حزب الوفد يحيي ذكرى رحيل سعد زغلول ومصطفى النحاس (صور)    عمدة "هوداك" برومانيا يكرم طلاب جامعة سيناء الفائزين بالجائزة الذهبية في مهرجان الفلكلور الدولي    اتحاد المقاولين يطالب بوقف تصدير الأسمنت لإنقاذ القطاع من التعثر    الخارجية الجزائرية: المجاعة بقطاع غزة خيار سياسي ونتاج تخطيط وتدبير الكيان الصهيوني    نهائي السوبر السعودي، الأهلي والنصر يتعادلان 2-2 بالوقت الأصلي ويحتكمان لركلات الترجيح (صور)    بمشاركة فريق مصري.. تعرف على المشاركين في البطولة العربية للأندية لليد    محافظ سوهاج يتابع حادث غرق الطالبات ب شاطئ العجمى في الإسكندرية    نائب وزير السياحة وأمين المجلس الأعلى للآثار يتفقدان أعمال ترميم المواقع بالإسكندرية    بدون أنظمة ريجيم قاسية، 10 نصائح لإنقاص الوزن الزائد    الإتجار في السموم وحيازة خرطوش.. جنايات شبرا تقضي بسجن متهمين 6 سنوات    وزير الصحة الفلسطيني: فقدنا 1500 كادر طبي.. وأطباء غزة يعالجون المرضى وهم يعانون من الجوع والإرهاق    مذكرة تفاهم بين جامعتي الأزهر ومطروح تتضمن التعاون العلمي والأكاديمي وتبادل الخبرات    إسلام جابر: لم أتوقع انتقال إمام عاشور للأهلي.. ولا أعرف موقف مصطفى محمد من الانتقال إليه    إسلام جابر: تجربة الزمالك الأفضل في مسيرتي.. ولست نادما على عدم الانتقال للأهلي    تفعيل البريد الموحد لموجهي اللغة العربية والدراسات الاجتماعية بالفيوم    مصر القومي: الاعتداء على السفارات المصرية امتداد لمخططات الإخوان لتشويه صورة الدولة    إزالة لمزرعة سمكية مخالفة بجوار "محور 30" على مساحة 10 أفدنة بمركز الحسينية    استقالات جماعية للأطباء ووفيات وهجرة الكفاءات..المنظومة الصحية تنهار فى زمن العصابة    صور.. 771 مستفيدًا من قافلة جامعة القاهرة في الحوامدية    وزير العمل يتفقد وحدتي تدريب متنقلتين قبل تشغيلهما غدا بالغربية    «المركزي لمتبقيات المبيدات» ينظم ورشة عمل لمنتجي ومصدري الطماطم بالشرقية    50 ألف مشجع لمباراة مصر وإثيوبيا في تصفيات كأس العالم    "قصص متفوتكش".. رسالة غامضة من زوجة النني الأولى.. ومقاضاة مدرب الأهلي السابق بسبب العمولات    مصر ترحب بخارطة الطريق الأممية لتسوية الأزمة الليبية    وزير الدفاع الأمريكي يجيز ل2000 من الحرس الوطني حمل السلاح.. ما الهدف؟    وزارة النقل تناشد المواطنين عدم اقتحام المزلقانات أو السير عكس الاتجاه أثناء غلقها    «لازم إشارات وتحاليل للسائقين».. تامر حسني يناشد المسؤولين بعد حادث طريق الضبعة    وزير خارجية باكستان يبدأ زيارة إلى بنجلاديش    وفاة سهير مجدي .. وفيفي عبده تنعيها    مؤسسة فاروق حسني تطلق الدورة ال7 لجوائز الفنون لعام 2026    قلق داخلي بشأن صديق بعيد.. برج الجدي اليوم 23 أغسطس    غدا.. قصور الثقافة تطلق ملتقى دهب العربي الأول للرسم والتصوير بمشاركة 20 فنانا    تم تصويره بالأهرامات.. قصة فيلم Fountain of Youth بعد ترشحه لجوائز LMGI 2025    تكريم الفنانة شيرين في مهرجان الإسكندرية السينمائي بدورته ال41    موعد إجازة المولد النبوي 2025.. أجندة الإجازات الرسمية المتبقية للموظفين    كيف تكون مستجابا للدعاء؟.. واعظة بالأزهر توضح    الغربية: حملات نظافة مستمرة ليلا ونهارا في 12 مركزا ومدينة لضمان بيئة نظيفة وحضارية    "التنمية المحلية": انطلاق الأسبوع الثالث من الخطة التدريبية بسقارة غدًا -تفاصيل    رئيس «الرعاية الصحية»: تقديم أكثر من 2.5 مليون خدمة طبية بمستشفيات الهيئة في جنوب سيناء    الصحة: حملة «100 يوم صحة» قدّمت 59 مليون خدمة طبية مجانية خلال 38 يوما    فحص وصرف العلاج ل247 مواطنا ضمن قافلة بقرية البرث في شمال سيناء    رغم تبرئة ساحة ترامب جزئيا.. جارديان: تصريحات ماكسويل تفشل فى تهدئة مؤيديه    نور القلوب يضىء المنصورة.. 