التعليم تطلق دورات تدريبية لمعلمي الابتدائي على المناهج المطورة عبر منصة (CPD)    رسميا.. جامعة الأزهر 2025 تفتتح أول كلية للبنات في مطروح وتعلن عن تخصصات جديدة    نشرة التوك شو| موجة حارة جديدة.. وشعبة السيارات تكشف سبب انخفاض الأسعار    فلسطين.. مدفعية الاحتلال تكثف قصفها وسط جباليا بالتزامن مع نسف مباني سكنية شمالي غزة    طارق فهمي: الإعلان الأممي عن تفشي المجاعة في غزة يعكس حجم الكارثة الإنسانية    بوتين: واثق أن خبرة ترامب ستسهم في استعادة العلاقات الثنائية بين بلدينا    وزير الخارجية الأردني: على إسرائيل رفع حصارها عن قطاع غزة والسماح بإيصال المساعدات    الإنتاج الحربي يستهل مشواره بالفوز على راية الرياضي في دوري المحترفين    المستشار القانوني للزمالك يتحدث عن.. التظلم على سحب أرض أكتوبر.. وأنباء التحقيق مع إدارة النادي    بهدف رويز.. باريس سان جيرمان ينجو من فخ أنجيه في الدوري الفرنسي    مواعيد مباريات دوري المحترفين المصري اليوم السبت    رسميا.. مدرسة صناعة الطائرات تعلن قوائم القبول للعام الدراسي الجديد 2025/ 2026    ويجز يشعل حماس جمهور حفله في العلمين الجديدة بأغنيتي "الأيام" و"الدنيا إيه"    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه    مدحت صالح يتألق بغناء حبيبى يا عاشق وزى المليونيرات بحفله فى مهرجان القلعة    ابنة سيد مكاوي عن شيرين عبدالوهاب: فقدت تعاطفي بسبب عدم مسؤوليتها    5 تصريحات جريئة ل محمد عطية: كشف تعرضه للضرب من حبيبة سابقة ويتمنى عقوبة «مؤلمة» للمتحرشين    تنسيق الشهادات المعادلة 2025، قواعد قبول طلاب الثانوية السعودية بالجامعات المصرية    وزير الري يشارك في جلسة "القدرة على الصمود في مواجهة التغير المناخي بقطاع المياه"    في ظهوره الأول مع تشيلسي، إستيفاو ويليان يدخل التاريخ في الدوري الإنجليزي (فيديو)    تشيلسي يقسو على وست هام بخماسية في الدوري الإنجليزي (فيديو)    مصدر ليلا كورة: كهربا وقع عقدا مع القادسية الكويتي    غزل المحلة يبدأ استعداداته لمواجهة الأهلي في الدوري.. صور    ارتفاع الكندوز 39 جنيها، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    اليوم، دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ربيع الأول لعام 1447 هجريا    سليم غنيم يحافظ على الصدارة للعام الثاني في سباقات الحمام الزاجل الدولية    في لحظات.. شقة تتحول إلى ساحة من اللهب والدخان    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    استقالة وزير الخارجية الهولندي بسبب موقف بلاده من إسرائيل    إسرائيل تشن هجومًا على مخازن تابعة لحزب الله في لبنان    قطع المياه عن بعض المناطق بأكتوبر الجديدة لمدة 6 ساعات    خطة عاجلة لتحديث مرافق المنطقة الصناعية بأبو رواش وتطوير بنيتها التحتية    تحت عنوان كامل العدد، مدحت صالح يفتتح حفله على مسرح المحكي ب "زي ما هي حبها"    3 أبراج على موعد مع التفاؤل اليوم: عالم جديد يفتح الباب أمامهم ويتلقون أخبارا مشجعة    خيرى حسن ينضم إلى برنامج صباح الخير يا مصر بفقرة أسبوعية على شاشة ماسبيرو    المنوفية تقدم أكثر من 2.6 مليون خدمة طبية ضمن حملة 100 يوم صحة    صحة المنوفية تواصل حملاتها بسرس الليان لضمان خدمات طبية آمنة وذات جودة    كتر ضحك وقلل قهوة.. طرق