حزب الوفد يحيي ذكرى رحيل سعد زغلول ومصطفى النحاس (صور)    عمدة "هوداك" برومانيا يكرم طلاب جامعة سيناء الفائزين بالجائزة الذهبية في مهرجان الفلكلور الدولي    اتحاد المقاولين يطالب بوقف تصدير الأسمنت لإنقاذ القطاع من التعثر    الخارجية الجزائرية: المجاعة بقطاع غزة خيار سياسي ونتاج تخطيط وتدبير الكيان الصهيوني    نهائي السوبر السعودي، الأهلي والنصر يتعادلان 2-2 بالوقت الأصلي ويحتكمان لركلات الترجيح (صور)    بمشاركة فريق مصري.. تعرف على المشاركين في البطولة العربية للأندية لليد    محافظ سوهاج يتابع حادث غرق الطالبات ب شاطئ العجمى في الإسكندرية    نائب وزير السياحة وأمين المجلس الأعلى للآثار يتفقدان أعمال ترميم المواقع بالإسكندرية    بدون أنظمة ريجيم قاسية، 10 نصائح لإنقاص الوزن الزائد    الإتجار في السموم وحيازة خرطوش.. جنايات شبرا تقضي بسجن متهمين 6 سنوات    وزير الصحة الفلسطيني: فقدنا 1500 كادر طبي.. وأطباء غزة يعالجون المرضى وهم يعانون من الجوع والإرهاق    مذكرة تفاهم بين جامعتي الأزهر ومطروح تتضمن التعاون العلمي والأكاديمي وتبادل الخبرات    إسلام جابر: لم أتوقع انتقال إمام عاشور للأهلي.. ولا أعرف موقف مصطفى محمد من الانتقال إليه    إسلام جابر: تجربة الزمالك الأفضل في مسيرتي.. ولست نادما على عدم الانتقال للأهلي    تفعيل البريد الموحد لموجهي اللغة العربية والدراسات الاجتماعية بالفيوم    مصر القومي: الاعتداء على السفارات المصرية امتداد لمخططات الإخوان لتشويه صورة الدولة    إزالة لمزرعة سمكية مخالفة بجوار "محور 30" على مساحة 10 أفدنة بمركز الحسينية    استقالات جماعية للأطباء ووفيات وهجرة الكفاءات..المنظومة الصحية تنهار فى زمن العصابة    صور.. 771 مستفيدًا من قافلة جامعة القاهرة في الحوامدية    وزير العمل يتفقد وحدتي تدريب متنقلتين قبل تشغيلهما غدا بالغربية    «المركزي لمتبقيات المبيدات» ينظم ورشة عمل لمنتجي ومصدري الطماطم بالشرقية    50 ألف مشجع لمباراة مصر وإثيوبيا في تصفيات كأس العالم    "قصص متفوتكش".. رسالة غامضة من زوجة النني الأولى.. ومقاضاة مدرب الأهلي السابق بسبب العمولات    مصر ترحب بخارطة الطريق الأممية لتسوية الأزمة الليبية    وزير الدفاع الأمريكي يجيز ل2000 من الحرس الوطني حمل السلاح.. ما الهدف؟    وزارة النقل تناشد المواطنين عدم اقتحام المزلقانات أو السير عكس الاتجاه أثناء غلقها    «لازم إشارات وتحاليل للسائقين».. تامر حسني يناشد المسؤولين بعد حادث طريق الضبعة    وزير خارجية باكستان يبدأ زيارة إلى بنجلاديش    وفاة سهير مجدي .. وفيفي عبده تنعيها    مؤسسة فاروق حسني تطلق الدورة ال7 لجوائز الفنون لعام 2026    قلق داخلي بشأن صديق بعيد.. برج الجدي اليوم 23 أغسطس    غدا.. قصور الثقافة تطلق ملتقى دهب العربي الأول للرسم والتصوير بمشاركة 20 فنانا    تم تصويره بالأهرامات.. قصة فيلم Fountain of Youth بعد ترشحه لجوائز LMGI 2025    تكريم الفنانة شيرين في مهرجان الإسكندرية السينمائي بدورته ال41    موعد إجازة المولد النبوي 2025.. أجندة الإجازات الرسمية المتبقية للموظفين    كيف تكون مستجابا للدعاء؟.. واعظة بالأزهر توضح    الغربية: حملات نظافة مستمرة ليلا ونهارا في 12 مركزا ومدينة لضمان بيئة