4 من ذوى البصيرة يبدعون فى مسابقة دولة التلاوة    محاضرة فنية وتدريبات خططية في مران الأهلي استعدادًا للمحلة    طقس الإمارات اليوم.. غيوم جزئية ورياح مثيرة للغبار على هذه المناطق    ضبط وتحرير 18 محضرا فى حملة إشغالات بمركز البلينا فى سوهاج    محافظ أسوان يتابع معدلات الإنجاز بمشروع محطة النصراب بإدفو    8 وفيات نتيجة المجاعة وسوء التغذية في قطاع غزة خلال ال24 ساعة الماضية    مصر تستضيف النسخة الأولى من قمة ومعرض "عالم الذكاء الاصطناعي" فبراير المقبل    تحرير 125 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    الأوقاف: «صحح مفاهيمك» تتوسع إلى مراكز الشباب وقصور الثقافة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 23-8-2025 في محافظة قنا    إعلام فلسطينى: مصابون من منتظرى المساعدات شمال رفح الفلسطينية    حسن الخاتمة.. وفاة معتمر أقصري أثناء أدائه مناسك الحج    تنسيق الجامعات 2025| مواعيد فتح موقع التنسيق لطلاب الشهادات المعادلة    كأس السوبر السعودي.. هونج كونج ترغب في استضافة النسخة المقبلة    «مياه الأقصر» تسيطر على بقعة زيت فى مياه النيل دون تأثر المواطنين أو إنقطاع الخدمة    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا لو غيرت الأعمال الأدبية مؤلفيها؟
نشر في صوت البلد يوم 24 - 04 - 2016

يرى الجامعيّ والمحلّل النفسيّ بيير بايارد في محاولة تجريبية تضمنها كتابه «ماذا لو غيّرت الأعمال الأدبيّة والفنيّة مؤلِّفيها؟» أنه يمكن استبدال المؤلف بآخر. ويوضح أن هذا الإجراء التخييلي سواء بتعديلات جزئية أو كُليّة سيفضي، من دون تغيير في النص، إلى قراءات فريدة على الأرجح ما كان لها أنْ تتمَّ من دون هذا الاستبدال.
يؤكّد بيير بايارد في كتابه، الصادر في ترجمته العربية عن دار نينوي للدراسات والنشر والتوزيع بترجمة محمد أحمد صبح، على أنَّ الخطوة التي يقترحها لم تُسْتَكْشَفْ إلا قليلا فيما عدا استثناءات الكُتّاب الذين يلجأون إلى الأسماء المستعارة، أو أكاذيب السيرة الذاتية التي تشكّل أوهاما، وبما أن الكُتَّاب أَنفسهم قد اتخذوا هذه الخطوة فإنّ النقاد بَدوا أَكْثر حَذَرا إذا تعلَّق الأمر بالإبداع في نسبة الأعمال الأدبية، لأن مفهوم المؤلف مازال محاطا بهالة من الأسطورة والتحريم.
تبدو فكرة نسب الأعمال إلى مؤلِّفين آخرين قديمة بعض الشيء، فيورد المؤلف في الفصل الأول الذي حمل عنوان الأدويسة، إمكانية أن تكون مؤلفتها امرأة، وهو الأمر الذي طرحه من قبل صموئيل بتلر في نهاية القرن التاسع عشر في كتابه «مُؤلِّف الأوديسة»، حيث يرى أنّ نَبرتي الإلياذة والأوديسة مختلفتان بصورة محسوسة، فبتلر يتساءل؛ لِمَ الافتراض بأن مؤلّف الأوديسة رجل بالضرورة؟ بل يذهب إلى مدى أبعد عندما يقول إن الإلياذة تُعطي الرجحان للرَّجل، بينما تُعطي الأوديسة للمرأة، وذلك لورود الصُّورة الإيجابيّة للمرأة فيها، وتَغلُّب المشاغل الأنثوية ومعرفة أكثر اكتمالا للموضوعات المتصلة بالمرأة عموما، ويشير إلى أنه على العكس تماما مما يحدث في الإلياذة، فإن النساء في الأوديسة هن اللواتي يحمين الرِّجال، وهو تصوّر أمومي للعلاقات بين بني الإنسان يُغري بنسبته إلى امرأة.