للتخلص من زيادة هرمون التوتر «الكورتيزول»    نجاح عملية جراحية دقيقة لاستئصال ورم ليفي بمستشفى القصاصين فى الإسماعيلية    نتيجة تنسيق رياض الأطفال والصف الأول الابتدائي الأزهر الشريف 2025 خلال ساعات.. «رابط مباشر»    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 23 أغسطس 2025    قدم لكلية الطب وسبقه القدر.. وفاة طالب أثناء تركيبه ميكروفون لمسجد في قنا    ظهور مفاجئ ل «منخفض الهند».. تحذير بشأن حالة الطقس اليوم: القاهرة تُسجل 40 مئوية    القضاء على بؤرة إجرامية خطرة بأشمون خلال تبادل النار مع قوات الشرطة    ضبط 1954 مخالفة ورفع كفاءة طريق «أم جعفر – الحلافي» ورصف شارع الجيش بكفر الشيخ    أخبار × 24 ساعة.. موعد انطلاق العام الدراسى الجديد بالمدارس الدولية والرسمية    مقتل عنصر من الأمن السورى فى هجوم انتحارى نفذه "داعش" بدير الزور    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. الدفاع الروسية: سيطرنا على 9 بلدات فى أوكرانيا خلال أسبوع .. وزيرة خارجية سلوفينيا: المجاعة مرحلة جديدة من الجحيم فى غزة.. إسرائيل عطلت 60 محطة تحلية مياه فى غزة    منها الإقلاع عن التدخين.. 10 نصائح للحفاظ على صحة عينيك مع تقدمك فى العمر (تعرف عليها)    خدعوك فقالوا: «الرزق مال»    هل يجوز شرعًا معاقبة تارك صلاة الجمعة بالسجن؟.. أحمد كريمة يجيب    هل إفشاء السر بدون قصد خيانة أمانة وما حكمه؟ أمين الفتوى يجيب    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    شنوان.. القرية التي جعلت من القلقاس جواز سفر إلى العالم| صور    محافظ مطروح ورئيس جامعة الأزهر يفتتحان كلية البنات الأزهرية بالمحافظة    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    سعر طن الحديد الاستثماري وعز والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 22 أغسطس 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التاريخ والقضية: الاقتصاد عصب العلاقة بين المسلمين واقباط مصر
نشر في صوت البلد يوم 21 - 05 - 2016

يتناول هذا الكتاب "أقباط مصر.. التاريخ والقضية" لمؤلفه الراحل أبوسيف يوسف وتقديم راجي شوقي مخائيل تاريخ الأقباط وهم المصريون المسيحيون منذ العصر القبطي الذي كانت فيه مصر تحت الاحتلال البيزنطي ثم العصر الإسلامي بكل مراحله وانتهاء بالعصر الحديث، ويأتي الكتاب وفقا للمؤلف في إطار فرضية أولى مؤداها أنه يعيش على أرض مصر شعب واحد يتكون من أغلبية تدين بالإسلام، وأقلية يمثلها القبط تدين بالمسيحية.
ويشير مصطلح الأغلبية والأقلية هنا إلى النسبة العددية. لأن القبط كأقلية دينية لا يشكلون أقلية عرقية أو سلالية إثنية أو لغوية، وهو الأمر الذي ميز الشعب في مصر بدرجة عالية من التماسك أو التكامل (أو الاندماج) الاجتماعي.
يشير أبوسيف في كتابه الصادرة طبعته الأولى عام 1987 عن مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت، والثانية عن دار العين للنشر 2016 إلى أن القِبْط يتبع حاليًا ثلاثة معتقدات رئيسية تمثلها الطوائف الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية (البروتستانتية). على أن سوادهم الأعظم يتبع الكنيسة القِبْطية الأرثوذكسية التي تعرف أيضًا باسم "كنيسة الإسكندرية" و"الكنيسة المصرية" وهي الكنيسة القومية وأقدم الكنائس في مصر.
