النصر يُلغي معسكره في النمسا بسبب ظروف طارئة ويبحث عن بديل    نادية مصطفى لفيتو: احنا مش متطرفين ومصطفى كامل بيخاف على البلد (فيديو)    «زي النهارده» فى ‌‌30‌‌ يوليو ‌‌2011.. وفاة أول وزيرة مصرية    رغم إعلان حل الأزمة، استمرار انقطاع الكهرباء عن بعض مدن الجيزة لليوم الخامس على التوالي    ترامب يحذر من تسونامي في هاواي وألاسكا ويدعو الأمريكيين إلى الحيطة    وزير الخارجية يلتقي السيناتور ليندسى جراهام بمجلس الشيوخ الأمريكي    الاتحاد الإفريقي يصدم "الدعم السريع" بعد تشكيل حكومة موازية بالسودان ويوجه رسالة للمجتمع الدولي    فتح باب التقدم لاختبارات الدبلومات والمعاهد الفنية لدخول كلية الحقوق والرابط الرسمي    ثروت سويلم: لن يتكرر إلغاء الهبوط في الدوري المصري.. وخصم 6 نقاط فوري للمنسحبين    انهيار جزئي لعقار مكون من 7 طوابق في الدقي    من "ترند" الألبومات إلى "ترند" التكت، أسعار تذاكر حفل عمرو دياب بالعلمين مقارنة بتامر حسني    طريقة عمل الأرز باللبن، تحلية سريعة التحضير ولذيذة    البنك العربى الإفريقى يقود إصدار سندات توريق ب 4.7 مليار جنيه ل«تساهيل»    جدول مباريات بيراميدز في الدوري المصري الممتاز الموسم الجديد 2025-2026    "البترول" تتلقى إخطارًا باندلاع حريق في غرفة ماكينات مركب الحاويات PUMBA    عبداللطيف حجازي يكتب: الرهان المزدوج.. اتجاهات أردوغان لهندسة المشهد التركي عبر الأكراد والمعارضة    حظك اليوم الأربعاء 30 يوليو وتوقعات الأبراج    السيد أمين شلبي يقدم «كبسولة فكرية» في الأدب والسياسة    ليلى علوي تسترجع ذكريات «حب البنات» بصور من الكواليس: «كل الحب»    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 1447-2026    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 للقطاعين الحكومي والخاص    ترفع الرغبة الجنسية وتعزز المناعة.. 8 أطعمة ترفع هرمون الذكورة بشكل طبيعي    لا تتبع الوزارة.. البترول: السيطرة على حريق سفينة حاويات قرب منصة جنوب شرق الحمد    وزير الثقافة: جوائز الدولة هذا العام ضمت نخبة عظيمة.. ونقدم برنامجا متكاملا بمهرجان العلمين    4 أرغفة ب دينار.. تسعيرة الخبز الجديدة تغضب أصحاب المخابز في ليبيا    تنسيق الثانوية 2025.. ماذا تعرف عن دراسة "الأوتوترونكس" بجامعة حلوان التكنولوجية؟    تنسيق الجامعات 2025| كل ما تريد معرفته عن بكالوريوس إدارة وتشغيل الفنادق "ماريوت"    إبراهيم ربيع: «مرتزقة الإخوان» يفبركون الفيديوهات لنشر الفوضى    الجنايني يكشف سبب تعثر بيع زيزو لنيوم السعودي    وفاة طالب أثناء أداء امتحانات الدور الثاني بكلية التجارة بجامعة الفيوم    القانون يحدد شروط لوضع الإعلانات.. تعرف عليها    متابعة تطورات حركة جماعة الإخوان الإرهابية مع الإعلامية آلاء شتا.. فيديو    الدقيقة بتفرق في إنقاذ حياة .. أعراض السكتة الدماغية    تنسيق الجامعات 2025 .. تفاصيل برامج كلية التجارة جامعة عين شمس (مصروفات)    يسمح ب«تقسيط المصروفات».. حكاية معهد السياحة والفنادق بعد قضية تزوير رمضان صبحي    إخماد حريق في محول كهرباء في «أبو النمرس» بالجيزة    منافسة غنائية مثيرة في استاد الإسكندرية بين ريهام عبد الحكيم ونجوم الموسيقى العربية.. صور    