تعليم مطروح: تنظم امتحانات تجريبية لطلاب الشهادة الثانوية بإدارة الحمام    وزير العمل يلتقى نظيره التركي لبحث أوجه التعاون في الملفات المشتركة    القائد العام للقوات المسلحة يلتقى منسق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمجلس الأمن القومى الأمريكى    تقرير برلماني يوصي بإطلاق الاستراتيجية الوطنية للصناعات الإبداعية    أونروا: مشاهد القصف الإسرائيلي لمدرسة تابعة للوكالة في النصيرات «مروعة»    منتخب أستراليا يعبر بنجلاديش بثنائية في التصفيات الآسوية المشتركة    «التعليم» تتخذ عدة إجراءات بشأن جروبات الغش امتحانات الثانوية العامة 2024    المشدد من 7 إلى 10 سنوات للمتهمين بتزوير توكيل لقنصلية مصر بفرنسا    مركز الفلك الدولي يكشف ظروف رؤية هلال شهر ذي الحجة حسب الدول (خريطة)    تركي آل شيخ يطالب بدور رئيسي لكريم عبد العزيز في الجزء الرابع من ولاد رزق    " ثقافة سوهاج" يناقش تعزيز الهوية في الجمهورية الجديدة    سوسن بدر تكشف أحداث مسلسل «أم الدنيا» الحلقة 1 و 2    «الإفتاء» توضح أفضل أعمال يوم النحر لغير الحاج (فيديو)    لوكاكو: الأندية الأوروبية تعلم أن السعودية قادمة.. المزيد يرغبون في اللعب هناك    هيئة الدواء تستقبل رئيس هيئة تنظيم المستحضرات الدوائية بالكونغو الديموقراطية    نمو الناتج الصناعي الإسباني بواقع 0.8% في أبريل    ختام امتحانات الفصل الدراسي الثاني بكلية دار العلوم جامعة أسوان    المستشار الألمانى يتعهد بترحيل مهاجرين عقب حادث طعن شرطى    للراغبين في الشراء.. تراجع أسعار المولدات الكهربائية في مصر 2024    مدرب تونس: حققنا الأهم أمام غينيا الاستوائية.. ونعاني من الغيابات    الأقوى والأكثر جاذبية.. 3 أبراج تستطيع الاستحواذ على اهتمام الآخرين    جميلة عوض تحتفل بحنتها قبل ساعات من حفل زفافها الليلة    عبد الرحمن مجدي: ظُلمت في مشكلة الأولمبياد.. والأهلي سيتوج بالدوري وأنتقل للنادي الأكثر بطولات    صيام العشرة الأوائل من ذي الحجة.. لماذا استحب الصيام بها؟    تكبيرات عيد الأضحى 2024.. وطقوس ليلة العيد    دراسة تحذر من مخاطر مشروبات الطاقة على مرضى القلب    هيئة الدواء تستعرض تجربتها الرائدة في مجال النشرات الإلكترونية    محافظ أسوان يكرم أبطال نادي ذوي الاحتياجات الخاصة لحصدهم العديد من الميداليات الذهبية    طلب إحاطة بشأن رفع بعض المدارس الخاصة للمصروفات بنسبة 100%    التحالف الوطنى للعمل الأهلى ينظم احتفالية لتكريم ذوى الهمم بالأقصر    البنك المركزى: 113.6 تريليون جنيه قيمة التسويات اللحظية بالبنوك خلال 5 أشهر    التحقيق مع عاطل هتك عرض طفل في الهرم    فحص 889 حالة خلال قافلة طبية بقرية الفرجاني بمركز بني مزار في المنيا    أبوالغيط يتسلم أوراق اعتماد مندوب الصومال الجديد لدى جامعة الدول العربية    وزير الري: تراجع نصيب الفرد من المياه إلى 500 متر مكعب (تفاصيل)    ليلة في حب سيدة المسرح العربي.. تفاصيل تكريم سميحة أيوب بدار الأوبرا    تركي آل الشيخ: أتمنى جزء رابع من "ولاد رزق" ومستعدين لدعمه بشكل أكبر    والدة الأبنودي مؤلفتها.. دينا الوديدي تستعد لطرح أغنية "عرق البلح"    تباين أداء مؤشرات البورصة بعد مرور ساعة من بدء التداولات    عضو بالبرلمان.. من هو وزير الزراعة في تشكيل الحكومة الجديد؟    