مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية يحيي ذكرى وفاة العالم الكبير الشيخ مصطفى المراغي    سعر الدولار اليوم السبت 23-8-2025 في البنوك    قفزة في سعر الذهب اليوم.. وعيار 21 يقفز 40 جنيهًا ويسجل 4580 للجرام    وزير الزراعة يترأس اجتماع مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعى    القاهرة الإخبارية: طيران الاحتلال يقصف المناطق الشرقية لمدينة غزة    "يونيسيف" تطالب إسرائيل بالسماح بدخول المساعدات بالكميات اللازمة لغزة    مواعيد مباريات اليوم.. مان سيتي أمام توتنهام وليفانتي مع برشلونة    مستشفى الأهلى.. 6 لاعبين خارج الخدمة فى مباراة غزل المحلة بسبب الإصابة    فتح باب التسجيل فى الجمعية العمومية العادية للإسماعيلى    الطقس اليوم.. ارتفاع طفيف ومؤقت فى درجات الحرارة والعظمى بالقاهرة 38 درجة    طلاب الثانوية العامة للدور الثاني يؤدون امتحان الأحياء والاحصاء والرياضيات    أحمد جمال وفتحى سلامة ومحمود التهامى يختتمون حفلات مهرجان القلعة اليوم    ثلاثة أفلام جديدة فى الطريق.. سلمى أبو ضيف تنتعش سينمائيا    ما أسباب استجابة الدعاء؟.. واعظة بالأزهر تجيب    جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية شاملة بالحوامدية بالتعاون مع التحالف الوطنى    بالأسماء.. إصابة 5 أشخاص في تصادم سيارتين بصحراوي قنا    السجن المشدد 15 سنة لسباك قتل جاره في الجمالية    حبس سائق بتهمة الاستيلاء على سيارة محملة بحقائب وأموال بالسلام    طلقات تحذيرية على الحدود بين الكوريتين ترفع حدة التوتر    استئناف مباريات الجولة الأولى بدوري المحترفين    شيرين عبد الوهاب تكشف حقيقة عودتها لحسام حبيب    تحقيق استقصائى يكتبه حافظ الشاعر عن : بين "الحصة" والبطالة.. تخبط وزارة التعليم المصرية في ملف تعيين المعلمين    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : إلى أين!?    الأوقاف: «صحح مفاهيمك» تتوسع إلى مراكز الشباب وقصور الثقافة    حملة «100 يوم صحة» تقدّم 59 مليون خدمة طبية مجانية خلال 38 يومًا    لحماية صحتك.. شروط يجب اتباعها عند شراء منتجات الألبان    3 وفيات ومصاب في حادث تصادم مروّع على طريق أسيوط الزراعي    أسعار الفراخ اليوم السبت 23-8-2025 فى أسواق محافظة المنوفية    الطماطم ب7 جنيهات والليمون ب15.. أسعار الخضراوات والفواكه بكفر الشيخ اليوم    أسعار المأكولات البحرية والجمبري اليوم السبت 23-8-2025 في محافظة قنا    استشهاد 19 فلسطينيا إثر قصف إسرائيل خيام النازحين بخان يونس ومخيم المغازي    الأمم المتحدة: نصف مليون شخص بغزة محاصرون فى مجاعة    «الإفتاء» تستطلع هلال شهر ربيع الأول اليوم    حسن الخاتمة.. وفاة معتمر أقصري أثناء أدائه مناسك الحج    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 23-8-2025 في محافظة قنا    تفاصيل وأسباب تفتيش منزل مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق جون بولتون    وزارة الخارجية الروسية تكشف عدد المواطنين الروس المتبقين في غزة    تعرف على أسعار السكر والزيت واللحوم بالمجمعات الإستهلاكية    تنسيق الجامعات 2025| مواعيد فتح موقع التنسيق لطلاب الشهادات المعادلة    مهاجر التيك توك «الأفغاني» يقدم نصائح لقتل الزوجات وتجنب العقوبة    45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. السبت 23 أغسطس 2025    هل يحق لمكتسبي الجنسية المصرية مباشرة الحقوق السياسية؟ القانون يجيب    سيف الإسلام القذافي يعلن دعمه لتشكيل حكومة جديدة في ليبيا    إنقاذ حياة مريض بعمل شق حنجري بمستشفى الجامعي بالمنوفية    ملف يلا كورة.. خطة انتخابات الأهلي.. رسائل الزمالك.. واعتماد لجنة الحكام    كأس السوبر السعودي.. هونج كونج ترغب في استضافة النسخة المقبلة    نوال الزغبي: ضحيت بالفن من أجل حماية أولادي بعد الطلاق    شريف حافظ: الحب هو المعنى في حد ذاته ولا يقبل التفسير... والنجاح مسؤولية يجب أن أكون مستعدًا لها    عميد تجارة القاهرة الأسبق: الجامعات الحكومية ما زالت الأفضل.. وهذه أسباب تفضيل البعض للخاصة    تنسيق دبلوم التجارة 2025.. قائمة الكليات والمعاهد المتاحة لطلاب 3 سنوات «رابط وموعد التسجيل»    سهير جودة عن شيرين عبدالوهاب وحسام حبيب: «انفصال وعودة مزمنة.. متى تعود إلينا؟»    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه بحماس    بعثة منتخب مصر للناشئين تؤدي مناسك العمرة عقب مواجهة السعودية    التعليم تطلق دورات تدريبية لمعلمي الابتدائي على المناهج المطورة عبر منصة (CPD)    رسميا.. مدرسة صناعة الطائرات تعلن قوائم القبول للعام الدراسي الجديد 2025/ 2026    3 أبراج على موعد مع التفاؤل اليوم: عالم جديد يفتح الباب أمامهم ويتلقون أخبارا مشجعة    مصدر ليلا كورة: كهربا وقع عقدا مع القادسية الكويتي    صحة المنوفية تواصل حملاتها بسرس الليان لضمان خدمات طبية آمنة وذات جودة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل يمكن للوصفات التي تنظر للكتابة أن تصنع كاتبا ؟
نشر في صوت البلد يوم 27 - 04 - 2016

هناك قصة شهيرة لأبي نواس حين استأذن خلفًا الأحمر في نظم الشعر، فطالبه بأن يحفظ ألف بيت، وما إن حفظها حتى طالبه بأن ينساها، ثم ينظم من بعد ذلك شعرا. يستدل بهذه القصة على إمكانية تعلم الأدب، لكن هل فعلا أن تلك القاعدة هي التي صنعت من أبي نواس علما من أعلام الشعر العربي. ونفس الأمر ينطبق على كتابة الرواية اليوم. “العرب” طرحت السؤال على روائيين عرب لمعرفة آرائهم حول نصائح الكتابة الروائية.
يتفق العديد على أنه ليس هناك وصفة جاهزة لكتابة رواية، ولكن هل النصائح الروائية التي يقدمها روائيون مشاهير لهم كتب مترجمة بلغات مختلفة وقراء على امتداد الجغرافيا تسهم في صنع روائيين أيضا بنفس الكفاءة، هل الاحتفاظ بالقارئ طيلة العمل الروائي قد يمكّن من تدريسه سر الكتابة، رغم أن مهمة كتابة “رواية” ليست سهلة؟
هل بقراءة كتاب “رسائل إلى روائي شاب” لفارغاس يوسا، أو “كيف تكتب الرواية” لماركيز، أو”كيف تكتب رواية في 100 يوم أو أقل” لجون كوين، تكفي لكتابة رواية ناجحة؟
يقول الروائي الليبي إبراهيم عثمونة “في تصوري الكتابة استمتاع قبل أيّ شيء آخر، والكاتب لحظة الكتابة هو في الواقع يستمتع بعرض فكرته على نفسه، ولا يستهدف إمتاع المتلقي. ومن خلال تجربتي القصيرة لا أذكر مرة أنني أحسستُ بوجود متلق يجلس إلى جانبي وأكتب له، بل أنا معزول تماما عن المحيط وغارق في ذاتي. لذلك السبب أنا من صنف الذين إن كتبوا كتبوا بلا سؤال وبلا كيف وبلا تفكير، إلى الحد الذي يكون فيه قلمي لا ينظر إلا أمامه حتى لمسافة سطر واحد.
