نموذج تجريبي لمواجهة أزمة كثافة الفصول استعدادًا للعام الدراسي الجديد في المنوفية    شهادة تقدير ودرع المحافظة.. أسوان تكرم الخامسة على الجمهورية في الثانوية الأزهرية    تنفيذي الشرقية يُناقش خطة استثمارية ب1.14 مليار جنيه لتحسين الخدمات بالمراكز والمدن    وزير البترول يلتقي وفدا رفيع المستوى من شركة شل العالمية    5 شركات تركية تدرس إنشاء مصانع للصناعات الهندسية والأجهزة المنزلية في مصر    انقسام بين قادة الاتحاد الأوروبي بعد إعلان ترامب عن الاتفاق التجاري الجديد    أطباء بلا حدود: حالات الإسهال المائي ترتفع مجددا في جميع أنحاء اليمن    «أكسيوس»: مسؤولان إسرائيليان يصلان واشنطن لبحث ملفي غزة وإيران    حجز محاكمة متهمين بوفاة لاعب كاراتيه بالإسكندرية لجلسة 22 سبتمبر للنطق بالحكم    أحمد حسن يكشف مفاجأة بشأن مستقبل حسين الشحات مع الأهلي    دون خسائر.. السيطرة على حريق بمحل مأكولات شهير في المنتزه بالإسكندرية    تكريم 30 طالبًا من أوائل الثانوية العامة في القاهرة بديوان عام المحافظة    انهيار لطيفة بالبكاء أثناء تقديم واجب العزاء ل فيروز في نجلها زياد الرحباني (فيديو)    فى يومه ال 11.. "برنامج اليوم" يتابع فعاليات مهرجان العلمين بدورته الثالثة    "فتح" تُثمن دعوة الرئيس السيسي ومواقف مصر الداعمة لفلسطين    هل ظهور المرأة بدون حجاب أمام رجل غريب ينقض الوضوء؟ الإفتاء تُجيب    هل وجود مستحضرات التجميل على وجه المرأة يُعد من الأعذار التي تبيح التيمم؟ الإفتاء تجيب    في اليوم العالمي لالتهاب الكبد.. الوشم والإبر يسببان العدوى (الأعراض وطرق الوقاية)    الحر الشديد خطر صامت.. كيف تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على القلب والدماغ؟    البحيرة: قافلة طبية مجانية بقرية الأمل وأرياف أبو المطامير ضمن جهود العدالة الصحية غدا    وثيقة لتجديد الخطاب الديني.. تفاصيل اجتماع السيسي مع مدبولي والأزهري    بنك مصر يوقع بروتوكول تعاون مع دوبيزل لدعم خدمات التمويل العقاري    طريقة عمل التورتة بمكونات بسيطة في البيت    اندلاع حريق فى أحد المطاعم بمنطقة المنتزه شرق الإسكندرية    مران خفيف للاعبي المصري غير المشاركين أمام الترجي.. وتأهيل واستشفاء للمجموعة الأساسية    عمار محمد يتوج بذهبية الكونغ فو فى دورة الألعاب الأفريقية للمدارس بالجزائر    توجيهات بترشيد استهلاك الكهرباء والمياه داخل المنشآت التابعة ل الأوقاف في شمال سيناء    موسكو تبدأ رحلات مباشرة إلى كوريا الشمالية وسط تراجع الخيارات أمام السياح الروس    ضعف المياه بشرق وغرب بسوهاج غدا لأعمال الاحلال والتجديد بالمحطة السطحية    قرارات هامة من الأعلى للإعلام ل 3 مواقع إخبارية بشأن مخالفة الضوابط    تجديد حبس متهم بقتل سيدة وسرقة 5700 جنيه من منزلها بالشرقية بسبب "المراهنات"    السيسي: قطاع غزة يحتاج من 600 إلى 700 شاحنة مساعدات في الإيام العادية    لمواجهة الكثافة الطلابية.. فصل تعليمي مبتكر لرياض الأطفال بالمنوفية (صور)    مهرجان الإسكندرية السينمائي يكرم فردوس عبد الحميد بدورته ال 41    