انخفاض 10 درجات مئوية.. الأرصاد تكشف موعد انكسار الموجة الحارة    رئيس الوفد فى ذكرى دخول العائلة المقدسة: مصر مهبط الديانات    إسبانيا تبدي رغبتها في الانضمام لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام «العدل الدولية»    حسام البدري: تعرضت للظلم في المنتخب.. ولاعبو الأهلي في حاجة إلى التأهيل    كيفية تنظيف مكيف الهواء في المنزل لضمان أداء فعّال وصحة أفضل    أمين الفتوى: لابد من أداء هذه الصلاة مرة واحدة كل شهر    قبل عيد الأضحى.. ضبط أطنان من الدواجن واللحوم والأسماك مجهولة المصدر بالقاهرة    "تخيلت نفسي على دكة الزمالك".. البدري يكشف لأول مرة ما فعله مع أمير مرتضى ورد صادم    بوريل يستدعي وزير خارجية إسرائيل بعد طلب دول أوروبية فرض عقوبات    جواب نهائي مع أشطر.. مراجعة شاملة لمادة الجيولوجيا للثانوية العامة الجزء الثاني    وزيرة الثقافة تشهد الاحتفال باليوم العالمي للبيئة في قصر الأمير طاز    إصابات في قصف مسيرة إسرائيلية دراجة نارية بجنوب لبنان    رئيس شؤون التعليم يتفقد لجان امتحانات الثانوية الأزهرية بالأقصر    البرلمان العربي: مسيرات الأعلام واقتحام المسجد الأقصى اعتداء سافر على الوضع التاريخي لمدينة القدس    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المحافظ جاى 000!!؟    مصر تتعاون مع مدغشقر في مجال الصناعات الدوائية.. و«الصحة»: نسعى لتبادل الخبرات    وزير الخارجية القبرصي: هناك تنسيق كبير بين مصر وقبرص بشأن الأزمة في غزة    ملف رياضة مصراوي.. تصريحات صلاح.. مؤتمر حسام حسن.. تشكيل منتخب مصر المتوقع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا لو غيرت الأعمال الأدبية مؤلفيها؟
نشر في صوت البلد يوم 24 - 04 - 2016

يرى الجامعيّ والمحلّل النفسيّ بيير بايارد في محاولة تجريبية تضمنها كتابه «ماذا لو غيّرت الأعمال الأدبيّة والفنيّة مؤلِّفيها؟» أنه يمكن استبدال المؤلف بآخر. ويوضح أن هذا الإجراء التخييلي سواء بتعديلات جزئية أو كُليّة سيفضي، من دون تغيير في النص، إلى قراءات فريدة على الأرجح ما كان لها أنْ تتمَّ من دون هذا الاستبدال.
يؤكّد بيير بايارد في كتابه، الصادر في ترجمته العربية عن دار نينوي للدراسات والنشر والتوزيع بترجمة محمد أحمد صبح، على أنَّ الخطوة التي يقترحها لم تُسْتَكْشَفْ إلا قليلا فيما عدا استثناءات الكُتّاب الذين يلجأون إلى الأسماء المستعارة، أو أكاذيب السيرة الذاتية التي تشكّل أوهاما، وبما أن الكُتَّاب أَنفسهم قد اتخذوا هذه الخطوة فإنّ النقاد بَدوا أَكْثر حَذَرا إذا تعلَّق الأمر بالإبداع في نسبة الأعمال الأدبية، لأن مفهوم المؤلف مازال محاطا بهالة من الأسطورة والتحريم.
