15 صورة.. البابا تواضروس يدشن كنيسة الشهيد مارمينا بفلمنج شرق الإسكندرية    قيادي بمستقبل وطن: تحركات الإخوان ضد السفارات المصرية محاولة بائسة ومشبوهة    تفعيل البريد الموحد لموجهي اللغة العربية والدراسات الاجتماعية بالفيوم    استقالات جماعية للأطباء ووفيات وهجرة الكفاءات..المنظومة الصحية تنهار فى زمن العصابة    وزير الإسكان ومحافظ مطروح يتفقدان محطة تحلية مياه البحر "الرميلة 4" -تفاصيل    إزالة لمزرعة سمكية مخالفة بجوار "محور 30" على مساحة 10 أفدنة بمركز الحسينية    الحرس الثوري الإيراني يهدد إسرائيل برد أشد قسوة حال تكرار اعتدائها    مصر القومي: الاعتداء على السفارات المصرية امتداد لمخططات الإخوان لتشويه صورة الدولة    تعديل جديد.. كاف يخطر بيراميدز بموعد مباراتي الجيش الرواندي    إسلام جابر: لم أتوقع انتقال إمام عاشور للأهلي.. ولا أعرف موقف مصطفى محمد من الانتقال إليه    إسلام جابر: تجربة الزمالك الأفضل في مسيرتي.. ولست نادما على عدم الانتقال للأهلي    أول تعليق لمحافظ الإسكندرية على واقعة الغرق الجماعي بشاطئ أبو تلات    السجن المشدد 6 سنوات لحداد لاتجاره فى المخدرات وحيازة سلاح بشبرا الخيمة    إيرادات الجمعة.. "درويش" يحافظ على المركز الأول و"الشاطر" الثاني    "الصحة" تقدم 314 ألف خدمة عبر 143 قافلة في يوليو 2025    صور.. 771 مستفيدًا من قافلة جامعة القاهرة في الحوامدية    «المركزي لمتبقيات المبيدات» ينظم ورشة عمل لمنتجي ومصدري الطماطم بالشرقية    الغربية: حملات نظافة مستمرة ليلا ونهارا في 12 مركزا ومدينة لضمان بيئة نظيفة وحضارية    الموت يغيب عميد القضاء العرفي الشيخ يحيى الغول الشهير ب "حكيم سيناء" بعد صراع مع المرض    50 ألف مشجع لمباراة مصر وإثيوبيا في تصفيات كأس العالم    "قصص متفوتكش".. رسالة غامضة من زوجة النني الأولى.. ومقاضاة مدرب الأهلي السابق بسبب العمولات    ماذا ينتظر كهربا حال إتمام انتقاله لصفوف القادسية الكويتي؟    وزير العمل يتفقد وحدتي تدريب متنقلتين قبل تشغيلهما غدا بالغربية    "عربية النواب": المجاعة في غزة جريمة إبادة متعمدة تستدعي تحركًا عاجلًا    «لازم إشارات وتحاليل للسائقين».. تامر حسني يناشد المسؤولين بعد حادث طريق الضبعة    وزارة النقل تناشد المواطنين عدم اقتحام المزلقانات أو السير عكس الاتجاه أثناء غلقها    مصر ترحب بخارطة الطريق الأممية لتسوية الأزمة الليبية    وفاة سهير مجدي .. وفيفي عبده تنعيها    مؤسسة فاروق حسني تطلق الدورة ال7 لجوائز الفنون لعام 2026    قلق داخلي بشأن صديق بعيد.. برج الجدي اليوم 23 أغسطس    غدا.. قصور الثقافة تطلق ملتقى دهب العربي الأول للرسم والتصوير بمشاركة 20 فنانا    تم تصويره بالأهرامات.. قصة فيلم Fountain of Youth بعد ترشحه لجوائز LMGI 2025    تكريم الفنانة شيرين في مهرجان الإسكندرية السينمائي بدورته ال41    موعد إجازة المولد النبوي 2025.. أجندة الإجازات الرسمية المتبقية للموظفين    كيف تكون مستجابا للدعاء؟.. واعظة بالأزهر توضح    وزير الدفاع الأمريكي يجيز ل2000 من الحرس الوطني حمل السلاح.. ما الهدف؟    