البربون ب320 جنيهًا والقاروص ب450.. أسعار الأسماك والمأكولات البحرية اليوم في مطروح    وزير الأوقاف: وثِّقوا علاقتكم بأهل الصدق فى المعاملة مع الله    حملات الدائري الإقليمي تضبط 18 سائقا متعاطيا للمخدرات و1000 مخالفة مرورية    الفنان محمد رياض يودع السودانيين فى محطة مصر قبل عودتهم للسودان    ينطلق غدا.. تفاصيل الملتقى 22 لشباب المحافظات الحدودية ضمن مشروع "أهل مصر"    ديمقراطية العصابة..انتخابات مجلس شيوخ السيسي المقاعد موزعة قبل التصويت وأحزاب المعارضة تشارك فى التمثيلية    وزير الصحة: مصر الأولى عالميا في الحصول على التصنيف الذهبي بالقضاء على فيروس سي    محافظ المنيا: إزالة 744 حالة تعدٍ على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة    على خلفية وقف راغب علامة.. حفظ شكوى "المهن الموسيقية" ضد 4 إعلاميين    السّم في العسل.. أمين الفتوى يحذر من "تطبيقات المواعدة" ولو بهدف الحصول على زواج    الشرطة التايلاندية: 4 قتلى في إطلاق نار عشوائي بالعاصمة بانكوك    المجلس الوزاري الأمني للحكومة الألمانية ينعقد اليوم لبحث التطورات المتعلقة بإسرائيل    الهلال الأحمر المصري يواصل دعمه لقطاع غزة رغم التحديات الإنسانية    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    شوبير يدافع عن طلب بيراميدز بتعديل موعد مباراته أمام وادي دجلة في الدوري    هل ستفشل صفقة بيع كوكا لاعب الأهلي لنادي قاسم باشا التركي بسبب 400 ألف دولار ؟ اعرف التفاصيل    متحدثة الهلال الأحمر الفلسطيني: 133 ضحية للمجاعة فى غزة بينهم 87 طفلًا    رئيس جامعة القاهرة يشهد تخريج الدفعة 97 من الطلاب الوافدين بكلية طب الأسنان    مفوض حقوق الإنسان يدعو لاتخاذ خطوات فورية لإنهاء الاحتلال من أراضى فلسطين    «تغير المناخ» بالزراعة يزف بشرى سارة بشأن موعد انكسار القبة الحرارية    طرائف الانتقالات الصيفية.. الزمالك وبيراميدز كشفا عن صفقتين بالخطأ (صور)    هدى المفتي تحسم الجدل وترد على أنباء ارتباطها ب أحمد مالك    بالأسماء.. 5 مصابين في انقلاب سيارة سرفيس بالبحيرة    الكرتي يترك معسكر بيراميدز ويعود للمغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فؤاد زويريق يؤرخ لوجوه من السينما المغربية
نشر في صوت البلد يوم 25 - 04 - 2016

لا بد من الاعتراف أننا لا نعرف كثيرا عن السينما المغربية، سواء أهم أفلامها أو نجومها أو مخرجيها أو حتى تاريخها، ومتى بدأت وكيف وأين، وما هو مستقبلها ..؟
ويبدو أن السينما المصرية بتاريخها وعراقتها ونجومها قد وضعت حجابا على الأعمال العربية الأخرى، على الرغم من وجود أعمال سينمائية مهمة في بلاد عربية أخرى.
من هذه البلاد تعد المملكة المغربية ذات تاريخ سينمائي حافل كشف عنه كتاب "وجوه من السينما المغربية" للكاتب فؤاد زويريق الذي صدر عن "منشورات الفوانيس السينمائية"، وقد خصص زويريق كتابه للمخرجين السينمائيين فقط، وبلغ عددهم 24 مخرجا من بينهم 4 مخرجات، منهم من أسهم في مرحلة التأسيس، ومنهم من أخذ على عاتقه استكمال الطريق رغم العقبات والعراقيل الموضوعة هنا وهناك.