إنجاز غير مسبوق.. إجراء 52 عملية جراحية في يوم واحد بمستشفى نجع حمادي    رئيس مدينة الحسنة يعقد اجتماعا تنسيقيا تمهيدا للاستعداد لانتخابات الشيوخ 2025    أحمد فؤاد سليم: عشت مواجهة الخطر في الاستنزاف وأكتوبر.. وفخور بتجربتي ب "المستقبل المشرق"    رسميًا.. جدول صرف مرتبات شهر أغسطس 2025 بعد تصريحات وزارة المالية (تفاصيل)    عاجل- ترمب: زوجتي ميلانيا شاهدت الصور المروعة من غزة والوضع هناك قاس ويجب إدخال المساعدات    ناشط فلسطيني: دور مصر مشرف وإسرائيل تتحمل انتشار المجاعة في غزة.. فيديو    أسامة نبيه يضم 33 لاعبا فى معسكر منتخب الشباب تحت 20 سنة    مصرع عامل اختل توازنه وسقط من أعلى سطح المنزل في شبين القناطر    عمرو الجناينى: تفاجأت باعتزال شيكابالا.. ولم أتفاوض مع أحمد عبد القادر    «الجو هيقلب» .. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم : أمطار وانخفاض «مفاجئ»    جدول امتحانات الثانوية العامة دور ثاني 2025 (اعرف التفاصيل)    ترامب: الهند ستواجه تعريفة جمركية تتراوح بين 20% و25% على الأرجح    عيار 21 الآن يسجل رقمًا جديدًا.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 30 يوليو بعد الانخفاض بالصاغة    محمد السادس: المغرب مستعد لحوار صريح ومسؤول مع الجزائر    سبب غياب كريم فؤاد عن ودية الأهلي وإنبي وموعد عودته    الجنايني عن شروط عبدالله السعيد للتجديد مع الزمالك: "سيب اللي يفتي يفتي"    معلقة داخل الشقة.. جثة لمسن مشنوق تثير الذعر بين الجيران ببورسعيد    هل يُحاسب الطفل على الحسنات والسيئات قبل البلوغ؟.. واعظة تجيب    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر يرد في هذه الحالة    ما الذي يُفِيدُه حديث النبي: (أفضل الأعمال الصلاة على وقتها)؟.. الإفتاء توضح    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



" نور" رواية عن المرأة العربية في المعتقل الكبير
نشر في صوت البلد يوم 01 - 11 - 2016

في ثلاثيته “محال”، “جونتنامو”، وأخيرا “نور”، يخوض زيدان نوعا مختلفا من التجريب عما سبق أن بدأه في أعماله السابقة التي غلب عليها الطابعان التاريخي والميثولوجي، ليُقدم قراءة فلسفية وفكرية في الواقع الراهن للإنسان العربي أو ربما تصويرا لحيرته وبؤسه وشعوره بالضياع.
بداية، تحدث زيدان عن ثلاثيته والأسباب الفنية والأدبية لاختياره شكل الثلاثية في الكتابة قائلا “الشكل الذي يتخذه العمل الأدبي هو إحدى الأدوات التي يلجأ إليها المؤلف كي يعطي نصا مناسبا لما يريد أن يقول، ليس هذا في الأعمال الروائية فحسب وإنما أيضا في سائر الأشكال الإبداعية والأعمال الأدبية”.
في “محال”، و”جونتنامو”، و”نور” لا توجد أجيال متعاقبة ولا توجد فترة زمنية ممتدة نضطر إلى تقسيمها إلى مراحل، كل ما في الأمر أن الرواية الأولى تحكي بلسان الراوي العليم عن الشخصيتين الرئيسيتين: الفتى والفتاة اللذين يمثلان الروح الحائر عند الإنسان العربي في مرحلة الشباب، فكان الهاجس الرئيس والفكرة المحورية للرواية الأولى التي يمكن أن تُقرأ منفردة أو في تكاملها مع الروايتين التاليتين: الضياع الذي يواجه الإنسان العربي في هذه الفترة الزمنية الممتدة من بداية التسعينات إلى وقتنا الحالي.