وفي التقليد الأرثوذكسى أن مؤسسها هو القديس مرقس الرسول الذي جاء إلى مصر في فترة يرجح أنها تقع بين عامي 48 و64 ، وفيما يتعلق بالمذهب الكاثوليكي، فإنه على الرغم من أن الرهبان الفرنسيسكان كانوا قد بدأوا نشاطهم في مصر منذ عام 1219 إلا أنه لم يبدأ تنظيم كنيسة للأقباط الكاثوليك في مصر إلا في عام 1895 وقد تزايد عدد الكاثوليك في مصر حتى بلغ 104 آلاف في عام 1973.
وللكنيسة الكاثوليكية بطريرك يرعى شئون الطائفة الدينية، إلا أن الكنيسة تظل في النهاية خاضعة لقيادة الفاتيكان الروحية. وقام المجمع المسيحي بتنظيم أول كنيسة إنجيلية بمصر في عام 1860، وظلت هذه الكنيسة مرتبطة بالمحفل العام للكنيسة المشيخية بالولايات المتحدة الأميركية ولم تستقل عنه إلا في عام 1958، ويبلغ تعداد الطائفة الإنجيلية 200 ألف، وتقدر بعض المراجع أن عدد الكنائس يبلغ 1413 كنيسة منها 648 في الحضر و765 في الريف (وقت إعداد هذه الدراسة في عام 1987).
أما المحافظات الأولى من حيث عدد الكنائس فيمكن ترتيبها تنازليًا كما يلي: المنيا وأسيوط والقاهرة وسوهاج والإسكندرية والغربية والقليوبية. ويبلغ عدد الأديرة 37 ديرًا، منها 32 في الحضر وخمسة في الأرياف ويلاحظ الباحثون أن الدقة في البيانات الإحصائية التي تتطلبها عملية المسح الديني ليست متوفرة في عدد الكنائس والأديرة التي تتبع كل طائفة من الطوائف المسيحية العديدة، ولجميع الطوائف القِبْطية مؤسسات عديدة تتمثل في كليات ومدارس لاهوتية ومؤسسات تعليمية وجمعيات علمية وخيرية ومراكز طبية وغير ذلك من المؤسسات التي تقوم بتنفيذ برامج تختص بمشروعات تحسين الأراضي والاقتصاد المنزلي ومكافحة الأمية.
كما أن للطوائف القِبْطية الكثير من المجلات الدينية والعلمية والمتخصصة. ولها بعض دور للنشر والتوزيع لا يتسع المجال هنا لذكرها وحصرها".
ويؤكد أبوسيف أن استقراء تاريخ مصر يظهر أن روابط التكامل بين مسلمي مصر وقبطها كانت تتأثر بمجموعتين متداخلتين من العوامل: إحداهما تتعلق في هذه الفترة التاريخية أو تلك، بالأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية السائدة في المجتمع، وتتعلق الأخرى بمكانة القبط أنفسهم في ظل هذه الأوضاع وذلك على سبيل المثال من حيث مستوى مشاركتهم السياسية وأنشطتهم الاقتصادية وعلاقتهم بجهاز الإدارة وأيضا بالدور الذي لعبته الكنيسة القبطية. وإن كان هذا كله لا ينفي الدور المستقل الذي تلعبه بعض الموروثات الثقافية من حيث هي كذلك، في إثارة اتجاهات متبادلة من التعصب أو تغليب دواعي التسامح.
وعلى ذلك يمكن أن يقال مثلا إنه في العصور الوسطى كانت علاقة المسلمين والقبط تنحو إلى التوافق، أو الاتساق في الوجود بقدر ما كان الحكام يتجهون إلى بناء دولة قوية، تهتم بتنمية الموارد وتعمير البلاد وتشجيع العلوم والفنون. وفي السياق نفسه وعلى سبيل المثال أيضا شكلت الغزوات الصليبية عنصر اضطراب في العلاقة بين المسلمين والقبط، وذلك بقدر ما كانت تمثل في هذه المرحلة أو تلك مصدر تهديد للنسق الثقافي للأغلبية وبقدر ما كانت تفرز من إسقاطات على قبط مصر من واقع أن ديانتهم هي ديانة الجيوش الغازية.
