15 صورة.. البابا تواضروس يدشن كنيسة الشهيد مارمينا بفلمنج شرق الإسكندرية    قيادي بمستقبل وطن: تحركات الإخوان ضد السفارات المصرية محاولة بائسة ومشبوهة    تفعيل البريد الموحد لموجهي اللغة العربية والدراسات الاجتماعية بالفيوم    استقالات جماعية للأطباء ووفيات وهجرة الكفاءات..المنظومة الصحية تنهار فى زمن العصابة    وزير الإسكان ومحافظ مطروح يتفقدان محطة تحلية مياه البحر "الرميلة 4" -تفاصيل    إزالة لمزرعة سمكية مخالفة بجوار "محور 30" على مساحة 10 أفدنة بمركز الحسينية    الحرس الثوري الإيراني يهدد إسرائيل برد أشد قسوة حال تكرار اعتدائها    مصر القومي: الاعتداء على السفارات المصرية امتداد لمخططات الإخوان لتشويه صورة الدولة    تعديل جديد.. كاف يخطر بيراميدز بموعد مباراتي الجيش الرواندي    إسلام جابر: لم أتوقع انتقال إمام عاشور للأهلي.. ولا أعرف موقف مصطفى محمد من الانتقال إليه    إسلام جابر: تجربة الزمالك الأفضل في مسيرتي.. ولست نادما على عدم الانتقال للأهلي    أول تعليق لمحافظ الإسكندرية على واقعة الغرق الجماعي بشاطئ أبو تلات    السجن المشدد 6 سنوات لحداد لاتجاره فى المخدرات وحيازة سلاح بشبرا الخيمة    إيرادات الجمعة.. "درويش" يحافظ على المركز الأول و"الشاطر" الثاني    "الصحة" تقدم 314 ألف خدمة عبر 143 قافلة في يوليو 2025    صور.. 771 مستفيدًا من قافلة جامعة القاهرة في الحوامدية    «المركزي لمتبقيات المبيدات» ينظم ورشة عمل لمنتجي ومصدري الطماطم بالشرقية    الغربية: حملات نظافة مستمرة ليلا ونهارا في 12 مركزا ومدينة لضمان بيئة نظيفة وحضارية    الموت يغيب عميد القضاء العرفي الشيخ يحيى الغول الشهير ب "حكيم سيناء" بعد صراع مع المرض    50 ألف مشجع لمباراة مصر وإثيوبيا في تصفيات كأس العالم    "قصص متفوتكش".. رسالة غامضة من زوجة النني الأولى.. ومقاضاة مدرب الأهلي السابق بسبب العمولات    ماذا ينتظر كهربا حال إتمام انتقاله لصفوف القادسية الكويتي؟    وزير العمل يتفقد وحدتي تدريب متنقلتين قبل تشغيلهما غدا بالغربية    "عربية النواب": المجاعة في غزة جريمة إبادة متعمدة تستدعي تحركًا عاجلًا    «لازم إشارات وتحاليل للسائقين».. تامر حسني يناشد المسؤولين بعد حادث طريق الضبعة    وزارة النقل تناشد المواطنين عدم اقتحام المزلقانات أو السير عكس الاتجاه أثناء غلقها    مصر ترحب بخارطة الطريق الأممية لتسوية الأزمة الليبية    وفاة سهير مجدي .. وفيفي عبده تنعيها    مؤسسة فاروق حسني تطلق الدورة ال7 لجوائز الفنون لعام 2026    قلق داخلي بشأن صديق بعيد.. برج الجدي اليوم 23 أغسطس    غدا.. قصور الثقافة تطلق ملتقى دهب العربي الأول للرسم والتصوير بمشاركة 20 فنانا    تم تصويره بالأهرامات.. قصة فيلم Fountain of Youth بعد ترشحه لجوائز LMGI 2025    تكريم الفنانة شيرين في مهرجان الإسكندرية السينمائي بدورته ال41    موعد إجازة المولد النبوي 2025.. أجندة الإجازات الرسمية المتبقية للموظفين    كيف تكون مستجابا للدعاء؟.. واعظة بالأزهر توضح    وزير الدفاع الأمريكي يجيز ل2000 من الحرس الوطني حمل السلاح.. ما الهدف؟    