الوادي الجديد تعتمد النزول بسن القبول في المدرسة الدولية "IPS"    الديهي يكشف تفاصيل اختراقه ل"جروب الإخوان السري" فيديو    وزيرة البيئة تعقد اجتماعا تنسيقيا لبحث بلورة موقف وطني موحد قبل COP30 بالبرازيل    تراجع مؤشرات الأسهم الروسية في بداية تعاملات بورصة موسكو    بالفيديو.. الغرف التجارية: متابعة دائمة من الأجهزة الرقابية لتطبيق التخفيضات خلال الأوكازيون    رصف طريق "أبنوب - بني محمديات" أسيوط بتكلفة 16 مليون جنيه    بروتوكول بين "البحوث الزراعية" والكلية الفنية العسكرية لإنتاج الأسمدة البوتاسية محليا    12 شهيدا ومصابون بنيران جيش الاحتلال في غزة    "ذا ناشيونال": مصر وقطر يعدان مسودة اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة    المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: دخول 266 شاحنة مساعدات منذ الجمعة والاحتلال سهل سرقة معظمها    فيريرا يدرس إجراء تغييرات على تشكيل الزمالك أمام مودرن سبورت    اليوم.. الأهلي يتسلم الدفعة الأولى من قيمة صفقة وسام أبو علي    «الصحة» تغلق مركز غير مرخص لعلاج الإدمان في الشرقية    ضبط أطراف مشاجرة بالسلاح الأبيض في المقطم بسبب خلافات الجيرة    في يومها الثالث.. انتظام امتحانات الدور الثانى للثانوية العامة بالغربية    غرق شاب بأحد شواطئ مدينة القصير جنوب البحر الأحمر    الليلة.. فلكلور مدن القناة في عروض ملتقى السمسمية بشاطئ الفيروز ومركز شباب الشيخ زايد    الجمعة.. ويجز يحيي حفلًا بمهرجان العلمين    حظك اليوم.. تعرف على توقعات الأبراج اليوم الاثنين    إيرادات أفلام موسم الصيف.. "درويش" يتصدر شباك التذاكر و"روكي الغلابة" يواصل المنافسة    الجمعة.. حكيم يحيي حفلا غنائيا بالساحل الشمالي    "ماتقلقش من البديل".. حملة لرفع وعي المرضى تجاه الأدوية في بورسعيد    من 5 فجرا إلى 12 ظهرا.. مقترح برلماني لتعديل مواعيد العمل الرسمية    "الأغذية العالمى": نصف مليون فلسطينى فى غزة على شفا المجاعة    «التعليم» ترسل خطابًا بشأن مناظرة السن في المرحلة الابتدائية لقبول تحويل الطلاب من الأزهر    وفاة شاب صدمته سيارة مسرعة بطريق القاهرة – الفيوم    إصابة عامل في حريق شقة سكنية بسوهاج    «الديهي»: حملة «افتحوا المعبر» مشبوهة واتحدي أي إخواني يتظاهر أمام سفارات إسرائيل    آس: كوناتي يقترب من ريال مدريد.. وليفربول يرفض بيعه بأقل من 50 مليون يورو    "لا نقبل بإرهاب يورتشيتش".. بيراميدز يقدم شكوى لاتحاد الكرة ضد أمين عمر    «وقف كارثة بيع قطاع الناشئين».. نجم الزمالك السابق يثير الجدل بتصريحات قوية    وزير الرياضة ورئيس الأولمبية يستعرضان خطط الاستعدادات لأولمبياد لوس أنجلوس    ريهام عبدالغفور عن وفاة تيمور تيمور: «كنت فاكرة أن عمري ما هتوجع تاني»    وزيرة التضامن الاجتماعي: دعم مصر لقطاع غزة لم يكن وليد أحداث السابع من أكتوبر    نشأت الديهي يكشف مخططات «إخوان الخارج» لاستهداف مصر    أسعار اللحوم اليوم الاثنين 18 أغسطس 2025 في أسواق الأقصر    رئيس الوزراء الفلسطيني: سنعلن قريبا تشكيل لجنة مؤقتة لإدارة قطاع غزة    «متحدث الصحة» ينفي سرقة الأعضاء: «مجرد أساطير بلا أساس علمي»    استشاري مناعة: مبادرة الفحص قبل الزواج