تنسيق الجامعات 2025| إعلان نتيجة المرحلة الأولى «الأحد».. وموعد بدء المرحلة الثانية    المصريون بالسعودية يواصلون التصويت في انتخابات «الشيوخ»    المصريون في البرازيل يشاركون في انتخابات مجلس الشيوخ 2025    انطلاق قمة «ستارت» لختام أنشطة وحدات التضامن الاجتماعي بالجامعات لعام 2024-2025    مجلس الشيوخ المصري.. ثمرة عقود من التجربة الديمقراطية    تطوير 380 مركزا تكنولوجيا بالمحليات والقرى والمدن وأجهزة المجتمعات الجديدة    أسعار اللحوم الحمراء اليوم السبت 2 أغسطس    تعاون بين «الجمارك وتجارية القاهرة».. لتيسير الإجراءات الجمركية    النقل: استمرار تلقي طلبات السائقين الراغبين في الانضمام للبرنامج التدريبي المجاني    شركة خدمات البترول البحرية تنتهي من تطوير رصيف UGD بميناء دمياط    خلال مظاهرات تل أبيب| مبعوث ترامب يزور أهالى الأسرى الإسرائيليين بغزة    «يونيسف»: مؤشر سوء التغذية في غزة تجاوز عتبة المجاعة    "من القاهرة للإخوان.. شكرا لحسن غبائكم".. حلقة جديدة من برنامج "الكلام علي إيه" مع همت سلامة    حارس الزمالك يرفض الرحيل في الميركاتو الصيفي    مدرب نيوكاسل: أعرف أخبار إيزاك من وسائل الإعلام.. وأتمنى رؤيته بقميص النادي مجددا    القبض على البلوجر سوزي الأردنية داخل شقتها بالقاهرة الجديدة    الأرصاد: أجواء غائمة جزئياً على شمال البلاد وفرصة لأمطار خفيفة بالقاهرة    تحرير 844 مخالفة مرورية لعدم تركيب الملصق الإلكتروني    حفل أسطوري.. عمرو دياب يحقق أعلى حضور جماهيري في مهرجان العلمين    مراسل إكسترا نيوز: الوطنية للانتخابات تتواصل مع سفراء مصر بالخارج لضمان سلاسة التصويت    بأداء كوميدي وملاكمة فلاحة.. «روكي الغلابة» يحصد 6 ملايين في 48 ساعة    في 16 قرار.. تجديد وتكليف قيادات جديدة داخل وحدات ومراكز جامعة بنها    «بيت الزكاة والصدقات»: غدًا صرف إعانة شهر أغسطس للمستحقين    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ عالم أزهري يجيب    79 مليون خدمة طبية لمنتفعي التأمين الصحي الشامل في 6 محافظات    «الصحة» تطلق منصة إلكترونية تفاعلية وتبدأ المرحلة الثانية من التحول الرقمي    مدبولي يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات بمجلس الوزراء خلال يوليو 2025    مفاجأة.. أكبر جنين بالعالم عمره البيولوجي يتجاوز 30 عامًا    "صحة غزة": شاحنات تحمل أدوية ومستلزمات طبية ستدخل القطاع اليوم عبر منظمة الصحة العالمية    انخفاض الطن.. سعر الحديد اليوم السبت 2 أغسطس 2025 (أرض المصنع والسوق)    ابحث عن طريقة لزيادة دخلك.. توقعات برج الحمل في أغسطس 2025    تنسيق المرحلة الثانية للثانوية العامة 2025.. 5 نصائح تساعدك على اختيار الكلية المناسبة    21 مصابًا.. ارتفاع أعداد المصابين في حادث انفجار أسطوانة بوتاجاز بمطعم بسوهاج    شكل العام الدراسي الجديد 2026.. مواعيد بداية الدراسة والامتحانات| مستندات    تنظيم قواعد إنهاء عقود الوكالة التجارية بقرار وزاري مخالف للدستور    موعد مباراة بايرن ميونخ ضد ليون الودية والقنوات الناقلة    وزير الرياضة يشهد تتويج منتخب الناشئين والناشئات ببطولة كأس العالم للاسكواش    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على طرق القاهرة والجيزة    زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب شمال باكستان    الهيئة الوطنية للانتخابات: تواصل دائم مع السفراء لمتابعة انتخابات مجلس الشيوخ بالخارج    أيمن يونس: شيكابالا سيتجه للإعلام.. وعبد الشافي سيكون بعيدا عن مجال كرة القدم    تعرف على منافسات مصر بسابع أيام دورة الألعاب الأفريقية للمدارس بالجزائر    22 شهيدا في غزة.. بينهم 12 أثناء انتظار المساعدات    ترامب يخطو الخطوة الأولى في «سلم التصعيد النووي»    وفاة والد معتمد جمال مدرب الزمالك السابق    سعر الأرز الشعير والأبيض اليوم السبت 2-8-2025 في أسواق الشرقية    تنسيق الدبلومات الفنية 2025.. رابط تسجيل اختبارات كليات الهندسة والحاسبات والتجارة والزراعة (المنهج)    سعر الذهب اليوم السبت 2 أغسطس 2025 يقفز لأعلى مستوياته في أسبوع    الصفاقسي التونسي يكشف تفاصيل التعاقد مع علي معلول    مقتل 4 أشخاص في إطلاق نار داخل حانة بولاية مونتانا الأمريكية    عمرو دياب يشعل العلمين في ليلة غنائية لا تُنسى    محافظ سوهاج يقرر غلق محلين بسبب مشاجرة بعض العاملين وتعطيل حركة المواطنين    كما كشف في الجول – النجم الساحلي يعلن عودة كريستو قادما من الأهلي    استشارية أسرية: الزواج التقليدي لا يواكب انفتاح العصر    حسام موافي ينصح الشباب: مقاطعة الصديق الذي علمك التدخين حلال    أمين الفتوى: البيت مقدم على العمل والمرأة مسؤولة عن أولادها شرعًا (فيديو)    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ د. يسري جبر يوضح    وزير الأوقاف يؤدي صلاة الجمعة من مسجد الإمام الحسين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العالم السري للكتاب والطقوس الغريبة للمبدعين
نشر في صوت البلد يوم 30 - 10 - 2016

لا تختلف حياة الكُتَّاب بما تحويه من غرائب تلتصق بهم عن العوالم التي يخلقونها على الورق، فعملية خلق العمل الأدبي في الغالب تتبعها طقوس تصل حدّ المعاناة، فَتروي المدونة الأدبيّة مثلا أن جريرا كان إذا أراد أن يهجو الفرزدق أطفأ على نفسه الضوء وتمدّد على الأرض وصار يحكّ جسده على ترابها بحركة دائرية مؤلمة. ومن المعروف أيضا أن الوحي كان يأتي أمير الشعراء أحمد شوقي في أي مكان، لذا كان لا يثق أبدا في ذاكرته حيث كان يكتب الوحي فوق أي شيء يجده حتى يده. ويكشف كل هذا عن أطوار غريبة تنتاب الأدباء والأديبات أثناء عملية الكتابة، وفي هذا التحقيق تكشف “العرب” عمّا يكمن تسميته ب”العالم السري للكتابة”، بما يحويه من غرائب وعجائب الأدباء أثناء تشكيل النصوص.
النص الذي يخرج إلى القارئ، تصحبه معاناة لا تبدأ بالفكرة التي يبحث عنها المؤلف، وهناك من يلتقط أفكاره من الطرقات كما قال الجاحظ قديما، أو من على المقاهي كما كان يفعل نجيب محفوظ. بل إن المعاناة تتلاحق أيضا في أوقات الكتابة التي هي مختلفة وتكشف أنّهم في الكثير من الأحيان يعملون ضد نواميس الطبيعة وفي أحيان أخرى يعاركون الوقت والظروف حتى تخرج إبداعاتهم كما يشاؤون.
كان نزار قباني لا يستخدم إلا الأوراق الملونة، وجمال الغيطاني لا يكتب إلا بقلم فاخر كان من إهداء الكاتب محمد حسنين هيكل، في المقابل تجد أن كتاب الغرب يتميزون بالبساطة، فمعظم من شملهم التحقيق يميلون إلى الكتابة على الأوراق باستعمال قلم الرصاص، وينفرون إلى حدّ السخط من الكمبيوتر.