وزير خارجية باكستان يبدأ زيارة إلى بنجلاديش    رئيس «الرعاية الصحية»: تقديم أكثر من 2.5 مليون خدمة طبية بمستشفيات الهيئة في جنوب سيناء    الصحة: حملة «100 يوم صحة» قدّمت 59 مليون خدمة طبية مجانية خلال 38 يوما    فحص وصرف العلاج ل247 مواطنا ضمن قافلة بقرية البرث في شمال سيناء    نور القلوب يضىء المنصورة.. 4 من ذوى البصيرة يبدعون فى مسابقة دولة التلاوة    ضبط وتحرير 18 محضرا فى حملة إشغالات بمركز البلينا فى سوهاج    8 وفيات نتيجة المجاعة وسوء التغذية في قطاع غزة خلال ال24 ساعة الماضية    محاضرة فنية وتدريبات خططية في مران الأهلي استعدادًا للمحلة    محافظ أسوان يتابع معدلات الإنجاز بمشروع محطة النصراب بإدفو    طقس الإمارات اليوم.. غيوم جزئية ورياح مثيرة للغبار على هذه المناطق    مصر تستضيف النسخة الأولى من قمة ومعرض "عالم الذكاء الاصطناعي" فبراير المقبل    تحرير 125 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    ورش تدريبية للميسرات العاملات بمركزي استقبال أطفال العاملين ب«التضامن» و«العدل»    طلقات تحذيرية على الحدود بين الكوريتين ترفع حدة التوتر    الأوقاف: «صحح مفاهيمك» تتوسع إلى مراكز الشباب وقصور الثقافة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 23-8-2025 في محافظة قنا    إعلام فلسطينى: مصابون من منتظرى المساعدات شمال رفح الفلسطينية    حسن الخاتمة.. وفاة معتمر أقصري أثناء أدائه مناسك الحج    تنسيق الجامعات 2025| مواعيد فتح موقع التنسيق لطلاب الشهادات المعادلة    كأس السوبر السعودي.. هونج كونج ترغب في استضافة النسخة المقبلة    «مياه الأقصر» تسيطر على بقعة زيت فى مياه النيل دون تأثر المواطنين أو إنقطاع الخدمة    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القائمة القصيرة لجائزة المان بوكر 2016: لا شفاعة للأسماء الكبيرة
نشر في صوت البلد يوم 20 - 09 - 2016

على شاكلة القائمة الطويلة، لم تخل القائمة القصيرة لجائزة “المان بوكر” لهذا العام والتي أعلنت في مساء الثالث عشر من شهر سبتمبر الجاري، من مفاجآت غير متوقعة، بالنسبة إلى كثير من المتابعين. أولى هذه المفاجآت المدويّة، خروج الروائي الجنوب أفريقي جيه. إم. كُتسي (جائزة نوبل في الأدب للعام 2003) بعد أن استبعدت لجنة المحكمين، برئاسة المؤرخة البريطانية أماندا فورمن، روايته “أيام المسيح في المدرسة” من المنافسة النهائية لهذا العام، وهو الذي سبق له أن فاز بالجائزة مرتين— في العام 1983، عن روايته “حياة مايكل كيه وأزمنته”؛ وفي العام 1999، عن روايته “العار”. ولم يقتصر خروج الأسماء الكبيرة من القائمة القصيرة على كُتْسي فحسب، بل امتدّ ليشمل كلًّا من الأميركية إليزابيت ستراوت، الحاصلة على جائزة البوليتزر في العام 2009 