الأحداث الروائية في الرواية الأولى “محال” تدور في الفترة الممتدة ما بين بداية التسعينات إلى بداية الألفية الجديدة، وتركز على صلة الإنسان بالمكان والضياع الذي يواجه البطل ممثلا لشريحة كبيرة من الشباب العربي. أما الخطاب الأساسي في الرواية الثانية “جونتانمو” فمفاده أن الحبس يكون للأجسام إنما لا حدود للأرواح التي تُحبس، فالبطل يخوض تجربة الاعتقال وتمارس عليه الأفعال التي ارتبطت في أذهاننا بمعسكر غوانتانامو الشهير وتعامينا عن أن ما يحدث في معتقلاتنا أشد وأنكى.
كانت هذه أول صدمة على مستوى الوعي بالنص قبل كتابته والتجهيز له، ثم لاحظ زيدان أن معظم الذين خرجوا من معتقل غوانتانامو وعانوا من هذه التجربة البشعة عادوا إلى الحياة واندمجوا فيها وتجاوزوا هذه الفترة، وكان السؤال المُلِح هنا كيف يستطيع الإنسان أن يعبر تجربة مثل هذه؟ لا بد أن لديه طاقات معطلة تُستعمل في مثل هذه الظروف، طاقات ربما لا تسمح لها مجتمعاتنا بالتحرك مثل القدرة على الخيال وإعادة قراءة النصوص مثلما فعل البطل مع نصوص القرآن الذي كان يحفظه، لكنه خرج منه برؤى جديدة خلال تلك الفترة، الحلم الذي لا يمكن حبسه مهما كان طالما هناك وعي إنساني.
وعن طريق هذه القدرات استطاع هؤلاء أن يعبروا من أشد وأنكى التجارب التي يتعرض لها الناس في الكثير من الأحيان.
وكانت عند ضيفنا أسئلة أخرى قبل الكتابة، مثل كيف أستطيع أن أتمثل شعور البطل، وهذا عالجه بطريقته الخاصة عبر عملية انعزال تام طوال فترة الكتابة ومعايشة اللحظات التي يتعرض لها السجناء مثل لحظة التعرض للشمس ليستطيع أن يقترب من شعور البطل في الرواية، وكان هناك تحد آخر هو أن يكتب رواية على لسان البطل قد تُصنف ظاهريا على أنها من أدب السجون، لكنها في واقع الأمر نص يحتفي بالحرية الإنسانية وهذه مفارقة كبرى.
يستطرد زيدان في حديثه عن الجزء الأخير من الثلاثية قائلا “في الرواية الثالثة ‘نور‘ الفتاة التي عانت بشكل لا يقل عن معاناة الشاب في المعتقل، ولكنها في المعتقل الكبير، معتقل المعتقد والتقاليد الموروثة والإمكانيات المُهدرة وإشكالية العلاقة بين الإنسانية المؤنثة والسماء، وهذه الرواية قد تصنف ظاهريا على أنها نسوية لكنها في حقيقة الأمر رواية فلسفية لأنها تناقش الموضوعات الثلاثة الأساسية في الفلسفة وهي؛ الله والعالم والإنسان.
‘نور‘ كتابة فلسفية عن الفتاة نورا وأصداء هذه الموضوعات الفلسفية عليها، من هنا جاء شكل الثلاثية لأسباب فنية ولتكتمل الرؤية، فإن تمت قراءة الروايات منفصلة كان لكل منها خطابها الخاص وإن قرأت مكتملة من أي نقطة بدأنا منها ندخل إلى الدائرة التي تجمع الروايات الثلاث، الدائرة تنتهي حيث تبدأ وتبدأ حيث تنتهي فهي محيطة بتفاصيل حياتنا وإشارة أخرى إلى أننا جميعا داخل الدائرة”.