يوضح الروائي المصري ممدوح رزق أن التفكير في نصائح الكتابة يدفعه إلى التمييز بين نوعين من الكتّاب؛ الذين تتخذ نصائحهم طبيعة إيحائية يتضمنها التأمل والاستعادة التوثيقية لتجارب الماضي، مقابل الكتّاب الذين يحددون على نحو مباشر قوائم من الإرشادات الحاسمة، التي تقرر ما يمكن اعتباره خلاصة الخبرة الروائية.
ويضيف “نصائح النوع الثاني بشكل عام لا تمثل -حتى مع ارتفاع نبرة القانون البديهي الذي تقصّد حماية هذه النصائح- سوى ذخيرة من الفرضيات الملهمة. احتمالات قابلة للتحول إلى ترتيبات إيجابية نحو تحقيق انتصار ما. أتصوّر أن الخطوات الأولى في حياة الروائي هي أكثر الأزمنة الملائمة لخلق هذه العلاقة بين إجابات تدّعي الصلابة والقدرة على تخطي الألم، والاستفهامات المرتبكة التي تحاول الوصول إلى نوع راسخ من اليقينيات. لكن النصائح تعطي أحيانا ما يشبه الطمأنينة الجمالية الناجمة عن اكتشاف قدر من التطابق أو المشابهة بين الرهانات السردية عند روائي وآخر، إلى درجة من الاتحاد بين أفكار وقناعات خاصة ارتبطت بحالة كتابة معينة، وهواجس وانحيازات شكلت وقائع حقيقية لكتابة أنجزها وعي مختلف”.
يتابع رزق “التآلف المرتفع فوق الحدود النمطية، حيث متعة التأكد من أنك لست وحدك داخل المتاهات المنعزلة، لكن الانسجام مع تاريخ ما لأحد الكتّاب الذين أثبتت معرفة اختياراته الروائية صواب المنطق الذي تولى تشييد عالمه السردي، هذا الانسجام ينبغي أن يتضاءل أمام التحرر من النصائح حتى تلك التي كان بوسعها أن تمنح الغنائم الثمينة عند مواجهة المآزق، وتجاوز التوجيهات حتى تلك التي سبق أن استطاعت توفير الثقة في صحة الاختيارات، وسلامة الرؤية. وربما من أسوأ ما يمكن أن يرتكبه الكاتب هو القمع الذاتي الذي يتصدّى من خلاله لابتكار ضروري استجابة لتنبيه صارم مصاغ كنصيحة، من روائي ما”.
ويعتبر الروائي أن التنازل عن لعبة شخصية في مسودته كخضوع أعمى لتحذير أحد الروائيين من منتجي التعليمات المستندة إلى رصيدهم الكتابي هو أمر سلطوي. ويتذكر رزق جزءا مما كتبه عن كتاب “لماذا نكتب؟” حيث يرى القيمة الجوهرية لتلك الخلاصات تنبع من كونها احتمالات داعمة للمواساة الضرورية أحيانا، ولعزاء يستند إلى قرائن دامغة للتشارك في تفاصيل دقيقة من هموم عامة. لكن المواساة في أنجح الأحوال لا تمحو الألم، كما يقول ضيفنا، وإنما يمكنها المساعدة على التحرر من حصاره اللحظي.
ويوضح قائلا “لا يوفر العزاء تحصينا ضدّ الأذى، ولكنه يفتح بابا مغلقا للنظر من خلاله إلى سماء أبعد حيث تحلق سكينة ما. لذا على الرغم من تلك الأصوات المتعددة التي تخبرك طوال الوقت بأنك لست وحدك في هذه الورطة، فإن الشعور بالاختناق ربما يظل محتفظا ببداهته العمياء، التي لا تخفت حتى مع مرور الزمن عند رصد الاضطراب السردي في عملك (الأخطاء والتكرار)، وعدم قبول قارئ ما لكتابتك (جحيمك الذي لا يمتع الآخرين)، ومحاولات النقاد لقتلك (كيف تجرؤ على الكتابة هكذا؟)؛ مزيج من الندم والغضب والسأم الذي يغرقك كل مرة وكأنه جرحك الأول، ربما لأن كل كتابة ستبقى في الواقع كأنها كتابة أولى تختبر الإجابات، وتستجوب الحقائق، وتراوغ اليقينيات، وتحاكم العقائد”.