يؤكد الكاتب في كلمته أنه من خلال ملاحظاته وتتبعه للمسار السينمائي بالمغرب "نجد أنفسنا ما زلنا في نقطة العبور"، وهو يظن أن التحول من مفعول إلى فاعل مازال بعيد المنال، ويظن أنه سيطول أكثر بسبب غياب استراتيجية تبنى على سياسات حازمة تدفع بهذا المجال إلى الأمام.
يقدم زويريق في كتابه بورتريهات تقييمية للمخرجين ال 24 – حسب الترتيب الهجائي أو المعجمي - "لكونهم جزءا لا يتجزأ من سينمانا الوطنية"، وهو لا يهتم في مسيرة الإخراج بالكثرة فقط، بل الأهم "هو نوعية المنتوج وتأثيره على المشاهد".
ويبدأ هذه البورتريهات بالمخرج أحمد البوعناني (1938 – 2011) الذي يظل اسمه رمزا للتكامل الإبداعي الحر النابع من أعماق شخصيته الإنسانية، والذي عرف بفيلمه الطويل المميز "السراب" إلى جانب مجموعة لا بأس بها من الأفلام القصيرة والوثائقية، وهو فضلا عن ذلك شاعر وروائي وقامة سينمائية وثقافية مغربية شامخة.
أما المخرج أحمد المعنوني فقد ارتكزت أفلامه على أسلوب جديد بعيد عن النمطية والتكرار واتجهت إلى محاولة النبش في عمق العوالم السفلى، وسينماه وثائقية بامتياز رغم تصنيف بعضها في الخانة التخيلية، وهي نقطة تحسب للمخرج كونه تفوق في دمج العنصرين معا وأعطاهما دورا عزز رؤيته الفنية. وحصل فيلمه "الحال" على أكثر من عشرين جائزة، وله أعمال أخرى مثل "عيون الخليج"، و"الخيالة المغربيون"، و"حياة وحكم محمد الخامس"، وغيرها.
المخرج حميد بناني، اجتمعت الآراء على أنه من أسَّس لانطلاقة حقيقية واحترافية للسينما المغربية بفيلمه "وشمة" 1970، وهو فيلم تكاملت عناصره وتجانست فيما بينها لتشكل أول مشروع سينمائي محترف بالمغرب، مما جعل اسم صاحبه يُكتب بماء من ذهب في السجل التاريخي للسينما المغربية.
وفيلم "وشمة" يغوص في مشاكل اجتماعية مؤلمة، ويتناول بعض السلوكيات التي كانت تسيطر على المجتمع وقت ظهوره (1970) وينقدها ويعالج سيكلوجية الطفولة وارتباطها بالمحيط والثقافة عبر بناء درامي متماسك وأسلوب سينمائي متميز أذهل النقاد آنذاك.
أما المخرج سهيل بنبركة فمن أغزر المخرجين المغاربة إنتاجا، وهو صاحب الفيلم الروائي الطويل "حرب البترول لن تحدث" وتطرق فيه إلى حرب أكتوبر 73 بين العرب والإسرائيليين والتي استخدم فيها النفط كسلاح من طرف العرب. وتقوم فكرة الفيلم على دحض الآراء والمواقف التي كانت سائدة آنذاك، والتي كانت تؤمن بجدوى هذا السلاح وتأثيره على القوى الغربية المساندة لإسرائيل، ويشير زويريق إلى أن هذا الفيلم تم منعه من العرض بالمغرب في ذلك الوقت.
المخرج عبدالله المصباحي يرى المؤلف أنه أعطى الكثير ومازال للسينما المغربية وبنى بينها وبين نظيرتها الشرقية جسرا متينا عرَّف من خلاله بالسينما والسينمائيين المغاربة وأرسى دعائم تجربته بينهما، واسمه متداول بكثرة داخل المغرب وخارجه خصوصا بالقاهرة التي احتضنته واستغلت امكاناته الإبداعية وقد أثبتت أفلامه حضورها العربي، وتقلد منصب رئيس الاتحاد السينمائي العربي بالقاهرة. ويعتبر فيلمه "أين تخبئون الشمس" 1980 من أهم الأفلام في السينما العربية حسب النقاد والمتابعين.