في روايته الأخيرة “نور” خطابٌ أنثوي مناهض لكل ما تعانيه المرأة العربية من استعباد وقهر، فها هي نورا فتاة مثقفة حالمة تسعى للتحقق والتحرر وترفض استغلالها تحت أي مسمى، تعاني من قهر مجتمعي مستحقر للأنثى ومشته لها في الوقت ذاته، وهي في الرواية جزء من سلسلة أنثوية وضعها المؤلف في ثلاثة أجيال
لا تختلف كثيرا عن بعضها، بعضهن تأقلم مع النسيج المجتمعي وصرن جزءا منه، والأخريات سقطن في “اللامعيارية” أو اخترن “الهجرة”. وهنا يقول زيدان “الأجيال الثلاثة النسائية ليست منفصلة، فلم أتحدث عن جيل مستقل عن آخر، وإنما التفاعل جار اجتماعيا وبالتالي فكريا وإنسانيا، عندما تتفاعل هذه الأجيال معا تنتج صورة إنسانية وبالتالي تعكس حال الإنسان في جانبه الأنثوي وتفصح عن دقائق علاقته بالعالم وبالآخر وبالسماء”.
نسأل ضيفنا هل سيرى الجيل الثالث من النساء ممثلا في الطفلة نور بصيصا من النور في المستقبل؟ ليجيب زيدان “الشواهد الواردة في الجزء الأخير من الرواية تدل على أن المرأة حتى ذلك الحين استطاعت أن تكسب رهانها على ذاتها وذلك في حدود العام 2010 وقبله بقليل، ما جرى بعد ذلك هو قصة أخرى، لكن قصتها تفسر الكثير مما نحن فيه الآن، ولا نستطيع أن نفهم ما نعيشه الآن إلا إذا رجعنا لنرى ما جرى في العشرين سنة الأخيرة بقراءة الوقائع والغوص في دلالاتها الخفية.
رؤى القارئ
في رواية ‘نور‘ الأنوثة المتآمر عليها والمراد القضاء عليها واشتهائها في ذات الوقت، فهي المُستعبَدة المطلوبة. المستبعدَة المخشي منها. المشتهاة والمسجونة، هذه التناقضات تحملها المرأة العربية وتسير بها في زماننا هذا الرديء، الذي لا هو يتحرر فينطلق ولا هو يموت فيستريح”.
النهايات المفتوحة خيارٌ مُفضّل بالنسبة إلى يوسف زيدان في أعماله الروائية، فهو قليلا ما يضع نهاية محددة لنصه، إذ تحمل النهايات عنده الكثيرا من الرؤى التأويلية. في “نور” تجد البطلة ثلاثة اتصالات فائتة على هاتفها وتفكر في من ستعاود الاتصال، هل تلك الاتصالات أو الخيارات المطروحة أمام نورا في نهاية الرواية هي ذاتها الخيارات التي نحن بصددها الآن في العالم العربي، النكوص نحو تيارات ظلامية تحبس العقل العربي في سجون الماضي أو الانزلاق نحو الحداثة بالاقتلاع الكامل من الجذور العربية أو خيار ثالث غير مذكور وربما هو الأفضل؟ يجيب زيدان “هذه كلها رؤى القراء، وهي جزء من هدفي في إشراك القارئ في النص وإفساح المجال له لأن يضفي من ذاته الواعية فيكتمل النص بداخله فأنا لا أُقدِم نصوصا مغلقة، أقدم تساؤلات كبرى بلغة أجتهد لأن تأتي على مستوى من النصوع لتنفض الغبار عن اللغة التي نتداولها اليوم وحالها المتردي، وغرض أهم من ذلك كله هو الكشف عن جوهر الإنسان، فكان جزء من التكنيك الروائي هو إشراك القارئ في الأمر، هو ليس محايدا ولكنه جزء من النص يتفاعل معه في رؤاه ويتشارك في وضع نهايته”.
