22 يوليو 2025.. أسعار الحديد والأسمنت خلال تعاملات اليوم    جيش الاحتلال الإسرائيلي يقتحم طوباس وطمون شمالي الضفة الغربية    مصرع شخص وإصابة 3 آخرين إثر تصادم سيارتين بطريق المنيا الصحراوي الغربي    أسترازينيكا تعتزم استثمار 50 مليار دولار في أمريكا بحلول 2030    معهد تيودور بلهارس للأبحاث يواصل تقديم برنامج الزمالة المصرية    دراسة: السكريات المضافة والمحليات الصناعية تؤدي للبلوغ المبكر لدى الأطفال    5 قرارات جمهورية حاسمة ينتظرها الشارع المصري    رسميًا ..فتح باب القبول بمعهد الكوزن المصري الياباني لطلاب الإعدادية 2025    خبراء تغذية يحذرون من إعادة تسخين هذه الأطعمة في المصيف.. قد تتحول لسموم صامتة    اليوم.. فتح باب التقديم لكلية الشرطة للعام الدراسي الجديد إلكترونيًا    تنسيق الثانوية العامة 2025.. مؤشرات كليات حاسبات ومعلومات وذكاء اصطناعي 2024 بالدرجات (علمي علوم ورياضة)    سعر الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الثلاثاء 22 يوليو 2025    موقع وزارة التربية والتعليم ل نتيجة الثانوية العامة 2025 برقم الجلوس فور اعتمادها    «أزمات في أوضة اللبس؟».. رد صريح من نجم الأهلي    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 22-7-2025 بعد هبوطه ب8 بنوك    النصر يقترب من حسم صفقة مدوية، وإعلامي سعودي: أقسم بالله سيكون حديث الشارع الرياضي    «هل انتهت القصة؟».. جون إدوارد يرفض كل سُبل الاتصال مع نجم الزمالك (تفاصيل)    وسيط كولومبوس ل في الجول: النادي أتم اتفاقه مع الأهلي لشراء وسام أبو علي    «الوزير» ورئيس وزراء الكويت يبحثان تحويل الوديعة الكويتية لاستثمارات في مصر    ترامب: مستعدون لشن ضربات متكررة على المنشآت النووية الإيرانية إذا لزم الأمر    دموع الفراق وفرحة العودة، شاهد ماذا فعل السودانيون بعد وصولهم أسوان قبل العودة لبلادهم (فيديو وصور)    7 أيام عِجاف.. تحذير شديد بشأن حالة الطقس: درجة الحرارة فوق معدلاتها الطبيعية    رانيا محمود ياسين غاضبة: «منفعلتش على أمي.. كنت بدور عليها ومش لاقياها»    العاهل الأردني يؤكد دعم المملكة لأمن سوريا واستقرارها ووحدة أراضيها    جيش الاحتلال: صفارات الإنذار تدوي عقب رصد صاروخ يمني    أجنة على حافة الموت.. تقرير أممي يكشف مأساة الحوامل في غزة    البيت الأبيض: ترامب يسعى إلى حل دبلوماسي لصراعات الشرق الأوسط    يوسف معاطي يكشف سر رفض فيلم "حسن ومرقص" وهذا طلب البابا شنودة للموافقة (فيديو)    مفاجأة مدوية، محمد صلاح يتدخل لانتقال كوكا إلى الأهلي    «انهيار لغوي».. محمد سعيد محفوظ يرصد أخطاء بالجملة في بيان نقابة الموسيقيين ضد راغب علامة    مصطفى كامل يهدد محمود الليثي ورضا البحراوي بالشطب: منصبي لا يقل عن أي وزارة    إيمان العاصي تشارك في «قسمة العدل» والعرض خارج رمضان (تفاصيل)    تامر أمين ل «فشخرنجية الساحل»: التباهي بالثراء حرام شرعا ويزيد الاحتقان المجتمعي    بفرمان من ريبيرو.. تأكد رحيل 5 نجوم عن الأهلي (بالأسماء)    هي دي مصر، رجال الشرطة بأسوان يساعدون النساء وكبار السن السودانيين لتسهيل