تبدو فكرة نسب الأعمال إلى مؤلِّفين آخرين قديمة بعض الشيء، فيورد المؤلف في الفصل الأول الذي حمل عنوان الأدويسة، إمكانية أن تكون مؤلفتها امرأة، وهو الأمر الذي طرحه من قبل صموئيل بتلر في نهاية القرن التاسع عشر في كتابه «مُؤلِّف الأوديسة»، حيث يرى أنّ نَبرتي الإلياذة والأوديسة مختلفتان بصورة محسوسة، فبتلر يتساءل؛ لِمَ الافتراض بأن مؤلّف الأوديسة رجل بالضرورة؟ بل يذهب إلى مدى أبعد عندما يقول إن الإلياذة تُعطي الرجحان للرَّجل، بينما تُعطي الأوديسة للمرأة، وذلك لورود الصُّورة الإيجابيّة للمرأة فيها، وتَغلُّب المشاغل الأنثوية ومعرفة أكثر اكتمالا للموضوعات المتصلة بالمرأة عموما، ويشير إلى أنه على العكس تماما مما يحدث في الإلياذة، فإن النساء في الأوديسة هن اللواتي يحمين الرِّجال، وهو تصوّر أمومي للعلاقات بين بني الإنسان يُغري بنسبته إلى امرأة.
ومع كل محاولات إثبات أنَّ نصَّ الأوديسة كتبته امرأة، يَرى المؤلف أن هذه الافتراضية لن تفضي إلى نص مختلف كثيرا عن نص اعتدنا على قراءته، لكن قراءة موجهة هكذا تغني عن الإدراك، إذ تثير انتباه القارئ إلى مجموعة من الجوانب التي ما كانت لتدهش بالضرورة القارئ الذي يلتزم بالفرضية التقليدية. فحسب الترجيحات التي يميل إليها بتلر لتأكيد كتابة المرأة للأوديسة أن المرأة وحدها قادرة على فهم امرأة أخرى والتحدث عنها بدقة، يرى المؤلف أن الأمر مشكوك فيه ومن جهة أخرى يأخذ عليه أن هذه الحجج التي ساقها لتأكيد مزاعمه، قابلة للعكس.
ومن ناحيته يرى بايارد أن الأهم في هذه القضية هو السؤال هل هوميروس اسم لمؤلف متخيّل؟، لكنه يعود إلى الجزم بأنه من المستحيل معرفة هوية هوميروس، وبالأحرى أن سؤال هوميروس ليس مطروحا لانعدام شخص ينبغي التعرّف إليه، لكن ينتهي إلى أنه كان خلف الإلياذة والأوديسة عدة كُتَّاب تعاقبوا عليهما، وربما في عصور مختلفة. كل هذا ينتهي إلى أن بتلر كان يفكر بمفهوم غائب عن النظرية الأدبية، وهو مفهوم المؤلف الخيالي. فهو كما يرى إزاء مؤلف مُتخلِّق جملة وتفصيلا يستحقُّ منَّا كُلّ عناية بشرط أنْ يكون منفصلا بوضوح عن الأول.
وعلى غرار مؤلفة الأوديسة يطرح الفرنسي بيير بيار فكرة ماذا لو كان شكسبير يحمل اسم إدوارد دو فير، كونت أكسفورد السّابع عشر، وليس ابنا لبقّال في ستراتفورد، كما ظننّا طويلا؟ ليس هذا مجرد تخيّل أو حتى ظن، وإنما محصلة دراسة لتوماس لوني صدرت في كتابه «تعرف هوية شكسبير» مرجِّحا أسبابا كثيرة تؤكّد هذا الاحتمال من قبيل ما استرعاه من ثقافة واسعة يتمتع بها كونت أكسفورد، ولا تتواءم مع رجل ستراتفورد، إذ ليس هناك ما يؤهِّلُهُ لكتابة مسرحيات مثل «هاملت»، أو «عطيل». الغريب أن الفكرة التي ترجّح شكسبير أرستقراطيا التي أعلنها توماس لوني، تَلْقَى الإعجاب لدى عالم النفس فرويد، على أنه ابن بقَّال صغير من ستراتفورد، ومرجع شغف فرويد بالبحث عن الهوية الحقيقية لشكسبير، حيث كانت جهود فرويد في البحث عن شكسبير الحقيقي حسب أطروحاته في صراع الأنا الداخلي، ما يمكن وصفه بالمؤلف الداخلي وهو الذي أحاط فرويد بوجوده ونشاطه ساعيا إلى تباين آثاره في لا شعور أعماله.