عن مجموعتها القصصية “أوليف كيتريدج”، والأسكتلندية إيه. إل. كينيدي، الفائزة بجائزة كوستا للكتاب في العام 2007 عن روايتها “يوم”. ولم تكد تقتصر المفاجأة الثانية على دخول الروائية الأميركية أوتيسا مشفق (35 عامًا) حلبة السباق، بروايتها الأولى “إيلين”، لتكون بذلك أصغر روائية في تاريخ القائمة القصيرة للجائزة، وإنما اشتمال القائمة أيضًا على روائيتين أخرتين، البريطانية ديبرا ليفي والكندية مادلين ثاين، مما يجعل القائمة موزعة بالتساوي بين الجنسين، وهذا مؤشر عظيم الدلالة على الدرجة الرفيعة التي بات يحتلها الأدب الذي تكتبه المرأة اليوم. وأمّا المفاجأة الثالثة، فهي اختيار روايتين صدرتا عن داري نشر صغيرتين، على حساب تلك التي نشرتها دور النشر العريقة ذات الميزانيات الكبيرة العابرة للحدود؛ وهما رواية “مشروعه الدموي” للأسكتلندي غرييَم ماكرييه بيرنيت، وهي الرواية التي لم يُكتَب عنها أيّ مراجعات نقدية في الصحافة الثقافية حين صدرت في العام 2015، ورواية “الخيانة” للأميركي بول بيتي، والتي نشرتها دار “وَنْ وورلد”، وهي الدار ذاتها التي نشرت رواية “سبع جرائم قتل” للجامايكي مارلون جيمس، في طبعتها البريطانية، والتي فازت بجائزة المان بوكر في العام الماضي.
وحيث أنّ هذه هي السنة الثالثة التي تنفتح فيها الجائزة على الأدب القَصصيّ المكتوب بالإنكليزية، شريطة أن يكون منشورًا في المملكة المتحدة، بعد أن كانت مقصورة، تاريخيًّا، على المؤلفين من دول الكومنويلث والمملكة المتحدة وأيرلندا وزيمباواي، فقد جاءت القائمة القصيرة في ستّة أعمال مقسّمة بين المملكة المتحدة وأميركا وكندا. نالت المملكة المتحدة الحظ الأوفر من الترشيحات بثلاث روايات: ديفيد زولوي بروايته الرابعة “كل ما ينطوي عليه الإنسان”، وديبرا ليفي بروايتها السابعة “حليب ساخن”، وغرييم ماكرييه بيرنيت بروايته الثانية “مشروعه الدموي”. ومن أميركا، جاءت في القائمة روايتان: “إيلينا” لأوتيسا مشفق، و”الخيانة” لبول بيتي. وأما كندا فكانت حصتها من الترشيحات رواية واحدة: “لا تقولوا إننا لا نملك شيئًا” لمادلين ثاين.
شتاء المرأة التي ترتدي قناع الموت
منذ صدورها في العام 2015، ولا تزال رواية “إيلينا” لأوتيسا مشفق، تحظى باحتفاء نقدي تلو آخر، من كبار النقاد، وفي كبريات الصحف والمجلات. وقد تجلى هذا الاحتفاء بمنح الرواية جائزة فوكنر من طرف رابطة القلم الأميركية في العام 2015، ووصولها إلى القائمة القصيرة لجائزة حلقة نقاد الكتاب القومي الأميركي في العام نفسه. ولم يكن هذا هو التكريم الأول التي تناله مشفق، فقد سبق لروايتها القصيرة التي كتبتها في العام 2014، بعنوان “ماغلو”، أن حازت جائزةَ “Fence Modern Prize in Prose” وجائزة “Believer Book Award” على حد سواء. كتبت مشفق المسودة الأولى لِ “إيلينا” في أقلّ من شهرين، ثم وضعتها جانبًا طيلة ستة أشهر ولم تقترب منها البتّة، لتعود إلى الاشتغال عليها ثانيةً، وإعادة كتابتها، ثلاث مرات مختلفة.