من جهته يرى الروائي والناقد المغربي إبراهيم الحجري أنه لا بدّ من الاعتراف بكون التنظير ليس هو معايشة التجربة. ويؤكد أن الحديث عن الظاهرة من بعيد أسهل من تجريبها بكثير. لذلك، فحتى لو كانت الكتب المنظرة للكتابة وأساليبها وإمكاناتها المتعددة، مفيدة للغاية في تأطير ورشات للصغار والكبار، فهي غير مجدية في صنع كاتب أو خلق مبدع في أي مجال. ويمكن القياس على ذلك في مجال الكتابة الروائية.
لا تبحث عن شيء لتكتبه، لا يوجد ما يصلح للكتابة أصلا، ما عليك سوى أن تجلس أمام طابعتك وتنزف، هكذا يتندر هيمنغواي مجيبا من يسأله عن الكتابة؛ يتندر أو يتلاعب أو يجيب بصدق تامّ. وفعلا لا أدري من هو المؤهل للإجابة وإسداء النصيحة، هل هو أديب شاب، أم خبير نقد ومراجعة
ويضيف “هل بمجرد ما يطلع شاب طموح على كتاب غابرييل غارسيا ماركيز «كيف تكتب الرواية؟» مثلا أو غيره سيصبح روائيا ناجحا؟ إني أرى غير ذلك والسبب يعود إلى شيئين متلازمين: أولهما أن المنظر لا يعرض سوى تجربة شخصية تتلاءم مع خصوصياته النفسية والاجتماعية، وهاته التجربة لا تعني أي أحد آخر غيره، وثانيا أن هذه الكتب تستعرض تقنيات مجردة، والرواية ليست أدوات وخططا وتقنيات فحسب، بل هي عالم متداخل من التجارب والمقروء والمعيش؛ فالروائي يستبطن كل هذه المواد والخامات ويحولها إلى سرد تخييلي دافق بالمعرفة والحركة والمعاني، انسجاما مع ذائقته”.
يتابع الحجري “الملاحظ أنه ظهر جيل جديد لا يؤمن بالموهبة والذكاء الفني، لذلك برزت الكتابة الروائية التي تستند إلى التكنيك والتجريب واستعراض العضلات في لوْي عنق الحكاية، اعتمادا على هذه الكتب وغيرها. فغابت، بالتالي، متعة الحكي وسحر الحكاية. ولو كانت المعرفة بأساليب الصوغ، وطرق الكتابة الروائية، وتشكل عوالمها وغيرها من التقنيات كفيلة بخلق روائي ناجح، لكان أقل النقاد حنكة أقدر على إنتاج نص روائي. والحال يصح مع العكس، فهناك روائيون فازوا بجوائز عالمية كبرى، كتبوا نصوصا خالدة، بالرغم من كونهم لا يعرفون حتى معنى حكاية أو سرد أو شخصية أو تبئير المعرفة بهاته الأشياء، وذلك باعتراف الكثير من الروائيين الكبار بأن نصائح كتابة الرواية وأحكامها تقيد الموهبة، وتخنق أفق تحررها وانسيابها. لذلك، أرى أن هذه الكتب على أهميتها تقرأ للاستئناس، ويستند إليها في تأطير بعض الورشات وإفادة النشء في ما يخص بعض المبادئ والمفاهيم”.
ويقول الروائي العراقي مرتضى كزار “لا تبحث عن شيء لتكتبه، لا يوجد ما يصلح للكتابة أصلا، ما عليك سوى أن تجلس أمام طابعتك وتنزف، هكذا يتندر هيمنغواي مجيبا من يسأله عن الكتابة؛ يتندر أو يتلاعب أو يجيب بصدق تامّ. وفعلا لا أدري من هو المؤهل للإجابة وإسداء النصيحة، هل هو أديب شاب، أم خبير نقد ومراجعة، أم روائي رائد ومخضرم؟ لا يمكن الحصول على تعاليم الكتابة وأعرافها من صبي يبيع كلينكس في مفترق طرق، قد تتشابه الوصفات إذا كانت شكلا أو تقنية خارجية، وتتداخل وتتشابه وتعرض نفسها للطالبين وأصحاب القدرات التركيبية والمواهب الضعيفة، لكن عامل الجهد المقترن بالموهبة هو الفائز”.