خطوة أساسية للحد من انتشار الأمراض    جامعة مصر للمعلوماتية تستضيف جلسة تعريفية حول مبادرة Asia to Japan للتوظيف    مدرب نانت: مصطفى محمد يستحق اللعب بجدارة    حلوى باردة ومغذية فى الصيف، طريقة عمل الأرز باللبن    مصر تدعم السلطة الفلسطينية لاستعادة الأمن بغزة    دار الإفتاء توضح حكم شراء حلوى المولد النبوي والتهادي بها    إسرائيل تقر خطة احتلال مدينة غزة وتعرضها على وزير الدفاع غدا    انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية الأزهرية بشمال سيناء (صور)    التعليم تحسم الجدل : الالتحاق بالبكالوريا اختياريا ولا يجوز التحويل منها أو إليها    جدول مواعيد قطارات «الإسكندرية - القاهرة» اليوم الاثنين 18 أغسطس 2025    محافظة بورسعيد.. مواقيت الصلوات الخمس اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025    وفاة عميد كلية اللغة العربية الأسبق ب أزهر الشرقية    ارتفاع سعر اليورو اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025 أمام الجنيه بالبنوك المصرية    كم سجل عيار 21 الآن؟ أسعار الذهب اليوم في بداية تعاملات الاثنين 18 أغسطس 2025    "2 إخوات أحدهما لاعب كرة".. 15 صورة وأبرز المعلومات عن عائلة إمام عاشور نجم الأهلي    دعه ينفذ دعه يمر فالمنصب لحظة سوف تمر    أسفار الحج 13.. من أضاء المسجد النبوى "مصرى"    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    ماكرون: لا أستبعد أن تعترف أوكرانيا بفقدان أراضيها ضمن معاهدة سلام    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل يمكن للوصفات التي تنظر للكتابة أن تصنع كاتبا ؟
نشر في صوت البلد يوم 27 - 04 - 2016

هناك قصة شهيرة لأبي نواس حين استأذن خلفًا الأحمر في نظم الشعر، فطالبه بأن يحفظ ألف بيت، وما إن حفظها حتى طالبه بأن ينساها، ثم ينظم من بعد ذلك شعرا. يستدل بهذه القصة على إمكانية تعلم الأدب، لكن هل فعلا أن تلك القاعدة هي التي صنعت من أبي نواس علما من أعلام الشعر العربي. ونفس الأمر ينطبق على كتابة الرواية اليوم. “العرب” طرحت السؤال على روائيين عرب لمعرفة آرائهم حول نصائح الكتابة الروائية.
يتفق العديد على أنه ليس هناك وصفة جاهزة لكتابة رواية، ولكن هل النصائح الروائية التي يقدمها روائيون مشاهير لهم كتب مترجمة بلغات مختلفة وقراء على امتداد الجغرافيا تسهم في صنع روائيين أيضا بنفس الكفاءة، هل الاحتفاظ بالقارئ طيلة العمل الروائي قد يمكّن من تدريسه سر الكتابة، رغم أن مهمة كتابة “رواية” ليست سهلة؟
هل بقراءة كتاب “رسائل إلى روائي شاب” لفارغاس يوسا، أو “كيف تكتب الرواية” لماركيز، أو”كيف تكتب رواية في 100 يوم أو أقل” لجون كوين، تكفي لكتابة رواية ناجحة؟
يقول الروائي الليبي إبراهيم عثمونة “في تصوري الكتابة استمتاع قبل أيّ شيء آخر، والكاتب لحظة الكتابة هو في الواقع يستمتع بعرض فكرته على نفسه، ولا يستهدف إمتاع المتلقي. ومن خلال تجربتي القصيرة لا أذكر مرة أنني أحسستُ بوجود متلق يجلس إلى جانبي وأكتب له، بل أنا معزول تماما عن المحيط وغارق في ذاتي. لذلك السبب أنا من صنف الذين إن كتبوا كتبوا بلا سؤال وبلا كيف وبلا تفكير، إلى الحد الذي يكون فيه قلمي لا ينظر إلا أمامه حتى لمسافة سطر واحد.