نظيفة وحضارية    "التنمية المحلية": انطلاق الأسبوع الثالث من الخطة التدريبية بسقارة غدًا -تفاصيل    رئيس «الرعاية الصحية»: تقديم أكثر من 2.5 مليون خدمة طبية بمستشفيات الهيئة في جنوب سيناء    الصحة: حملة «100 يوم صحة» قدّمت 59 مليون خدمة طبية مجانية خلال 38 يوما    فحص وصرف العلاج ل247 مواطنا ضمن قافلة بقرية البرث في شمال سيناء    رغم تبرئة ساحة ترامب جزئيا.. جارديان: تصريحات ماكسويل تفشل فى تهدئة مؤيديه    نور القلوب يضىء المنصورة.. 4 من ذوى البصيرة يبدعون فى مسابقة دولة التلاوة    محاضرة فنية وتدريبات خططية في مران الأهلي استعدادًا للمحلة    طقس الإمارات اليوم.. غيوم جزئية ورياح مثيرة للغبار على هذه المناطق    ضبط وتحرير 18 محضرا فى حملة إشغالات بمركز البلينا فى سوهاج    محافظ أسوان يتابع معدلات الإنجاز بمشروع محطة النصراب بإدفو    8 وفيات نتيجة المجاعة وسوء التغذية في قطاع غزة خلال ال24 ساعة الماضية    مصر تستضيف النسخة الأولى من قمة ومعرض "عالم الذكاء الاصطناعي" فبراير المقبل    تحرير 125 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    الأوقاف: «صحح مفاهيمك» تتوسع إلى مراكز الشباب وقصور الثقافة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 23-8-2025 في محافظة قنا    إعلام فلسطينى: مصابون من منتظرى المساعدات شمال رفح الفلسطينية    حسن الخاتمة.. وفاة معتمر أقصري أثناء أدائه مناسك الحج    تنسيق الجامعات 2025| مواعيد فتح موقع التنسيق لطلاب الشهادات المعادلة    كأس السوبر السعودي.. هونج كونج ترغب في استضافة النسخة المقبلة    «مياه الأقصر» تسيطر على بقعة زيت فى مياه النيل دون تأثر المواطنين أو إنقطاع الخدمة    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النخبة العربية الضائعة فرطت في ربيع شعوبها
نشر في صوت البلد يوم 04 - 06 - 2016

حين يتحدث المثقفون عن علاقة المثقف بالناس أو الجماهير، لا يصغون إلى رأي الطرف الثاني، أي إلى رأي الجماهير، فهم الحكم والشاهد والادعاء العام، ولا صوت للجماهير سوى تعليقات كانت تتناثر في المقاهي والبيوت والجلسات الخاصة، ثم برزت بفضل مواقع التواصل الاجتماعي إلى العلن.
بداية نجد أن زاوية النظر عند السوري إبراهيم الجبين، تتجه إلى أن النخبة مازالت تمسك بكأس نبيذها في صومعة، ونظرتها للشارع لم تتغير، إذ أن عنوان مقالته “هل سيحكمنا الرعاع؟” فيه دقة واضحة، وأراني أميل إلى ما ذكره خزعل الماجدي من أن ثمة ثقافتين لا يمكن نكرانهما ولا التغاضي عنهما وهما؛ ثقافة النخبة وهي ثقافة الأقلية أي التي تقود الرأي العام والمجتمع، والثانية ثقافة الأغلبية أي الثقافة الشعبية وهي المعبر الحقيقي عن المجتمع وحاجاته وفطرته، وإنها النهر الدافق الذي يجب الاغتسال بمائه من قبل الجميع بمن فيهم النخبة.
لكن رأي الماجدي في أن هذه النخبة تفاعلت وانخرطت في الربيع العربي، لا أميل إليه حيث كشف هذا الربيع أن النخبة مغرقة في حالة أجاد إبراهيم الجبين وصفها أعلاه، لكن تأكيد الماجدي في ختام مقالته على ضرورة الليبرالية كما الديمقراطية وأن الأولى تصون الأخيرة، كلام في غاية الدقة والشاهد عليه ما يجري في بعض البلدان التي تدّعي الديمقراطية ولكن الليبرالية غائبة عنها كما في العراق وإيران.