إنها حكاية عن الخيانة والعزلة والتنافر الوجوديّ والهوس بالجسد، ضمن مناخات هيتشكوكيّة؛ حيث تظهر إيلينا دنلوب، وهي في السبعين من عمرها، تقص علينا تفاصيل الأحداث التي وقعت في آخر أيام لها في “إكسفيل”، في نهاية ديسمبر 1964، حين كانت شابّة، وحيدة، في الرابعة والعشرين من عمرها، وتعمل سكرتيرة في إصلاحيّة للأحداث خارج بوسطن.
تصف إيلين نفسها، في مفتتح الرواية، بأنها كأيّ فتاة عادية يمكن للمرء أن يصادفها في الباص، وهي تقرأ كتابًا استعارته من المكتبة العمومية يحكي عن النباتات أو الجغرافيا، أو ربما يصادفها وهي تعتمر قبعة مشبّكة فوق شعرها البنيّ. فتاة قد يظنها المرء، حين يلحظ يديها المتوترتين، وشفتها المقضومة، وقدمها التي تنقر الأرض، بأنها تعمل طابعة أو تلميذة تدرس التمريض. فتاة غريبة، شابة، خوّافة، تحمل حقيبة يد جلدية، أو تأكل حبات الفستق بعد أن تفركها بين أصباع يديها القابعتين في قفّازين. فتاة عادية لا تتميّز بشيء، ذات وجنتين شاحبتين وتنظر باستمرار من نافذة الباص. نحيلة، مترددة، وتجلس في مقعدها على نحو متخشّب. فتاة يتوقع المرء، من حركاتها ومظهرها الخارجيّ، بأنها تألف سكون الغرف المغلقة، وترتاح في الصمت البليد. تتحرك نظراتها ببطء على الورق والجدران والستائر الثقيلة ولا تذهب أفكارها أبعد مما تتعرف عليه عيناها— الكتب والمكتب والشجرة والشخص الذي في الغرفة. ولكنها، في الحقيقة، تنبذ الصمت، وتمقت السكون. فتاة كانت تكره كل شيء. غير سعيدة، وساخطة طيلة الوقت. تحاول أن تسيطر على نفسها، ولكنها، وحين تحاول أن تفعل ذلك، تصبح أكثر غرابة وأكثر تعاسة وأكثر سخطًا. هي تنظر إلى نفسها كأنها جان دارك أو هاملت، ولكنها ولدت في الحياة الخطأ— حياة امرأة نكرة، هائمة على وجهها، كأنها محتجبة لا يراها أحد. لم تكُن نفسها البتّة، بل كانت شخصًا آخر. كانت دائمًا ما ترتدي جوارب سميكة وتنانير صوفية ثقيلة تصل حتى ركبتيها. وكانت دائمًا ما تزرّر جميع أزار سترها وبلوزاتها. لا تنتبه لنفسها كثيرًا، فهي تنظر إلى نفسها كامرأة بشعة ومقزّزة ولا تلائم العالم. لا تتزيّن البتّة— لا تلبس الحليّ إلا نادرًا، ولا تتعطّر، ولا تطلي أظافرها.
تعيش إيلين أهوال حياتها اليومية، طافحة بالسخط ومقت الذات، بين واجبات عملها اليومي ورعايتها لوالدها السكّير. وفي محاولة منها للتغلب على هذه “الأهوال”، تنجرف بنفسها إلى عالم الأحلام، علها تستطيع الهروب والعيش في مدينة كبيرة في أحد الأيام. تقضي إيلين لياليها وأيام العطلات في السرقة من المتاجر ومغازلة حارس في الإصلاحيّة اسمه راندي، وفي تنظيف قاذورات والدها الذي تزداد حالته سوءًا يومًا بعد يوم. ولكن، حين تصل ربيكا سانت جون إلى الإصلاحية، بوصفها المرشدة التثقيفيّة الجديدة، تنشأ بينهما صداقة قويّة، سرعان ما تتطور إلى عاطفة راحت تعتمل في صدر إيلين تجاه ربيكا، تقودها في نهاية المطاف إلى ارتكاب جريمة قتل، فتهرب، مبتعدة عن بيتها، ولا تعود إلى هناك أبدًا.