في رواية “نور” نحتٌ لتفاصيل دقيقة في حياة الأنثى وغوص عميق في مشاعرها وأفكارها، وهي في باطنها رواية نسوية تتفوق على الكثير من الكتابات النسوية النسائية، ويشير زيدان إلى أنه عانى كثيرا في كتابة الرواية ولذلك تأخرت، فعادة ما تستغرق كتابة الرواية منه شهورا في حدود العشرة أو السنة، لكن “نور” استغرقت كتابتها عامين كاملين، لأنه ليس من السهل التعبير بلغة أنثوية عن مشاعر الأنثى خاصة أنها ليست مشاعر فتاة بسيطة كما هو الحال في رواية “النبطي”، ولكنها فتاة مثقفة وواعية بشكل عميق بما يجري حولها، وبالتالي كانت لغة الرواية تمثل صعوبة عالية اقتضت أن يعيد الكتابة أكثر من مرة، وعمل اختبارات قراءة متعددة، مضيفا “مثلا المشهد الخاص بواقعة اغتصاب صديقتها أمل كتبته أكثر من عشر مرات وكنت كلما انتهيت من كتابته أقرأه على فتاة ثم امرأة ناضجة ثم رجل لأتأمل انعكاس النص على مرآتهم، فإن لم أجده يمس أعماق السامع أتركه وأعيد كتابته من جديد هادفا للوصول باللغة إلى القدر الذي تستطيع معه التعبير عن هذه اللحظة المريعة التي قد يكتفي الناس بإدانتها على نحو إجمالي، لكن لا يستشعرون مقدار القبح فيها. هذا عبء على اللغة وعلى التأليف للوصول بالمشهد إلى المستوى الذي ينعكس فيه بقوة على مرآة القارئ”.
النبرة السياسية
في الجزأين الأول والثاني من الثلاثية تعالت النبرة السياسية بشكل واضح، تعرض فيها المؤلف للكثير من القضايا السياسية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، لتتقلص المساحة الممنوحة لذلك الشأن في الجزء الأخير “نور”، وهنا يوضح زيدان أن الأحوال السياسية الجارية لن تفسرها السياسة وإنما تفسرها على نحو أدق الحالة الإنسانية العامة المتجلية في رواية نور، فالعبرة ليست بالمساحة التي نعطيها للهم السياسي، ففي صفحتين أو ثلاث فقط في نهايات رواية “نور” مفتاح لفهم ما لا حصر له من وقائع سياسية كانت تجري أو جرت بعد ذلك، ولا يمكن فهمها إلا انطلاقا من حوارها الأخير المُطوّل مع حبيبها الأول.
ويضيف “لم أهاجم قط الثورات العربية في الثلاثية أو غيرها. الثورات العربية انطلقت من ظروف موضوعية فكانت شرارتها الأولى منطقية ومبررة تماما، ولكن سرعان ما تدخل في المشهد أصحاب المصالح من الداخل والخارج، وتصارعت المصالح الخفية في معظمها فخرجت الثورة عن مفهوم الحركة الاجتماعية إلى ما انتهى إليه الحال في البلاد العربية التي ثارت ودفعت الثمن باهظا لتزداد الشعوب العربية خضوعا ويصبح على المواطن أن يقبل ما هو فيه وإلا فالنتيجة كما رأينا في البلاد التي انهارت، فإذا بالبلاد التي ثارت تعاني بعد الثورات من قهر أنكى وأشد”.
يوضح زيدان في ختام حديثه أنه يسعى من خلال الكتابة إلى الارتقاء باللغة والوعي العام. هذا النوع من الكتابة التي يسعى إليها هو أحد تجليات الثورة الثقافية التي كتب عنها في مقالاته، مفسرا “الثورة رغم أنها لا يقوم بها شخص واحد، إلا أنها يدعو لها شخص واحد، قد تنجح دعوته وقد يتم وأدها، قد يلتقط الناس منه الخيط وقد تنقطع عنهم السبل، لكنني أقوم بدوري.. أقول كلمتي وأمضي مثلما فعل الأوائل”.
في ثلاثيته “محال”، “جونتنامو”، وأخيرا “نور”، يخوض زيدان نوعا مختلفا من التجريب عما سبق أن بدأه في أعماله السابقة التي غلب عليها الطابعان التاريخي والميثولوجي، ليُقدم قراءة فلسفية وفكرية في الواقع الراهن للإنسان العربي أو ربما تصويرا لحيرته وبؤسه وشعوره بالضياع.
بداية، تحدث زيدان عن ثلاثيته والأسباب الفنية والأدبية لاختياره شكل الثلاثية في الكتابة قائلا “الشكل الذي يتخذه العمل الأدبي هو إحدى الأدوات التي يلجأ إليها المؤلف كي يعطي نصا مناسبا لما يريد أن يقول، ليس هذا في الأعمال الروائية فحسب وإنما أيضا في سائر الأشكال الإبداعية والأعمال الأدبية”.