النخبة والربيع العربي
يفتتح خطار أبودياب في مقالته “النخب العربية وضياع فرصة الربيع” بأن الشرق الأوسط في العقد الأول من الألفية كان خاضعا لتجاذبات دولية وإقليمية همشت العالم العربي، لكن ألم يكن العالم العربي مهمشا خصوصا بعد سنة 1991؟
يبيّن “أعتقد أن فشل المشروع القومي العربي ليس لافتقاده للديمقراطية والتمثيلية كأدوات صالحة للحكم فقط، وإنما لتحول هذا المشروع من مشروع عربيّ الثقافة يعتز بتنوعه وبدور غير العرب في حضارته، وأن الأقليات هي مصدر ثرائه، إلى مشروع عنصري يقصي غير العرب، وتراجع كثيرا باستيلاء الضباط على مقاليد الحكم فتتحول البلاد إلى مزرعة للحاكم وتأسيس ثقافة التوريث، أي بدعة الجمهوريات الملكية”.
ويواصل “أرى أن غياب دور النخبة في قيادة «الربيع العربي» نتيجة طبيعية لعدة عوامل يقف في مقدمتها التغييب القسري الذي مارسته الأنظمة «الوطنية» لهذه النخبة، وإضعاف الطبقة المتوسطة، سوء مناهج التعليم، السيطرة على وسائل الإعلام وإفقار النخبة المثقفة وجعلها بحاجة ماسة للعمل ضمن شروط وضوابط الأنظمة لسداد لقمة العيش، وهذه العوامل وغيرها لا تعفي النخبة مما آل إليه الوضع، فتعاليها على الجماهير واستئناسها باحتساء كأس المعرفة في أبراج عاجية، زاد من تفاقم الوضع”.
المبدعون والحكومات
يستغرب الكاتب السوري يحيى العريضي من بروز ظاهرة محمد الماغوط وزكريا تامر في وطن سقف ارتفاعه معدة الإنسان، وهو ما لاحظته عند العراقيين على اعتبار أن كلا البلدين تعرضا لحكم حزب البعث لأكثر من ثلاثة عقود، فيستغربون -أعني العراقيين- من ظاهرة بروز مبدعين وقامات ثقافية وعلمية، وشخصيّا أعتقد أن هذا لا علاقة له بالحكومات وإنما العمق التاريخي الحضاري لسوريا والعراق هو الذي أنجب هؤلاء، والأمر ذاته مع جميع المنجزات الحضارية والوطنية كتأميم النفط ومجانية التعليم وإلزامية التعليم والبناء، فهي نتيجة نضال الشعوب وليس الأنظمة. أما عن النخبة السورية فهو إذ ينهي مقالته متسائلا أهو ضياع النخبة أم نخبة الضياع؟ يعتبر أي محاولة للقفز فوق الفعل الشعبي والعفوي الثوري وأدوات تعبيره البسيطة الجبارة -لغة ومسلكا- محفوفة بنهاية فجائعية أدبيّا أو فلسفيّا أو فنيّا أو فكريّا.
إن مقالة يحيى العريضي قادتني إلى المقارنة بين البلدين في أكثر من طرح من طروحاته، فلقد كان إهداء الكتب لصدام حسين واعتبار أي قرار منه مكرمة كبيرة للشعب، حتى راح الشعب في المقابل يعبر بطرافة عن سخريته من الواقع المرير بالقول إن السيد الرئيس القائد صدام حسين أمر بإطلاق كميات غير محدودة من الهواء للعراقيين.