عودتهم إلى بلادهم (فيديو)    باستثناء الرومي والشيدر، ارتفاع كبير يضرب جميع أصناف الجبن بالأسواق، وصل إلى 37 جنيها    9 اختبارات تؤهلك للالتحاق بكلية الشرطة    طريقة عمل الأرز البسمتي، في خطوات بسيطة وأحلى من الجاهز    موعد مباراة ألمانيا وإسبانيا في نصف نهائي أمم أوروبا للسيدات والقناة الناقلة    سيمون توجّه رسالة حاسمة لجمهورها: لن أعلّق على ما لا يستحق    كيروش تولى قيادة منتخب عربي    بحضور أكثر من 50 ألف.. مستقبل وطن ينظم مؤتمر دعم القائمة الوطنية بمجلس الشيوخ بالشرقية    وصول قطار العائدين السودانيين إلى محطة السد العالي في أسوان    تفسير آية| «أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا» الشعراوي يوضح سر وجود الإنسان وغاية خلقه    لا علاقة له ب العنف الجسدي.. أمين الفتوى يوضح معنى «واضربوهن»    التصريح بدفن جثة ربة منزل لقيت مصرعها خنقًا علي يد زوجها بالقليوبية    مصرع شاب في مشاجرة بين تجار خُردة بالإسماعيلية.. والأمن يُلقي القبض على المتهم    السفيرالمصري ببرلين يدعوا إلي زيارة مصرومشاهدة معالمها الأثرية والتاريخية والسياحية    محافظ شمال سيناء يستقبل وفد من دار الإفتاء المصرية    «خاتم فرعوني» عمره 3500 سنة يُعرض للبيع في مزاد بلندن بسعر بخس    رئيس المجلس الوطني الفلسطيني يرحب ببيان دولي يدعو لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة    "مستقبل وطن" ينظم مؤتمرًا جماهيريًا بالشرقية لدعم مرشحيه في انتخابات الشيوخ    تحذير بشأن حالة الطقس اليوم: منخفض الهند وقبة حرارية في القاهرة والمحافظات    وزير خارجية إيران: منشآتنا النووية تعرضت لأضرار جسيمة لكن لن نتخلى عن التخصيب    انتشال جثة ونقل مُصاب إثر سقوط سيارة نقل من معدية شرق التفريعة ببورسعيد    ماذا قال عن بيان الاتحاد الفلسطيني؟.. وسام أبو علي يعتذر لجماهير الأهلي    ملتقى أزهري يكشف عن مظاهر الإعجاز في حديث القرآن عن الليل والنهار    هل النية شرط لصحة الوضوء؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ياسين رفاعية قاصاً وروائياً في تقاطع الأقدار والأمكنة
نشر في صوت البلد يوم 28 - 05 - 2016

في رواية ياسين رفاعية «راس بيروت» (1992) يستذكر الراوي أبو بسام حضوره إلى بيروت ليبيع فيها الكعك، ويتحدث عن بائع الكعك الذي صار كاتباً من غير أن يستهدف ذلك.
ليس أبو بسام الذي يضن في الرواية باسمه، فيكتفي باللقب، إلا ياسين رفاعية نفسه، الذي تحدث في مواقع شتّى خارج الرواية عن عمله صبياً في بيع الكعك في سينما غازي. وعن نشأته، قبل بيع الكعك وبعده، تحدث رفاعية أيضاً عن توقفه عن الدراسة في الرابعة عشرة، ولحاقه بأبيه ليعمل في الفرن، كي يساهم في حمل أعباء الأسرة الفقيرة. وقد عمل رفاعية أيضاً مساعداً لحذّاء (كندرجي). ومن تلك النشأة متح قصصه القصيرة الأولى، والتي جمعتها باكورته «الحزن في كل مكان» (1960). فمن قصة تنبض بحزن الصبي الذي ترك المدرسة اضطراراً، ومضى إلى الفرن بالقبقاب حيث يتشمّم عبق الخبز والكعك، إلى قصة تلو قصة، وقوام كل قصة ما اختزنه صبيّ الفران من حكايات وصور أقرانه في العمل.