وفي العصر الحديث أسهمت مشروعات بناء دولة حديثة ومستقلة في صياغة نموذج متقدم للتكامل بين المسلمين والقبط. ونشير هنا بوجه خاص إلى المشروعات التي طرحها كل من محمد علي، أو البرجوازية المصرية التي تزعمت الثورة العرابية أو قيادات ثورة 1919 أو مشروع ثورة يوليو 1952 وذلك على اختلاف وتفاوت التصورات والأسس الفكرية والأهداف الظاهرة لكل مشروع على حدة.
وعند المؤلف أن "المجتمع في مصر يتعرض لنوعين من الأخطار التي تؤثر بعمق ليس فقط على مستقبل التكامل بين مسلمي مصر ومسيحييها، بل على مستقبل البلاد ذاته ومصادر الخطر هنا خارجية وداخلية وهي مترابطة ومتفاعلية فيما بينها. هنا يتمثل الخطر الخارجي في أن "وجود العرب كافة مهدد في الصميم لأن الرأسمالية العالمية بقيادة أميركا، وقوتها الصهيونية الضاربة وأولئك العرب الذين يخدمون عن علم أو عن جهل سياستها تعمل في إصرار على تعميق التجزئة، بل تحولها إلى عملية تفتيت لا ينجو منها قطر واحد" ومصر بالطبع ليست مستثناه من ذلك.
ومن بين قيادات الكنيسة القبطية من يرى أن أحداث سبتمبر 1981 في مصر ترتبط بدور إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية في المنطقة "أن من مصلحة إسرائيل تفتيت مصر، وبذلك تسيطر على العالم العربي. ومصلحة أميركا مكافحة المد الشيوعي عن طريق إثارة النعرات الدينية، وبذلك التقت الأهداف. ولا ننسى أن أميركا من أزمنة طويلة تشجع إثارة الفتن الدينية وفي مصر بالتحديد".
ويرى أبوسيف أن القضية التي تستوجب الالتفات هي "أن القوة الضاربة في عملية التفتيت المستهدفة تمثلها الشركات العملاقة متعددة الجنسيات أو عابرة أو متجاوزة القومية. وهي في الأساس أميركية الجنسية ويزداد نفوذها على الدولة، وبالتالي تزداد قدرتها على تقرير نهجها الاقتصادي والسياسي، وفرضه على السلطة الحاكمة في الولايات المتحدة وفي الوقت نفسه، تدخل الكنيسة في المجتمع الرأسمالي الغربي لتكون جزءا من الجهاز الأيديولوجي للدولة ومكلفا بالدفاع عن سياساتها وأهدافها.
ويضيف إن استراتيجية الشركات العملاقة تتلخص في العمل على توحيد العالم داخل نطاق النظام الرأسمالي وفي الوقت ذاته في تفتيته إلى كيانات صغيرة تفرض عليها أشكالا جديدة من التبعية في مقدمتها تحويل البلاد التي تنشط فيها إلى بلاد تعيش على استيراد التقنية وتعجز في الوقت ذاتها عن إنتاجها. ويدخل في هذا تصدير نمط الاستهلاك الترفي الذي ينتهي بأن يقتلع من المجتمع معنى قيمة العمل المنتج وما يرتبط بهذه القيمة من قيم الانتماء القومي والحرص على المقومات النوعية للثقافة القومية، والقدرة على الإبداع الحضاري. وفي مجتمع الاستهلاك هذا تختل المعايير فتنطلق حركة عفوية أو منظمة ويلغب أن تكون ذلك نزعة طائفة أو اتجاه سلفي".
ويلفت إلى أنه على المستوى الإيديولوجي لن تعدم الشركات متعددة الجنسية منظرين يبشرون بقيام عالم جديد يتم فيه تخطي النزعة القومية وحدود الدولة الوطنية فلا تعود "الأمة الدولة" قوة خلاقة في حياة الفرد الخاصة وفي الوقت نفسه يروجون لنموذج جديد لإنسان العصر يمثله هذا العالم أو الفني المتخصص الذي يتحرك عبر الحدود القومية ويتخطاها ليضع علمه وتخصصه في خدمة ثورة العصر: الثورة التكنوترونية".