في “محال”، و”جونتنامو”، و”نور” لا توجد أجيال متعاقبة ولا توجد فترة زمنية ممتدة نضطر إلى تقسيمها إلى مراحل، كل ما في الأمر أن الرواية الأولى تحكي بلسان الراوي العليم عن الشخصيتين الرئيسيتين: الفتى والفتاة اللذين يمثلان الروح الحائر عند الإنسان العربي في مرحلة الشباب، فكان الهاجس الرئيس والفكرة المحورية للرواية الأولى التي يمكن أن تُقرأ منفردة أو في تكاملها مع الروايتين التاليتين: الضياع الذي يواجه الإنسان العربي في هذه الفترة الزمنية الممتدة من بداية التسعينات إلى وقتنا الحالي.
الأحداث الروائية في الرواية الأولى “محال” تدور في الفترة الممتدة ما بين بداية التسعينات إلى بداية الألفية الجديدة، وتركز على صلة الإنسان بالمكان والضياع الذي يواجه البطل ممثلا لشريحة كبيرة من الشباب العربي. أما الخطاب الأساسي في الرواية الثانية “جونتانمو” فمفاده أن الحبس يكون للأجسام إنما لا حدود للأرواح التي تُحبس، فالبطل يخوض تجربة الاعتقال وتمارس عليه الأفعال التي ارتبطت في أذهاننا بمعسكر غوانتانامو الشهير وتعامينا عن أن ما يحدث في معتقلاتنا أشد وأنكى.
كانت هذه أول صدمة على مستوى الوعي بالنص قبل كتابته والتجهيز له، ثم لاحظ زيدان أن معظم الذين خرجوا من معتقل غوانتانامو وعانوا من هذه التجربة البشعة عادوا إلى الحياة واندمجوا فيها وتجاوزوا هذه الفترة، وكان السؤال المُلِح هنا كيف يستطيع الإنسان أن يعبر تجربة مثل هذه؟ لا بد أن لديه طاقات معطلة تُستعمل في مثل هذه الظروف، طاقات ربما لا تسمح لها مجتمعاتنا بالتحرك مثل القدرة على الخيال وإعادة قراءة النصوص مثلما فعل البطل مع نصوص القرآن الذي كان يحفظه، لكنه خرج منه برؤى جديدة خلال تلك الفترة، الحلم الذي لا يمكن حبسه مهما كان طالما هناك وعي إنساني.
وعن طريق هذه القدرات استطاع هؤلاء أن يعبروا من أشد وأنكى التجارب التي يتعرض لها الناس في الكثير من الأحيان.
وكانت عند ضيفنا أسئلة أخرى قبل الكتابة، مثل كيف أستطيع أن أتمثل شعور البطل، وهذا عالجه بطريقته الخاصة عبر عملية انعزال تام طوال فترة الكتابة ومعايشة اللحظات التي يتعرض لها السجناء مثل لحظة التعرض للشمس ليستطيع أن يقترب من شعور البطل في الرواية، وكان هناك تحد آخر هو أن يكتب رواية على لسان البطل قد تُصنف ظاهريا على أنها من أدب السجون، لكنها في واقع الأمر نص يحتفي بالحرية الإنسانية وهذه مفارقة كبرى.
يستطرد زيدان في حديثه عن الجزء الأخير من الثلاثية قائلا “في الرواية الثالثة ‘نور‘ الفتاة التي عانت بشكل لا يقل عن معاناة الشاب في المعتقل، ولكنها في المعتقل الكبير، معتقل المعتقد والتقاليد الموروثة والإمكانيات المُهدرة وإشكالية العلاقة بين الإنسانية المؤنثة والسماء، وهذه الرواية قد تصنف ظاهريا على أنها نسوية لكنها في حقيقة الأمر رواية فلسفية لأنها تناقش الموضوعات الثلاثة الأساسية في الفلسفة وهي؛ الله والعالم والإنسان.