يُقسِّم الكاتب أطروحته إلى ثلاثة أقسام، في القسم الأوّل يذكر بعض الأمثلة الشهيرة عن الاستبدال مُستمَدّة من تاريخ الأدب، مناقشا فيه كيف يخضع مفهوم المؤلف إلى الارتياب، وكم يقتضي هذا الحذر قبل التحدّث عن خيانة في ما يتعلّق بهويته المفترضة، مُتناولا موضوعات متعلِّقة بالأوديسة وهل كتبتها امرأة كما رجَّح توماس لوني، وشكسبير هل يكون من قبيل المؤلف الخيالي الذي هو بديل للمؤلف الحقيقي كونت أكسفورد السابع عشر وإدوارد دو فير؟ علاوة على مناقشته لمسرحية «دون جوان» لبيير كورنيل، فجميع مسرحيات موليير المهمِّة كاتبها أجير هو كورنيل، وهو ما كشفه مقال«بيير لويس» نُشر عام 1919 بعنوان «موليير هو تحفة أدبية لكورنيل»، فموليير بالنسبة إلى نُّقَادِه ليس إلا اسما مُسْتَعَارا مُناسبا، وقد تعزّزت هذه الفكرة بكتاب دينيس بواسييه «قضية موليير» علاوة على أعمال باحث في الإحصاء هو دومنييك لابيه.
اختراق التحريم
في القسم الثاني المعنون بتغييرات جزئية للمؤلِّفين، ناقش هذه التغييرات التي من الممكن إجراؤها على الكُتّاب، تغييرات قاموا بها هم بأنفسهم إراديا أحيانا، بالتصرف في المكوِّنات المختلفَة لهويتهم سعيا إلى إعطاء شخصياتهم وأعمالهم المزيد مِن الديناميّة،على نحو ما استعار فيرنون سوليفان شخصية روائي أميركي في رواية «سأذهب للبصق على قبوركم»، ونفس الشيء فعله رومان غازي الذي اخترع أميل أجار. وكلّ هذا يدلِّل على أهمية المؤلف الخياليّ، أمّا «أليس في بلاد العجائب» للويس كارول، فلا يقوم على تغيير اسم مؤلف أو على وضعه في منطقة جغرافية غير التي وُلد فيها كما فعل سوليفان، وإنما يعمد إلى نقله مِن عصر إلى آخر، وهو ما يحتاج إلى وجود قارئ خاص بثقافته وحساسيته الخاصة.
أما القسم الثالث فيتعرض فيه بيير بايارد إلى التغييرات الأكثر عمقا التي يُرغب في فرضها على الكتَّاب، كاسرا نهائيا حاجز التحريم الذي يقضي بأنّ لكلِّ عمل مُبدعا وحيدا، فيعامل الغريب لكامبو على أنها رواية كافكا، ويتعامل مع بطلها من إطار نفسي، كما هي أعمال كافكا مثل القضية، والقصر، وبالمثل «ذهبب مع الريح» للكاتبة الأميركية مرغريت ميتشل، يقرأها على أنّها من أعمال الروسي ليو تولستوي صاحب “الحرب والسلام”.
وفي القسم الأخير مِن الكتاب يبحث عن نتائح هذه المقترحات على فروع أخرى للمعرفة كالفلسفة والتحليل النفسي والسينما والتصوير أو الموسيقى، ويرى إذا كانت هذه التعديلات على المؤلِّفين قادرة على إثراء الأعمال الأدبيّة، فمن الممكن الحصول على فوائد مُشابهة من تطبيقات أخرى في غير الأدب من اللائق تفحصها من دون تحيّز.
يرى الجامعيّ والمحلّل النفسيّ بيير بايارد في محاولة تجريبية تضمنها كتابه «ماذا لو غيّرت الأعمال الأدبيّة والفنيّة مؤلِّفيها؟» أنه يمكن استبدال المؤلف بآخر. ويوضح أن هذا الإجراء التخييلي سواء بتعديلات جزئية أو كُليّة سيفضي، من دون تغيير في النص، إلى قراءات فريدة على الأرجح ما كان لها أنْ تتمَّ من دون هذا الاستبدال.
يؤكّد بيير بايارد في كتابه، الصادر في ترجمته العربية عن دار نينوي للدراسات والنشر والتوزيع بترجمة محمد أحمد صبح، على أنَّ الخطوة التي يقترحها لم تُسْتَكْشَفْ إلا قليلا فيما عدا استثناءات الكُتّاب الذين يلجأون إلى الأسماء المستعارة، أو أكاذيب السيرة الذاتية التي تشكّل أوهاما، وبما أن الكُتَّاب أَنفسهم قد اتخذوا هذه الخطوة فإنّ النقاد بَدوا أَكْثر حَذَرا إذا تعلَّق الأمر بالإبداع في نسبة الأعمال الأدبية، لأن مفهوم المؤلف مازال محاطا بهالة من الأسطورة والتحريم.