يتضمن الفصل الأول لمحة سريعة عن الديموغرافية الاجتماعية والدينية للقبط، بينما يمهد الفصل الثاني للتغييرات الكبرى التي بدأت بعد الفتح العربي. فيتحدث عن سمات النسق المصري الذي تفاعلت معه الهجرات العربية ثم يقدم لمحة عن تاريخ القبط تحت الحكم البيزنطي خاصة في حقبة طالت واستحكمت فيها التناقضات بين الرومان والمص بل واستعصت على الحل بما أدى إلى خلق وضع تزايد فيه عجز الرومان عن حكم مصر، وبالمقابل عجز فيه القبط عن تحقيق الانفصال عن بيزنطة.
وإذا كان المؤلف قد أولى اهتماما خاصة لقضية تكوين مصر العربية فقد حدث هذا لاعتبارات رئيسية أشار إليها منها أن التاريخ الاجتماعي لهذه العملية التاريخية لم يكتب بعد، وهو عمل يخرج في الوقت ذاته عن نطاق أي جهد فردي، ومنها أيضا أن الفترة التاريخية خاصة القرون الخمسة الأولى للهجرة كانت محل اجتزاء أو انتقاء أو ضحية نظرات ومناهج مثالية في فهم التاريخ لا يدخل في حسبانها أن عملية مصر العربية هي عملية موضوعية وهي بالتالي وفي التحليل الأخير مستقلة عن إرادة الأفراد كما أن لها جدليتها الخاصة، ومنها أخيرا أن إهمال الموضوعية لتكوين مصر العربية إنما يؤدي إسقاط الركائز الرئيسية والتاريخية التي قامت عليها وتولدت في إطارها صيرورة التكامل بين أهل مصر مسلميهم وأقباطهم.
ويعرض الفصل الرابع لاستمرار ارتباط القبط بالنسق الثقافي العام لمجتمعهم الأكبر، وذلك على الرغم من حدوث متغيرات كبرى تمثلت بعد سقوط الدولة الفاطمية في التراجع للحضارة العربية الإسلامية، وقيام سلالات أجنبية غير عربية، وتجدد الحروب الصليبية. فيقدر المؤلف أنه وإن حاقت بالقبط شدائد في بعض العهود إلا أن هذا لم يؤد إلى تهميشهم أو عزلهم. كما قاومت الكنيسة المصرية منذ القرن الثاني عشر كل المحاولات الأجنبية لتحويل ولاءات القبط والمؤسسة الدينية نحو الكنائس غربية أو دول أجنبية.
ويتناول الفصل الخامس صيرورة التكامل في إطار محاولات بناء دولة عصرية على امتداد الفترة التي تقع بين أوائل القرن التاسع عشر وبين قيام ثورة يوليو 1952، ويعرض الفصل السادس لسعي ثورة يوليو إلى إرساء أسس جديدة للتكامل، ثم لما ارتبط بالتطورات التي وقعت في السبعينيات من مظاهر الخلل في العلاقة بين المسلمين والقبط، وأخيرا يعالج الكتاب في الفصل السابع بعض الاشكاليات التي ترتبط بقضايا التكامل بين المسلمين والقبط.
يتناول هذا الكتاب "أقباط مصر.. التاريخ والقضية" لمؤلفه الراحل أبوسيف يوسف وتقديم راجي شوقي مخائيل تاريخ الأقباط وهم المصريون المسيحيون منذ العصر القبطي الذي كانت فيه مصر تحت الاحتلال البيزنطي ثم العصر الإسلامي بكل مراحله وانتهاء بالعصر الحديث، ويأتي الكتاب وفقا للمؤلف في إطار فرضية أولى مؤداها أنه يعيش على أرض مصر شعب واحد يتكون من أغلبية تدين بالإسلام، وأقلية يمثلها القبط تدين بالمسيحية.
ويشير مصطلح الأغلبية والأقلية هنا إلى النسبة العددية. لأن القبط كأقلية دينية لا يشكلون أقلية عرقية أو سلالية إثنية أو لغوية، وهو الأمر الذي ميز الشعب في مصر بدرجة عالية من التماسك أو التكامل (أو الاندماج) الاجتماعي.