‘نور‘ كتابة فلسفية عن الفتاة نورا وأصداء هذه الموضوعات الفلسفية عليها، من هنا جاء شكل الثلاثية لأسباب فنية ولتكتمل الرؤية، فإن تمت قراءة الروايات منفصلة كان لكل منها خطابها الخاص وإن قرأت مكتملة من أي نقطة بدأنا منها ندخل إلى الدائرة التي تجمع الروايات الثلاث، الدائرة تنتهي حيث تبدأ وتبدأ حيث تنتهي فهي محيطة بتفاصيل حياتنا وإشارة أخرى إلى أننا جميعا داخل الدائرة”.
في روايته الأخيرة “نور” خطابٌ أنثوي مناهض لكل ما تعانيه المرأة العربية من استعباد وقهر، فها هي نورا فتاة مثقفة حالمة تسعى للتحقق والتحرر وترفض استغلالها تحت أي مسمى، تعاني من قهر مجتمعي مستحقر للأنثى ومشته لها في الوقت ذاته، وهي في الرواية جزء من سلسلة أنثوية وضعها المؤلف في ثلاثة أجيال
لا تختلف كثيرا عن بعضها، بعضهن تأقلم مع النسيج المجتمعي وصرن جزءا منه، والأخريات سقطن في “اللامعيارية” أو اخترن “الهجرة”. وهنا يقول زيدان “الأجيال الثلاثة النسائية ليست منفصلة، فلم أتحدث عن جيل مستقل عن آخر، وإنما التفاعل جار اجتماعيا وبالتالي فكريا وإنسانيا، عندما تتفاعل هذه الأجيال معا تنتج صورة إنسانية وبالتالي تعكس حال الإنسان في جانبه الأنثوي وتفصح عن دقائق علاقته بالعالم وبالآخر وبالسماء”.
نسأل ضيفنا هل سيرى الجيل الثالث من النساء ممثلا في الطفلة نور بصيصا من النور في المستقبل؟ ليجيب زيدان “الشواهد الواردة في الجزء الأخير من الرواية تدل على أن المرأة حتى ذلك الحين استطاعت أن تكسب رهانها على ذاتها وذلك في حدود العام 2010 وقبله بقليل، ما جرى بعد ذلك هو قصة أخرى، لكن قصتها تفسر الكثير مما نحن فيه الآن، ولا نستطيع أن نفهم ما نعيشه الآن إلا إذا رجعنا لنرى ما جرى في العشرين سنة الأخيرة بقراءة الوقائع والغوص في دلالاتها الخفية.
رؤى القارئ
في رواية ‘نور‘ الأنوثة المتآمر عليها والمراد القضاء عليها واشتهائها في ذات الوقت، فهي المُستعبَدة المطلوبة. المستبعدَة المخشي منها. المشتهاة والمسجونة، هذه التناقضات تحملها المرأة العربية وتسير بها في زماننا هذا الرديء، الذي لا هو يتحرر فينطلق ولا هو يموت فيستريح”.
النهايات المفتوحة خيارٌ مُفضّل بالنسبة إلى يوسف زيدان في أعماله الروائية، فهو قليلا ما يضع نهاية محددة لنصه، إذ تحمل النهايات عنده الكثيرا من الرؤى التأويلية. في “نور” تجد البطلة ثلاثة اتصالات فائتة على هاتفها وتفكر في من ستعاود الاتصال، هل تلك الاتصالات أو الخيارات المطروحة أمام نورا في نهاية الرواية هي ذاتها الخيارات التي نحن بصددها الآن في العالم العربي، النكوص نحو تيارات ظلامية تحبس العقل العربي في سجون الماضي أو الانزلاق نحو الحداثة بالاقتلاع الكامل من الجذور العربية أو خيار ثالث غير مذكور وربما هو الأفضل؟ يجيب زيدان “هذه كلها رؤى القراء، وهي جزء من هدفي في إشراك القارئ في النص وإفساح المجال له لأن يضفي من ذاته الواعية فيكتمل النص بداخله فأنا لا أُقدِم نصوصا مغلقة، أقدم تساؤلات كبرى بلغة أجتهد لأن تأتي على مستوى من النصوع لتنفض الغبار عن اللغة التي نتداولها اليوم وحالها المتردي، وغرض أهم من ذلك كله هو الكشف عن جوهر الإنسان، فكان جزء من التكنيك الروائي هو إشراك القارئ في الأمر، هو ليس محايدا ولكنه جزء من النص يتفاعل معه في رؤاه ويتشارك في وضع نهايته”.