الالتزام الصارم
من الأدباء ما جعل الأدب بمثابة المهنة الرسمية لا في إضفاء عائد عليه، وإنما كوقت يحتاج للقداسة، ومن هؤلاء كان نجيب محفوظ، الذي عمل موظفا رسميا واكتسب من عمله على اختلافه الالتزام. فكان يكتب كل يوم في وقت محدّد من الساعة 4 إلى 7 باستثناء أيام الجمعة التي يخصصها للقاء الأصدقاء، هذا قبل تقاعده، ويلتزم بكل مستلزمات العمل الرسمي فيرتدي الملابس الرسميّة وكأنّه في عمل. لذا على غير الأدباء يعتبر نجيب محفوظ أن الوظيفة الرسمية “مادة إنسانية عظيمة أمدّته بنماذج بشرية لها أكثر من أثر في كتاباته” وإن كان يضيف إليها المقهى والحارة فثلاثتهم (الوظيفة والمقهى والحارة) مصادر رئيسية في أدب محفوظ، كما اعترف لرجاء النقاش.
ولا يختلف التركي أورهان باموق في عاداته عن نجيب محفوظ، فأهال على الكتابة قدسيّة وصرامة، حدت به إلى شراء شقّة تطلُّ على البوسفور في مواجهة لبيت العائلة، لتكون بمثابة مكتب عمل خاص بالكتابة، وعندما سافر مع زوجته إلى أميركا لإعداد أطروحة دكتوراه، تصادف أنْ سكنا في بيت للطلاب معا، وكان عبارة عن غرفة نوم وصالة وحمام، وهو ما سبب مشكلة كبيرة في عادة الفصل بين مكان الكتابة والمعيشة، فتفطن إلى حيلة أنه في الصباح يرتدي ملابسه ويخرج كأنّه ذاهب إلى العمل، وبعد دقائق يعود سريعا إلى البيت وقد هيّأ نفسه على فكرة أنه انتقل إلى مكان العمل.
ويشاركهما في هذا الأمر الروائي الأميركي من أصل أفغاني خالد حسيني، فعندما ينشغل بكتابة مخطوطة يأخذ أطفاله أولا إلى المدرسة عند الثامنة صباحا ثم يعود لممارسة البعض من الرياضة ثم يجلس إلى طاولة الكتابة في مكتبه الصغير عند التاسعة، ويواصل الكتابة حتى الثانية بعد الظهر حيث يتوجّب عليه الذهاب لجلب أطفاله من المدرسة وحينها يصير كما يقول “أبا بوقت كامل ولا أفكر في كتابة أي شيء آنذاك”. وكان دستويفسكي أثناء إملاء عمله تنتابه حالة من الاضطراب والقلق، وكان وقت الكتابة، وفق ما ذكرت عاملة الاختزال من الثانية عشرة إلى الرابعة عشرة، يملي خلال هذه الفترة ثلاث مرات تصل المرة إلى ما يزيد قليلا عن نصف ساعة.
عادة الجلوس على المكتب إذا كانت تروق للبعض فإنها لا تروق للكثيرين، فالكاتب الأميركي أرنست همنجوي يكتب وهو واقف، في حين أن الشاعر الأميركي من أصل صربي تشارلز سميك، كان يكتب وهو في السّرير، وأحيانا على الأرض واضعا وسادة عالية يتكئ عليها. أما الكاتب الروسي تولستوي فكان يملي ما يودُّ كتابته على عاملة الاختزال، ومن هنا بدأت علاقته بزوجته آنّا جريجوريفنا التي كتبت مذكرات عن حياتها معه.
وعدم التقيّد بالمكان كان السمة المميزة لكاتب الخيال العلمي، فراي برادبوري صاحب “فهرنهايت 451”، على حدّ قوله، “يستطيع الكتابة في أي مكان، لا فرق بين غرفة النوم وقاعة الأكل، حيث يذكر أنه عندما كان في طور النضوج قد كتب في عدة أماكن مختلفة”.
