فتح باب التقدم لاختبارات الدبلومات والمعاهد الفنية لدخول كلية الحقوق والرابط الرسمي    نادية مصطفى لفيتو: احنا مش متطرفين ومصطفى كامل بيخاف على البلد (فيديو)    «زي النهارده» فى ‌‌30‌‌ يوليو ‌‌2011.. وفاة أول وزيرة مصرية    رغم إعلان حل الأزمة، استمرار انقطاع الكهرباء عن بعض مدن الجيزة لليوم الخامس على التوالي    ترامب يحذر من تسونامي في هاواي وألاسكا ويدعو الأمريكيين إلى الحيطة    وزير الخارجية يلتقي السيناتور ليندسى جراهام بمجلس الشيوخ الأمريكي    الاتحاد الإفريقي يصدم "الدعم السريع" بعد تشكيل حكومة موازية بالسودان ويوجه رسالة للمجتمع الدولي    مواعيد مباريات اليوم الأربعاء والقنوات الناقلة، أبرزها ليفربول ضد يوكوهاما    ثروت سويلم: لن يتكرر إلغاء الهبوط في الدوري المصري.. وخصم 6 نقاط فوري للمنسحبين    انهيار جزئي لعقار مكون من 7 طوابق في الدقي    من "ترند" الألبومات إلى "ترند" التكت، أسعار تذاكر حفل عمرو دياب بالعلمين مقارنة بتامر حسني    طريقة عمل الأرز باللبن، تحلية سريعة التحضير ولذيذة    البنك العربى الإفريقى يقود إصدار سندات توريق ب 4.7 مليار جنيه ل«تساهيل»    جدول مباريات بيراميدز في الدوري المصري الممتاز الموسم الجديد 2025-2026    "البترول" تتلقى إخطارًا باندلاع حريق في غرفة ماكينات مركب الحاويات PUMBA    عبداللطيف حجازي يكتب: الرهان المزدوج.. اتجاهات أردوغان لهندسة المشهد التركي عبر الأكراد والمعارضة    حظك اليوم الأربعاء 30 يوليو وتوقعات الأبراج    السيد أمين شلبي يقدم «كبسولة فكرية» في الأدب والسياسة    ليلى علوي تسترجع ذكريات «حب البنات» بصور من الكواليس: «كل الحب»    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 1447-2026    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 للقطاعين الحكومي والخاص    ترفع الرغبة الجنسية وتعزز المناعة.. 8 أطعمة ترفع هرمون الذكورة بشكل طبيعي    لا تتبع الوزارة.. البترول: السيطرة على حريق سفينة حاويات قرب منصة جنوب شرق الحمد    وزير الثقافة: جوائز الدولة هذا العام ضمت نخبة عظيمة.. ونقدم برنامجا متكاملا بمهرجان العلمين    4 أرغفة ب دينار.. تسعيرة الخبز الجديدة تغضب أصحاب المخابز في ليبيا    تنسيق الثانوية 2025.. ماذا تعرف عن دراسة "الأوتوترونكس" بجامعة حلوان التكنولوجية؟    تنسيق الجامعات 2025| كل ما تريد معرفته عن بكالوريوس إدارة وتشغيل الفنادق "ماريوت"    إبراهيم ربيع: «مرتزقة الإخوان» يفبركون الفيديوهات لنشر الفوضى    وفاة طالب أثناء أداء امتحانات الدور الثاني بكلية التجارة بجامعة الفيوم    القانون يحدد شروط لوضع الإعلانات.. تعرف عليها    متابعة تطورات حركة جماعة الإخوان الإرهابية مع الإعلامية آلاء شتا.. فيديو    الدقيقة بتفرق في إنقاذ حياة .. أعراض السكتة الدماغية    تنسيق الجامعات 2025 .. تفاصيل برامج كلية التجارة جامعة عين شمس (مصروفات)    يسمح ب«تقسيط المصروفات».. حكاية معهد السياحة والفنادق بعد قضية تزوير رمضان صبحي    إخماد حريق في محول كهرباء في «أبو النمرس» بالجيزة    منافسة غنائية مثيرة في استاد الإسكندرية بين ريهام عبد الحكيم ونجوم الموسيقى العربية.. صور    إنجاز غير مسبوق.. إجراء 52 عملية جراحية في يوم واحد بمستشفى نجع حمادي    أسامة نبيه يضم 33 لاعبا فى معسكر منتخب الشباب تحت 20 سنة    مصرع عامل اختل توازنه وسقط من أعلى سطح المنزل في شبين القناطر    أحمد فؤاد سليم: عشت مواجهة الخطر في الاستنزاف وأكتوبر.. وفخور