الحملة الإيمانية التي قادها صدام حسين وبناء جامع الدولة الكبير الذي أريد منه أن يكون الأكبر في العالم الإسلامي كما تناقل الناس، لا أظنها تختلف عن حملة تشييد أكبر عدد من المساجد من أي دولة إسلامية أو انتشار عملية تحفيظ القرآن الكريم بشكل منقطع النظير، ولا تختلف الحملة الإيمانية تلك عن عملية التحفيظ في سوريا من خلال ما ذكره الكاتب. الأنظمة الشمولية لا يمكنها أن تخلق أجيالا تعي جوهر الانفتاح والتنوع وتحليل الخطاب وتفكيك الظواهر، بل تريد نخبة توافق على كل شيء وتبدي الرأي الذي يريده الحاكم لا الرأي الذي تراه النخبة.
ظاهرة التزييف
يتناول الكاتب المصري خالد قطب، التزييف الذي تمارسه النخبة في فرض آرائها، فهي إضافة إلى نرجسيتها مستبدّة، تلوك جملا وعبارات غامضة على الأقل بالنسبة إلى غالبية الناس، والانتقائية في الاستشهادات التاريخية أو سواها، ولكن تبقى النخب الثلاث وهي المتأسلمة (الإسلام السياسي) والسياسية والعسكرية، هي الأكثر تخريبا لمجتمعاتنا وخلق الفتنة، وهي التي يصحّ عليها استشهاد الكاتب بقصة فرنسيس بيكون، وهو ما عانيناه ومازلنا رغم ثورة الاتصالات المعلوماتية التي خففت كثيرا، ولكن أغلب الناس لم يتخلصوا من تأثيرات رجال الدين الذين جعلوا من هذه الثورة المعلوماتية وسيلة لبثّ الكراهية حيث راحت الفتاوى بالمجان تتلى على مسامعنا بلا قيد ولا شرط، وهذا القول لا يعدم فقهاء حافظوا على كياسة الفقيه وزهده وتقواه.
يرى الكاتب أن التعليم هو الوسيلة الناجعة للتخلص من هيمنة النخبة المستبدة، مع السعي إلى تطوير استراتيجيات وأساليب جديدة في التعليم، بما يجعله مسؤولية اجتماعية تسعى إلى تحقيق الصالح العام وبالتالي يكون أكثر ديمقراطية، مما يفتح المجال واسعا أمام انتشار الوعي والمعرفة عند عدد كبير من الناس مما يشكل الغالبية، لكن ما ذكره الكاتب خالد قطب يصطدم بحقيقة أن ليس بإمكان الجميع أن يملكوا إمكانيات معرفية كبيرة، مما يعني أنه لا بد من وجود النخبة التي هي واقع حال كما أشار إليه الشاعر والكاتب خزعل الماجدي في مقالته ضمن الملف والتي أشرنا إليها أعلاه.
تباين الآراء
نستنتج من الملف تباينا في الآراء مع اتفاق على وجود نخبة، ففي حين يرى الكاتب إبراهيم الجبين أنها نخبة عاجية تمسك بكأس نبيذها وتتساءل “هل سيحكمنا الرعاع؟” فهي مخدرة بنرجسيتها الفاقعة ومع ذلك تريد قيادة الجماهير لا مشاركة في الهموم بل كقيادة والجماهير رعاع.
لكننا نلمس هدوءا وتصالحا في طرح الشاعر والكاتب خزعل الماجدي، فهو لا يرى تعارضا، بل يرى الأمر ضرورة فالنخبة لا يمكن لكل شخص أن يصل لوعيها ومعرفتها وإمكانياتها وهو محق حيث ليس كل مَن درس الفلسفة أصبح مفكرا ومؤلفاته مفصلية كما محمد عابد الجابري وجورج طرابيشي وحسام الدين الآلوسي، مثلما ليس كل من درس التاريخ هو جواد علي أو مَن درس الآثار هو طه باقر، واعتزاز الماجدي بالثقافة الشعبية واعتبارها الممثل الحقيقي للمجتمع وهي أساس النخبة أيضا لأنهم أبناؤها، هو ما يحسب له، ولكن النخبة حسبما أرى لم تؤثر في الشارع العربي.
وإذ يتفق خطار أبو دياب في أن النخبة أضاعت فرصة الربيع العربي، فإنه يستدرك في نهاية مقالته أن الفرصة ليست ضائعة تماما انطلاقا من النجاح التونسي المعقول وبداية الاستقرار المصري، وبهذا يدفع الكاتب بالأمل إلى الأمام مع التأكيد على ضرورة تأسيس أحزاب جديدة يتمثل فيها الشباب ومشروع عربي جديد يحيي الحلم العربي في النهضة المؤجلة مرارا حسب قوله، لكن أليست الروح المحلية “القُطْرية” هي المسيطرة الآن على المشهد في العالم العربي؟ هذا ما أراه.