تنادي نشأة ياسين رفاعية نشأة زكريا تامر، الذي ترك المدرسة اضطراراً أيضاً عام 1944، وهو في الثالثة عشرة، ليعمل في الحدادة. وقبل رفاعية وتامر كان حنا مينه قد عمل حلاقاً في اللاذقية، قبل أن يمضي إلى الصحافة في دمشق. أما ما يجمع رفاعية وتامر فهو ظهور المجموعة القصصية الأولى لكل منهما عام 1960: للأول «الحزن في كل مكان» وللثاني «صهيل الجواد الأبيض». ولعل من المفيد هنا أن نذكر أيضاً من أعلام الرعيل الذي ظهر فيه رفاعية: وليد إخلاصي، وقد صدرت مجموعته الأولى «قصص» عام 1963، ومن قبل: كوليت خوري وسعيد حورانية وعادل أبو شنب وصدقي إسماعيل وحسيب كيالي... ما يؤشر إلى ما كانت عليه القصة القصيرة آنئذٍ، وهي الفن الذي سيخلص له ياسين رفاعية ويتألق فيه، كما في مجموعة «العالم يغرق» (1963) و»العصافير» (1973) و»الرجال الخطرون» (1979) قبل أن تميل به عنها الصحافة والرواية، وكذلك الشعر وقصص الأطفال.
على رغم أن لبنان صار وطن ياسين رفاعية الثاني أو الأول، فقد ظل مسكوناً بدمشق بخاصة، وظل حيّ العقيبة، حيث نشأ، يسري في نسغه. وقد جبل من زمنه الدمشقي رواية «مصرع الماس» (1981)، فأبدع في صياغة الشخصية الروائية الشعبية «الماس» الذي تصدى للاستعمار الفرنسي في الحارة الدمشقية. وأبدع رفاعية في صياغة الشخصيات النسائية في هذه الرواية التي شكت من أنها بنيت كروايتين. وقد ذهب رفاعية أبعد في رواية «أسرار النرجس» (1998) في هتك العتمات التي يحفل بها المجتمع. ومنذ ثلاث سنوات خصّ الكاتب العمال السوريين المياومين في لبنان بروايته «سوريّو جسر الكولا»، والتي ضفرت لكل من شخصياتها حكايته اللبنانية إلى حكايته السورية.
تتركز الأهمية الروائية لياسين رفاعية في رواياته السيرية، والتي هي في غالبيتها من المدونة الروائية للحرب اللبنانية. ففي آخر رواياته «ياسمين» سرد قصة حب ابنته لينا مع الإنكليزي جون، والصراع بين قيم الأب الشرقي وقيم جون الذي تزوج لينا. وعلى رغم بعض الانحرافات الطفيفة والساذجة عن السيرية في هذه الرواية، وفي سائر روايات رفاعية السيرية، فالمثل يصح هنا: «يكاد المريب أن يقول خذوني»، حتى في رواية «أهداب» (2008) التي تنادي لوليتا فيما ترسم من العلاقة المشتبهة بالسفِاح بين السبعينيّ وابنة الثامنة عشرة. وقد رصدت رواية «وميض البرق» (2002) الوحدة الموحشة لعجوز أرمل، بعدما غادره ابنه وابنته، وتركاه يجترّ صور حياته الزوجية. أما رواية «الحياة عندما تصبح وهماً» (2006) فتستعيد حياة الكاتب مع زوجته الشاعرة والروائية أمل الجراح (1945-2004). ولعل هذه الرواية كسابقتها أن تتعلقا بشيخوخة الكاتب الذي أقام في حي راس بيروت، وباسم الحي عنون روايته التي تنادي روايات الحارة، بل والعمارة، لأن رواية رفاعية تتركز في العمارة التي أقام فيها هو أو راوي الرواية وبطلها أبو بسام. وتحفل الرواية بالحنين إلى بيروت عندما اختارها الراوي وطناً بعد سوريا، وكانت جوهرة وواحة ديموقراطية حقيقية في تلك الصحراء الشاسعة. ومن زمن الحرب يتميز تصوير الرواية للقمامة، مما توقد أضعافاً في رواية السوري مروان طه مدور «جنون البقر»، لكأن الروايتين تخاطبان منذ ربع قرن بلوى القمامة اليوم.
من سمات السيرية في القسم الثاني من رواية «راس بيروت» سفر زوجة الراوي الشاعرة إلى لندن، وعمل الراوي في الصحافة الثقافية، وذكرياته عن صديق الطفولة محي الدين الذي ربما كان الناقد الراحل محي الدين صبحي... وقبل ذلك سرد أبو بسام قصة خطف الفلسطيني أبو الجماجم له، وعلى نحو يتطابق مع اختطاف ياسين رفاعية الذي ختم كل ذلك بقوله في بيروت: «هذه مدينة ستغرق بدماء أبنائها... فكن شاهد هذا العصر أيها الشهيد».