هي امرأة وحيدة، تسعى إلى الهروب من تنافرها الوجوديّ، بالبحث عن حياة جديدة في مكان آخر. أن توجد لنفسها تلك اللحظة التي تكون فيها هي نفسها، ولا شيء آخر.
ولدت أوتيسا مشفق في بوسطن، ماساتشوستس، سنة 1981. التقى والدها في مدرسة للموسيقى في بلجيكا. حيث كان أبوها الإيرانيّ عازف كمان وأمّها الكراوتيّة عازفة فيولّا. كانا يخطّطان، بعد الزواج، للعيش في إيران ولكنّ الأقدار قد حالت دون ذلك. بدأت أوتيسا في نشر قصصها في المجلات الأدبية، خاصة في الباريس ريفيو والنيويروكر وغرانتا، ثم بدأت تلفت الأنظار حين فازت قصصها بجوائز أدبية مرموقة، كجائزة بوشكارت وأو. هنري وبليمتن. تعيش في لوس أنجيليس، كاليفورنيا. سيصدر لها في السنة القادمة مجموعة قصصية بعنوان “حنين إلى عالم آخر”، عن دار جوناثان كيب في بريطانيا.
على شاكلة القائمة الطويلة، لم تخل القائمة القصيرة لجائزة “المان بوكر” لهذا العام والتي أعلنت في مساء الثالث عشر من شهر سبتمبر الجاري، من مفاجآت غير متوقعة، بالنسبة إلى كثير من المتابعين. أولى هذه المفاجآت المدويّة، خروج الروائي الجنوب أفريقي جيه. إم. كُتسي (جائزة نوبل في الأدب للعام 2003) بعد أن استبعدت لجنة المحكمين، برئاسة المؤرخة البريطانية أماندا فورمن، روايته “أيام المسيح في المدرسة” من المنافسة النهائية لهذا العام، وهو الذي سبق له أن فاز بالجائزة مرتين— في العام 1983، عن روايته “حياة مايكل كيه وأزمنته”؛ وفي العام 1999، عن روايته “العار”. ولم يقتصر خروج الأسماء الكبيرة من القائمة القصيرة على كُتْسي فحسب، بل امتدّ ليشمل كلًّا من الأميركية إليزابيت ستراوت، الحاصلة على جائزة البوليتزر في العام 2009 عن مجموعتها القصصية “أوليف كيتريدج”، والأسكتلندية إيه. إل. كينيدي، الفائزة بجائزة كوستا للكتاب في العام 2007 عن روايتها “يوم”. ولم تكد تقتصر المفاجأة الثانية على دخول الروائية الأميركية أوتيسا مشفق (35 عامًا) حلبة السباق، بروايتها الأولى “إيلين”، لتكون بذلك أصغر روائية في تاريخ القائمة القصيرة للجائزة، وإنما اشتمال القائمة أيضًا على روائيتين أخرتين، البريطانية ديبرا ليفي والكندية مادلين ثاين، مما يجعل القائمة موزعة بالتساوي بين الجنسين، وهذا مؤشر عظيم الدلالة على الدرجة الرفيعة التي بات يحتلها الأدب الذي تكتبه المرأة اليوم. وأمّا المفاجأة الثالثة، فهي اختيار روايتين صدرتا عن داري نشر صغيرتين، على حساب تلك التي نشرتها دور النشر العريقة ذات الميزانيات الكبيرة العابرة للحدود؛ وهما رواية “مشروعه الدموي” للأسكتلندي غرييَم ماكرييه بيرنيت، وهي الرواية التي لم يُكتَب عنها أيّ مراجعات نقدية في الصحافة الثقافية حين صدرت في العام 2015، ورواية “الخيانة” للأميركي بول بيتي، والتي نشرتها دار “وَنْ وورلد”، وهي الدار ذاتها التي نشرت رواية “سبع جرائم قتل” للجامايكي مارلون جيمس، في طبعتها البريطانية، والتي فازت بجائزة المان بوكر في العام الماضي.