يتابع “الذوات المهمومة والمثقفة تصدّ أي نصيحة تهجم على خلوة الإبداع، تطردها وتخونها. لقد كتبوا كثيرا عن الأسرار الخاصة، وحاولوا إفشاء سرّ الكتابة المتفشي أصلا، ثم تحدثوا عن نصائح الإثارة والتعلق والشدّ، ولو كانت نصائح حقيقية لما تخلّى عنها صاحبها كما تقول الحكمة. من ناحية أخرى فإن سرّ الاحتفاظ بالقارئ موضوع صعب، في عالم مرهون بالقضايا وليس بالمضامين بشكل خاص، فقراء المضامين لا يحتاجون غالبا إلى منشطات ومحطات ترفيهية خلال الطريق، بعد ذلك سنحدد أيّ قارئ نسعى للاحتفاظ به. لكن بما أننا داخل نظام ينتمي بشكل ما إلى عالم الإمتاع، فهناك ما يمكن الحرص عليه في ما يخص الاحتفاظ بالقارئ، لأننا في النهاية نعمل وفق قواعد تداول الكتاب والكتابة وأنظمتها”.
هناك قصة شهيرة لأبي نواس حين استأذن خلفًا الأحمر في نظم الشعر، فطالبه بأن يحفظ ألف بيت، وما إن حفظها حتى طالبه بأن ينساها، ثم ينظم من بعد ذلك شعرا. يستدل بهذه القصة على إمكانية تعلم الأدب، لكن هل فعلا أن تلك القاعدة هي التي صنعت من أبي نواس علما من أعلام الشعر العربي. ونفس الأمر ينطبق على كتابة الرواية اليوم. “العرب” طرحت السؤال على روائيين عرب لمعرفة آرائهم حول نصائح الكتابة الروائية.
يتفق العديد على أنه ليس هناك وصفة جاهزة لكتابة رواية، ولكن هل النصائح الروائية التي يقدمها روائيون مشاهير لهم كتب مترجمة بلغات مختلفة وقراء على امتداد الجغرافيا تسهم في صنع روائيين أيضا بنفس الكفاءة، هل الاحتفاظ بالقارئ طيلة العمل الروائي قد يمكّن من تدريسه سر الكتابة، رغم أن مهمة كتابة “رواية” ليست سهلة؟
هل بقراءة كتاب “رسائل إلى روائي شاب” لفارغاس يوسا، أو “كيف تكتب الرواية” لماركيز، أو”كيف تكتب رواية في 100 يوم أو أقل” لجون كوين، تكفي لكتابة رواية ناجحة؟
يقول الروائي الليبي إبراهيم عثمونة “في تصوري الكتابة استمتاع قبل أيّ شيء آخر، والكاتب لحظة الكتابة هو في الواقع يستمتع بعرض فكرته على نفسه، ولا يستهدف إمتاع المتلقي. ومن خلال تجربتي القصيرة لا أذكر مرة أنني أحسستُ بوجود متلق يجلس إلى جانبي وأكتب له، بل أنا معزول تماما عن المحيط وغارق في ذاتي. لذلك السبب أنا من صنف الذين إن كتبوا كتبوا بلا سؤال وبلا كيف وبلا تفكير، إلى الحد الذي يكون فيه قلمي لا ينظر إلا أمامه حتى لمسافة سطر واحد.
يوضح الروائي المصري ممدوح رزق أن التفكير في نصائح الكتابة يدفعه إلى التمييز بين نوعين من الكتّاب؛ الذين تتخذ نصائحهم طبيعة إيحائية يتضمنها التأمل والاستعادة التوثيقية لتجارب الماضي، مقابل الكتّاب الذين يحددون على نحو مباشر قوائم من الإرشادات الحاسمة، التي تقرر ما يمكن اعتباره خلاصة الخبرة الروائية.
ويضيف “نصائح النوع الثاني بشكل عام لا تمثل -حتى مع ارتفاع نبرة القانون البديهي الذي تقصّد حماية هذه النصائح- سوى ذخيرة من الفرضيات الملهمة. احتمالات قابلة للتحول إلى ترتيبات إيجابية نحو تحقيق انتصار ما. أتصوّر أن الخطوات الأولى في حياة الروائي هي أكثر الأزمنة الملائمة لخلق هذه العلاقة بين إجابات تدّعي الصلابة والقدرة على تخطي الألم، والاستفهامات المرتبكة التي تحاول الوصول إلى نوع راسخ من اليقينيات. لكن النصائح تعطي أحيانا ما يشبه الطمأنينة الجمالية الناجمة عن اكتشاف قدر من التطابق أو المشابهة بين الرهانات السردية عند روائي وآخر، إلى درجة من الاتحاد بين أفكار وقناعات خاصة ارتبطت بحالة كتابة معينة، وهواجس وانحيازات شكلت وقائع حقيقية لكتابة أنجزها وعي مختلف”.