في المقابل نجد السوري يحيى العريضي ينزف مرارة وهو يتحدث عن وضع بلاده، شخصيّا شهدته وخبرته في ما يطلق عليه “عراق صدام حسين”، وهو ما قاد العراق إلى ما هو عليه، وأخشى أن تقع سوريا في ذات المطب، والعريضي اقتصرت مقالته على سوريا عكس باقي المقالات التي تحدثت بصورة عامة عن عالم عربي.
ويختتم الملف بالمصري خالد قطب أستاذ الفلسفة، مركزا حديثه على استبداد النخبة ونرجسيتها ومعولا على التعليم المتجدد والمنفتح كي يتخلص المجتمع مما هو فيه، ومما لا شكّ فيه أن الوسيلة الناجعة للنهوض هي التعليم الحديث وليس التلقيني، وحينها سيكون الربيع العربي حقّا ربيعا، لا خريفا يصبغه الدم والسبي وحرق الكتب وتدمير الآثار.
حين يتحدث المثقفون عن علاقة المثقف بالناس أو الجماهير، لا يصغون إلى رأي الطرف الثاني، أي إلى رأي الجماهير، فهم الحكم والشاهد والادعاء العام، ولا صوت للجماهير سوى تعليقات كانت تتناثر في المقاهي والبيوت والجلسات الخاصة، ثم برزت بفضل مواقع التواصل الاجتماعي إلى العلن.
بداية نجد أن زاوية النظر عند السوري إبراهيم الجبين، تتجه إلى أن النخبة مازالت تمسك بكأس نبيذها في صومعة، ونظرتها للشارع لم تتغير، إذ أن عنوان مقالته “هل سيحكمنا الرعاع؟” فيه دقة واضحة، وأراني أميل إلى ما ذكره خزعل الماجدي من أن ثمة ثقافتين لا يمكن نكرانهما ولا التغاضي عنهما وهما؛ ثقافة النخبة وهي ثقافة الأقلية أي التي تقود الرأي العام والمجتمع، والثانية ثقافة الأغلبية أي الثقافة الشعبية وهي المعبر الحقيقي عن المجتمع وحاجاته وفطرته، وإنها النهر الدافق الذي يجب الاغتسال بمائه من قبل الجميع بمن فيهم النخبة.
لكن رأي الماجدي في أن هذه النخبة تفاعلت وانخرطت في الربيع العربي، لا أميل إليه حيث كشف هذا الربيع أن النخبة مغرقة في حالة أجاد إبراهيم الجبين وصفها أعلاه، لكن تأكيد الماجدي في ختام مقالته على ضرورة الليبرالية كما الديمقراطية وأن الأولى تصون الأخيرة، كلام في غاية الدقة والشاهد عليه ما يجري في بعض البلدان التي تدّعي الديمقراطية ولكن الليبرالية غائبة عنها كما في العراق وإيران.
النخبة والربيع العربي
يفتتح خطار أبودياب في مقالته “النخب العربية وضياع فرصة الربيع” بأن الشرق الأوسط في العقد الأول من الألفية كان خاضعا لتجاذبات دولية وإقليمية همشت العالم العربي، لكن ألم يكن العالم العربي مهمشا خصوصا بعد سنة 1991؟
يبيّن “أعتقد أن فشل المشروع القومي العربي ليس لافتقاده للديمقراطية والتمثيلية كأدوات صالحة للحكم فقط، وإنما لتحول هذا المشروع من مشروع عربيّ الثقافة يعتز بتنوعه وبدور غير العرب في حضارته، وأن الأقليات هي مصدر ثرائه، إلى مشروع عنصري يقصي غير العرب، وتراجع كثيرا باستيلاء الضباط على مقاليد الحكم فتتحول البلاد إلى مزرعة للحاكم وتأسيس ثقافة التوريث، أي بدعة الجمهوريات الملكية”.