يوضح الروائي المصري ممدوح رزق أن التفكير في نصائح الكتابة يدفعه إلى التمييز بين نوعين من الكتّاب؛ الذين تتخذ نصائحهم طبيعة إيحائية يتضمنها التأمل والاستعادة التوثيقية لتجارب الماضي، مقابل الكتّاب الذين يحددون على نحو مباشر قوائم من الإرشادات الحاسمة، التي تقرر ما يمكن اعتباره خلاصة الخبرة الروائية.
ويضيف “نصائح النوع الثاني بشكل عام لا تمثل -حتى مع ارتفاع نبرة القانون البديهي الذي تقصّد حماية هذه النصائح- سوى ذخيرة من الفرضيات الملهمة. احتمالات قابلة للتحول إلى ترتيبات إيجابية نحو تحقيق انتصار ما. أتصوّر أن الخطوات الأولى في حياة الروائي هي أكثر الأزمنة الملائمة لخلق هذه العلاقة بين إجابات تدّعي الصلابة والقدرة على تخطي الألم، والاستفهامات المرتبكة التي تحاول الوصول إلى نوع راسخ من اليقينيات. لكن النصائح تعطي أحيانا ما يشبه الطمأنينة الجمالية الناجمة عن اكتشاف قدر من التطابق أو المشابهة بين الرهانات السردية عند روائي وآخر، إلى درجة من الاتحاد بين أفكار وقناعات خاصة ارتبطت بحالة كتابة معينة، وهواجس وانحيازات شكلت وقائع حقيقية لكتابة أنجزها وعي مختلف”.
يتابع رزق “التآلف المرتفع فوق الحدود النمطية، حيث متعة التأكد من أنك لست وحدك داخل المتاهات المنعزلة، لكن الانسجام مع تاريخ ما لأحد الكتّاب الذين أثبتت معرفة اختياراته الروائية صواب المنطق الذي تولى تشييد عالمه السردي، هذا الانسجام ينبغي أن يتضاءل أمام التحرر من النصائح حتى تلك التي كان بوسعها أن تمنح الغنائم الثمينة عند مواجهة المآزق، وتجاوز التوجيهات حتى تلك التي سبق أن استطاعت توفير الثقة في صحة الاختيارات، وسلامة الرؤية. وربما من أسوأ ما يمكن أن يرتكبه الكاتب هو القمع الذاتي الذي يتصدّى من خلاله لابتكار ضروري استجابة لتنبيه صارم مصاغ كنصيحة، من روائي ما”.
ويعتبر الروائي أن التنازل عن لعبة شخصية في مسودته كخضوع أعمى لتحذير أحد الروائيين من منتجي التعليمات المستندة إلى رصيدهم الكتابي هو أمر سلطوي. ويتذكر رزق جزءا مما كتبه عن كتاب “لماذا نكتب؟” حيث يرى القيمة الجوهرية لتلك الخلاصات تنبع من كونها احتمالات داعمة للمواساة الضرورية أحيانا، ولعزاء يستند إلى قرائن دامغة للتشارك في تفاصيل دقيقة من هموم عامة. لكن المواساة في أنجح الأحوال لا تمحو الألم، كما يقول ضيفنا، وإنما يمكنها المساعدة على التحرر من حصاره اللحظي.
ويوضح قائلا “لا يوفر العزاء تحصينا ضدّ الأذى، ولكنه يفتح بابا مغلقا للنظر من خلاله إلى سماء أبعد حيث تحلق سكينة ما. لذا على الرغم من تلك الأصوات المتعددة التي تخبرك طوال الوقت بأنك لست وحدك في هذه الورطة، فإن الشعور بالاختناق ربما يظل محتفظا ببداهته العمياء، التي لا تخفت حتى مع مرور الزمن عند رصد الاضطراب السردي في عملك (الأخطاء والتكرار)، وعدم قبول قارئ ما لكتابتك (جحيمك الذي لا يمتع الآخرين)، ومحاولات النقاد لقتلك (كيف تجرؤ على الكتابة هكذا؟)؛ مزيج من الندم والغضب والسأم الذي يغرقك كل مرة وكأنه جرحك الأول، ربما لأن كل كتابة ستبقى في الواقع كأنها كتابة أولى تختبر الإجابات، وتستجوب الحقائق، وتراوغ اليقينيات، وتحاكم العقائد”.