وزير خارجية باكستان يبدأ زيارة إلى بنجلاديش    رئيس «الرعاية الصحية»: تقديم أكثر من 2.5 مليون خدمة طبية بمستشفيات الهيئة في جنوب سيناء    الصحة: حملة «100 يوم صحة» قدّمت 59 مليون خدمة طبية مجانية خلال 38 يوما    فحص وصرف العلاج ل247 مواطنا ضمن قافلة بقرية البرث في شمال سيناء    نور القلوب يضىء المنصورة.. 4 من ذوى البصيرة يبدعون فى مسابقة دولة التلاوة    ضبط وتحرير 18 محضرا فى حملة إشغالات بمركز البلينا فى سوهاج    8 وفيات نتيجة المجاعة وسوء التغذية في قطاع غزة خلال ال24 ساعة الماضية    محاضرة فنية وتدريبات خططية في مران الأهلي استعدادًا للمحلة    محافظ أسوان يتابع معدلات الإنجاز بمشروع محطة النصراب بإدفو    طقس الإمارات اليوم.. غيوم جزئية ورياح مثيرة للغبار على هذه المناطق    مصر تستضيف النسخة الأولى من قمة ومعرض "عالم الذكاء الاصطناعي" فبراير المقبل    تحرير 125 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    ورش تدريبية للميسرات العاملات بمركزي استقبال أطفال العاملين ب«التضامن» و«العدل»    طلقات تحذيرية على الحدود بين الكوريتين ترفع حدة التوتر    الأوقاف: «صحح مفاهيمك» تتوسع إلى مراكز الشباب وقصور الثقافة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 23-8-2025 في محافظة قنا    إعلام فلسطينى: مصابون من منتظرى المساعدات شمال رفح الفلسطينية    حسن الخاتمة.. وفاة معتمر أقصري أثناء أدائه مناسك الحج    تنسيق الجامعات 2025| مواعيد فتح موقع التنسيق لطلاب الشهادات المعادلة    كأس السوبر السعودي.. هونج كونج ترغب في استضافة النسخة المقبلة    «مياه الأقصر» تسيطر على بقعة زيت فى مياه النيل دون تأثر المواطنين أو إنقطاع الخدمة    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفوتوغرافي جعفر عاقل: الاحتفاء بالذاكرة الحميمية وتحقيق الإشباع البصري
نشر في صوت البلد يوم 22 - 09 - 2016

يجمع الفنان المغربي جعفر عاقل بين الممارسة الإبداعية والبحث والتنظير في مجال التصوير الفوتوغرافي، فهو مبدع للعديد من الأعمال التي شارك بها في معارض مختلفة، كما أنه مهتم بالمجال بحثا وتدريسا وتأليفا، إنه أستاذ باحث في الفوتوغرافيا في المعهد العالي للإعلام والاتصال في الرباط، وحاصل على دكتوراه في موضوع «السيرورة التواصلية في الإشهار التلفزي في المغرب جدلية الأيقوني واللفظي – مقاربة سيميائية -»، وصدر له سنة (2014) ألبوم فوتوغرافي تحت عنوان «الدار البيضاء باريس : تجوالات». وسنة (2015) عن منشورات «الفنك» صدر له مؤلَّف تحت عنوان «نظرة عن الصورة الفوتوغرافية في المغرب». وهو أيضا رئيس الجمعية المغربية للفن الفوتوغرافي.
في هذا الحوار الذي أجري معه يحذّر جعفر عاقل من التوظيف السلبي للتطور التكنولوجي في التصوير الفوتوغرافي، ما قد يتسبب في «انزلاقات أخلاقية»، تؤدي إلى تشويه الموضوع المصوَّر وتضليل المتلقي والإساءة إلى الرسالة النبيلة لهذا الفن.