تبدو فكرة نسب الأعمال إلى مؤلِّفين آخرين قديمة بعض الشيء، فيورد المؤلف في الفصل الأول الذي حمل عنوان الأدويسة، إمكانية أن تكون مؤلفتها امرأة، وهو الأمر الذي طرحه من قبل صموئيل بتلر في نهاية القرن التاسع عشر في كتابه «مُؤلِّف الأوديسة»، حيث يرى أنّ نَبرتي الإلياذة والأوديسة مختلفتان بصورة محسوسة، فبتلر يتساءل؛ لِمَ الافتراض بأن مؤلّف الأوديسة رجل بالضرورة؟ بل يذهب إلى مدى أبعد عندما يقول إن الإلياذة تُعطي الرجحان للرَّجل، بينما تُعطي الأوديسة للمرأة، وذلك لورود الصُّورة الإيجابيّة للمرأة فيها، وتَغلُّب المشاغل الأنثوية ومعرفة أكثر اكتمالا للموضوعات المتصلة بالمرأة عموما، ويشير إلى أنه على العكس تماما مما يحدث في الإلياذة، فإن النساء في الأوديسة هن اللواتي يحمين الرِّجال، وهو تصوّر أمومي للعلاقات بين بني الإنسان يُغري بنسبته إلى امرأة.
ومع كل محاولات إثبات أنَّ نصَّ الأوديسة كتبته امرأة، يَرى المؤلف أن هذه الافتراضية لن تفضي إلى نص مختلف كثيرا عن نص اعتدنا على قراءته، لكن قراءة موجهة هكذا تغني عن الإدراك، إذ تثير انتباه القارئ إلى مجموعة من الجوانب التي ما كانت لتدهش بالضرورة القارئ الذي يلتزم بالفرضية التقليدية. فحسب الترجيحات التي يميل إليها بتلر لتأكيد كتابة المرأة للأوديسة أن المرأة وحدها قادرة على فهم امرأة أخرى والتحدث عنها بدقة، يرى المؤلف أن الأمر مشكوك فيه ومن جهة أخرى يأخذ عليه أن هذه الحجج التي ساقها لتأكيد مزاعمه، قابلة للعكس.
ومن ناحيته يرى بايارد أن الأهم في هذه القضية هو السؤال هل هوميروس اسم لمؤلف متخيّل؟، لكنه يعود إلى الجزم بأنه من المستحيل معرفة هوية هوميروس، وبالأحرى أن سؤال هوميروس ليس مطروحا لانعدام شخص ينبغي التعرّف إليه، لكن ينتهي إلى أنه كان خلف الإلياذة والأوديسة عدة كُتَّاب تعاقبوا عليهما، وربما في عصور مختلفة. كل هذا ينتهي إلى أن بتلر كان يفكر بمفهوم غائب عن النظرية الأدبية، وهو مفهوم المؤلف الخيالي. فهو كما يرى إزاء مؤلف مُتخلِّق جملة وتفصيلا يستحقُّ منَّا كُلّ عناية بشرط أنْ يكون منفصلا بوضوح عن الأول.
وعلى غرار مؤلفة الأوديسة يطرح الفرنسي بيير بيار فكرة ماذا لو كان شكسبير يحمل اسم إدوارد دو فير، كونت أكسفورد السّابع عشر، وليس ابنا لبقّال في ستراتفورد، كما ظننّا طويلا؟ ليس هذا مجرد تخيّل أو حتى ظن، وإنما محصلة دراسة لتوماس لوني صدرت في كتابه «تعرف هوية شكسبير» مرجِّحا أسبابا كثيرة تؤكّد هذا الاحتمال من قبيل ما استرعاه من ثقافة واسعة يتمتع بها كونت أكسفورد، ولا تتواءم مع رجل ستراتفورد، إذ ليس هناك ما يؤهِّلُهُ لكتابة مسرحيات مثل «هاملت»، أو «عطيل». الغريب أن الفكرة التي ترجّح شكسبير أرستقراطيا التي أعلنها توماس لوني، تَلْقَى الإعجاب لدى عالم النفس فرويد، على أنه ابن بقَّال صغير من ستراتفورد، ومرجع شغف فرويد بالبحث عن الهوية الحقيقية لشكسبير، حيث كانت جهود فرويد في البحث عن شكسبير الحقيقي حسب أطروحاته في صراع الأنا الداخلي، ما يمكن وصفه بالمؤلف الداخلي وهو الذي أحاط فرويد بوجوده ونشاطه ساعيا إلى تباين آثاره في لا شعور أعماله.