من جهته يرى الروائي والناقد المغربي إبراهيم الحجري أنه لا بدّ من الاعتراف بكون التنظير ليس هو معايشة التجربة. ويؤكد أن الحديث عن الظاهرة من بعيد أسهل من تجريبها بكثير. لذلك، فحتى لو كانت الكتب المنظرة للكتابة وأساليبها وإمكاناتها المتعددة، مفيدة للغاية في تأطير ورشات للصغار والكبار، فهي غير مجدية في صنع كاتب أو خلق مبدع في أي مجال. ويمكن القياس على ذلك في مجال الكتابة الروائية.
لا تبحث عن شيء لتكتبه، لا يوجد ما يصلح للكتابة أصلا، ما عليك سوى أن تجلس أمام طابعتك وتنزف، هكذا يتندر هيمنغواي مجيبا من يسأله عن الكتابة؛ يتندر أو يتلاعب أو يجيب بصدق تامّ. وفعلا لا أدري من هو المؤهل للإجابة وإسداء النصيحة، هل هو أديب شاب، أم خبير نقد ومراجعة
ويضيف “هل بمجرد ما يطلع شاب طموح على كتاب غابرييل غارسيا ماركيز «كيف تكتب الرواية؟» مثلا أو غيره سيصبح روائيا ناجحا؟ إني أرى غير ذلك والسبب يعود إلى شيئين متلازمين: أولهما أن المنظر لا يعرض سوى تجربة شخصية تتلاءم مع خصوصياته النفسية والاجتماعية، وهاته التجربة لا تعني أي أحد آخر غيره، وثانيا أن هذه الكتب تستعرض تقنيات مجردة، والرواية ليست أدوات وخططا وتقنيات فحسب، بل هي عالم متداخل من التجارب والمقروء والمعيش؛ فالروائي يستبطن كل هذه المواد والخامات ويحولها إلى سرد تخييلي دافق بالمعرفة والحركة والمعاني، انسجاما مع ذائقته”.
يتابع الحجري “الملاحظ أنه ظهر جيل جديد لا يؤمن بالموهبة والذكاء الفني، لذلك برزت الكتابة الروائية التي تستند إلى التكنيك والتجريب واستعراض العضلات في لوْي عنق الحكاية، اعتمادا على هذه الكتب وغيرها. فغابت، بالتالي، متعة الحكي وسحر الحكاية. ولو كانت المعرفة بأساليب الصوغ، وطرق الكتابة الروائية، وتشكل عوالمها وغيرها من التقنيات كفيلة بخلق روائي ناجح، لكان أقل النقاد حنكة أقدر على إنتاج نص روائي. والحال يصح مع العكس، فهناك روائيون فازوا بجوائز عالمية كبرى، كتبوا نصوصا خالدة، بالرغم من كونهم لا يعرفون حتى معنى حكاية أو سرد أو شخصية أو تبئير المعرفة بهاته الأشياء، وذلك باعتراف الكثير من الروائيين الكبار بأن نصائح كتابة الرواية وأحكامها تقيد الموهبة، وتخنق أفق تحررها وانسيابها. لذلك، أرى أن هذه الكتب على أهميتها تقرأ للاستئناس، ويستند إليها في تأطير بعض الورشات وإفادة النشء في ما يخص بعض المبادئ والمفاهيم”.
ويقول الروائي العراقي مرتضى كزار “لا تبحث عن شيء لتكتبه، لا يوجد ما يصلح للكتابة أصلا، ما عليك سوى أن تجلس أمام طابعتك وتنزف، هكذا يتندر هيمنغواي مجيبا من يسأله عن الكتابة؛ يتندر أو يتلاعب أو يجيب بصدق تامّ. وفعلا لا أدري من هو المؤهل للإجابة وإسداء النصيحة، هل هو أديب شاب، أم خبير نقد ومراجعة، أم روائي رائد ومخضرم؟ لا يمكن الحصول على تعاليم الكتابة وأعرافها من صبي يبيع كلينكس في مفترق طرق، قد تتشابه الوصفات إذا كانت شكلا أو تقنية خارجية، وتتداخل وتتشابه وتعرض نفسها للطالبين وأصحاب القدرات التركيبية والمواهب الضعيفة، لكن عامل الجهد المقترن بالموهبة هو الفائز”.