يشير أبوسيف في كتابه الصادرة طبعته الأولى عام 1987 عن مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت، والثانية عن دار العين للنشر 2016 إلى أن القِبْط يتبع حاليًا ثلاثة معتقدات رئيسية تمثلها الطوائف الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية (البروتستانتية). على أن سوادهم الأعظم يتبع الكنيسة القِبْطية الأرثوذكسية التي تعرف أيضًا باسم "كنيسة الإسكندرية" و"الكنيسة المصرية" وهي الكنيسة القومية وأقدم الكنائس في مصر.
وفي التقليد الأرثوذكسى أن مؤسسها هو القديس مرقس الرسول الذي جاء إلى مصر في فترة يرجح أنها تقع بين عامي 48 و64 ، وفيما يتعلق بالمذهب الكاثوليكي، فإنه على الرغم من أن الرهبان الفرنسيسكان كانوا قد بدأوا نشاطهم في مصر منذ عام 1219 إلا أنه لم يبدأ تنظيم كنيسة للأقباط الكاثوليك في مصر إلا في عام 1895 وقد تزايد عدد الكاثوليك في مصر حتى بلغ 104 آلاف في عام 1973.
وللكنيسة الكاثوليكية بطريرك يرعى شئون الطائفة الدينية، إلا أن الكنيسة تظل في النهاية خاضعة لقيادة الفاتيكان الروحية. وقام المجمع المسيحي بتنظيم أول كنيسة إنجيلية بمصر في عام 1860، وظلت هذه الكنيسة مرتبطة بالمحفل العام للكنيسة المشيخية بالولايات المتحدة الأميركية ولم تستقل عنه إلا في عام 1958، ويبلغ تعداد الطائفة الإنجيلية 200 ألف، وتقدر بعض المراجع أن عدد الكنائس يبلغ 1413 كنيسة منها 648 في الحضر و765 في الريف (وقت إعداد هذه الدراسة في عام 1987).
أما المحافظات الأولى من حيث عدد الكنائس فيمكن ترتيبها تنازليًا كما يلي: المنيا وأسيوط والقاهرة وسوهاج والإسكندرية والغربية والقليوبية. ويبلغ عدد الأديرة 37 ديرًا، منها 32 في الحضر وخمسة في الأرياف ويلاحظ الباحثون أن الدقة في البيانات الإحصائية التي تتطلبها عملية المسح الديني ليست متوفرة في عدد الكنائس والأديرة التي تتبع كل طائفة من الطوائف المسيحية العديدة، ولجميع الطوائف القِبْطية مؤسسات عديدة تتمثل في كليات ومدارس لاهوتية ومؤسسات تعليمية وجمعيات علمية وخيرية ومراكز طبية وغير ذلك من المؤسسات التي تقوم بتنفيذ برامج تختص بمشروعات تحسين الأراضي والاقتصاد المنزلي ومكافحة الأمية.
كما أن للطوائف القِبْطية الكثير من المجلات الدينية والعلمية والمتخصصة. ولها بعض دور للنشر والتوزيع لا يتسع المجال هنا لذكرها وحصرها".
ويؤكد أبوسيف أن استقراء تاريخ مصر يظهر أن روابط التكامل بين مسلمي مصر وقبطها كانت تتأثر بمجموعتين متداخلتين من العوامل: إحداهما تتعلق في هذه الفترة التاريخية أو تلك، بالأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية السائدة في المجتمع، وتتعلق الأخرى بمكانة القبط أنفسهم في ظل هذه الأوضاع وذلك على سبيل المثال من حيث مستوى مشاركتهم السياسية وأنشطتهم الاقتصادية وعلاقتهم بجهاز الإدارة وأيضا بالدور الذي لعبته الكنيسة القبطية. وإن كان هذا كله لا ينفي الدور المستقل الذي تلعبه بعض الموروثات الثقافية من حيث هي كذلك، في إثارة اتجاهات متبادلة من التعصب أو تغليب دواعي التسامح.