ضد التكنولوجيا
على الرغم مما وفّرته التكنولوجيا الحديثة من تقنيات سهلة وحديثة وأسرع في عملية الكتابة، إلا أن الكُتّاب مازالوا يميلون إلى التقنيات القديمة، حتى يبدو أن ثمّة ارتباطا أو علاقة من نوعٍ خاص بينهم وبين الورقة والقلم مُقابل الكمبيوتر والألواح الرقمية. فالكاتبة أيريس مردوخ كانت تكتب بطريقة تقليدية عبر استخدام الورقة والقلم ولا تستخدم الكمبيوتر، وبالمثل كانت تفعل الكاتبة الأميركية توني موريسون، التي تكتب بقلم الرصاص ولا تستعين بالكمبيوتر إلا لتبييض النسخة الأولى، وإن كان ثمة طقس آخر حيث تكتب فجرا قبل أن يستفيق أطفالها. ويعلن شينو أتشيبي الروائي النيجيري عن أنه بدائي جدا في وسائل الكتابة، فهو يلتزم بالقلم والورقة أثناء الكتابة، على العكس تماما من خوزيه ساراماغو، حيث يكتب رواياته مباشرة على الكمبيوتر، مثله مثل الأفغاني خالد حسيني.
ولازمت فوبيا التكنولوجيا البعض من الكتاب مثل بول أوستر بسبب التفكير في إمكانية أن يفقد ما كتبه في يوم ما بسبب الفيروسات أو أي خطأ تقني، لذلك يفضل الكتابة في دفاتر صفراء صغيرة وبقلم رصاص. أما الكاتب الأرجنتيني ألبرتو مانغويل فيراهن على استمرار الكتاب الورقي وأنه لا يمكن أن يختفي يوما، ففكرة استبدال تقنية ما بتقنية أخرى وأن تظل وحيدة في السّاحة على سطح الكوكب الأرضي هما بالضبط ما لم يحصلا من قبل. وإن كان في حوار ثان قد طوّر من هذه النظرة وذكر أن التقنية الإلكترونية يمكن لها أن توفّر البعض من الخاصيات التفاعلية التي نحوزها عند قراءة الكتاب الورقي الاعتيادي.
الكاتب الإيطالي إيتالو كالفينو لديه ولاء للقلم أيضا، إذ تساعده الورقة والقلم على إجراء الكثير من التصحيحات، فهو يشطب كثيرا كما يقول وفي العادة يكتب بحرف صغير لذا تمر عليه لحظات يعجز فيها عن قراءة ما كتب بنفسه، وهو ما يضطره للاستعانة بعدسة مُكبّرة تعينه على قراءة ما سبق أن كتبه بخط يده. لكن أغرب عاداته أنه يكتب بخطين مختلفين، الأول كبير الحجم وهذا النوع من الخط مرتبط بوثوقه التام في ما يكتب، أما الثاني فصغير الحجم ويستخدمه عندما يكون في حالة أقل وثوقية.
ثمّة عادات معينة أشبه بمتلازمة للكتابة كممارسة رياضة المشي قبل الكتابة، فبول أوستر صاحب “اختراع العزلة وثلاثية نيويورك” يعشق المشي، وكذلك الحال بالنسبة إلى الأسترالي توماس كينلي الذي يرى أن ساعة وخمس دقائق من المشي ضرورية قبل الكتابة. وعلى حد وصف أحد الكتاب، فإن جون ماكسويل كوتزي الكاتب الجنوب الأفريقي، يظل “رجلا يمتلك التكريس والانضباط الذاتي في عمله مثلما يفعل أكثر الرهبان تزمتًّا، فهو لا يتناول المشروبات الكحولية ولا يدخنّ ولا يأكل اللحوم ويمضي مسافات طويلة بصحبة دراجته الهوائية بغية الحفاظ على لياقته البدنيّة ويعمل لساعات مُحدّدة مِن صباح كلّ يوم إلى سبعة أيّام في الأسبوع”، وَيُعرف عنه ابتعاده عن الأضواء والمؤتمرات الصحافيّة إلى حدّ أنّه لم يستلم شخصيا أيا من جوائزه مثل جائزة البوكر التي حصل عليها ولم يعرها اهتماما.
أغرب الأسرار
الإعداد للعمل وتشكّله لا يختلفان كثيرا عن حالة التباين التي يعيشها الكُتّاب في حياتهم، فثمة مَن يُعدُّ أرشيفا للعمل، وهناك من يبدأ من أحد الفصول ثمّ يتحوّل إلى فصل أبعد في الترتيب ليعود من جديد للفصل السابق، فالتنقل ليس مجرد قفز على الأحداث وإنما هو اشتغال ومطاردة لإحدى شخصيات العمل، فيتماهى معها، متنقلا مع هواجسها وتناقضاتها.