ومع كل محاولات إثبات أنَّ نصَّ الأوديسة كتبته امرأة، يَرى المؤلف أن هذه الافتراضية لن تفضي إلى نص مختلف كثيرا عن نص اعتدنا على قراءته، لكن قراءة موجهة هكذا تغني عن الإدراك، إذ تثير انتباه القارئ إلى مجموعة من الجوانب التي ما كانت لتدهش بالضرورة القارئ الذي يلتزم بالفرضية التقليدية. فحسب الترجيحات التي يميل إليها بتلر لتأكيد كتابة المرأة للأوديسة أن المرأة وحدها قادرة على فهم امرأة أخرى والتحدث عنها بدقة، يرى المؤلف أن الأمر مشكوك فيه ومن جهة أخرى يأخذ عليه أن هذه الحجج التي ساقها لتأكيد مزاعمه، قابلة للعكس.
ومن ناحيته يرى بايارد أن الأهم في هذه القضية هو السؤال هل هوميروس اسم لمؤلف متخيّل؟، لكنه يعود إلى الجزم بأنه من المستحيل معرفة هوية هوميروس، وبالأحرى أن سؤال هوميروس ليس مطروحا لانعدام شخص ينبغي التعرّف إليه، لكن ينتهي إلى أنه كان خلف الإلياذة والأوديسة عدة كُتَّاب تعاقبوا عليهما، وربما في عصور مختلفة. كل هذا ينتهي إلى أن بتلر كان يفكر بمفهوم غائب عن النظرية الأدبية، وهو مفهوم المؤلف الخيالي. فهو كما يرى إزاء مؤلف مُتخلِّق جملة وتفصيلا يستحقُّ منَّا كُلّ عناية بشرط أنْ يكون منفصلا بوضوح عن الأول.
وعلى غرار مؤلفة الأوديسة يطرح الفرنسي بيير بيار فكرة ماذا لو كان شكسبير يحمل اسم إدوارد دو فير، كونت أكسفورد السّابع عشر، وليس ابنا لبقّال في ستراتفورد، كما ظننّا طويلا؟ ليس هذا مجرد تخيّل أو حتى ظن، وإنما محصلة دراسة لتوماس لوني صدرت في كتابه «تعرف هوية شكسبير» مرجِّحا أسبابا كثيرة تؤكّد هذا الاحتمال من قبيل ما استرعاه من ثقافة واسعة يتمتع بها كونت أكسفورد، ولا تتواءم مع رجل ستراتفورد، إذ ليس هناك ما يؤهِّلُهُ لكتابة مسرحيات مثل «هاملت»، أو «عطيل». الغريب أن الفكرة التي ترجّح شكسبير أرستقراطيا التي أعلنها توماس لوني، تَلْقَى الإعجاب لدى عالم النفس فرويد، على أنه ابن بقَّال صغير من ستراتفورد، ومرجع شغف فرويد بالبحث عن الهوية الحقيقية لشكسبير، حيث كانت جهود فرويد في البحث عن شكسبير الحقيقي حسب أطروحاته في صراع الأنا الداخلي، ما يمكن وصفه بالمؤلف الداخلي وهو الذي أحاط فرويد بوجوده ونشاطه ساعيا إلى تباين آثاره في لا شعور أعماله.
يُقسِّم الكاتب أطروحته إلى ثلاثة أقسام، في القسم الأوّل يذكر بعض الأمثلة الشهيرة عن الاستبدال مُستمَدّة من تاريخ الأدب، مناقشا فيه كيف يخضع مفهوم المؤلف إلى الارتياب، وكم يقتضي هذا الحذر قبل التحدّث عن خيانة في ما يتعلّق بهويته المفترضة، مُتناولا موضوعات متعلِّقة بالأوديسة وهل كتبتها امرأة كما رجَّح توماس لوني، وشكسبير هل يكون من قبيل المؤلف الخيالي الذي هو بديل للمؤلف الحقيقي كونت أكسفورد السابع عشر وإدوارد دو فير؟ علاوة على مناقشته لمسرحية «دون جوان» لبيير كورنيل، فجميع مسرحيات موليير المهمِّة كاتبها أجير هو كورنيل، وهو ما كشفه مقال«بيير لويس» نُشر عام 1919 بعنوان «موليير هو تحفة أدبية لكورنيل»، فموليير بالنسبة إلى نُّقَادِه ليس إلا اسما مُسْتَعَارا مُناسبا، وقد تعزّزت هذه الفكرة بكتاب دينيس بواسييه «قضية موليير» علاوة على أعمال باحث في الإحصاء هو دومنييك لابيه.