يقول فؤاد زويريق إن أنشطة عبدالله المصباحي لم تقصر على السينما والمسرح فقط، بل تعدتها إلى الكتابة والتأليف الأدبي الذي صبغ لديه بصبغة سينمائية عكست علاقة ثنائية جميلة بين النص والصورة، فكانت روايته "اغتصاب في مخيمات العار".
المخرج عزالعرب العلوي لمحرزي، يعتبر فيلمه "اندرومان" أول فيلم سينمائي طويل له، وقد تطرق فيه لموضوع المرأة ومعاناتها في القرى الهامشية لكن بقالب مختلف تماما عن الأفلام المغربية الأخرى التي تناولت نفس الموضوع.
المخرجة فريدة بليزيد يقول عنها زويريق إن لها خصوصية متفردة في الاشتغال إذ تحاول التطرق إلى مجموعة من الظواهر الاجتماعية والثقافية التي تهم مجتمعها في قالب رومانسي، اجتماعين شعبي، يستكشف المكان والزمان والأشخاص بموضوعية إبداعية بعيدة عن الإضافات المجانية والبهرجهة الفارغة. ومن إفلامها "كيد النسا".
أما فريدة بورقية فهي صاحبة إنتاج أول فيلم مغربي من إخراج عنصر نسوي وهو الفيلم السينمائي الطويل "الجمرة" 1982، بينما تاريخ الحركة السينمائية على يد المرأة كان في مصر عام 1927 للمخرجة عزيزة أمير التي أنتجت الفيلم الصامت "ليلى"، ثم "بنت النيل" 1929، ثم ظهرت بعد ذلك فاطمة رشدي وغيرها.
المخرج كمال كمال تجرأ على العرف السائد داخل الوسط السينمائي وانطلق في تجربته الذاتية ليعممها على كافة أعماله تقريبا، وأطلق صرختين حطمتا البناء الداخلي للفيلم المغاربي المتعارف عليه تلفزيا كان أو سينمائيا. وفيلمه الأول جاء بعنوان "طيف نزار" وفيه يكشف بصمات خفية للشاعر نزار قباني الذي يعتبره من عرّابي الحركات التحررية للمرأة العربية.
ويرى زويريق أن كمال كمال بحكم تكوينه الموسيقي - حيث درس بالمعهد الموسيقي بوجدة في الفترة ما بين 1971 و1978 - تفوق في إحداث نوع من الموسيقى الراقية داخل السينما المغربية.
أما المخرجة ليلى الكيلاني فقد حقق فيلمها الروائي الأول "على الحافة" نجاحا متميزا، وترك انطباعا طيبا لدى الجمهور والنقاد على حد سواء. وهو فيلم تتداخل فيه عوالم الإنسان بعوالم المدينة، عوالم يجمعها القهر الاجتماعي، قهر ينتج عنه خلل في توازن المجتمع، فيصبح مجتمعا قاسيا لا يرحم أبناءه.
والفيلم يحكي قصة أربع فتيات مراهقات، مررن بمرحلة اجتماعية ونفسية وفيزيولوجية صعبة، وأقمن في مدينة تمر بدورها بمرحلة جديدة من التحول الاقتصادي والاجتماعي، وهي مدينة طنجة. ويرى المؤلف أن هذا الاختيار المكاني له مغزى رمزي مرتبط بشخوص الفيلم وحالتهم الملتبسة.