وهناك مَن يرى أن عملية تشكيل العمل الأدبي ليست واحدة وإن كانت الفكرة العامة تأتي في الغالب ثمّ تتبعها الشخصيات كما هو حال الأفريقي شينو أتشيبي. وهناك مَن يَخضع لمحفزات تثير لذة الكتابة عنده، فتوني موريسون انطلقت في إحدى رواياتها مِن سؤال أرّقها مفاده “لِمَ أجد الناس -النساء تحديدا- غارقين في التعاسة في مقتبل العمر؟”.
وبالمثل الروائي ساراماغو الذي ينطلق دوما من سؤال على نحو ما فعل في روايته “العمى”. ومن أغرب الأسرار التي لازمت الكتاب، وهنا الأمر يقتصر على الكاتبات، أنهن غيرن أسماءهن، فهناك مَن تنكر لاسم الذكور كما في حالة إليف شفق التي ضمّتْ اسم أمها إلى اسمها ليكون لقبها، وهناك مَن تنكّرت لاسمها وتخفّت تحت اسم رجل، فالكاتبة التركيّة نهال بينوبله تخفّت وراء اسم رجل فنسنت بوينغ، بعدما أصدرت روايتها “صبايا صغيرات” عام 1950، وحقّقت رواجا كبيرا. واستعارت الكاتبة ماري آن إيفانس اسما ذكوريا هو جورج إليوت، بل إنها في واحدة من الغرائب تنكرت لكتابات النساء ووصفتها ب”روايات سخيفة بأقلام روائيات”، وهو عنوان المقالة التي نشرتها عام 1856.
وهناك نوع ثالث من الكاتبات اختار أسماء مشتركة تصلح للرّجال والنساء على نحو ما فعل الأخوات برونتي، فقد أعدن صياغة أسمائهن فصاغت شارلوت اسمها كورير بيل، وآن صارت أكتون بيل، أما إيميلي فصارت إيليس بيل. وتنضم لهن الكاتبة جورج ساند وإن كان هناك من قال إنها أرادت أن تتخلّى عن اسمها الطويل (أمانتين أورو لوسيل دوبن برونس دوديفانت). لكن الأغرب ليس في الاسم وإنما في أفعالها التالية، حيث أخذت ترتدي ملابس رجالية وتتشبه في تصرفاتها بالرجال سواء في المشي أو تدخين الغليون وغيرهما من الأفعال. وهو ما جعل تورغينيف يصفها بأنها “امرأة طيبة القلب،
ورجل شجاع”، أما الكاتبة كارسون مكالرز صاحبة رواية “القلب قناص وحيد”، فهي على أرض ضبابية وكانت لا تختلط بأقرانها وتوصم ب”الجلافة” وتخلّت عن موضة النساء في الثلاثينات من القرن الماضي من الأحذية العالية والتنانير الضيقة، بل وكانت تتجوّل بأحذية تنس وجوارب عادية، متشبهة بالرجال.
لا تختلف حياة الكُتَّاب بما تحويه من غرائب تلتصق بهم عن العوالم التي يخلقونها على الورق، فعملية خلق العمل الأدبي في الغالب تتبعها طقوس تصل حدّ المعاناة، فَتروي المدونة الأدبيّة مثلا أن جريرا كان إذا أراد أن يهجو الفرزدق أطفأ على نفسه الضوء وتمدّد على الأرض وصار يحكّ جسده على ترابها بحركة دائرية مؤلمة. ومن المعروف أيضا أن الوحي كان يأتي أمير الشعراء أحمد شوقي في أي مكان، لذا كان لا يثق أبدا في ذاكرته حيث كان يكتب الوحي فوق أي شيء يجده حتى يده. ويكشف كل هذا عن أطوار غريبة تنتاب الأدباء والأديبات أثناء عملية الكتابة، وفي هذا التحقيق تكشف “العرب” عمّا يكمن تسميته ب”العالم السري للكتابة”، بما يحويه من غرائب وعجائب الأدباء أثناء تشكيل النصوص.