يُقسِّم الكاتب أطروحته إلى ثلاثة أقسام، في القسم الأوّل يذكر بعض الأمثلة الشهيرة عن الاستبدال مُستمَدّة من تاريخ الأدب، مناقشا فيه كيف يخضع مفهوم المؤلف إلى الارتياب، وكم يقتضي هذا الحذر قبل التحدّث عن خيانة في ما يتعلّق بهويته المفترضة، مُتناولا موضوعات متعلِّقة بالأوديسة وهل كتبتها امرأة كما رجَّح توماس لوني، وشكسبير هل يكون من قبيل المؤلف الخيالي الذي هو بديل للمؤلف الحقيقي كونت أكسفورد السابع عشر وإدوارد دو فير؟ علاوة على مناقشته لمسرحية «دون جوان» لبيير كورنيل، فجميع مسرحيات موليير المهمِّة كاتبها أجير هو كورنيل، وهو ما كشفه مقال«بيير لويس» نُشر عام 1919 بعنوان «موليير هو تحفة أدبية لكورنيل»، فموليير بالنسبة إلى نُّقَادِه ليس إلا اسما مُسْتَعَارا مُناسبا، وقد تعزّزت هذه الفكرة بكتاب دينيس بواسييه «قضية موليير» علاوة على أعمال باحث في الإحصاء هو دومنييك لابيه.
اختراق التحريم
في القسم الثاني المعنون بتغييرات جزئية للمؤلِّفين، ناقش هذه التغييرات التي من الممكن إجراؤها على الكُتّاب، تغييرات قاموا بها هم بأنفسهم إراديا أحيانا، بالتصرف في المكوِّنات المختلفَة لهويتهم سعيا إلى إعطاء شخصياتهم وأعمالهم المزيد مِن الديناميّة،على نحو ما استعار فيرنون سوليفان شخصية روائي أميركي في رواية «سأذهب للبصق على قبوركم»، ونفس الشيء فعله رومان غازي الذي اخترع أميل أجار. وكلّ هذا يدلِّل على أهمية المؤلف الخياليّ، أمّا «أليس في بلاد العجائب» للويس كارول، فلا يقوم على تغيير اسم مؤلف أو على وضعه في منطقة جغرافية غير التي وُلد فيها كما فعل سوليفان، وإنما يعمد إلى نقله مِن عصر إلى آخر، وهو ما يحتاج إلى وجود قارئ خاص بثقافته وحساسيته الخاصة.
أما القسم الثالث فيتعرض فيه بيير بايارد إلى التغييرات الأكثر عمقا التي يُرغب في فرضها على الكتَّاب، كاسرا نهائيا حاجز التحريم الذي يقضي بأنّ لكلِّ عمل مُبدعا وحيدا، فيعامل الغريب لكامبو على أنها رواية كافكا، ويتعامل مع بطلها من إطار نفسي، كما هي أعمال كافكا مثل القضية، والقصر، وبالمثل «ذهبب مع الريح» للكاتبة الأميركية مرغريت ميتشل، يقرأها على أنّها من أعمال الروسي ليو تولستوي صاحب “الحرب والسلام”.
وفي القسم الأخير مِن الكتاب يبحث عن نتائح هذه المقترحات على فروع أخرى للمعرفة كالفلسفة والتحليل النفسي والسينما والتصوير أو الموسيقى، ويرى إذا كانت هذه التعديلات على المؤلِّفين قادرة على إثراء الأعمال الأدبيّة، فمن الممكن الحصول على فوائد مُشابهة من تطبيقات أخرى في غير الأدب من اللائق تفحصها من دون تحيّز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.