يتابع رزق “التآلف المرتفع فوق الحدود النمطية، حيث متعة التأكد من أنك لست وحدك داخل المتاهات المنعزلة، لكن الانسجام مع تاريخ ما لأحد الكتّاب الذين أثبتت معرفة اختياراته الروائية صواب المنطق الذي تولى تشييد عالمه السردي، هذا الانسجام ينبغي أن يتضاءل أمام التحرر من النصائح حتى تلك التي كان بوسعها أن تمنح الغنائم الثمينة عند مواجهة المآزق، وتجاوز التوجيهات حتى تلك التي سبق أن استطاعت توفير الثقة في صحة الاختيارات، وسلامة الرؤية. وربما من أسوأ ما يمكن أن يرتكبه الكاتب هو القمع الذاتي الذي يتصدّى من خلاله لابتكار ضروري استجابة لتنبيه صارم مصاغ كنصيحة، من روائي ما”.
ويعتبر الروائي أن التنازل عن لعبة شخصية في مسودته كخضوع أعمى لتحذير أحد الروائيين من منتجي التعليمات المستندة إلى رصيدهم الكتابي هو أمر سلطوي. ويتذكر رزق جزءا مما كتبه عن كتاب “لماذا نكتب؟” حيث يرى القيمة الجوهرية لتلك الخلاصات تنبع من كونها احتمالات داعمة للمواساة الضرورية أحيانا، ولعزاء يستند إلى قرائن دامغة للتشارك في تفاصيل دقيقة من هموم عامة. لكن المواساة في أنجح الأحوال لا تمحو الألم، كما يقول ضيفنا، وإنما يمكنها المساعدة على التحرر من حصاره اللحظي.
ويوضح قائلا “لا يوفر العزاء تحصينا ضدّ الأذى، ولكنه يفتح بابا مغلقا للنظر من خلاله إلى سماء أبعد حيث تحلق سكينة ما. لذا على الرغم من تلك الأصوات المتعددة التي تخبرك طوال الوقت بأنك لست وحدك في هذه الورطة، فإن الشعور بالاختناق ربما يظل محتفظا ببداهته العمياء، التي لا تخفت حتى مع مرور الزمن عند رصد الاضطراب السردي في عملك (الأخطاء والتكرار)، وعدم قبول قارئ ما لكتابتك (جحيمك الذي لا يمتع الآخرين)، ومحاولات النقاد لقتلك (كيف تجرؤ على الكتابة هكذا؟)؛ مزيج من الندم والغضب والسأم الذي يغرقك كل مرة وكأنه جرحك الأول، ربما لأن كل كتابة ستبقى في الواقع كأنها كتابة أولى تختبر الإجابات، وتستجوب الحقائق، وتراوغ اليقينيات، وتحاكم العقائد”.
من جهته يرى الروائي والناقد المغربي إبراهيم الحجري أنه لا بدّ من الاعتراف بكون التنظير ليس هو معايشة التجربة. ويؤكد أن الحديث عن الظاهرة من بعيد أسهل من تجريبها بكثير. لذلك، فحتى لو كانت الكتب المنظرة للكتابة وأساليبها وإمكاناتها المتعددة، مفيدة للغاية في تأطير ورشات للصغار والكبار، فهي غير مجدية في صنع كاتب أو خلق مبدع في أي مجال. ويمكن القياس على ذلك في مجال الكتابة الروائية.