وعلى ذلك يمكن أن يقال مثلا إنه في العصور الوسطى كانت علاقة المسلمين والقبط تنحو إلى التوافق، أو الاتساق في الوجود بقدر ما كان الحكام يتجهون إلى بناء دولة قوية، تهتم بتنمية الموارد وتعمير البلاد وتشجيع العلوم والفنون. وفي السياق نفسه وعلى سبيل المثال أيضا شكلت الغزوات الصليبية عنصر اضطراب في العلاقة بين المسلمين والقبط، وذلك بقدر ما كانت تمثل في هذه المرحلة أو تلك مصدر تهديد للنسق الثقافي للأغلبية وبقدر ما كانت تفرز من إسقاطات على قبط مصر من واقع أن ديانتهم هي ديانة الجيوش الغازية.
وفي العصر الحديث أسهمت مشروعات بناء دولة حديثة ومستقلة في صياغة نموذج متقدم للتكامل بين المسلمين والقبط. ونشير هنا بوجه خاص إلى المشروعات التي طرحها كل من محمد علي، أو البرجوازية المصرية التي تزعمت الثورة العرابية أو قيادات ثورة 1919 أو مشروع ثورة يوليو 1952 وذلك على اختلاف وتفاوت التصورات والأسس الفكرية والأهداف الظاهرة لكل مشروع على حدة.
وعند المؤلف أن "المجتمع في مصر يتعرض لنوعين من الأخطار التي تؤثر بعمق ليس فقط على مستقبل التكامل بين مسلمي مصر ومسيحييها، بل على مستقبل البلاد ذاته ومصادر الخطر هنا خارجية وداخلية وهي مترابطة ومتفاعلية فيما بينها. هنا يتمثل الخطر الخارجي في أن "وجود العرب كافة مهدد في الصميم لأن الرأسمالية العالمية بقيادة أميركا، وقوتها الصهيونية الضاربة وأولئك العرب الذين يخدمون عن علم أو عن جهل سياستها تعمل في إصرار على تعميق التجزئة، بل تحولها إلى عملية تفتيت لا ينجو منها قطر واحد" ومصر بالطبع ليست مستثناه من ذلك.
ومن بين قيادات الكنيسة القبطية من يرى أن أحداث سبتمبر 1981 في مصر ترتبط بدور إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية في المنطقة "أن من مصلحة إسرائيل تفتيت مصر، وبذلك تسيطر على العالم العربي. ومصلحة أميركا مكافحة المد الشيوعي عن طريق إثارة النعرات الدينية، وبذلك التقت الأهداف. ولا ننسى أن أميركا من أزمنة طويلة تشجع إثارة الفتن الدينية وفي مصر بالتحديد".
ويرى أبوسيف أن القضية التي تستوجب الالتفات هي "أن القوة الضاربة في عملية التفتيت المستهدفة تمثلها الشركات العملاقة متعددة الجنسيات أو عابرة أو متجاوزة القومية. وهي في الأساس أميركية الجنسية ويزداد نفوذها على الدولة، وبالتالي تزداد قدرتها على تقرير نهجها الاقتصادي والسياسي، وفرضه على السلطة الحاكمة في الولايات المتحدة وفي الوقت نفسه، تدخل الكنيسة في المجتمع الرأسمالي الغربي لتكون جزءا من الجهاز الأيديولوجي للدولة ومكلفا بالدفاع عن سياساتها وأهدافها.
ويضيف إن استراتيجية الشركات العملاقة تتلخص في العمل على توحيد العالم داخل نطاق النظام الرأسمالي وفي الوقت ذاته في تفتيته إلى كيانات صغيرة تفرض عليها أشكالا جديدة من التبعية في مقدمتها تحويل البلاد التي تنشط فيها إلى بلاد تعيش على استيراد التقنية وتعجز في الوقت ذاتها عن إنتاجها. ويدخل في هذا تصدير نمط الاستهلاك الترفي الذي ينتهي بأن يقتلع من المجتمع معنى قيمة العمل المنتج وما يرتبط بهذه القيمة من قيم الانتماء القومي والحرص على المقومات النوعية للثقافة القومية، والقدرة على الإبداع الحضاري. وفي مجتمع الاستهلاك هذا تختل المعايير فتنطلق حركة عفوية أو منظمة ويلغب أن تكون ذلك نزعة طائفة أو اتجاه سلفي".