- ماذا يعني لديك الاحتفال، هذا العام، بمرور 177 عاما على اختراع التصوير الفوتوغرافي؟
إن هذا الحدث هو فرصة للتأمل والوقوف على إسهامات الفوتوغرافيا وإنجازاتها في الحياة المعاصرة، خاصة حضورها في المجال العلمي أو الفكري أو الاجتماعي أو الإعلامي أو الثقافي… الخ، لأنه لن يختلف اثنان في القول إنه مع قدوم الفوتوغرافيا وتوظيفها المكثف في مختلف المجالات، سيأخذ مفهوم «الحقيقة» معنى جديدا، سواء من خلال نوعية البراهين والحجج التي يقدمها هذا الوسيط، أو من خلال تأثيرها الملموس في طريقة إدراك الإنسان لمحيطه ولتمثلاته، خاصة لعلاقاته وسلوكاته الاجتماعية.
أعطي مثالا بالفوتوغرافيا الصحافية والقيمة المضافة التي أضافتها للمعلومة وللخبر الصحافي، فلولا العمل المهم للفوتوغرافي الصحافي، إنْ على المستوى التوثيقي أو الاستقصائي، ما كان للصحيفة أو المجلة الورقية والإلكترونية الأثر نفسه الذي بلغته اليوم من حيث وقعها على القرّاء. مسألة ثانية لابد من الإشارة إليها بخصوص هذه المناسبة، أي مرور 177 عاما على هذا الاختراع، هو أين نحن المغاربة من هذه الثقافة أو الحضارة البصرية؟ ما هي العلاقات التي نؤسسها مع صورنا وصور الآخر؟ ما هي إسهاماتنا المعرفية والفنية والجمالية في هذا الموضوع؟ ماذا أعددنا كاستراتيجيات لتحصين أو مقاومة هذا الزحف / الهجوم التقني والثقافي؟ وماذا هيّأنا كثقافة للحفاظ على إرثنا البصري؟ ألم يحن الوقت للتفكير في هذا الوسيط باعتباره أداة، ضمن أدوات أخرى، لاستنطاق ذاكرتنا وكتابة تاريخنا المعاصر؟
ثنائيات تجزيئية
- في نظرك، ما هي الحدود بين التصوير الفوتوغرافي والتصوير الفني؟
أظنّ أنه حان الوقت، على الأقل في مجتمعنا المغربي، لمناقشة هذا التقسيم الاعتباطي، وذلك حتى نتمكن من تجاوز هذه الذهنية التي تفكر بمنطق الثنائيات التجزيئية، لأنها طريقة لا تخدم بتاتا تطوّر المنجز الفوتوغرافي. أكثر من ذلك، مَن يعتقد بوجود حدود فاصلة بين التصوير الفوتوغرافي والتصوير الفني فهو غير ملمّ بجوهر الفعل الفوتوغرافي ولا بالخاصية المميزة للفوتوغرافيا، ذلك أن الصورة الفوتوغرافية هي كلّية يتقاطع فيها ما هو أخلاقي وتقني وجمالي، بمعنى أشمل جانب توثيقي وآخر تعبيري. فمن دون انصهار هذين المكونين في الصورة الفوتوغرافية الواحدة وبطريقة سلسة، يصعب على هذه الأخيرة تحقيق أهدافها بالشكل المرغوب فيه وأيضا بلوغ مقاصدها. ذلك أن قوة الصورة تقاس بتحقيق هذا الإشباع البصري وبدرجة كثافتها ودسامتها الفنية؛ وهذا يحتاج إلى الاستعمال الواعي لكل هذه المكونات والعناصر، وإلا ستتحول هذه الفوتوغرافيا إلى صور راكدة خالية من النتوءات، خاصة من الحس الفني الذي قد يرقى بها إلى مستوى استفزاز عين متلقيها.