وحيث أنّ هذه هي السنة الثالثة التي تنفتح فيها الجائزة على الأدب القَصصيّ المكتوب بالإنكليزية، شريطة أن يكون منشورًا في المملكة المتحدة، بعد أن كانت مقصورة، تاريخيًّا، على المؤلفين من دول الكومنويلث والمملكة المتحدة وأيرلندا وزيمباواي، فقد جاءت القائمة القصيرة في ستّة أعمال مقسّمة بين المملكة المتحدة وأميركا وكندا. نالت المملكة المتحدة الحظ الأوفر من الترشيحات بثلاث روايات: ديفيد زولوي بروايته الرابعة “كل ما ينطوي عليه الإنسان”، وديبرا ليفي بروايتها السابعة “حليب ساخن”، وغرييم ماكرييه بيرنيت بروايته الثانية “مشروعه الدموي”. ومن أميركا، جاءت في القائمة روايتان: “إيلينا” لأوتيسا مشفق، و”الخيانة” لبول بيتي. وأما كندا فكانت حصتها من الترشيحات رواية واحدة: “لا تقولوا إننا لا نملك شيئًا” لمادلين ثاين.
شتاء المرأة التي ترتدي قناع الموت
منذ صدورها في العام 2015، ولا تزال رواية “إيلينا” لأوتيسا مشفق، تحظى باحتفاء نقدي تلو آخر، من كبار النقاد، وفي كبريات الصحف والمجلات. وقد تجلى هذا الاحتفاء بمنح الرواية جائزة فوكنر من طرف رابطة القلم الأميركية في العام 2015، ووصولها إلى القائمة القصيرة لجائزة حلقة نقاد الكتاب القومي الأميركي في العام نفسه. ولم يكن هذا هو التكريم الأول التي تناله مشفق، فقد سبق لروايتها القصيرة التي كتبتها في العام 2014، بعنوان “ماغلو”، أن حازت جائزةَ “Fence Modern Prize in Prose” وجائزة “Believer Book Award” على حد سواء. كتبت مشفق المسودة الأولى لِ “إيلينا” في أقلّ من شهرين، ثم وضعتها جانبًا طيلة ستة أشهر ولم تقترب منها البتّة، لتعود إلى الاشتغال عليها ثانيةً، وإعادة كتابتها، ثلاث مرات مختلفة.
إنها حكاية عن الخيانة والعزلة والتنافر الوجوديّ والهوس بالجسد، ضمن مناخات هيتشكوكيّة؛ حيث تظهر إيلينا دنلوب، وهي في السبعين من عمرها، تقص علينا تفاصيل الأحداث التي وقعت في آخر أيام لها في “إكسفيل”، في نهاية ديسمبر 1964، حين كانت شابّة، وحيدة، في الرابعة والعشرين من عمرها، وتعمل سكرتيرة في إصلاحيّة للأحداث خارج بوسطن.