يتابع “الذوات المهمومة والمثقفة تصدّ أي نصيحة تهجم على خلوة الإبداع، تطردها وتخونها. لقد كتبوا كثيرا عن الأسرار الخاصة، وحاولوا إفشاء سرّ الكتابة المتفشي أصلا، ثم تحدثوا عن نصائح الإثارة والتعلق والشدّ، ولو كانت نصائح حقيقية لما تخلّى عنها صاحبها كما تقول الحكمة. من ناحية أخرى فإن سرّ الاحتفاظ بالقارئ موضوع صعب، في عالم مرهون بالقضايا وليس بالمضامين بشكل خاص، فقراء المضامين لا يحتاجون غالبا إلى منشطات ومحطات ترفيهية خلال الطريق، بعد ذلك سنحدد أيّ قارئ نسعى للاحتفاظ به. لكن بما أننا داخل نظام ينتمي بشكل ما إلى عالم الإمتاع، فهناك ما يمكن الحرص عليه في ما يخص الاحتفاظ بالقارئ، لأننا في النهاية نعمل وفق قواعد تداول الكتاب والكتابة وأنظمتها”.
هناك قصة شهيرة لأبي نواس حين استأذن خلفًا الأحمر في نظم الشعر، فطالبه بأن يحفظ ألف بيت، وما إن حفظها حتى طالبه بأن ينساها، ثم ينظم من بعد ذلك شعرا. يستدل بهذه القصة على إمكانية تعلم الأدب، لكن هل فعلا أن تلك القاعدة هي التي صنعت من أبي نواس علما من أعلام الشعر العربي. ونفس الأمر ينطبق على كتابة الرواية اليوم. “العرب” طرحت السؤال على روائيين عرب لمعرفة آرائهم حول نصائح الكتابة الروائية.
يتفق العديد على أنه ليس هناك وصفة جاهزة لكتابة رواية، ولكن هل النصائح الروائية التي يقدمها روائيون مشاهير لهم كتب مترجمة بلغات مختلفة وقراء على امتداد الجغرافيا تسهم في صنع روائيين أيضا بنفس الكفاءة، هل الاحتفاظ بالقارئ طيلة العمل الروائي قد يمكّن من تدريسه سر الكتابة، رغم أن مهمة كتابة “رواية” ليست سهلة؟
هل بقراءة كتاب “رسائل إلى روائي شاب” لفارغاس يوسا، أو “كيف تكتب الرواية” لماركيز، أو”كيف تكتب رواية في 100 يوم أو أقل” لجون كوين، تكفي لكتابة رواية ناجحة؟
يقول الروائي الليبي إبراهيم عثمونة “في تصوري الكتابة استمتاع قبل أيّ شيء آخر، والكاتب لحظة الكتابة هو في الواقع يستمتع بعرض فكرته على نفسه، ولا يستهدف إمتاع المتلقي. ومن خلال تجربتي القصيرة لا أذكر مرة أنني أحسستُ بوجود متلق يجلس إلى جانبي وأكتب له، بل أنا معزول تماما عن المحيط وغارق في ذاتي. لذلك السبب أنا من صنف الذين إن كتبوا كتبوا بلا سؤال وبلا كيف وبلا تفكير، إلى الحد الذي يكون فيه قلمي لا ينظر إلا أمامه حتى لمسافة سطر واحد.
يوضح الروائي المصري ممدوح رزق أن التفكير في نصائح الكتابة يدفعه إلى التمييز بين نوعين من الكتّاب؛ الذين تتخذ نصائحهم طبيعة إيحائية يتضمنها التأمل والاستعادة التوثيقية لتجارب الماضي، مقابل الكتّاب الذين يحددون على نحو مباشر قوائم من الإرشادات الحاسمة، التي تقرر ما يمكن اعتباره خلاصة الخبرة الروائية.
ويضيف “نصائح النوع الثاني بشكل عام لا تمثل -حتى مع ارتفاع نبرة القانون البديهي الذي تقصّد حماية هذه النصائح- سوى ذخيرة من الفرضيات الملهمة. احتمالات قابلة للتحول إلى ترتيبات إيجابية نحو تحقيق انتصار ما. أتصوّر أن الخطوات الأولى في حياة الروائي هي أكثر الأزمنة الملائمة لخلق هذه العلاقة بين إجابات تدّعي الصلابة والقدرة على تخطي الألم، والاستفهامات المرتبكة التي تحاول الوصول إلى نوع راسخ من اليقينيات. لكن النصائح تعطي أحيانا ما يشبه الطمأنينة الجمالية الناجمة عن اكتشاف قدر من التطابق أو المشابهة بين الرهانات السردية عند روائي وآخر، إلى درجة من الاتحاد بين أفكار وقناعات خاصة ارتبطت بحالة كتابة معينة، وهواجس وانحيازات شكلت وقائع حقيقية لكتابة أنجزها وعي مختلف”.