في رواية “نور” نحتٌ لتفاصيل دقيقة في حياة الأنثى وغوص عميق في مشاعرها وأفكارها، وهي في باطنها رواية نسوية تتفوق على الكثير من الكتابات النسوية النسائية، ويشير زيدان إلى أنه عانى كثيرا في كتابة الرواية ولذلك تأخرت، فعادة ما تستغرق كتابة الرواية منه شهورا في حدود العشرة أو السنة، لكن “نور” استغرقت كتابتها عامين كاملين، لأنه ليس من السهل التعبير بلغة أنثوية عن مشاعر الأنثى خاصة أنها ليست مشاعر فتاة بسيطة كما هو الحال في رواية “النبطي”، ولكنها فتاة مثقفة وواعية بشكل عميق بما يجري حولها، وبالتالي كانت لغة الرواية تمثل صعوبة عالية اقتضت أن يعيد الكتابة أكثر من مرة، وعمل اختبارات قراءة متعددة، مضيفا “مثلا المشهد الخاص بواقعة اغتصاب صديقتها أمل كتبته أكثر من عشر مرات وكنت كلما انتهيت من كتابته أقرأه على فتاة ثم امرأة ناضجة ثم رجل لأتأمل انعكاس النص على مرآتهم، فإن لم أجده يمس أعماق السامع أتركه وأعيد كتابته من جديد هادفا للوصول باللغة إلى القدر الذي تستطيع معه التعبير عن هذه اللحظة المريعة التي قد يكتفي الناس بإدانتها على نحو إجمالي، لكن لا يستشعرون مقدار القبح فيها. هذا عبء على اللغة وعلى التأليف للوصول بالمشهد إلى المستوى الذي ينعكس فيه بقوة على مرآة القارئ”.
النبرة السياسية
في الجزأين الأول والثاني من الثلاثية تعالت النبرة السياسية بشكل واضح، تعرض فيها المؤلف للكثير من القضايا السياسية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، لتتقلص المساحة الممنوحة لذلك الشأن في الجزء الأخير “نور”، وهنا يوضح زيدان أن الأحوال السياسية الجارية لن تفسرها السياسة وإنما تفسرها على نحو أدق الحالة الإنسانية العامة المتجلية في رواية نور، فالعبرة ليست بالمساحة التي نعطيها للهم السياسي، ففي صفحتين أو ثلاث فقط في نهايات رواية “نور” مفتاح لفهم ما لا حصر له من وقائع سياسية كانت تجري أو جرت بعد ذلك، ولا يمكن فهمها إلا انطلاقا من حوارها الأخير المُطوّل مع حبيبها الأول.
ويضيف “لم أهاجم قط الثورات العربية في الثلاثية أو غيرها. الثورات العربية انطلقت من ظروف موضوعية فكانت شرارتها الأولى منطقية ومبررة تماما، ولكن سرعان ما تدخل في المشهد أصحاب المصالح من الداخل والخارج، وتصارعت المصالح الخفية في معظمها فخرجت الثورة عن مفهوم الحركة الاجتماعية إلى ما انتهى إليه الحال في البلاد العربية التي ثارت ودفعت الثمن باهظا لتزداد الشعوب العربية خضوعا ويصبح على المواطن أن يقبل ما هو فيه وإلا فالنتيجة كما رأينا في البلاد التي انهارت، فإذا بالبلاد التي ثارت تعاني بعد الثورات من قهر أنكى وأشد”.
يوضح زيدان في ختام حديثه أنه يسعى من خلال الكتابة إلى الارتقاء باللغة والوعي العام. هذا النوع من الكتابة التي يسعى إليها هو أحد تجليات الثورة الثقافية التي كتب عنها في مقالاته، مفسرا “الثورة رغم أنها لا يقوم بها شخص واحد، إلا أنها يدعو لها شخص واحد، قد تنجح دعوته وقد يتم وأدها، قد يلتقط الناس منه الخيط وقد تنقطع عنهم السبل، لكنني أقوم بدوري.. أقول كلمتي وأمضي مثلما فعل الأوائل”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.