ومن اللافت ان رواية رفاعية «الممر» التي تتعلق بالحرب اللبنانية أيضاً، خلت من السيرية. وإذا كانت سلطة السارد قد آذت في غير موضع رواية (راس بيروت) فقد بدت رواية «الممر» ساذجة في محاولتها الحداثية، ابتداءً من لعبة الأقواس والبنط الغامق في الطباعة لتمييز التداعيات، إلى لعبة التناص مع رواية باربوس «الجحيم»، بما ينوف على عشر الرواية. وفي سائر روايات رفاعية عن الحرب اللبنانية، إلحاح على تعرية الطائفية. ولذلك يبني دائماً العلاقة بين رجل مسلم وامرأة مسيحية أو العكس.
في ميعة الصبا كان ياسين رفاعية وزكريا تامر والروائي الفلسطيني المنسي يوسف شرورو، يلتقون في المقبرة، يتسامرون في الأدب، ويقرأ أحدهم قصة مما كتب، للآخرين. وقد حصلت قصة رفاعية «ماسح الأحذية» على الجائزة الأولى في مسابقة «مجلة النفط» التي كان يديرها جبرا إبراهيم جبرا. وتابع رفاعية نشر قصصه - مجاناً بالطبع - في الصحف الدمشقية إلى أن كوفئ على مقالة تبتهج بالوحدة السورية المصرية (1958-1961) بالعمل في المكتب الإعلامي في القصر الرئاسي. وقد أخذته الصحافة إليها من بعد، فعمل مع فؤاد الشايب في مجلة «المعرفة»، وفي جريدة «الثورة»، ثم في الصحافة اللبنانية وفي صحافة الطفل. وعبر ذلك تنقل رفاعية بين دمشق وبيروت ولندن، لكن بيروت ظلت ملاذه الأثير، فآثرها برواياته: الممر، راس بيروت، وميض البرق، دماء بالألوان، من يتذكر تاي، امرأة غامضة. وفي هذه الروايات، كما في أغلب رواياته، تسيّدت السيرية. ومما يؤخذ على ياسين رفاعية في الصحافة والسياسة، مديحه معمر القذافي كما فعل علي عقلة عرسان وعبدالله أبو هيف وكوليت خوري وسواهم من السوريين ومن غير السوريين. أما رفاعية فقد خلّف كتابه «معمر القذافي وقدر الوحدة العربية» (1974). بينما كان البعث الحاكم في سورية قد آذاه مرتين في ستينات القرن الماضي، الأولى عندما طرده وزير التربية سليمان الخش من مجلة «المعرفة» لأنه رفض نشر مقالة للوزير في المجلة، والثانية عندما طرده نصر الشمالي رئيس تحرير جريدة «الثورة» من الجريدة، لجريرة مماثلة، فيمّم شطر لبنان.
ترك رفاعية للأطفال مجموعات عدة (العصافير تبحث عن وطن - 1979، الورود الصغيرة - 1980...) وترك عدداً من المجموعات الشعرية (جراح 1961- لغة الحب 1983 - حب شديد اللهجة 1994 - أنت الحبيبة وأنا العاشق 1996...). لكن رهان الكاتب الأكبر ظل في الرواية، بعدما برح القصة القصيرة إلى الصحافة فالرواية. وهنا ينبثق السؤال عن أي روايات ياسين رفاعية الثلاث عشرة لم تثر من اهتمام النقد إلا قليلاً، فهل يحضّ الموتُ النقدَ على أن يعوّض ما فات؟
في رواية ياسين رفاعية «راس بيروت» (1992) يستذكر الراوي أبو بسام حضوره إلى بيروت ليبيع فيها الكعك، ويتحدث عن بائع الكعك الذي صار كاتباً من غير أن يستهدف ذلك.
ليس أبو بسام الذي يضن في الرواية باسمه، فيكتفي باللقب، إلا ياسين رفاعية نفسه، الذي تحدث في مواقع شتّى خارج الرواية عن عمله صبياً في بيع الكعك في سينما غازي. وعن نشأته، قبل بيع الكعك وبعده، تحدث رفاعية أيضاً عن توقفه عن الدراسة في الرابعة عشرة، ولحاقه بأبيه ليعمل في الفرن، كي يساهم في حمل أعباء الأسرة الفقيرة. وقد عمل رفاعية أيضاً مساعداً لحذّاء (كندرجي). ومن تلك النشأة متح قصصه القصيرة الأولى، والتي جمعتها باكورته «الحزن في كل مكان» (1960). فمن قصة تنبض بحزن الصبي الذي ترك المدرسة اضطراراً، ومضى إلى الفرن بالقبقاب حيث يتشمّم عبق الخبز والكعك، إلى قصة تلو قصة، وقوام كل قصة ما اختزنه صبيّ الفران من حكايات وصور أقرانه في العمل.