لا تبحث عن شيء لتكتبه، لا يوجد ما يصلح للكتابة أصلا، ما عليك سوى أن تجلس أمام طابعتك وتنزف، هكذا يتندر هيمنغواي مجيبا من يسأله عن الكتابة؛ يتندر أو يتلاعب أو يجيب بصدق تامّ. وفعلا لا أدري من هو المؤهل للإجابة وإسداء النصيحة، هل هو أديب شاب، أم خبير نقد ومراجعة
ويضيف “هل بمجرد ما يطلع شاب طموح على كتاب غابرييل غارسيا ماركيز «كيف تكتب الرواية؟» مثلا أو غيره سيصبح روائيا ناجحا؟ إني أرى غير ذلك والسبب يعود إلى شيئين متلازمين: أولهما أن المنظر لا يعرض سوى تجربة شخصية تتلاءم مع خصوصياته النفسية والاجتماعية، وهاته التجربة لا تعني أي أحد آخر غيره، وثانيا أن هذه الكتب تستعرض تقنيات مجردة، والرواية ليست أدوات وخططا وتقنيات فحسب، بل هي عالم متداخل من التجارب والمقروء والمعيش؛ فالروائي يستبطن كل هذه المواد والخامات ويحولها إلى سرد تخييلي دافق بالمعرفة والحركة والمعاني، انسجاما مع ذائقته”.
يتابع الحجري “الملاحظ أنه ظهر جيل جديد لا يؤمن بالموهبة والذكاء الفني، لذلك برزت الكتابة الروائية التي تستند إلى التكنيك والتجريب واستعراض العضلات في لوْي عنق الحكاية، اعتمادا على هذه الكتب وغيرها. فغابت، بالتالي، متعة الحكي وسحر الحكاية. ولو كانت المعرفة بأساليب الصوغ، وطرق الكتابة الروائية، وتشكل عوالمها وغيرها من التقنيات كفيلة بخلق روائي ناجح، لكان أقل النقاد حنكة أقدر على إنتاج نص روائي. والحال يصح مع العكس، فهناك روائيون فازوا بجوائز عالمية كبرى، كتبوا نصوصا خالدة، بالرغم من كونهم لا يعرفون حتى معنى حكاية أو سرد أو شخصية أو تبئير المعرفة بهاته الأشياء، وذلك باعتراف الكثير من الروائيين الكبار بأن نصائح كتابة الرواية وأحكامها تقيد الموهبة، وتخنق أفق تحررها وانسيابها. لذلك، أرى أن هذه الكتب على أهميتها تقرأ للاستئناس، ويستند إليها في تأطير بعض الورشات وإفادة النشء في ما يخص بعض المبادئ والمفاهيم”.
ويقول الروائي العراقي مرتضى كزار “لا تبحث عن شيء لتكتبه، لا يوجد ما يصلح للكتابة أصلا، ما عليك سوى أن تجلس أمام طابعتك وتنزف، هكذا يتندر هيمنغواي مجيبا من يسأله عن الكتابة؛ يتندر أو يتلاعب أو يجيب بصدق تامّ. وفعلا لا أدري من هو المؤهل للإجابة وإسداء النصيحة، هل هو أديب شاب، أم خبير نقد ومراجعة، أم روائي رائد ومخضرم؟ لا يمكن الحصول على تعاليم الكتابة وأعرافها من صبي يبيع كلينكس في مفترق طرق، قد تتشابه الوصفات إذا كانت شكلا أو تقنية خارجية، وتتداخل وتتشابه وتعرض نفسها للطالبين وأصحاب القدرات التركيبية والمواهب الضعيفة، لكن عامل الجهد المقترن بالموهبة هو الفائز”.
يتابع “الذوات المهمومة والمثقفة تصدّ أي نصيحة تهجم على خلوة الإبداع، تطردها وتخونها. لقد كتبوا كثيرا عن الأسرار الخاصة، وحاولوا إفشاء سرّ الكتابة المتفشي أصلا، ثم تحدثوا عن نصائح الإثارة والتعلق والشدّ، ولو كانت نصائح حقيقية لما تخلّى عنها صاحبها كما تقول الحكمة. من ناحية أخرى فإن سرّ الاحتفاظ بالقارئ موضوع صعب، في عالم مرهون بالقضايا وليس بالمضامين بشكل خاص، فقراء المضامين لا يحتاجون غالبا إلى منشطات ومحطات ترفيهية خلال الطريق، بعد ذلك سنحدد أيّ قارئ نسعى للاحتفاظ به. لكن بما أننا داخل نظام ينتمي بشكل ما إلى عالم الإمتاع، فهناك ما يمكن الحرص عليه في ما يخص الاحتفاظ بالقارئ، لأننا في النهاية نعمل وفق قواعد تداول الكتاب والكتابة وأنظمتها”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.