطئ، كلها، في عيني إيتيل عدنان، أشرعة لسفر ملون في الذات والطبيعة. يكفي أن تحمل بيدها أنابيب الألوان الزيتية، تضغط عليها بأصابعها، وتفرغ عيّنات منها فوق سطح القماشة، حتى تولد المفاجأة. المشهد الطبيعي في لوحتها مكتف بذاته ولا يحتمل عناصر أخرى. تغيب الشخوص كليا عن أعمالها. وتبدو تلك الأعمال كالحديقة اليابانية التي لا ينظر إليها إلا من الخارج. وحدها العين البصيرة تطأ أرضها وتحلق في فضاءاتها”.
ولإيتيل العديد من الأعمال الأدبية، ونشرت عشرين كتاباً بالفرنسية والإنكليزية، شعراً ونثراً، وعن علاقة الكتابة بالفن والرسم عندها، قال مخلوف “تتحرّك لوحة إيتيل عدنان في موقع آخر غير الذي تتحرك فيه أعمالها الأدبية، بينما يحضر لبنان الحرب الأهلية في روايتها “الستّ ماري روز” (1977) أو في كتابها “يوم القيامة العربي” (1989)، وبينما تحضر أحداث التاريخ المعاصر في شعرها، من فلسطين ولبنان إلى سوريا والعراق، كاشفة عن وجه المبدعة الملتزمة، يغيب هذا المنحى بصورة عامة عن أعمالها الفنية. عندما ترسم، تنتصر لجانب آخر في نفسها، لوجه آخر من وجوهها، هو الوجه الذي يلتفت إلى الطبيعة وعناصرها، الوجه الذي يقبل بحب على العالم”.
لا يبدو على أعمال إيتيل التأثّر بالعمر، فهي ترسم بروح شابة مُتّقدة، وتكتب بنضارة ربيع العمر، وتقوم بالعملين معاً بحرية وانطلاق كعصفور يبحث عن حرية، وتُقدّم أعمالاً مسافرة، لا يُعكّرها الزمان، ولا الذاكرة.
ويقول مخلوف “تغيب الشخوص كلياً عن أعمالها، وتبدو تلك الأعمال كالحديقة اليابانية التي لا يُنظر إليها إلّا من الخارج، وحدها العين البصيرة تطأ أرضها وتحلّق في فضاءاتها، وهذا ما يميّزها عن الحديقة الأوروبية أو الحديقة في الإسلام، كما عهدناها، مثلاً، في “جنّة العريف” في غرناطة، لا أثر لشيء في اللوحة من خارج المشهد إذن. لا شيء يعكّر صفوَ اللوحة حتى توقيع الفنانة.. وهل تحتاج اللوحة إلى توقيع ممّن تتماهى مع المشهد الذي ترسمه، وهو، على نحو ما، صورتها الشخصية”.
والشاعرة الفنانة إيتيل عدنان، وُلدت في بيروت عام 1925 من أب سوري دمشقي وأمّ يونانية، وعاشت ضمن تنوّع عرقي وثقافي سليم، وكان والداها يتكلمان مع بعضهما باللغة التركية، وأمها تتكلم معها باليونانية، وكان الناس في بيروت يتكلمون معها بالعربية، وفي مدرستها بالفرنسية، ودرست بالجامعة بالإنكليزية، فتحدثت كل هذه اللغات بطلاقة، وألّفت أولى قصائدها باللغة الفرنسية في سن العشرين، وصارت خريجة جامعات السوربون، ثم بيركلي وهارفارد، ودرّست الفلسفة من العام 1958 ولغاية العام 1972.
اشتركت بحملات في كاليفورنيا ضد حرب فيتنام، وحروب أخرى، كحرب الجزائر والحرب اللبنانية حيث كانت تقيم في لبنان في العام 1970، قبل أن تغادر إلى ولاية كاليفورنيا لتحصل على اللجوء هناك.
تنتمي عدنان إلى جيل لا يستطيع فصل السياسة وهموم البشر عن همّه الشخصي، فهي لم تتردد فيما مضى بتوجيه النقد للعالم العربي، في شعرها، الذي ينطق بلغة كونية فلسفية لا عرقية، وتتحدث عن كفاح الإنسان ضد الحروب والظلم، وفي لوحاتها، التي تصوّر فيها الجمال والسلام والتفاؤل، وكتبت رواية “الست ماري روز” (1977) باللغة الفرنسية عن الحرب الأهلية اللبنانية التي شهدتها، وفازت بجائزة جمعية الصداقة الفرنسية العربية، وأدانت الإمبريالية والوحشية في ديوانها “بحر وضباب”، وساندت الثورة الفلسطينية شعراً ورسماً، ومؤخرا عبّرت عن تأييدها للثورة السورية، لأجل تحول ديمقراطي يصون كرامة البشر وحرياتهم.
وتقول في لقاء سابق عن وضع العالم العربي “لقد كان العالم العربي برمَّته في أيدي أنظمة استبدادية، تُعتبر في غاية الفساد، ولا تريد الرحيل ببساطة، لأنَّها مترسِّخة في البنى الهيكلية وذلك أيضًا بسبب الدعم الذي تتلقاه من الخارج، وبناءً على ذلك فإنَّ المشكلة لها وجهان، إذ أنَّ كلَّ بلد لديه مشكلاته المحلية ويعتبر نفسه بالإضافة إلى ذلك معرَّضًا لتأثير القوى العالمية، وعلى سبيل المثال سوريا التي تحكمها حكومة فاسدة منذ أكثر من أربعين عامًا؛ كانت الأوضاع هناك على وشك التحسّن حيث قامت ثورة ما تزال مستمرة، ولكن النظام مع ذلك يرفض بشدة إجراء أيّ إصلاحات، روسيا والصين تساعدان النظام السوري، وصحيح أنَّ بإمكان الشعب السوري المسكين أن يثور على حكومة بلده، ولكنه لا يستطيع بمثل هذه السهولة أن يثور على روسيا والصين، ولذلك فإنَّ الدول العربية غير متحرِّرة لا من حكوماتها ولا من بقية حكومات العالم، وهذا وضع مأساوي”.
وقال عنها الشاعر الأميركي روبرت بلاي “إن موهبة الشاعر السويدي توماس ترانسترومر تكمن في إدراكه متى يتوقف عن الكتابة ليتردد صدى البلاغة في هوامش القصيدة، شأنها شأن النغمات الموسيقية، ويتراءى لي أن عدنان تَنعم بالموهبة نفسها، لا تصوغ المقطع الأخير كي يُعبِّر متعالياً عن حكمة أخلاقية، وإنما تتيح للقارئ فرصة لإتمام ذلك المقطع المتواري عمداً”.
خلال رحلة حياتها، ترجمت ونشرت في العديد من البلدان، كما عرضت أعمالها الفنية المختلطة في لندن ونيويورك، وفي متحف الفن الحديث في الدوحة بقطر، واقتنيت أعمالها في العديد من المتاحف، ومن كتبها الأخيرة “سماء بلا سماء”، و”باريس عندما تتعرى” و”قصائد الزيزفون”.
......
كاتب من سوريا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.