ويؤكد المؤلف أن المخرج محمد عصفور (الذي رحل عام 2005) له الفضل في تأسيس اللبنة الأولى للسينما المغربية إذ دشن عهدا جديدا لم يكن المكون الثقافي المغربي فيه قد نضج بعد، ورغم تواضع تجربته وارتجالها إلا أنها حملت رموزا من التحديات فتحت الباب على مصراعيه أمام الاحتراف والتنافسية. ويعتبر فيلمه "الابن العاق" 1958 أول شريط طويل تنجبه السينما المغربية.
المخرج محمد الركاب (1942 – 1990) صاحب "حلاق درب الفقراء" أعطى الكثير والكثير، وكان بجعبته الكثير لم يتسن له إخراجه، إذ حال الموت بينه وبين السينما وهو في أوج عطائه، وترك مشاريع عدة لم تكتمل بعد، من بينها شريطه الطويل "مذكرات منفى".
ويعد فيلمه "حلاق درب الفقراء" واحدا من أفضل عشرة أفلام في تاريخ السينما العربية خلال مئويتها الأولى 1895 – 1995، كما صنفه الناقد المصري علي أبوشادي من ضمن أفضل كلاسيكيات السينما العربية.
المخرج محمد عبدالرحمن التازي من المخرجين المخضرمين الذين تجاوبوا مع المتطلبات السينمائية في كل مرحلة من مراحل مسيرتها، ذاكرة سينمائية متحركة، يعكس بيئتها بعمق، وشهد بدايتها الأولى من خلال عمله ضمن طاقم فيلم "وشمة" الذي يعد بداية السينما الاحترافية بالمغرب.
أما المخرج محمد مفتكر فلم يأخذ الفن السينمائي كمشروع تجاري استهلاكي، بل جعله فكرة فلسفية وحركة ثقافية وظاهرة اجتماعية وعملا محبوكا، يخاطب به عقل وتفكير المشاهد، يوقظ أحاسيسه بجمالية لغته وحبكته الدرامية المتجدرة في متاهات واقعه وخياله معا.
أما مومن السميحي فأفلامه عبارة عن أسئلة مستفزة تستفز الواقع ذاته، تنبش في ذاكرته وتتسلق الزمن محاولة استشراف الماضي والمستقبل معا، فكما يستخدم قلمه بإتقان يستخدم عدسته كذلك، حتى يعطي جمهوره القدرة على التمعن والتدبر والقراءة المزدوجة في النص والصورة.
ويختم فؤاد زويريق كتابه "وجوه من السينما المغربية" بالمخرجة ياسمين قصارى التي تعتبر من المخرجات المغربيات الشابات اللواتي أعطين للسينما المغربية دفعة جديدة داخل المحافل الدولية، وخصوصا بفيلمها الطول الرائع "الراكد" الذي حصلت به على أكثر من ستين جائزة مختلفة ومثَّل المغرب في العشرات من الملتقيات والمهرجانات العربية والدولية.
وإلى جانب هؤلاء المخرجين والمخرجات الذين ذكرناهم سابقا، يوجد بالكتاب أيضا المخرجون: إسماعيل الفروخي، وحكيم بلعباس، وداود أولاد السيد، وعبدالقادر لقطع، ومحمد العسلي، ومحمد بلحاج، ونبيل عيوش.
وأعتقد أن كتاب زويريق قد يكون نواة لعمل توثيقي أكبر هو "موسوعة السينما المغربية" التي تحتاج إلى جهد كبير سواء في جمع المادة، أو طباعة الموسوعة التي بالتأكيد لن تخلو من صور ومشاهد للأفلام المغربية سواء كانت ملونة أو أبيض وأسود، وهو ما افتقر إليه كتاب "وجوه من السينما المغربية".
لا بد من الاعتراف أننا لا نعرف كثيرا عن السينما المغربية، سواء أهم أفلامها أو نجومها أو مخرجيها أو حتى تاريخها، ومتى بدأت وكيف وأين، وما هو مستقبلها ..؟
ويبدو أن السينما المصرية بتاريخها وعراقتها ونجومها قد وضعت حجابا على الأعمال العربية الأخرى، على الرغم من وجود أعمال سينمائية مهمة في بلاد عربية أخرى.