تنادي نشأة ياسين رفاعية نشأة زكريا تامر، الذي ترك المدرسة اضطراراً أيضاً عام 1944، وهو في الثالثة عشرة، ليعمل في الحدادة. وقبل رفاعية وتامر كان حنا مينه قد عمل حلاقاً في اللاذقية، قبل أن يمضي إلى الصحافة في دمشق. أما ما يجمع رفاعية وتامر فهو ظهور المجموعة القصصية الأولى لكل منهما عام 1960: للأول «الحزن في كل مكان» وللثاني «صهيل الجواد الأبيض». ولعل من المفيد هنا أن نذكر أيضاً من أعلام الرعيل الذي ظهر فيه رفاعية: وليد إخلاصي، وقد صدرت مجموعته الأولى «قصص» عام 1963، ومن قبل: كوليت خوري وسعيد حورانية وعادل أبو شنب وصدقي إسماعيل وحسيب كيالي... ما يؤشر إلى ما كانت عليه القصة القصيرة آنئذٍ، وهي الفن الذي سيخلص له ياسين رفاعية ويتألق فيه، كما في مجموعة «العالم يغرق» (1963) و»العصافير» (1973) و»الرجال الخطرون» (1979) قبل أن تميل به عنها الصحافة والرواية، وكذلك الشعر وقصص الأطفال.
على رغم أن لبنان صار وطن ياسين رفاعية الثاني أو الأول، فقد ظل مسكوناً بدمشق بخاصة، وظل حيّ العقيبة، حيث نشأ، يسري في نسغه. وقد جبل من زمنه الدمشقي رواية «مصرع الماس» (1981)، فأبدع في صياغة الشخصية الروائية الشعبية «الماس» الذي تصدى للاستعمار الفرنسي في الحارة الدمشقية. وأبدع رفاعية في صياغة الشخصيات النسائية في هذه الرواية التي شكت من أنها بنيت كروايتين. وقد ذهب رفاعية أبعد في رواية «أسرار النرجس» (1998) في هتك العتمات التي يحفل بها المجتمع. ومنذ ثلاث سنوات خصّ الكاتب العمال السوريين المياومين في لبنان بروايته «سوريّو جسر الكولا»، والتي ضفرت لكل من شخصياتها حكايته اللبنانية إلى حكايته السورية.
تتركز الأهمية الروائية لياسين رفاعية في رواياته السيرية، والتي هي في غالبيتها من المدونة الروائية للحرب اللبنانية. ففي آخر رواياته «ياسمين» سرد قصة حب ابنته لينا مع الإنكليزي جون، والصراع بين قيم الأب الشرقي وقيم جون الذي تزوج لينا. وعلى رغم بعض الانحرافات الطفيفة والساذجة عن السيرية في هذه الرواية، وفي سائر روايات رفاعية السيرية، فالمثل يصح هنا: «يكاد المريب أن يقول خذوني»، حتى في رواية «أهداب» (2008) التي تنادي لوليتا فيما ترسم من العلاقة المشتبهة بالسفِاح بين السبعينيّ وابنة الثامنة عشرة. وقد رصدت رواية «وميض البرق» (2002) الوحدة الموحشة لعجوز أرمل، بعدما غادره ابنه وابنته، وتركاه يجترّ صور حياته الزوجية. أما رواية «الحياة عندما تصبح وهماً» (2006) فتستعيد حياة الكاتب مع زوجته الشاعرة والروائية أمل الجراح (1945-2004). ولعل هذه الرواية كسابقتها أن تتعلقا بشيخوخة الكاتب الذي أقام في حي راس بيروت، وباسم الحي عنون روايته التي تنادي روايات الحارة، بل والعمارة، لأن رواية رفاعية تتركز في العمارة التي أقام فيها هو أو راوي الرواية وبطلها أبو بسام. وتحفل الرواية بالحنين إلى بيروت عندما اختارها الراوي وطناً بعد سوريا، وكانت جوهرة وواحة ديموقراطية حقيقية في تلك الصحراء الشاسعة. ومن زمن الحرب يتميز تصوير الرواية للقمامة، مما توقد أضعافاً في رواية السوري مروان طه مدور «جنون البقر»، لكأن الروايتين تخاطبان منذ ربع قرن بلوى القمامة اليوم.