ويلفت إلى أنه على المستوى الإيديولوجي لن تعدم الشركات متعددة الجنسية منظرين يبشرون بقيام عالم جديد يتم فيه تخطي النزعة القومية وحدود الدولة الوطنية فلا تعود "الأمة الدولة" قوة خلاقة في حياة الفرد الخاصة وفي الوقت نفسه يروجون لنموذج جديد لإنسان العصر يمثله هذا العالم أو الفني المتخصص الذي يتحرك عبر الحدود القومية ويتخطاها ليضع علمه وتخصصه في خدمة ثورة العصر: الثورة التكنوترونية".
يتضمن الفصل الأول لمحة سريعة عن الديموغرافية الاجتماعية والدينية للقبط، بينما يمهد الفصل الثاني للتغييرات الكبرى التي بدأت بعد الفتح العربي. فيتحدث عن سمات النسق المصري الذي تفاعلت معه الهجرات العربية ثم يقدم لمحة عن تاريخ القبط تحت الحكم البيزنطي خاصة في حقبة طالت واستحكمت فيها التناقضات بين الرومان والمص بل واستعصت على الحل بما أدى إلى خلق وضع تزايد فيه عجز الرومان عن حكم مصر، وبالمقابل عجز فيه القبط عن تحقيق الانفصال عن بيزنطة.
وإذا كان المؤلف قد أولى اهتماما خاصة لقضية تكوين مصر العربية فقد حدث هذا لاعتبارات رئيسية أشار إليها منها أن التاريخ الاجتماعي لهذه العملية التاريخية لم يكتب بعد، وهو عمل يخرج في الوقت ذاته عن نطاق أي جهد فردي، ومنها أيضا أن الفترة التاريخية خاصة القرون الخمسة الأولى للهجرة كانت محل اجتزاء أو انتقاء أو ضحية نظرات ومناهج مثالية في فهم التاريخ لا يدخل في حسبانها أن عملية مصر العربية هي عملية موضوعية وهي بالتالي وفي التحليل الأخير مستقلة عن إرادة الأفراد كما أن لها جدليتها الخاصة، ومنها أخيرا أن إهمال الموضوعية لتكوين مصر العربية إنما يؤدي إسقاط الركائز الرئيسية والتاريخية التي قامت عليها وتولدت في إطارها صيرورة التكامل بين أهل مصر مسلميهم وأقباطهم.
ويعرض الفصل الرابع لاستمرار ارتباط القبط بالنسق الثقافي العام لمجتمعهم الأكبر، وذلك على الرغم من حدوث متغيرات كبرى تمثلت بعد سقوط الدولة الفاطمية في التراجع للحضارة العربية الإسلامية، وقيام سلالات أجنبية غير عربية، وتجدد الحروب الصليبية. فيقدر المؤلف أنه وإن حاقت بالقبط شدائد في بعض العهود إلا أن هذا لم يؤد إلى تهميشهم أو عزلهم. كما قاومت الكنيسة المصرية منذ القرن الثاني عشر كل المحاولات الأجنبية لتحويل ولاءات القبط والمؤسسة الدينية نحو الكنائس غربية أو دول أجنبية.
ويتناول الفصل الخامس صيرورة التكامل في إطار محاولات بناء دولة عصرية على امتداد الفترة التي تقع بين أوائل القرن التاسع عشر وبين قيام ثورة يوليو 1952، ويعرض الفصل السادس لسعي ثورة يوليو إلى إرساء أسس جديدة للتكامل، ثم لما ارتبط بالتطورات التي وقعت في السبعينيات من مظاهر الخلل في العلاقة بين المسلمين والقبط، وأخيرا يعالج الكتاب في الفصل السابع بعض الاشكاليات التي ترتبط بقضايا التكامل بين المسلمين والقبط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.