من هذه البلاد تعد المملكة المغربية ذات تاريخ سينمائي حافل كشف عنه كتاب "وجوه من السينما المغربية" للكاتب فؤاد زويريق الذي صدر عن "منشورات الفوانيس السينمائية"، وقد خصص زويريق كتابه للمخرجين السينمائيين فقط، وبلغ عددهم 24 مخرجا من بينهم 4 مخرجات، منهم من أسهم في مرحلة التأسيس، ومنهم من أخذ على عاتقه استكمال الطريق رغم العقبات والعراقيل الموضوعة هنا وهناك.
يؤكد الكاتب في كلمته أنه من خلال ملاحظاته وتتبعه للمسار السينمائي بالمغرب "نجد أنفسنا ما زلنا في نقطة العبور"، وهو يظن أن التحول من مفعول إلى فاعل مازال بعيد المنال، ويظن أنه سيطول أكثر بسبب غياب استراتيجية تبنى على سياسات حازمة تدفع بهذا المجال إلى الأمام.
يقدم زويريق في كتابه بورتريهات تقييمية للمخرجين ال 24 – حسب الترتيب الهجائي أو المعجمي - "لكونهم جزءا لا يتجزأ من سينمانا الوطنية"، وهو لا يهتم في مسيرة الإخراج بالكثرة فقط، بل الأهم "هو نوعية المنتوج وتأثيره على المشاهد".
ويبدأ هذه البورتريهات بالمخرج أحمد البوعناني (1938 – 2011) الذي يظل اسمه رمزا للتكامل الإبداعي الحر النابع من أعماق شخصيته الإنسانية، والذي عرف بفيلمه الطويل المميز "السراب" إلى جانب مجموعة لا بأس بها من الأفلام القصيرة والوثائقية، وهو فضلا عن ذلك شاعر وروائي وقامة سينمائية وثقافية مغربية شامخة.
أما المخرج أحمد المعنوني فقد ارتكزت أفلامه على أسلوب جديد بعيد عن النمطية والتكرار واتجهت إلى محاولة النبش في عمق العوالم السفلى، وسينماه وثائقية بامتياز رغم تصنيف بعضها في الخانة التخيلية، وهي نقطة تحسب للمخرج كونه تفوق في دمج العنصرين معا وأعطاهما دورا عزز رؤيته الفنية. وحصل فيلمه "الحال" على أكثر من عشرين جائزة، وله أعمال أخرى مثل "عيون الخليج"، و"الخيالة المغربيون"، و"حياة وحكم محمد الخامس"، وغيرها.
المخرج حميد بناني، اجتمعت الآراء على أنه من أسَّس لانطلاقة حقيقية واحترافية للسينما المغربية بفيلمه "وشمة" 1970، وهو فيلم تكاملت عناصره وتجانست فيما بينها لتشكل أول مشروع سينمائي محترف بالمغرب، مما جعل اسم صاحبه يُكتب بماء من ذهب في السجل التاريخي للسينما المغربية.
وفيلم "وشمة" يغوص في مشاكل اجتماعية مؤلمة، ويتناول بعض السلوكيات التي كانت تسيطر على المجتمع وقت ظهوره (1970) وينقدها ويعالج سيكلوجية الطفولة وارتباطها بالمحيط والثقافة عبر بناء درامي متماسك وأسلوب سينمائي متميز أذهل النقاد آنذاك.
أما المخرج سهيل بنبركة فمن أغزر المخرجين المغاربة إنتاجا، وهو صاحب الفيلم الروائي الطويل "حرب البترول لن تحدث" وتطرق فيه إلى حرب أكتوبر 73 بين العرب والإسرائيليين والتي استخدم فيها النفط كسلاح من طرف العرب. وتقوم فكرة الفيلم على دحض الآراء والمواقف التي كانت سائدة آنذاك، والتي كانت تؤمن بجدوى هذا السلاح وتأثيره على القوى الغربية المساندة لإسرائيل، ويشير زويريق إلى أن هذا الفيلم تم منعه من العرض بالمغرب في ذلك الوقت.