ويواصل “أرى أن غياب دور النخبة في قيادة «الربيع العربي» نتيجة طبيعية لعدة عوامل يقف في مقدمتها التغييب القسري الذي مارسته الأنظمة «الوطنية» لهذه النخبة، وإضعاف الطبقة المتوسطة، سوء مناهج التعليم، السيطرة على وسائل الإعلام وإفقار النخبة المثقفة وجعلها بحاجة ماسة للعمل ضمن شروط وضوابط الأنظمة لسداد لقمة العيش، وهذه العوامل وغيرها لا تعفي النخبة مما آل إليه الوضع، فتعاليها على الجماهير واستئناسها باحتساء كأس المعرفة في أبراج عاجية، زاد من تفاقم الوضع”.
المبدعون والحكومات
يستغرب الكاتب السوري يحيى العريضي من بروز ظاهرة محمد الماغوط وزكريا تامر في وطن سقف ارتفاعه معدة الإنسان، وهو ما لاحظته عند العراقيين على اعتبار أن كلا البلدين تعرضا لحكم حزب البعث لأكثر من ثلاثة عقود، فيستغربون -أعني العراقيين- من ظاهرة بروز مبدعين وقامات ثقافية وعلمية، وشخصيّا أعتقد أن هذا لا علاقة له بالحكومات وإنما العمق التاريخي الحضاري لسوريا والعراق هو الذي أنجب هؤلاء، والأمر ذاته مع جميع المنجزات الحضارية والوطنية كتأميم النفط ومجانية التعليم وإلزامية التعليم والبناء، فهي نتيجة نضال الشعوب وليس الأنظمة. أما عن النخبة السورية فهو إذ ينهي مقالته متسائلا أهو ضياع النخبة أم نخبة الضياع؟ يعتبر أي محاولة للقفز فوق الفعل الشعبي والعفوي الثوري وأدوات تعبيره البسيطة الجبارة -لغة ومسلكا- محفوفة بنهاية فجائعية أدبيّا أو فلسفيّا أو فنيّا أو فكريّا.
إن مقالة يحيى العريضي قادتني إلى المقارنة بين البلدين في أكثر من طرح من طروحاته، فلقد كان إهداء الكتب لصدام حسين واعتبار أي قرار منه مكرمة كبيرة للشعب، حتى راح الشعب في المقابل يعبر بطرافة عن سخريته من الواقع المرير بالقول إن السيد الرئيس القائد صدام حسين أمر بإطلاق كميات غير محدودة من الهواء للعراقيين.
الحملة الإيمانية التي قادها صدام حسين وبناء جامع الدولة الكبير الذي أريد منه أن يكون الأكبر في العالم الإسلامي كما تناقل الناس، لا أظنها تختلف عن حملة تشييد أكبر عدد من المساجد من أي دولة إسلامية أو انتشار عملية تحفيظ القرآن الكريم بشكل منقطع النظير، ولا تختلف الحملة الإيمانية تلك عن عملية التحفيظ في سوريا من خلال ما ذكره الكاتب. الأنظمة الشمولية لا يمكنها أن تخلق أجيالا تعي جوهر الانفتاح والتنوع وتحليل الخطاب وتفكيك الظواهر، بل تريد نخبة توافق على كل شيء وتبدي الرأي الذي يريده الحاكم لا الرأي الذي تراه النخبة.
ظاهرة التزييف
يتناول الكاتب المصري خالد قطب، التزييف الذي تمارسه النخبة في فرض آرائها، فهي إضافة إلى نرجسيتها مستبدّة، تلوك جملا وعبارات غامضة على الأقل بالنسبة إلى غالبية الناس، والانتقائية في الاستشهادات التاريخية أو سواها، ولكن تبقى النخب الثلاث وهي المتأسلمة (الإسلام السياسي) والسياسية والعسكرية، هي الأكثر تخريبا لمجتمعاتنا وخلق الفتنة، وهي التي يصحّ عليها استشهاد الكاتب بقصة فرنسيس بيكون، وهو ما عانيناه ومازلنا رغم ثورة الاتصالات المعلوماتية التي خففت كثيرا، ولكن أغلب الناس لم يتخلصوا من تأثيرات رجال الدين الذين جعلوا من هذه الثورة المعلوماتية وسيلة لبثّ الكراهية حيث راحت الفتاوى بالمجان تتلى على مسامعنا بلا قيد ولا شرط، وهذا القول لا يعدم فقهاء حافظوا على كياسة الفقيه وزهده وتقواه.