من سمات السيرية في القسم الثاني من رواية «راس بيروت» سفر زوجة الراوي الشاعرة إلى لندن، وعمل الراوي في الصحافة الثقافية، وذكرياته عن صديق الطفولة محي الدين الذي ربما كان الناقد الراحل محي الدين صبحي... وقبل ذلك سرد أبو بسام قصة خطف الفلسطيني أبو الجماجم له، وعلى نحو يتطابق مع اختطاف ياسين رفاعية الذي ختم كل ذلك بقوله في بيروت: «هذه مدينة ستغرق بدماء أبنائها... فكن شاهد هذا العصر أيها الشهيد».
ومن اللافت ان رواية رفاعية «الممر» التي تتعلق بالحرب اللبنانية أيضاً، خلت من السيرية. وإذا كانت سلطة السارد قد آذت في غير موضع رواية (راس بيروت) فقد بدت رواية «الممر» ساذجة في محاولتها الحداثية، ابتداءً من لعبة الأقواس والبنط الغامق في الطباعة لتمييز التداعيات، إلى لعبة التناص مع رواية باربوس «الجحيم»، بما ينوف على عشر الرواية. وفي سائر روايات رفاعية عن الحرب اللبنانية، إلحاح على تعرية الطائفية. ولذلك يبني دائماً العلاقة بين رجل مسلم وامرأة مسيحية أو العكس.
في ميعة الصبا كان ياسين رفاعية وزكريا تامر والروائي الفلسطيني المنسي يوسف شرورو، يلتقون في المقبرة، يتسامرون في الأدب، ويقرأ أحدهم قصة مما كتب، للآخرين. وقد حصلت قصة رفاعية «ماسح الأحذية» على الجائزة الأولى في مسابقة «مجلة النفط» التي كان يديرها جبرا إبراهيم جبرا. وتابع رفاعية نشر قصصه - مجاناً بالطبع - في الصحف الدمشقية إلى أن كوفئ على مقالة تبتهج بالوحدة السورية المصرية (1958-1961) بالعمل في المكتب الإعلامي في القصر الرئاسي. وقد أخذته الصحافة إليها من بعد، فعمل مع فؤاد الشايب في مجلة «المعرفة»، وفي جريدة «الثورة»، ثم في الصحافة اللبنانية وفي صحافة الطفل. وعبر ذلك تنقل رفاعية بين دمشق وبيروت ولندن، لكن بيروت ظلت ملاذه الأثير، فآثرها برواياته: الممر، راس بيروت، وميض البرق، دماء بالألوان، من يتذكر تاي، امرأة غامضة. وفي هذه الروايات، كما في أغلب رواياته، تسيّدت السيرية. ومما يؤخذ على ياسين رفاعية في الصحافة والسياسة، مديحه معمر القذافي كما فعل علي عقلة عرسان وعبدالله أبو هيف وكوليت خوري وسواهم من السوريين ومن غير السوريين. أما رفاعية فقد خلّف كتابه «معمر القذافي وقدر الوحدة العربية» (1974). بينما كان البعث الحاكم في سورية قد آذاه مرتين في ستينات القرن الماضي، الأولى عندما طرده وزير التربية سليمان الخش من مجلة «المعرفة» لأنه رفض نشر مقالة للوزير في المجلة، والثانية عندما طرده نصر الشمالي رئيس تحرير جريدة «الثورة» من الجريدة، لجريرة مماثلة، فيمّم شطر لبنان.
ترك رفاعية للأطفال مجموعات عدة (العصافير تبحث عن وطن - 1979، الورود الصغيرة - 1980...) وترك عدداً من المجموعات الشعرية (جراح 1961- لغة الحب 1983 - حب شديد اللهجة 1994 - أنت الحبيبة وأنا العاشق 1996...). لكن رهان الكاتب الأكبر ظل في الرواية، بعدما برح القصة القصيرة إلى الصحافة فالرواية. وهنا ينبثق السؤال عن أي روايات ياسين رفاعية الثلاث عشرة لم تثر من اهتمام النقد إلا قليلاً، فهل يحضّ الموتُ النقدَ على أن يعوّض ما فات؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.