اختراق التحريم
في القسم الثاني المعنون بتغييرات جزئية للمؤلِّفين، ناقش هذه التغييرات التي من الممكن إجراؤها على الكُتّاب، تغييرات قاموا بها هم بأنفسهم إراديا أحيانا، بالتصرف في المكوِّنات المختلفَة لهويتهم سعيا إلى إعطاء شخصياتهم وأعمالهم المزيد مِن الديناميّة،على نحو ما استعار فيرنون سوليفان شخصية روائي أميركي في رواية «سأذهب للبصق على قبوركم»، ونفس الشيء فعله رومان غازي الذي اخترع أميل أجار. وكلّ هذا يدلِّل على أهمية المؤلف الخياليّ، أمّا «أليس في بلاد العجائب» للويس كارول، فلا يقوم على تغيير اسم مؤلف أو على وضعه في منطقة جغرافية غير التي وُلد فيها كما فعل سوليفان، وإنما يعمد إلى نقله مِن عصر إلى آخر، وهو ما يحتاج إلى وجود قارئ خاص بثقافته وحساسيته الخاصة.
أما القسم الثالث فيتعرض فيه بيير بايارد إلى التغييرات الأكثر عمقا التي يُرغب في فرضها على الكتَّاب، كاسرا نهائيا حاجز التحريم الذي يقضي بأنّ لكلِّ عمل مُبدعا وحيدا، فيعامل الغريب لكامبو على أنها رواية كافكا، ويتعامل مع بطلها من إطار نفسي، كما هي أعمال كافكا مثل القضية، والقصر، وبالمثل «ذهبب مع الريح» للكاتبة الأميركية مرغريت ميتشل، يقرأها على أنّها من أعمال الروسي ليو تولستوي صاحب “الحرب والسلام”.
وفي القسم الأخير مِن الكتاب يبحث عن نتائح هذه المقترحات على فروع أخرى للمعرفة كالفلسفة والتحليل النفسي والسينما والتصوير أو الموسيقى، ويرى إذا كانت هذه التعديلات على المؤلِّفين قادرة على إثراء الأعمال الأدبيّة، فمن الممكن الحصول على فوائد مُشابهة من تطبيقات أخرى في غير الأدب من اللائق تفحصها من دون تحيّز.
يرى الجامعيّ والمحلّل النفسيّ بيير بايارد في محاولة تجريبية تضمنها كتابه «ماذا لو غيّرت الأعمال الأدبيّة والفنيّة مؤلِّفيها؟» أنه يمكن استبدال المؤلف بآخر. ويوضح أن هذا الإجراء التخييلي سواء بتعديلات جزئية أو كُليّة سيفضي، من دون تغيير في النص، إلى قراءات فريدة على الأرجح ما كان لها أنْ تتمَّ من دون هذا الاستبدال.
يؤكّد بيير بايارد في كتابه، الصادر في ترجمته العربية عن دار نينوي للدراسات والنشر والتوزيع بترجمة محمد أحمد صبح، على أنَّ الخطوة التي يقترحها لم تُسْتَكْشَفْ إلا قليلا فيما عدا استثناءات الكُتّاب الذين يلجأون إلى الأسماء المستعارة، أو أكاذيب السيرة الذاتية التي تشكّل أوهاما، وبما أن الكُتَّاب أَنفسهم قد اتخذوا هذه الخطوة فإنّ النقاد بَدوا أَكْثر حَذَرا إذا تعلَّق الأمر بالإبداع في نسبة الأعمال الأدبية، لأن مفهوم المؤلف مازال محاطا بهالة من الأسطورة والتحريم.