بتجربتي ب "المستقبل المشرق"    الجنايني يتحدث عن مفاوضات عبد القادر.. وعرض نيوم "الكوبري" وصدمة الجفالي    ناشط فلسطيني: دور مصر مشرف وإسرائيل تتحمل انتشار المجاعة في غزة.. فيديو    رئيس مدينة الحسنة يعقد اجتماعا تنسيقيا تمهيدا للاستعداد لانتخابات الشيوخ 2025    رسميًا.. جدول صرف مرتبات شهر أغسطس 2025 بعد تصريحات وزارة المالية (تفاصيل)    عاجل- ترمب: زوجتي ميلانيا شاهدت الصور المروعة من غزة والوضع هناك قاس ويجب إدخال المساعدات    عمرو الجناينى: تفاجأت باعتزال شيكابالا.. ولم أتفاوض مع أحمد عبد القادر    «الجو هيقلب» .. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم : أمطار وانخفاض «مفاجئ»    جدول امتحانات الثانوية العامة دور ثاني 2025 (اعرف التفاصيل)    ترامب: الهند ستواجه تعريفة جمركية تتراوح بين 20% و25% على الأرجح    عيار 21 الآن يسجل رقمًا جديدًا.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 30 يوليو بعد الانخفاض بالصاغة    محمد السادس: المغرب مستعد لحوار صريح ومسؤول مع الجزائر    سبب غياب كريم فؤاد عن ودية الأهلي وإنبي وموعد عودته    الجنايني عن شروط عبدالله السعيد للتجديد مع الزمالك: "سيب اللي يفتي يفتي"    معلقة داخل الشقة.. جثة لمسن مشنوق تثير الذعر بين الجيران ببورسعيد    هل يُحاسب الطفل على الحسنات والسيئات قبل البلوغ؟.. واعظة تجيب    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر يرد في هذه الحالة    ما الذي يُفِيدُه حديث النبي: (أفضل الأعمال الصلاة على وقتها)؟.. الإفتاء توضح    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



" راكوشا " .. حكاية حب ما بين الطيف والحلم
نشر في صوت البلد يوم 10 - 08 - 2016

المبدعة نهى محمود وهي تبحث عن أفق جديد في كتابة الرواية، عادت إلى حكايا شهرزاد في ألف ليلة وليلة لتجعلها تكنيكا في سرد روايتها القصيرة "راكوشا" (دار ميريت بالقاهرة 2009)، وهي حكاية حب ما بين الطيف والحلم، تدور في فلكها جملة من الشخصيات التي لا تحمل أسماء من باب التجريب، على غرار ما هو متداول في الأعمال الروائية بشكل عام.
إذا ولينا وجوهنا شطر رواية "راكوشا" سنجدها تحكي لنا عن قصة بطلين وهما فتاة الورد والولد الحزين، حيث يقوم كلاهما بالبوح للآخر عن الألم والوجع منذ الصفحات الأولى، كما جاء ذلك على لسان السارد:
"في الأيام التالية فتحت للولد الحزين قلبها لأنه حزين مثلها. هكذا يبدو الأمر محتملا عندما نتقاسم الحزن فيتفتت. الولد الحزين يقتسم معها الأشياء قسمة غير عادلة.. يمتص حزنها وأرقها ومخاوفها ويمرر لها بعضا من قلقه وتساؤلاته." (ص 14)
سيقف القارئ منذ الوهلة الأولى على دور الكاتبة في استخدام فن الحكي ببراعة، فيتعرف على تلك الشخصيات التي قد يقابلها في يومياته كحكاية الولد الذي يأكل العدس على الرصيف والذي تحمله أمواج الجرأة ليسأل فتاة الورد عن سر علاقتها بالولد الحزين: "يسألها إن كانت تحب الولد الحزين.. تستغرب جرأته وتعاتبه أن يظن ذلك.. تؤكد له أنها ترهب الحب وأنها لن تقع فيه أبدا. يقول لها إنها لو أحبت الولد الحزين ستكون محظوظة.." (ص 16)
تحدثنا الكاتبة أيضا عن حكاية طفلة صغيرة تشبه بطلتها - فتاة الورد- وكيف تصبح صديقتها، وهي ابنة فتاة الشيشة والولد العصبي الذي فارق الحياة في المستشفى، أين تبوح لنا بتلك النقاط المشتركة بينهما كما في هذا المقطع:
"تلعبان معا بالحمار الأزرق الصغير الذي يخص الفتاة التي تحب الورد. تقلد الطفلة صديقتها التي تحب الورد في كل شيء، وتفاجأ فتاة الورد أنها هي الأخرى تتصرف كالطفلة وأن لها نفس انفعالاتها.." (ص 19)