تصف إيلين نفسها، في مفتتح الرواية، بأنها كأيّ فتاة عادية يمكن للمرء أن يصادفها في الباص، وهي تقرأ كتابًا استعارته من المكتبة العمومية يحكي عن النباتات أو الجغرافيا، أو ربما يصادفها وهي تعتمر قبعة مشبّكة فوق شعرها البنيّ. فتاة قد يظنها المرء، حين يلحظ يديها المتوترتين، وشفتها المقضومة، وقدمها التي تنقر الأرض، بأنها تعمل طابعة أو تلميذة تدرس التمريض. فتاة غريبة، شابة، خوّافة، تحمل حقيبة يد جلدية، أو تأكل حبات الفستق بعد أن تفركها بين أصباع يديها القابعتين في قفّازين. فتاة عادية لا تتميّز بشيء، ذات وجنتين شاحبتين وتنظر باستمرار من نافذة الباص. نحيلة، مترددة، وتجلس في مقعدها على نحو متخشّب. فتاة يتوقع المرء، من حركاتها ومظهرها الخارجيّ، بأنها تألف سكون الغرف المغلقة، وترتاح في الصمت البليد. تتحرك نظراتها ببطء على الورق والجدران والستائر الثقيلة ولا تذهب أفكارها أبعد مما تتعرف عليه عيناها— الكتب والمكتب والشجرة والشخص الذي في الغرفة. ولكنها، في الحقيقة، تنبذ الصمت، وتمقت السكون. فتاة كانت تكره كل شيء. غير سعيدة، وساخطة طيلة الوقت. تحاول أن تسيطر على نفسها، ولكنها، وحين تحاول أن تفعل ذلك، تصبح أكثر غرابة وأكثر تعاسة وأكثر سخطًا. هي تنظر إلى نفسها كأنها جان دارك أو هاملت، ولكنها ولدت في الحياة الخطأ— حياة امرأة نكرة، هائمة على وجهها، كأنها محتجبة لا يراها أحد. لم تكُن نفسها البتّة، بل كانت شخصًا آخر. كانت دائمًا ما ترتدي جوارب سميكة وتنانير صوفية ثقيلة تصل حتى ركبتيها. وكانت دائمًا ما تزرّر جميع أزار سترها وبلوزاتها. لا تنتبه لنفسها كثيرًا، فهي تنظر إلى نفسها كامرأة بشعة ومقزّزة ولا تلائم العالم. لا تتزيّن البتّة— لا تلبس الحليّ إلا نادرًا، ولا تتعطّر، ولا تطلي أظافرها.
تعيش إيلين أهوال حياتها اليومية، طافحة بالسخط ومقت الذات، بين واجبات عملها اليومي ورعايتها لوالدها السكّير. وفي محاولة منها للتغلب على هذه “الأهوال”، تنجرف بنفسها إلى عالم الأحلام، علها تستطيع الهروب والعيش في مدينة كبيرة في أحد الأيام. تقضي إيلين لياليها وأيام العطلات في السرقة من المتاجر ومغازلة حارس في الإصلاحيّة اسمه راندي، وفي تنظيف قاذورات والدها الذي تزداد حالته سوءًا يومًا بعد يوم. ولكن، حين تصل ربيكا سانت جون إلى الإصلاحية، بوصفها المرشدة التثقيفيّة الجديدة، تنشأ بينهما صداقة قويّة، سرعان ما تتطور إلى عاطفة راحت تعتمل في صدر إيلين تجاه ربيكا، تقودها في نهاية المطاف إلى ارتكاب جريمة قتل، فتهرب، مبتعدة عن بيتها، ولا تعود إلى هناك أبدًا.
هي امرأة وحيدة، تسعى إلى الهروب من تنافرها الوجوديّ، بالبحث عن حياة جديدة في مكان آخر. أن توجد لنفسها تلك اللحظة التي تكون فيها هي نفسها، ولا شيء آخر.
ولدت أوتيسا مشفق في بوسطن، ماساتشوستس، سنة 1981. التقى والدها في مدرسة للموسيقى في بلجيكا. حيث كان أبوها الإيرانيّ عازف كمان وأمّها الكراوتيّة عازفة فيولّا. كانا يخطّطان، بعد الزواج، للعيش في إيران ولكنّ الأقدار قد حالت دون ذلك. بدأت أوتيسا في نشر قصصها في المجلات الأدبية، خاصة في الباريس ريفيو والنيويروكر وغرانتا، ثم بدأت تلفت الأنظار حين فازت قصصها بجوائز أدبية مرموقة، كجائزة بوشكارت وأو. هنري وبليمتن. تعيش في لوس أنجيليس، كاليفورنيا. سيصدر لها في السنة القادمة مجموعة قصصية بعنوان “حنين إلى عالم آخر”، عن دار جوناثان كيب في بريطانيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.