يتابع رزق “التآلف المرتفع فوق الحدود النمطية، حيث متعة التأكد من أنك لست وحدك داخل المتاهات المنعزلة، لكن الانسجام مع تاريخ ما لأحد الكتّاب الذين أثبتت معرفة اختياراته الروائية صواب المنطق الذي تولى تشييد عالمه السردي، هذا الانسجام ينبغي أن يتضاءل أمام التحرر من النصائح حتى تلك التي كان بوسعها أن تمنح الغنائم الثمينة عند مواجهة المآزق، وتجاوز التوجيهات حتى تلك التي سبق أن استطاعت توفير الثقة في صحة الاختيارات، وسلامة الرؤية. وربما من أسوأ ما يمكن أن يرتكبه الكاتب هو القمع الذاتي الذي يتصدّى من خلاله لابتكار ضروري استجابة لتنبيه صارم مصاغ كنصيحة، من روائي ما”.
ويعتبر الروائي أن التنازل عن لعبة شخصية في مسودته كخضوع أعمى لتحذير أحد الروائيين من منتجي التعليمات المستندة إلى رصيدهم الكتابي هو أمر سلطوي. ويتذكر رزق جزءا مما كتبه عن كتاب “لماذا نكتب؟” حيث يرى القيمة الجوهرية لتلك الخلاصات تنبع من كونها احتمالات داعمة للمواساة الضرورية أحيانا، ولعزاء يستند إلى قرائن دامغة للتشارك في تفاصيل دقيقة من هموم عامة. لكن المواساة في أنجح الأحوال لا تمحو الألم، كما يقول ضيفنا، وإنما يمكنها المساعدة على التحرر من حصاره اللحظي.
ويوضح قائلا “لا يوفر العزاء تحصينا ضدّ الأذى، ولكنه يفتح بابا مغلقا للنظر من خلاله إلى سماء أبعد حيث تحلق سكينة ما. لذا على الرغم من تلك الأصوات المتعددة التي تخبرك طوال الوقت بأنك لست وحدك في هذه الورطة، فإن الشعور بالاختناق ربما يظل محتفظا ببداهته العمياء، التي لا تخفت حتى مع مرور الزمن عند رصد الاضطراب السردي في عملك (الأخطاء والتكرار)، وعدم قبول قارئ ما لكتابتك (جحيمك الذي لا يمتع الآخرين)، ومحاولات النقاد لقتلك (كيف تجرؤ على الكتابة هكذا؟)؛ مزيج من الندم والغضب والسأم الذي يغرقك كل مرة وكأنه جرحك الأول، ربما لأن كل كتابة ستبقى في الواقع كأنها كتابة أولى تختبر الإجابات، وتستجوب الحقائق، وتراوغ اليقينيات، وتحاكم العقائد”.
من جهته يرى الروائي والناقد المغربي إبراهيم الحجري أنه لا بدّ من الاعتراف بكون التنظير ليس هو معايشة التجربة. ويؤكد أن الحديث عن الظاهرة من بعيد أسهل من تجريبها بكثير. لذلك، فحتى لو كانت الكتب المنظرة للكتابة وأساليبها وإمكاناتها المتعددة، مفيدة للغاية في تأطير ورشات للصغار والكبار، فهي غير مجدية في صنع كاتب أو خلق مبدع في أي مجال. ويمكن القياس على ذلك في مجال الكتابة الروائية.