تستحضر البطلة صورا من الماضي الذي يعود إلى عالم الطفولة الجميلة والبريئة، وكأنها تبحث عن الخلاص من صمتها الحزين، أين تتذكر تلك العلاقة الوطيدة بالحب التي جمعت بين والديها، كما نقرأ ذلك في المشهد السردي الموالي: "تراقب علاقة أبويها منذ الصغر.. يعامل هو أمها على أنها ملكة في البيت الصغير الدافئ. يتأزم الأب إذا ما أرهقت الأم نفسها في أعمال البيت. يساعدها في المطبخ ويدللها ويراقصها وتحكي له كل ليلة كل ما قرأت وشاهدت وهو يسمع. يحكي لها هو كل ما واجه في يومه وعن كل من قابل من بشر. يقتسمان النكات والأسرار والحكايا." (ص 20)
ما نلاحظه هو أن الكاتبة تسافر عبر حكايا بطلتها لتضيء فوانيس الحب الذي يظل يلاحقه الحزن، غير أن هذا النص يتلاحم مع الحلم الذي يراود بدوره فتاة الورد، وهذا ما غذى عملية السرد بديمومة حركته وتحوله:
"تفكر كثيرا في الولد الحزين. تفكر أن تصنع بينهما عالما افتراضيا أكثر بهجة. تشتري فنجانين من القهوة تتقاسم معه القهوة في الصباح في شرفة حجرتها، رغم عدم حضوره للمشهد. تتركه يصفف لها شعرها الغجري المتكسر.. تتشاجر معه لأنه يعتبر الوزة كائنا لطيفا.. تصر أن البطة هي الكائن اللطيف. يهمس لها بأن البطة تأكل الذباب.. تغضب منه.. تكذبه تماما وتصر أن الوزة هي التي تفعل ذلك. لا يصلان لنهاية ولا لحل.. تقاطعه وتخبره أنها تحبه." (ص 26)
تدخل نهى محمود ببطلتها إلى عالم الأنثى وخباياه، حيث تجعل الجسد موقعا للتأسيس الذي يمثل نواته الحكائية والدلالية، كما جاء ذلك في المقطع السردي الآتي:
"لم يعد هناك من يصنع لها قطع السكر تلك. تستخدم صديقاتها ماكينة الكهرباء.. سريعة، نظيفة وآمنة. عندها فوبيا من استخدام الكهرباء. لا تتخيل نفسها تضع آلة على جسدها وطرفها الآخر فيشة توصل الكهرباء. ترفض تماما ذلك الاختراع. تحب قطع السكر. تشتريها الآن من الصيدليات.. علبة بلاستيكية حمراء برائحة ماء الورد – النوع الذي تفضله. هكذا يمكنها أن تسحب منه قطعه في ليالي الصيف الحارة الهادئة.." (ص 30)
تبقى حكاية فتاة الورد المغرمة بالحب، في هذه الرواية، هي القابضة على خيال المتلقي وفكره، وتبقى اللغة التي تعمل على تفجير الحلم هي السائدة، كما هو شأن تلك الكاميرا التي اشترتها بطلة الكاتبة المولعة بالتصوير سعيا منها في التقاط صور مع الفتى الحزين:
"يختار أيام الإجازات للتسكع في الشوارع والتقاط الصور الولد يطبق على أناملها وهو يعبر بهم الأرصفة والطرق. يشتري لها قطع الحلوى بنكهة الفراولة.." (ص 45)
تستوقفنا الأحلام التي تراها فتاة الورد في منامها، والتي تتمثل في صورة لذاتها وصورة للآخر، كما هو شأن ما جمع بينها وبين عجوز المقهى، وكأننا أمام رسالة مشفرة تستدعي التأويل:
"من وقت لآخر كان عجوز المقهى يزور البنت التي تحب الورد في منامها. تراه يرتدي ملابس رواد فضاء يحمل سلة فضية يوزع منها فطائر المخبز ويبتسم." (ص 32)
تضيء عملية السرد أبعادا رمزية حيث تعكس تلك العلاقة الحالمة بين ال "هي" – فتاة الورد – وال "هو" – الفتى الحزين - لكن سرعان ما تنجلي بمحاولة البطلة التخلص من تلك المشاعر حيث تستعين بجلسة الزار:
"يرتج جسد سيدة الزار وهي توزع البخور في مخبرتها.. تقف أمام فتاة الورد وتنفخ في المخبرة تستنشق الفتاة بخورها. صوت السيدة السمراء التي تحتفي ببنات الحبشة في أغانيها يرج المكان حي، صلي على النبي، يا حزينة القلب.. يا مجروحة الروح.. صلي على النبي." (ص 54).