المخرج عبدالله المصباحي يرى المؤلف أنه أعطى الكثير ومازال للسينما المغربية وبنى بينها وبين نظيرتها الشرقية جسرا متينا عرَّف من خلاله بالسينما والسينمائيين المغاربة وأرسى دعائم تجربته بينهما، واسمه متداول بكثرة داخل المغرب وخارجه خصوصا بالقاهرة التي احتضنته واستغلت امكاناته الإبداعية وقد أثبتت أفلامه حضورها العربي، وتقلد منصب رئيس الاتحاد السينمائي العربي بالقاهرة. ويعتبر فيلمه "أين تخبئون الشمس" 1980 من أهم الأفلام في السينما العربية حسب النقاد والمتابعين.
يقول فؤاد زويريق إن أنشطة عبدالله المصباحي لم تقصر على السينما والمسرح فقط، بل تعدتها إلى الكتابة والتأليف الأدبي الذي صبغ لديه بصبغة سينمائية عكست علاقة ثنائية جميلة بين النص والصورة، فكانت روايته "اغتصاب في مخيمات العار".
المخرج عزالعرب العلوي لمحرزي، يعتبر فيلمه "اندرومان" أول فيلم سينمائي طويل له، وقد تطرق فيه لموضوع المرأة ومعاناتها في القرى الهامشية لكن بقالب مختلف تماما عن الأفلام المغربية الأخرى التي تناولت نفس الموضوع.
المخرجة فريدة بليزيد يقول عنها زويريق إن لها خصوصية متفردة في الاشتغال إذ تحاول التطرق إلى مجموعة من الظواهر الاجتماعية والثقافية التي تهم مجتمعها في قالب رومانسي، اجتماعين شعبي، يستكشف المكان والزمان والأشخاص بموضوعية إبداعية بعيدة عن الإضافات المجانية والبهرجهة الفارغة. ومن إفلامها "كيد النسا".
أما فريدة بورقية فهي صاحبة إنتاج أول فيلم مغربي من إخراج عنصر نسوي وهو الفيلم السينمائي الطويل "الجمرة" 1982، بينما تاريخ الحركة السينمائية على يد المرأة كان في مصر عام 1927 للمخرجة عزيزة أمير التي أنتجت الفيلم الصامت "ليلى"، ثم "بنت النيل" 1929، ثم ظهرت بعد ذلك فاطمة رشدي وغيرها.
المخرج كمال كمال تجرأ على العرف السائد داخل الوسط السينمائي وانطلق في تجربته الذاتية ليعممها على كافة أعماله تقريبا، وأطلق صرختين حطمتا البناء الداخلي للفيلم المغاربي المتعارف عليه تلفزيا كان أو سينمائيا. وفيلمه الأول جاء بعنوان "طيف نزار" وفيه يكشف بصمات خفية للشاعر نزار قباني الذي يعتبره من عرّابي الحركات التحررية للمرأة العربية.
ويرى زويريق أن كمال كمال بحكم تكوينه الموسيقي - حيث درس بالمعهد الموسيقي بوجدة في الفترة ما بين 1971 و1978 - تفوق في إحداث نوع من الموسيقى الراقية داخل السينما المغربية.
أما المخرجة ليلى الكيلاني فقد حقق فيلمها الروائي الأول "على الحافة" نجاحا متميزا، وترك انطباعا طيبا لدى الجمهور والنقاد على حد سواء. وهو فيلم تتداخل فيه عوالم الإنسان بعوالم المدينة، عوالم يجمعها القهر الاجتماعي، قهر ينتج عنه خلل في توازن المجتمع، فيصبح مجتمعا قاسيا لا يرحم أبناءه.