- حسنًا، نودّ أن تبسط لنا الأسس النظرية لتجربتك الفنية في هذا المجال؟
في ما يخص تجربتي، فهي تمتحُ من مشارب متعددة وتجارب ثقافية مختلفة. وبحكم انتمائي لجيل تسعينيات القرن الماضي فقد تأثرت في بداياتي بمقاربات فوتوغرافيي النزعة الإنسانوية، إما من خلال مشاهدة إنتاجات ومعارض الفوتوغرافيين المحليين (أذكر على سبيل المثال لا الحصر: محمد بنعيسى، عبد الحميد الرميلي، داوود أولاد السيد، عبد الرزاق بنشعبان… وغيرهم) أو عبر الاتصال غير المباشر بأعمال هنري كارتيي بريسون، روبير فرانك. لقد كان هاجس توثيق الحياة المغربية في تفاصيلها اليومية هو المتحكم في رؤيتي للفوتوغرافيا. وككل تجارب جيلي، كانت ممارستنا تحتاج إلى تأطير نظري ولفعل تطبيقي لمنحها معنى وقيمة. فتولّدت فكرة الانخراط في «الجمعية المغربية للفن الفوتوغرافي» لصقل هذه التجربة من خلال الاحتكاك بفوتوغرافييها وفتح النقاش حول طرق انتقاء الموضوعات المطروقة في الحياة اليومية، وكيفية بناء وتأطير الصور الفوتوغرافية، والمسافات التي ينبغي تأسيسها مع الموضوع المصور وأسئلة أخرى أسهمت في تفتح تصوري وفهمي للفوتوغرافيا. لقد كان هذا اللقاء نقطة تحول مهمة في مساري وفترة مكنتني من البحث والتجريب عن فوتوغرافيا تستجيب لتطلعاتي. بعد ذلك، جاءت مرحلة الاهتمام بالكتب والدراسات النظرية (كتابات رولان بارت، ميشال بوافري، فروانسوا سولاج…) التي تتناول الجوانب الفنية والجمالية والتاريخية والفكرية للفوتوغرافيا عالميا. لتتطور، بعد ذلك، فتأخذ صيغة إنجاز بحوث جامعية تتوج بمنصب أستاذ للفوتوغرافيا في المعهد العالي للإعلام والاتصال في الرباط من جهة، وبسلسلة معارض داخل المغرب وخارجه حول موضوع التحولات والتطورات التي تعرفها الفضاءات العمرانية المعاصرة مع محاولة إبراز تناقضاتها ومفارقاتها وهجانتها، وأيضا الاحتفاء بموضوع ذاكرة الأفراد والجماعات والأمكنة، خاصة الذاكرة الحميمية. إن انشغالاتي واهتماماتي الفوتوغرافية الحالية ليست سوى نتيجة طبيعية لهذا المخاض كله.
الكاميرا امتداد للجسد
- وماذا تمثل الكاميرا بالنسبة لك؟
إنها، بالنسبة لي، تعادل قيمة الفرشاة عند المُصوّر، وآلات الطرب عند الموسيقار، والقلم أو الحاسوب بالنسبة للكاتب. إننا لا يمكننا تصوّر وجود ملموس للحكايات والقصص التي يلتقطها الفوتوغرافي في غياب الحضور المادي لكاميراته والإمكانات التقنية والفنية التي توفرها له هذه الآلة الساحرة. بالطبع، هناك عناصر أخرى تسهم في هذه المعادلة وبدرجات مختلفة كتجربته الإنسانية، وتربيته الحسية ثم الذوقية، وأيضا ذاكراته التاريخية والثقافية، علاوة على الأسلوب الذي ينفرد به كل فوتوغرافي على مستوى التركيبات والتأليفات والتوليفات الفنية. لكن، بدون هذا الوسيط، يصعب الحديث عن الصورة الفوتوغرافية، بل أكثر من ذلك، إن الكاميرا هي امتداد لجسد الفوتوغرافي؛ إنها بمثابة عينه وقلبه وذهنه في الآن نفسه. إن العملية الإبداعية عند الفوتوغرافي سيرورة يتقاطع فيها المرئي بالشفهي والمقروء بالمسموع، لكن هذا لا يعني أن عنصر التقنية لا يتمتع هو الآخر بحضور أساس وحاسم.