تكسر المبدعة نهى محمود نمطية الخطاب السردي، أين تعتمد على المجاز لسرد حكاية البطلة التي أشارت إليها من خلال قصة "راكوشا" التي يعلن عنها عنوان هذه الرواية بشكل غير مباشر، ليكون لهذا العمل الأدبي بعده المغاير ونكهته المميزة، كما نقرأ ذلك في المشهد السردي الموالي:
"هكذا تقول الحكاية إن ورابية فتى بقلب يحمل الحزن دون الحب وإن راكوشا فتاة رقيقة تنتظر الحب. تنادي هي ومن معها في القبيلة كل ليلة 14 يوما حتى اكتمال القمر. ينادون الفتى ورابيه. يجملون راكوشا وينتظرون. يطلقون البخور والغناء والنداء.. آه يا ورابيه يا اسمر يا جميل تعالى نلعب مع العروسة." (ص 55)
وعلى الرغم من ذلك، تفشل فتاة الورد في كل محاولاتها لنسيان الولد الحزين، حيث ظلت تقابله وتحبه حتى أنها أصبحت تقاسمه ذكرياتها، كما يقول السارد: "البنت تحكي له عن مدرستها الثانوية.. وعن المكان الذي شجت فيه دماغ ذلك الولد الذي عاكسها ومشى خلفها شارعين كاملين حتى اضطرت لالتقاط طوبة من الأرض ورميه بها." (ص )
على العموم، هناك تزاوج بين العالم الخارجي والعالم الداخلي في حكايا بطلة "راكوشا"، وهو الذي يخلق عالما حميميا مع المتلقي ليرتبط بنفسية فتاة الورد، والتي نجدها ساردة وفاعلة على حد سواء في أحداث هذا العمل الروائي.
في الختام، يظل الحب هاجس بطلة المبدعة نهى محمود ومرجع حكاياتها، التي تحمل بين ثناياها العديد من المعاني والرموز، قد تعيد إلى أذهاننا أسلوب الأديبة إيزابيل الليندي في سرد حكايات "إيفا لونا" بشكل غير مباشر، ربما لأن كاتبة "راكوشا" قد تأثرت كغيرها بأعمال هذه الساحرة التشيلية التي لا تغيب.
.....
كاتب وناقد جزائري
المبدعة نهى محمود وهي تبحث عن أفق جديد في كتابة الرواية، عادت إلى حكايا شهرزاد في ألف ليلة وليلة لتجعلها تكنيكا في سرد روايتها القصيرة "راكوشا" (دار ميريت بالقاهرة 2009)، وهي حكاية حب ما بين الطيف والحلم، تدور في فلكها جملة من الشخصيات التي لا تحمل أسماء من باب التجريب، على غرار ما هو متداول في الأعمال الروائية بشكل عام.