والفيلم يحكي قصة أربع فتيات مراهقات، مررن بمرحلة اجتماعية ونفسية وفيزيولوجية صعبة، وأقمن في مدينة تمر بدورها بمرحلة جديدة من التحول الاقتصادي والاجتماعي، وهي مدينة طنجة. ويرى المؤلف أن هذا الاختيار المكاني له مغزى رمزي مرتبط بشخوص الفيلم وحالتهم الملتبسة.
ويؤكد المؤلف أن المخرج محمد عصفور (الذي رحل عام 2005) له الفضل في تأسيس اللبنة الأولى للسينما المغربية إذ دشن عهدا جديدا لم يكن المكون الثقافي المغربي فيه قد نضج بعد، ورغم تواضع تجربته وارتجالها إلا أنها حملت رموزا من التحديات فتحت الباب على مصراعيه أمام الاحتراف والتنافسية. ويعتبر فيلمه "الابن العاق" 1958 أول شريط طويل تنجبه السينما المغربية.
المخرج محمد الركاب (1942 – 1990) صاحب "حلاق درب الفقراء" أعطى الكثير والكثير، وكان بجعبته الكثير لم يتسن له إخراجه، إذ حال الموت بينه وبين السينما وهو في أوج عطائه، وترك مشاريع عدة لم تكتمل بعد، من بينها شريطه الطويل "مذكرات منفى".
ويعد فيلمه "حلاق درب الفقراء" واحدا من أفضل عشرة أفلام في تاريخ السينما العربية خلال مئويتها الأولى 1895 – 1995، كما صنفه الناقد المصري علي أبوشادي من ضمن أفضل كلاسيكيات السينما العربية.
المخرج محمد عبدالرحمن التازي من المخرجين المخضرمين الذين تجاوبوا مع المتطلبات السينمائية في كل مرحلة من مراحل مسيرتها، ذاكرة سينمائية متحركة، يعكس بيئتها بعمق، وشهد بدايتها الأولى من خلال عمله ضمن طاقم فيلم "وشمة" الذي يعد بداية السينما الاحترافية بالمغرب.
أما المخرج محمد مفتكر فلم يأخذ الفن السينمائي كمشروع تجاري استهلاكي، بل جعله فكرة فلسفية وحركة ثقافية وظاهرة اجتماعية وعملا محبوكا، يخاطب به عقل وتفكير المشاهد، يوقظ أحاسيسه بجمالية لغته وحبكته الدرامية المتجدرة في متاهات واقعه وخياله معا.
أما مومن السميحي فأفلامه عبارة عن أسئلة مستفزة تستفز الواقع ذاته، تنبش في ذاكرته وتتسلق الزمن محاولة استشراف الماضي والمستقبل معا، فكما يستخدم قلمه بإتقان يستخدم عدسته كذلك، حتى يعطي جمهوره القدرة على التمعن والتدبر والقراءة المزدوجة في النص والصورة.
ويختم فؤاد زويريق كتابه "وجوه من السينما المغربية" بالمخرجة ياسمين قصارى التي تعتبر من المخرجات المغربيات الشابات اللواتي أعطين للسينما المغربية دفعة جديدة داخل المحافل الدولية، وخصوصا بفيلمها الطول الرائع "الراكد" الذي حصلت به على أكثر من ستين جائزة مختلفة ومثَّل المغرب في العشرات من الملتقيات والمهرجانات العربية والدولية.
وإلى جانب هؤلاء المخرجين والمخرجات الذين ذكرناهم سابقا، يوجد بالكتاب أيضا المخرجون: إسماعيل الفروخي، وحكيم بلعباس، وداود أولاد السيد، وعبدالقادر لقطع، ومحمد العسلي، ومحمد بلحاج، ونبيل عيوش.
وأعتقد أن كتاب زويريق قد يكون نواة لعمل توثيقي أكبر هو "موسوعة السينما المغربية" التي تحتاج إلى جهد كبير سواء في جمع المادة، أو طباعة الموسوعة التي بالتأكيد لن تخلو من صور ومشاهد للأفلام المغربية سواء كانت ملونة أو أبيض وأسود، وهو ما افتقر إليه كتاب "وجوه من السينما المغربية".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.