- أي تحديات تطرحها الوسائل التكنولوجية الحديثة بالنسبة للتصوير الفني؟
تشكل الوسائل التكنولوجية الحديثة قيمة مضافة بالنسبة للفوتوغرافيا، لكن بالطبع في الحالات التي يوظفها مستعملها توظيفا إيجابيا وواعيا. فمع قدوم هذه الوسائل صار للفوتوغرافيا تأثير قوي في المتلقي، كما أصبح لها حضور ملموس في الحياة العامة والخاصة، سواء للأفراد أو الجماعات. لقد أمست تنافس، وبشرارة، الإيقاع السريع الذي تنتشر به المعلومة المسموعة أو المقروءة أو المرئية. وهذا التطور له طبعًا إيجابيات وسلبيات وأحيانا أخرى بعض الانزلاقات الأخلاقية. ذلك أن هذه الوسائل الجديدة بقدر ما توفر لمستعملها أدوات وإمكانات لا محدودة لتعديل أو تغيير بعض الجزئيات في الصورة، بقدر ما تمنح إمكانات هائلة لمستعملها لتشويه الموضوع المصوَّر، ومن ثمة تحوير «حقيقته» وبالتالي تضليل متلقّيها أو مستعمليها. وهنا، تكمن تحديدًا خطورة هذه الوسائل، لأنه إذا لم ننتبه لهذه المزالق فستتحول فجأة ضدّنا، أي إلى آلة رهيبة في / على التحكم والتوجيه والتحريك. وهو الأمر الذي يفرض على كل فوتوغرافيّ، وأيضا على متلقي هذه الصور، اليقظة المستمرة حتى لا تنزاح هذه الفوتوغرافيات عن طريقها الصحيح ومن ثمة رسالتها النبيلة، أي أن يُفكَّر باستمرار وبوعي نقدي متجدد في العلاقة التي ينبغي للمرء تأسيسها معها.
- وماذا عن واقع هذا الفن في المغرب؟
عرفت الفوتوغرافيا في المغرب، منذ نهاية القرن العشرين، مجموعة من المتغيرات والتحولات التي كان لها تارة أثر إيجابي، وحينًا آخر سلبي في الفوتوغرافيا والفوتوغرافيين. صحيح أن هذا الشكل التعبيري حقق مكتسبات مهمة في المغرب: دعم وزارة الثقافة لبعض المشاريع الفوتوغرافية، الاعتراف بوضع الفوتوغرافي من خلال منحه البطاقة المهنية، حضور الفوتوغرافيا في بعض المحافل الفنية المحلية والدولية، انفتاح بعض قاعات العرض الخاصة على الفوتوغرافيا، مواكبة وسائل الإعلام للمُنجَز الفوتوغرافي المغربي، بروز بعض القراءات والدراسات النقدية في المجال. لكن، في ظني، الطريق ما يزال طويلا وشاقا أمام الفوتوغرافيين لانتزاع اعتراف أكبر وبالحجم والمكانة نفسيهما التي بلغها نظراؤهم في المجتمعات التي لها تجربة كبيرة في الفوتوغرافيا. فعلى سبيل المثال، هذه الممارسة هي في أمسِّ الحاجة لقوانين ترفع اللبس عن حقوق كل من الفوتوغرافي والموضوع المُصوَّر، وإلى قوانين تحمي حقوق التأليف عند الفوتوغرافي، وإلى سوق فنية مُنظَّمَة ومُنْتَظِمة، ولمنح حكومية أو غير حكومية ومؤسسات للرعاية تسمح للفوتوغرافيين من إنجاز مشاريعهم الفنية، ومن ثمة تكريس الفوتوغرافيا كمكون من المكونات الثقافية والفنية، خلق وتنظيم مسابقات لتمكين الشباب من التعريف بأعمالهم وتشجيعهم على المنافسة الخلاقة، دعم مشاريع النشر في هذا المجال، لأن الكتاب الفني عموما والفوتوغرافي خصوصا لم يصل بعد إلى القارئ.
يجمع الفنان المغربي جعفر عاقل بين الممارسة الإبداعية والبحث والتنظير في مجال التصوير الفوتوغرافي، فهو مبدع للعديد من الأعمال التي شارك بها في معارض مختلفة، كما أنه مهتم بالمجال بحثا وتدريسا وتأليفا، إنه أستاذ باحث في الفوتوغرافيا في المعهد العالي للإعلام والاتصال في الرباط، وحاصل على دكتوراه في موضوع «السيرورة التواصلية في الإشهار التلفزي في المغرب جدلية الأيقوني واللفظي – مقاربة سيميائية -»، وصدر له سنة (2014) ألبوم فوتوغرافي تحت عنوان «الدار البيضاء باريس : تجوالات». وسنة (2015) عن منشورات «الفنك» صدر له مؤلَّف تحت عنوان «نظرة عن الصورة الفوتوغرافية في المغرب». وهو أيضا رئيس الجمعية المغربية للفن الفوتوغرافي.