إذا ولينا وجوهنا شطر رواية "راكوشا" سنجدها تحكي لنا عن قصة بطلين وهما فتاة الورد والولد الحزين، حيث يقوم كلاهما بالبوح للآخر عن الألم والوجع منذ الصفحات الأولى، كما جاء ذلك على لسان السارد:
"في الأيام التالية فتحت للولد الحزين قلبها لأنه حزين مثلها. هكذا يبدو الأمر محتملا عندما نتقاسم الحزن فيتفتت. الولد الحزين يقتسم معها الأشياء قسمة غير عادلة.. يمتص حزنها وأرقها ومخاوفها ويمرر لها بعضا من قلقه وتساؤلاته." (ص 14)
سيقف القارئ منذ الوهلة الأولى على دور الكاتبة في استخدام فن الحكي ببراعة، فيتعرف على تلك الشخصيات التي قد يقابلها في يومياته كحكاية الولد الذي يأكل العدس على الرصيف والذي تحمله أمواج الجرأة ليسأل فتاة الورد عن سر علاقتها بالولد الحزين: "يسألها إن كانت تحب الولد الحزين.. تستغرب جرأته وتعاتبه أن يظن ذلك.. تؤكد له أنها ترهب الحب وأنها لن تقع فيه أبدا. يقول لها إنها لو أحبت الولد الحزين ستكون محظوظة.." (ص 16)
تحدثنا الكاتبة أيضا عن حكاية طفلة صغيرة تشبه بطلتها - فتاة الورد- وكيف تصبح صديقتها، وهي ابنة فتاة الشيشة والولد العصبي الذي فارق الحياة في المستشفى، أين تبوح لنا بتلك النقاط المشتركة بينهما كما في هذا المقطع:
"تلعبان معا بالحمار الأزرق الصغير الذي يخص الفتاة التي تحب الورد. تقلد الطفلة صديقتها التي تحب الورد في كل شيء، وتفاجأ فتاة الورد أنها هي الأخرى تتصرف كالطفلة وأن لها نفس انفعالاتها.." (ص 19)
تستحضر البطلة صورا من الماضي الذي يعود إلى عالم الطفولة الجميلة والبريئة، وكأنها تبحث عن الخلاص من صمتها الحزين، أين تتذكر تلك العلاقة الوطيدة بالحب التي جمعت بين والديها، كما نقرأ ذلك في المشهد السردي الموالي: "تراقب علاقة أبويها منذ الصغر.. يعامل هو أمها على أنها ملكة في البيت الصغير الدافئ. يتأزم الأب إذا ما أرهقت الأم نفسها في أعمال البيت. يساعدها في المطبخ ويدللها ويراقصها وتحكي له كل ليلة كل ما قرأت وشاهدت وهو يسمع. يحكي لها هو كل ما واجه في يومه وعن كل من قابل من بشر. يقتسمان النكات والأسرار والحكايا." (ص 20)
ما نلاحظه هو أن الكاتبة تسافر عبر حكايا بطلتها لتضيء فوانيس الحب الذي يظل يلاحقه الحزن، غير أن هذا النص يتلاحم مع الحلم الذي يراود بدوره فتاة الورد، وهذا ما غذى عملية السرد بديمومة حركته وتحوله:
"تفكر كثيرا في الولد الحزين. تفكر أن تصنع بينهما عالما افتراضيا أكثر بهجة. تشتري فنجانين من القهوة تتقاسم معه القهوة في الصباح في شرفة حجرتها، رغم عدم حضوره للمشهد. تتركه يصفف لها شعرها الغجري المتكسر.. تتشاجر معه لأنه يعتبر الوزة كائنا لطيفا.. تصر أن البطة هي الكائن اللطيف. يهمس لها بأن البطة تأكل الذباب.. تغضب منه.. تكذبه تماما وتصر أن الوزة هي التي تفعل ذلك. لا يصلان لنهاية ولا لحل.. تقاطعه وتخبره أنها تحبه." (ص 26)
تدخل نهى محمود ببطلتها إلى عالم الأنثى وخباياه، حيث تجعل الجسد موقعا للتأسيس الذي يمثل نواته الحكائية والدلالية، كما جاء ذلك في المقطع السردي الآتي:
"لم يعد هناك من يصنع لها قطع السكر تلك. تستخدم صديقاتها ماكينة الكهرباء.. سريعة، نظيفة وآمنة. عندها فوبيا من استخدام الكهرباء. لا تتخيل نفسها تضع آلة على جسدها وطرفها الآخر فيشة توصل الكهرباء. ترفض تماما ذلك الاختراع. تحب قطع السكر. تشتريها الآن من الصيدليات.. علبة بلاستيكية حمراء برائحة ماء الورد – النوع الذي تفضله. هكذا يمكنها أن تسحب منه قطعه في ليالي الصيف الحارة الهادئة.." (ص 30)