النص الذي يخرج إلى القارئ، تصحبه معاناة لا تبدأ بالفكرة التي يبحث عنها المؤلف، وهناك من يلتقط أفكاره من الطرقات كما قال الجاحظ قديما، أو من على المقاهي كما كان يفعل نجيب محفوظ. بل إن المعاناة تتلاحق أيضا في أوقات الكتابة التي هي مختلفة وتكشف أنّهم في الكثير من الأحيان يعملون ضد نواميس الطبيعة وفي أحيان أخرى يعاركون الوقت والظروف حتى تخرج إبداعاتهم كما يشاؤون.
كان نزار قباني لا يستخدم إلا الأوراق الملونة، وجمال الغيطاني لا يكتب إلا بقلم فاخر كان من إهداء الكاتب محمد حسنين هيكل، في المقابل تجد أن كتاب الغرب يتميزون بالبساطة، فمعظم من شملهم التحقيق يميلون إلى الكتابة على الأوراق باستعمال قلم الرصاص، وينفرون إلى حدّ السخط من الكمبيوتر.
الالتزام الصارم
من الأدباء ما جعل الأدب بمثابة المهنة الرسمية لا في إضفاء عائد عليه، وإنما كوقت يحتاج للقداسة، ومن هؤلاء كان نجيب محفوظ، الذي عمل موظفا رسميا واكتسب من عمله على اختلافه الالتزام. فكان يكتب كل يوم في وقت محدّد من الساعة 4 إلى 7 باستثناء أيام الجمعة التي يخصصها للقاء الأصدقاء، هذا قبل تقاعده، ويلتزم بكل مستلزمات العمل الرسمي فيرتدي الملابس الرسميّة وكأنّه في عمل. لذا على غير الأدباء يعتبر نجيب محفوظ أن الوظيفة الرسمية “مادة إنسانية عظيمة أمدّته بنماذج بشرية لها أكثر من أثر في كتاباته” وإن كان يضيف إليها المقهى والحارة فثلاثتهم (الوظيفة والمقهى والحارة) مصادر رئيسية في أدب محفوظ، كما اعترف لرجاء النقاش.
ولا يختلف التركي أورهان باموق في عاداته عن نجيب محفوظ، فأهال على الكتابة قدسيّة وصرامة، حدت به إلى شراء شقّة تطلُّ على البوسفور في مواجهة لبيت العائلة، لتكون بمثابة مكتب عمل خاص بالكتابة، وعندما سافر مع زوجته إلى أميركا لإعداد أطروحة دكتوراه، تصادف أنْ سكنا في بيت للطلاب معا، وكان عبارة عن غرفة نوم وصالة وحمام، وهو ما سبب مشكلة كبيرة في عادة الفصل بين مكان الكتابة والمعيشة، فتفطن إلى حيلة أنه في الصباح يرتدي ملابسه ويخرج كأنّه ذاهب إلى العمل، وبعد دقائق يعود سريعا إلى البيت وقد هيّأ نفسه على فكرة أنه انتقل إلى مكان العمل.
ويشاركهما في هذا الأمر الروائي الأميركي من أصل أفغاني خالد حسيني، فعندما ينشغل بكتابة مخطوطة يأخذ أطفاله أولا إلى المدرسة عند الثامنة صباحا ثم يعود لممارسة البعض من الرياضة ثم يجلس إلى طاولة الكتابة في مكتبه الصغير عند التاسعة، ويواصل الكتابة حتى الثانية بعد الظهر حيث يتوجّب عليه الذهاب لجلب أطفاله من المدرسة وحينها يصير كما يقول “أبا بوقت كامل ولا أفكر في كتابة أي شيء آنذاك”. وكان دستويفسكي أثناء إملاء عمله تنتابه حالة من الاضطراب والقلق، وكان وقت الكتابة، وفق ما ذكرت عاملة الاختزال من الثانية عشرة إلى الرابعة عشرة، يملي خلال هذه الفترة ثلاث مرات تصل المرة إلى ما يزيد قليلا عن نصف ساعة.