في هذا الحوار الذي أجري معه يحذّر جعفر عاقل من التوظيف السلبي للتطور التكنولوجي في التصوير الفوتوغرافي، ما قد يتسبب في «انزلاقات أخلاقية»، تؤدي إلى تشويه الموضوع المصوَّر وتضليل المتلقي والإساءة إلى الرسالة النبيلة لهذا الفن.
- ماذا يعني لديك الاحتفال، هذا العام، بمرور 177 عاما على اختراع التصوير الفوتوغرافي؟
إن هذا الحدث هو فرصة للتأمل والوقوف على إسهامات الفوتوغرافيا وإنجازاتها في الحياة المعاصرة، خاصة حضورها في المجال العلمي أو الفكري أو الاجتماعي أو الإعلامي أو الثقافي… الخ، لأنه لن يختلف اثنان في القول إنه مع قدوم الفوتوغرافيا وتوظيفها المكثف في مختلف المجالات، سيأخذ مفهوم «الحقيقة» معنى جديدا، سواء من خلال نوعية البراهين والحجج التي يقدمها هذا الوسيط، أو من خلال تأثيرها الملموس في طريقة إدراك الإنسان لمحيطه ولتمثلاته، خاصة لعلاقاته وسلوكاته الاجتماعية.
أعطي مثالا بالفوتوغرافيا الصحافية والقيمة المضافة التي أضافتها للمعلومة وللخبر الصحافي، فلولا العمل المهم للفوتوغرافي الصحافي، إنْ على المستوى التوثيقي أو الاستقصائي، ما كان للصحيفة أو المجلة الورقية والإلكترونية الأثر نفسه الذي بلغته اليوم من حيث وقعها على القرّاء. مسألة ثانية لابد من الإشارة إليها بخصوص هذه المناسبة، أي مرور 177 عاما على هذا الاختراع، هو أين نحن المغاربة من هذه الثقافة أو الحضارة البصرية؟ ما هي العلاقات التي نؤسسها مع صورنا وصور الآخر؟ ما هي إسهاماتنا المعرفية والفنية والجمالية في هذا الموضوع؟ ماذا أعددنا كاستراتيجيات لتحصين أو مقاومة هذا الزحف / الهجوم التقني والثقافي؟ وماذا هيّأنا كثقافة للحفاظ على إرثنا البصري؟ ألم يحن الوقت للتفكير في هذا الوسيط باعتباره أداة، ضمن أدوات أخرى، لاستنطاق ذاكرتنا وكتابة تاريخنا المعاصر؟
ثنائيات تجزيئية
- في نظرك، ما هي الحدود بين التصوير الفوتوغرافي والتصوير الفني؟
أظنّ أنه حان الوقت، على الأقل في مجتمعنا المغربي، لمناقشة هذا التقسيم الاعتباطي، وذلك حتى نتمكن من تجاوز هذه الذهنية التي تفكر بمنطق الثنائيات التجزيئية، لأنها طريقة لا تخدم بتاتا تطوّر المنجز الفوتوغرافي. أكثر من ذلك، مَن يعتقد بوجود حدود فاصلة بين التصوير الفوتوغرافي والتصوير الفني فهو غير ملمّ بجوهر الفعل الفوتوغرافي ولا بالخاصية المميزة للفوتوغرافيا، ذلك أن الصورة الفوتوغرافية هي كلّية يتقاطع فيها ما هو أخلاقي وتقني وجمالي، بمعنى أشمل جانب توثيقي وآخر تعبيري. فمن دون انصهار هذين المكونين في الصورة الفوتوغرافية الواحدة وبطريقة سلسة، يصعب على هذه الأخيرة تحقيق أهدافها بالشكل المرغوب فيه وأيضا بلوغ مقاصدها. ذلك أن قوة الصورة تقاس بتحقيق هذا الإشباع البصري وبدرجة كثافتها ودسامتها الفنية؛ وهذا يحتاج إلى الاستعمال الواعي لكل هذه المكونات والعناصر، وإلا ستتحول هذه الفوتوغرافيا إلى صور راكدة خالية من النتوءات، خاصة من الحس الفني الذي قد يرقى بها إلى مستوى استفزاز عين متلقيها.