تبقى حكاية فتاة الورد المغرمة بالحب، في هذه الرواية، هي القابضة على خيال المتلقي وفكره، وتبقى اللغة التي تعمل على تفجير الحلم هي السائدة، كما هو شأن تلك الكاميرا التي اشترتها بطلة الكاتبة المولعة بالتصوير سعيا منها في التقاط صور مع الفتى الحزين:
"يختار أيام الإجازات للتسكع في الشوارع والتقاط الصور الولد يطبق على أناملها وهو يعبر بهم الأرصفة والطرق. يشتري لها قطع الحلوى بنكهة الفراولة.." (ص 45)
تستوقفنا الأحلام التي تراها فتاة الورد في منامها، والتي تتمثل في صورة لذاتها وصورة للآخر، كما هو شأن ما جمع بينها وبين عجوز المقهى، وكأننا أمام رسالة مشفرة تستدعي التأويل:
"من وقت لآخر كان عجوز المقهى يزور البنت التي تحب الورد في منامها. تراه يرتدي ملابس رواد فضاء يحمل سلة فضية يوزع منها فطائر المخبز ويبتسم." (ص 32)
تضيء عملية السرد أبعادا رمزية حيث تعكس تلك العلاقة الحالمة بين ال "هي" – فتاة الورد – وال "هو" – الفتى الحزين - لكن سرعان ما تنجلي بمحاولة البطلة التخلص من تلك المشاعر حيث تستعين بجلسة الزار:
"يرتج جسد سيدة الزار وهي توزع البخور في مخبرتها.. تقف أمام فتاة الورد وتنفخ في المخبرة تستنشق الفتاة بخورها. صوت السيدة السمراء التي تحتفي ببنات الحبشة في أغانيها يرج المكان حي، صلي على النبي، يا حزينة القلب.. يا مجروحة الروح.. صلي على النبي." (ص 54).
تكسر المبدعة نهى محمود نمطية الخطاب السردي، أين تعتمد على المجاز لسرد حكاية البطلة التي أشارت إليها من خلال قصة "راكوشا" التي يعلن عنها عنوان هذه الرواية بشكل غير مباشر، ليكون لهذا العمل الأدبي بعده المغاير ونكهته المميزة، كما نقرأ ذلك في المشهد السردي الموالي:
"هكذا تقول الحكاية إن ورابية فتى بقلب يحمل الحزن دون الحب وإن راكوشا فتاة رقيقة تنتظر الحب. تنادي هي ومن معها في القبيلة كل ليلة 14 يوما حتى اكتمال القمر. ينادون الفتى ورابيه. يجملون راكوشا وينتظرون. يطلقون البخور والغناء والنداء.. آه يا ورابيه يا اسمر يا جميل تعالى نلعب مع العروسة." (ص 55)
وعلى الرغم من ذلك، تفشل فتاة الورد في كل محاولاتها لنسيان الولد الحزين، حيث ظلت تقابله وتحبه حتى أنها أصبحت تقاسمه ذكرياتها، كما يقول السارد: "البنت تحكي له عن مدرستها الثانوية.. وعن المكان الذي شجت فيه دماغ ذلك الولد الذي عاكسها ومشى خلفها شارعين كاملين حتى اضطرت لالتقاط طوبة من الأرض ورميه بها." (ص )
على العموم، هناك تزاوج بين العالم الخارجي والعالم الداخلي في حكايا بطلة "راكوشا"، وهو الذي يخلق عالما حميميا مع المتلقي ليرتبط بنفسية فتاة الورد، والتي نجدها ساردة وفاعلة على حد سواء في أحداث هذا العمل الروائي.
في الختام، يظل الحب هاجس بطلة المبدعة نهى محمود ومرجع حكاياتها، التي تحمل بين ثناياها العديد من المعاني والرموز، قد تعيد إلى أذهاننا أسلوب الأديبة إيزابيل الليندي في سرد حكايات "إيفا لونا" بشكل غير مباشر، ربما لأن كاتبة "راكوشا" قد تأثرت كغيرها بأعمال هذه الساحرة التشيلية التي لا تغيب.
.....
كاتب وناقد جزائري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.