عادة الجلوس على المكتب إذا كانت تروق للبعض فإنها لا تروق للكثيرين، فالكاتب الأميركي أرنست همنجوي يكتب وهو واقف، في حين أن الشاعر الأميركي من أصل صربي تشارلز سميك، كان يكتب وهو في السّرير، وأحيانا على الأرض واضعا وسادة عالية يتكئ عليها. أما الكاتب الروسي تولستوي فكان يملي ما يودُّ كتابته على عاملة الاختزال، ومن هنا بدأت علاقته بزوجته آنّا جريجوريفنا التي كتبت مذكرات عن حياتها معه.
وعدم التقيّد بالمكان كان السمة المميزة لكاتب الخيال العلمي، فراي برادبوري صاحب “فهرنهايت 451”، على حدّ قوله، “يستطيع الكتابة في أي مكان، لا فرق بين غرفة النوم وقاعة الأكل، حيث يذكر أنه عندما كان في طور النضوج قد كتب في عدة أماكن مختلفة”.
ضد التكنولوجيا
على الرغم مما وفّرته التكنولوجيا الحديثة من تقنيات سهلة وحديثة وأسرع في عملية الكتابة، إلا أن الكُتّاب مازالوا يميلون إلى التقنيات القديمة، حتى يبدو أن ثمّة ارتباطا أو علاقة من نوعٍ خاص بينهم وبين الورقة والقلم مُقابل الكمبيوتر والألواح الرقمية. فالكاتبة أيريس مردوخ كانت تكتب بطريقة تقليدية عبر استخدام الورقة والقلم ولا تستخدم الكمبيوتر، وبالمثل كانت تفعل الكاتبة الأميركية توني موريسون، التي تكتب بقلم الرصاص ولا تستعين بالكمبيوتر إلا لتبييض النسخة الأولى، وإن كان ثمة طقس آخر حيث تكتب فجرا قبل أن يستفيق أطفالها. ويعلن شينو أتشيبي الروائي النيجيري عن أنه بدائي جدا في وسائل الكتابة، فهو يلتزم بالقلم والورقة أثناء الكتابة، على العكس تماما من خوزيه ساراماغو، حيث يكتب رواياته مباشرة على الكمبيوتر، مثله مثل الأفغاني خالد حسيني.
ولازمت فوبيا التكنولوجيا البعض من الكتاب مثل بول أوستر بسبب التفكير في إمكانية أن يفقد ما كتبه في يوم ما بسبب الفيروسات أو أي خطأ تقني، لذلك يفضل الكتابة في دفاتر صفراء صغيرة وبقلم رصاص. أما الكاتب الأرجنتيني ألبرتو مانغويل فيراهن على استمرار الكتاب الورقي وأنه لا يمكن أن يختفي يوما، ففكرة استبدال تقنية ما بتقنية أخرى وأن تظل وحيدة في السّاحة على سطح الكوكب الأرضي هما بالضبط ما لم يحصلا من قبل. وإن كان في حوار ثان قد طوّر من هذه النظرة وذكر أن التقنية الإلكترونية يمكن لها أن توفّر البعض من الخاصيات التفاعلية التي نحوزها عند قراءة الكتاب الورقي الاعتيادي.
الكاتب الإيطالي إيتالو كالفينو لديه ولاء للقلم أيضا، إذ تساعده الورقة والقلم على إجراء الكثير من التصحيحات، فهو يشطب كثيرا كما يقول وفي العادة يكتب بحرف صغير لذا تمر عليه لحظات يعجز فيها عن قراءة ما كتب بنفسه، وهو ما يضطره للاستعانة بعدسة مُكبّرة تعينه على قراءة ما سبق أن كتبه بخط يده. لكن أغرب عاداته أنه يكتب بخطين مختلفين، الأول كبير الحجم وهذا النوع من الخط مرتبط بوثوقه التام في ما يكتب، أما الثاني فصغير الحجم ويستخدمه عندما يكون في حالة أقل وثوقية.