- حسنًا، نودّ أن تبسط لنا الأسس النظرية لتجربتك الفنية في هذا المجال؟
في ما يخص تجربتي، فهي تمتحُ من مشارب متعددة وتجارب ثقافية مختلفة. وبحكم انتمائي لجيل تسعينيات القرن الماضي فقد تأثرت في بداياتي بمقاربات فوتوغرافيي النزعة الإنسانوية، إما من خلال مشاهدة إنتاجات ومعارض الفوتوغرافيين المحليين (أذكر على سبيل المثال لا الحصر: محمد بنعيسى، عبد الحميد الرميلي، داوود أولاد السيد، عبد الرزاق بنشعبان… وغيرهم) أو عبر الاتصال غير المباشر بأعمال هنري كارتيي بريسون، روبير فرانك. لقد كان هاجس توثيق الحياة المغربية في تفاصيلها اليومية هو المتحكم في رؤيتي للفوتوغرافيا. وككل تجارب جيلي، كانت ممارستنا تحتاج إلى تأطير نظري ولفعل تطبيقي لمنحها معنى وقيمة. فتولّدت فكرة الانخراط في «الجمعية المغربية للفن الفوتوغرافي» لصقل هذه التجربة من خلال الاحتكاك بفوتوغرافييها وفتح النقاش حول طرق انتقاء الموضوعات المطروقة في الحياة اليومية، وكيفية بناء وتأطير الصور الفوتوغرافية، والمسافات التي ينبغي تأسيسها مع الموضوع المصور وأسئلة أخرى أسهمت في تفتح تصوري وفهمي للفوتوغرافيا. لقد كان هذا اللقاء نقطة تحول مهمة في مساري وفترة مكنتني من البحث والتجريب عن فوتوغرافيا تستجيب لتطلعاتي. بعد ذلك، جاءت مرحلة الاهتمام بالكتب والدراسات النظرية (كتابات رولان بارت، ميشال بوافري، فروانسوا سولاج…) التي تتناول الجوانب الفنية والجمالية والتاريخية والفكرية للفوتوغرافيا عالميا. لتتطور، بعد ذلك، فتأخذ صيغة إنجاز بحوث جامعية تتوج بمنصب أستاذ للفوتوغرافيا في المعهد العالي للإعلام والاتصال في الرباط من جهة، وبسلسلة معارض داخل المغرب وخارجه حول موضوع التحولات والتطورات التي تعرفها الفضاءات العمرانية المعاصرة مع محاولة إبراز تناقضاتها ومفارقاتها وهجانتها، وأيضا الاحتفاء بموضوع ذاكرة الأفراد والجماعات والأمكنة، خاصة الذاكرة الحميمية. إن انشغالاتي واهتماماتي الفوتوغرافية الحالية ليست سوى نتيجة طبيعية لهذا المخاض كله.
الكاميرا امتداد للجسد
- وماذا تمثل الكاميرا بالنسبة لك؟
إنها، بالنسبة لي، تعادل قيمة الفرشاة عند المُصوّر، وآلات الطرب عند الموسيقار، والقلم أو الحاسوب بالنسبة للكاتب. إننا لا يمكننا تصوّر وجود ملموس للحكايات والقصص التي يلتقطها الفوتوغرافي في غياب الحضور المادي لكاميراته والإمكانات التقنية والفنية التي توفرها له هذه الآلة الساحرة. بالطبع، هناك عناصر أخرى تسهم في هذه المعادلة وبدرجات مختلفة كتجربته الإنسانية، وتربيته الحسية ثم الذوقية، وأيضا ذاكراته التاريخية والثقافية، علاوة على الأسلوب الذي ينفرد به كل فوتوغرافي على مستوى التركيبات والتأليفات والتوليفات الفنية. لكن، بدون هذا الوسيط، يصعب الحديث عن الصورة الفوتوغرافية، بل أكثر من ذلك، إن الكاميرا هي امتداد لجسد الفوتوغرافي؛ إنها بمثابة عينه وقلبه وذهنه في الآن نفسه. إن العملية الإبداعية عند الفوتوغرافي سيرورة يتقاطع فيها المرئي بالشفهي والمقروء بالمسموع، لكن هذا لا يعني أن عنصر التقنية لا يتمتع هو الآخر بحضور أساس وحاسم.