لا تبحث عن شيء لتكتبه، لا يوجد ما يصلح للكتابة أصلا، ما عليك سوى أن تجلس أمام طابعتك وتنزف، هكذا يتندر هيمنغواي مجيبا من يسأله عن الكتابة؛ يتندر أو يتلاعب أو يجيب بصدق تامّ. وفعلا لا أدري من هو المؤهل للإجابة وإسداء النصيحة، هل هو أديب شاب، أم خبير نقد ومراجعة
ويضيف “هل بمجرد ما يطلع شاب طموح على كتاب غابرييل غارسيا ماركيز «كيف تكتب الرواية؟» مثلا أو غيره سيصبح روائيا ناجحا؟ إني أرى غير ذلك والسبب يعود إلى شيئين متلازمين: أولهما أن المنظر لا يعرض سوى تجربة شخصية تتلاءم مع خصوصياته النفسية والاجتماعية، وهاته التجربة لا تعني أي أحد آخر غيره، وثانيا أن هذه الكتب تستعرض تقنيات مجردة، والرواية ليست أدوات وخططا وتقنيات فحسب، بل هي عالم متداخل من التجارب والمقروء والمعيش؛ فالروائي يستبطن كل هذه المواد والخامات ويحولها إلى سرد تخييلي دافق بالمعرفة والحركة والمعاني، انسجاما مع ذائقته”.
يتابع الحجري “الملاحظ أنه ظهر جيل جديد لا يؤمن بالموهبة والذكاء الفني، لذلك برزت الكتابة الروائية التي تستند إلى التكنيك والتجريب واستعراض العضلات في لوْي عنق الحكاية، اعتمادا على هذه الكتب وغيرها. فغابت، بالتالي، متعة الحكي وسحر الحكاية. ولو كانت المعرفة بأساليب الصوغ، وطرق الكتابة الروائية، وتشكل عوالمها وغيرها من التقنيات كفيلة بخلق روائي ناجح، لكان أقل النقاد حنكة أقدر على إنتاج نص روائي. والحال يصح مع العكس، فهناك روائيون فازوا بجوائز عالمية كبرى، كتبوا نصوصا خالدة، بالرغم من كونهم لا يعرفون حتى معنى حكاية أو سرد أو شخصية أو تبئير المعرفة بهاته الأشياء، وذلك باعتراف الكثير من الروائيين الكبار بأن نصائح كتابة الرواية وأحكامها تقيد الموهبة، وتخنق أفق تحررها وانسيابها. لذلك، أرى أن هذه الكتب على أهميتها تقرأ للاستئناس، ويستند إليها في تأطير بعض الورشات وإفادة النشء في ما يخص بعض المبادئ والمفاهيم”.
ويقول الروائي العراقي مرتضى كزار “لا تبحث عن شيء لتكتبه، لا يوجد ما يصلح للكتابة أصلا، ما عليك سوى أن تجلس أمام طابعتك وتنزف، هكذا يتندر هيمنغواي مجيبا من يسأله عن الكتابة؛ يتندر أو يتلاعب أو يجيب بصدق تامّ. وفعلا لا أدري من هو المؤهل للإجابة وإسداء النصيحة، هل هو أديب شاب، أم خبير نقد ومراجعة، أم روائي رائد ومخضرم؟ لا يمكن الحصول على تعاليم الكتابة وأعرافها من صبي يبيع كلينكس في مفترق طرق، قد تتشابه الوصفات إذا كانت شكلا أو تقنية خارجية، وتتداخل وتتشابه وتعرض نفسها للطالبين وأصحاب القدرات التركيبية والمواهب الضعيفة، لكن عامل الجهد المقترن بالموهبة هو الفائز”.
يتابع “الذوات المهمومة والمثقفة تصدّ أي نصيحة تهجم على خلوة الإبداع، تطردها وتخونها. لقد كتبوا كثيرا عن الأسرار الخاصة، وحاولوا إفشاء سرّ الكتابة المتفشي أصلا، ثم تحدثوا عن نصائح الإثارة والتعلق والشدّ، ولو كانت نصائح حقيقية لما تخلّى عنها صاحبها كما تقول الحكمة. من ناحية أخرى فإن سرّ الاحتفاظ بالقارئ موضوع صعب، في عالم مرهون بالقضايا وليس بالمضامين بشكل خاص، فقراء المضامين لا يحتاجون غالبا إلى منشطات ومحطات ترفيهية خلال الطريق، بعد ذلك سنحدد أيّ قارئ نسعى للاحتفاظ به. لكن بما أننا داخل نظام ينتمي بشكل ما إلى عالم الإمتاع، فهناك ما يمكن الحرص عليه في ما يخص الاحتفاظ بالقارئ، لأننا في النهاية نعمل وفق قواعد تداول الكتاب والكتابة وأنظمتها”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.