ثمّة عادات معينة أشبه بمتلازمة للكتابة كممارسة رياضة المشي قبل الكتابة، فبول أوستر صاحب “اختراع العزلة وثلاثية نيويورك” يعشق المشي، وكذلك الحال بالنسبة إلى الأسترالي توماس كينلي الذي يرى أن ساعة وخمس دقائق من المشي ضرورية قبل الكتابة. وعلى حد وصف أحد الكتاب، فإن جون ماكسويل كوتزي الكاتب الجنوب الأفريقي، يظل “رجلا يمتلك التكريس والانضباط الذاتي في عمله مثلما يفعل أكثر الرهبان تزمتًّا، فهو لا يتناول المشروبات الكحولية ولا يدخنّ ولا يأكل اللحوم ويمضي مسافات طويلة بصحبة دراجته الهوائية بغية الحفاظ على لياقته البدنيّة ويعمل لساعات مُحدّدة مِن صباح كلّ يوم إلى سبعة أيّام في الأسبوع”، وَيُعرف عنه ابتعاده عن الأضواء والمؤتمرات الصحافيّة إلى حدّ أنّه لم يستلم شخصيا أيا من جوائزه مثل جائزة البوكر التي حصل عليها ولم يعرها اهتماما.
أغرب الأسرار
الإعداد للعمل وتشكّله لا يختلفان كثيرا عن حالة التباين التي يعيشها الكُتّاب في حياتهم، فثمة مَن يُعدُّ أرشيفا للعمل، وهناك من يبدأ من أحد الفصول ثمّ يتحوّل إلى فصل أبعد في الترتيب ليعود من جديد للفصل السابق، فالتنقل ليس مجرد قفز على الأحداث وإنما هو اشتغال ومطاردة لإحدى شخصيات العمل، فيتماهى معها، متنقلا مع هواجسها وتناقضاتها.
وهناك مَن يرى أن عملية تشكيل العمل الأدبي ليست واحدة وإن كانت الفكرة العامة تأتي في الغالب ثمّ تتبعها الشخصيات كما هو حال الأفريقي شينو أتشيبي. وهناك مَن يَخضع لمحفزات تثير لذة الكتابة عنده، فتوني موريسون انطلقت في إحدى رواياتها مِن سؤال أرّقها مفاده “لِمَ أجد الناس -النساء تحديدا- غارقين في التعاسة في مقتبل العمر؟”.
وبالمثل الروائي ساراماغو الذي ينطلق دوما من سؤال على نحو ما فعل في روايته “العمى”. ومن أغرب الأسرار التي لازمت الكتاب، وهنا الأمر يقتصر على الكاتبات، أنهن غيرن أسماءهن، فهناك مَن تنكر لاسم الذكور كما في حالة إليف شفق التي ضمّتْ اسم أمها إلى اسمها ليكون لقبها، وهناك مَن تنكّرت لاسمها وتخفّت تحت اسم رجل، فالكاتبة التركيّة نهال بينوبله تخفّت وراء اسم رجل فنسنت بوينغ، بعدما أصدرت روايتها “صبايا صغيرات” عام 1950، وحقّقت رواجا كبيرا. واستعارت الكاتبة ماري آن إيفانس اسما ذكوريا هو جورج إليوت، بل إنها في واحدة من الغرائب تنكرت لكتابات النساء ووصفتها ب”روايات سخيفة بأقلام روائيات”، وهو عنوان المقالة التي نشرتها عام 1856.
وهناك نوع ثالث من الكاتبات اختار أسماء مشتركة تصلح للرّجال والنساء على نحو ما فعل الأخوات برونتي، فقد أعدن صياغة أسمائهن فصاغت شارلوت اسمها كورير بيل، وآن صارت أكتون بيل، أما إيميلي فصارت إيليس بيل. وتنضم لهن الكاتبة جورج ساند وإن كان هناك من قال إنها أرادت أن تتخلّى عن اسمها الطويل (أمانتين أورو لوسيل دوبن برونس دوديفانت). لكن الأغرب ليس في الاسم وإنما في أفعالها التالية، حيث أخذت ترتدي ملابس رجالية وتتشبه في تصرفاتها بالرجال سواء في المشي أو تدخين الغليون وغيرهما من الأفعال. وهو ما جعل تورغينيف يصفها بأنها “امرأة طيبة القلب،
ورجل شجاع”، أما الكاتبة كارسون مكالرز صاحبة رواية “القلب قناص وحيد”، فهي على أرض ضبابية وكانت لا تختلط بأقرانها وتوصم ب”الجلافة” وتخلّت عن موضة النساء في الثلاثينات من القرن الماضي من الأحذية العالية والتنانير الضيقة، بل وكانت تتجوّل بأحذية تنس وجوارب عادية، متشبهة بالرجال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.