- أي تحديات تطرحها الوسائل التكنولوجية الحديثة بالنسبة للتصوير الفني؟
تشكل الوسائل التكنولوجية الحديثة قيمة مضافة بالنسبة للفوتوغرافيا، لكن بالطبع في الحالات التي يوظفها مستعملها توظيفا إيجابيا وواعيا. فمع قدوم هذه الوسائل صار للفوتوغرافيا تأثير قوي في المتلقي، كما أصبح لها حضور ملموس في الحياة العامة والخاصة، سواء للأفراد أو الجماعات. لقد أمست تنافس، وبشرارة، الإيقاع السريع الذي تنتشر به المعلومة المسموعة أو المقروءة أو المرئية. وهذا التطور له طبعًا إيجابيات وسلبيات وأحيانا أخرى بعض الانزلاقات الأخلاقية. ذلك أن هذه الوسائل الجديدة بقدر ما توفر لمستعملها أدوات وإمكانات لا محدودة لتعديل أو تغيير بعض الجزئيات في الصورة، بقدر ما تمنح إمكانات هائلة لمستعملها لتشويه الموضوع المصوَّر، ومن ثمة تحوير «حقيقته» وبالتالي تضليل متلقّيها أو مستعمليها. وهنا، تكمن تحديدًا خطورة هذه الوسائل، لأنه إذا لم ننتبه لهذه المزالق فستتحول فجأة ضدّنا، أي إلى آلة رهيبة في / على التحكم والتوجيه والتحريك. وهو الأمر الذي يفرض على كل فوتوغرافيّ، وأيضا على متلقي هذه الصور، اليقظة المستمرة حتى لا تنزاح هذه الفوتوغرافيات عن طريقها الصحيح ومن ثمة رسالتها النبيلة، أي أن يُفكَّر باستمرار وبوعي نقدي متجدد في العلاقة التي ينبغي للمرء تأسيسها معها.
- وماذا عن واقع هذا الفن في المغرب؟
عرفت الفوتوغرافيا في المغرب، منذ نهاية القرن العشرين، مجموعة من المتغيرات والتحولات التي كان لها تارة أثر إيجابي، وحينًا آخر سلبي في الفوتوغرافيا والفوتوغرافيين. صحيح أن هذا الشكل التعبيري حقق مكتسبات مهمة في المغرب: دعم وزارة الثقافة لبعض المشاريع الفوتوغرافية، الاعتراف بوضع الفوتوغرافي من خلال منحه البطاقة المهنية، حضور الفوتوغرافيا في بعض المحافل الفنية المحلية والدولية، انفتاح بعض قاعات العرض الخاصة على الفوتوغرافيا، مواكبة وسائل الإعلام للمُنجَز الفوتوغرافي المغربي، بروز بعض القراءات والدراسات النقدية في المجال. لكن، في ظني، الطريق ما يزال طويلا وشاقا أمام الفوتوغرافيين لانتزاع اعتراف أكبر وبالحجم والمكانة نفسيهما التي بلغها نظراؤهم في المجتمعات التي لها تجربة كبيرة في الفوتوغرافيا. فعلى سبيل المثال، هذه الممارسة هي في أمسِّ الحاجة لقوانين ترفع اللبس عن حقوق كل من الفوتوغرافي والموضوع المُصوَّر، وإلى قوانين تحمي حقوق التأليف عند الفوتوغرافي، وإلى سوق فنية مُنظَّمَة ومُنْتَظِمة، ولمنح حكومية أو غير حكومية ومؤسسات للرعاية تسمح للفوتوغرافيين من إنجاز مشاريعهم الفنية، ومن ثمة تكريس الفوتوغرافيا كمكون من المكونات الثقافية والفنية، خلق وتنظيم مسابقات لتمكين الشباب من التعريف بأعمالهم وتشجيعهم على المنافسة الخلاقة، دعم مشاريع النشر في هذا المجال، لأن الكتاب الفني عموما والفوتوغرافي خصوصا لم يصل بعد إلى القارئ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.