يرى الكاتب أن التعليم هو الوسيلة الناجعة للتخلص من هيمنة النخبة المستبدة، مع السعي إلى تطوير استراتيجيات وأساليب جديدة في التعليم، بما يجعله مسؤولية اجتماعية تسعى إلى تحقيق الصالح العام وبالتالي يكون أكثر ديمقراطية، مما يفتح المجال واسعا أمام انتشار الوعي والمعرفة عند عدد كبير من الناس مما يشكل الغالبية، لكن ما ذكره الكاتب خالد قطب يصطدم بحقيقة أن ليس بإمكان الجميع أن يملكوا إمكانيات معرفية كبيرة، مما يعني أنه لا بد من وجود النخبة التي هي واقع حال كما أشار إليه الشاعر والكاتب خزعل الماجدي في مقالته ضمن الملف والتي أشرنا إليها أعلاه.
تباين الآراء
نستنتج من الملف تباينا في الآراء مع اتفاق على وجود نخبة، ففي حين يرى الكاتب إبراهيم الجبين أنها نخبة عاجية تمسك بكأس نبيذها وتتساءل “هل سيحكمنا الرعاع؟” فهي مخدرة بنرجسيتها الفاقعة ومع ذلك تريد قيادة الجماهير لا مشاركة في الهموم بل كقيادة والجماهير رعاع.
لكننا نلمس هدوءا وتصالحا في طرح الشاعر والكاتب خزعل الماجدي، فهو لا يرى تعارضا، بل يرى الأمر ضرورة فالنخبة لا يمكن لكل شخص أن يصل لوعيها ومعرفتها وإمكانياتها وهو محق حيث ليس كل مَن درس الفلسفة أصبح مفكرا ومؤلفاته مفصلية كما محمد عابد الجابري وجورج طرابيشي وحسام الدين الآلوسي، مثلما ليس كل من درس التاريخ هو جواد علي أو مَن درس الآثار هو طه باقر، واعتزاز الماجدي بالثقافة الشعبية واعتبارها الممثل الحقيقي للمجتمع وهي أساس النخبة أيضا لأنهم أبناؤها، هو ما يحسب له، ولكن النخبة حسبما أرى لم تؤثر في الشارع العربي.
وإذ يتفق خطار أبو دياب في أن النخبة أضاعت فرصة الربيع العربي، فإنه يستدرك في نهاية مقالته أن الفرصة ليست ضائعة تماما انطلاقا من النجاح التونسي المعقول وبداية الاستقرار المصري، وبهذا يدفع الكاتب بالأمل إلى الأمام مع التأكيد على ضرورة تأسيس أحزاب جديدة يتمثل فيها الشباب ومشروع عربي جديد يحيي الحلم العربي في النهضة المؤجلة مرارا حسب قوله، لكن أليست الروح المحلية “القُطْرية” هي المسيطرة الآن على المشهد في العالم العربي؟ هذا ما أراه.
في المقابل نجد السوري يحيى العريضي ينزف مرارة وهو يتحدث عن وضع بلاده، شخصيّا شهدته وخبرته في ما يطلق عليه “عراق صدام حسين”، وهو ما قاد العراق إلى ما هو عليه، وأخشى أن تقع سوريا في ذات المطب، والعريضي اقتصرت مقالته على سوريا عكس باقي المقالات التي تحدثت بصورة عامة عن عالم عربي.
ويختتم الملف بالمصري خالد قطب أستاذ الفلسفة، مركزا حديثه على استبداد النخبة ونرجسيتها ومعولا على التعليم المتجدد والمنفتح كي يتخلص المجتمع مما هو فيه، ومما لا شكّ فيه أن الوسيلة الناجعة للنهوض هي التعليم الحديث وليس التلقيني، وحينها سيكون الربيع العربي حقّا ربيعا، لا خريفا يصبغه الدم والسبي وحرق الكتب وتدمير الآثار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.