تبدو فكرة نسب الأعمال إلى مؤلِّفين آخرين قديمة بعض الشيء، فيورد المؤلف في الفصل الأول الذي حمل عنوان الأدويسة، إمكانية أن تكون مؤلفتها امرأة، وهو الأمر الذي طرحه من قبل صموئيل بتلر في نهاية القرن التاسع عشر في كتابه «مُؤلِّف الأوديسة»، حيث يرى أنّ نَبرتي الإلياذة والأوديسة مختلفتان بصورة محسوسة، فبتلر يتساءل؛ لِمَ الافتراض بأن مؤلّف الأوديسة رجل بالضرورة؟ بل يذهب إلى مدى أبعد عندما يقول إن الإلياذة تُعطي الرجحان للرَّجل، بينما تُعطي الأوديسة للمرأة، وذلك لورود الصُّورة الإيجابيّة للمرأة فيها، وتَغلُّب المشاغل الأنثوية ومعرفة أكثر اكتمالا للموضوعات المتصلة بالمرأة عموما، ويشير إلى أنه على العكس تماما مما يحدث في الإلياذة، فإن النساء في الأوديسة هن اللواتي يحمين الرِّجال، وهو تصوّر أمومي للعلاقات بين بني الإنسان يُغري بنسبته إلى امرأة.
ومع كل محاولات إثبات أنَّ نصَّ الأوديسة كتبته امرأة، يَرى المؤلف أن هذه الافتراضية لن تفضي إلى نص مختلف كثيرا عن نص اعتدنا على قراءته، لكن قراءة موجهة هكذا تغني عن الإدراك، إذ تثير انتباه القارئ إلى مجموعة من الجوانب التي ما كانت لتدهش بالضرورة القارئ الذي يلتزم بالفرضية التقليدية. فحسب الترجيحات التي يميل إليها بتلر لتأكيد كتابة المرأة للأوديسة أن المرأة وحدها قادرة على فهم امرأة أخرى والتحدث عنها بدقة، يرى المؤلف أن الأمر مشكوك فيه ومن جهة أخرى يأخذ عليه أن هذه الحجج التي ساقها لتأكيد مزاعمه، قابلة للعكس.
ومن ناحيته يرى بايارد أن الأهم في هذه القضية هو السؤال هل هوميروس اسم لمؤلف متخيّل؟، لكنه يعود إلى الجزم بأنه من المستحيل معرفة هوية هوميروس، وبالأحرى أن سؤال هوميروس ليس مطروحا لانعدام شخص ينبغي التعرّف إليه، لكن ينتهي إلى أنه كان خلف الإلياذة والأوديسة عدة كُتَّاب تعاقبوا عليهما، وربما في عصور مختلفة. كل هذا ينتهي إلى أن بتلر كان يفكر بمفهوم غائب عن النظرية الأدبية، وهو مفهوم المؤلف الخيالي. فهو كما يرى إزاء مؤلف مُتخلِّق جملة وتفصيلا يستحقُّ منَّا كُلّ عناية بشرط أنْ يكون منفصلا بوضوح عن الأول.
وعلى غرار مؤلفة الأوديسة يطرح الفرنسي بيير بيار فكرة ماذا لو كان شكسبير يحمل اسم إدوارد دو فير، كونت أكسفورد السّابع عشر، وليس ابنا لبقّال في ستراتفورد، كما ظننّا طويلا؟ ليس هذا مجرد تخيّل أو حتى ظن، وإنما محصلة دراسة لتوماس لوني صدرت في كتابه «تعرف هوية شكسبير» مرجِّحا أسبابا كثيرة تؤكّد هذا الاحتمال من قبيل ما استرعاه من ثقافة واسعة يتمتع بها كونت أكسفورد، ولا تتواءم مع رجل ستراتفورد، إذ ليس هناك ما يؤهِّلُهُ لكتابة مسرحيات مثل «هاملت»، أو «عطيل». الغريب أن الفكرة التي ترجّح شكسبير أرستقراطيا التي أعلنها توماس لوني، تَلْقَى الإعجاب لدى عالم النفس فرويد، على أنه ابن بقَّال صغير من ستراتفورد، ومرجع شغف فرويد بالبحث عن الهوية الحقيقية لشكسبير، حيث كانت جهود فرويد في البحث عن شكسبير الحقيقي حسب أطروحاته في صراع الأنا الداخلي، ما يمكن وصفه بالمؤلف الداخلي وهو الذي أحاط فرويد بوجوده ونشاطه ساعيا إلى تباين آثاره في لا شعور أعماله.
يُقسِّم الكاتب أطروحته إلى ثلاثة أقسام، في القسم الأوّل يذكر بعض الأمثلة الشهيرة عن الاستبدال مُستمَدّة من تاريخ الأدب، مناقشا فيه كيف يخضع مفهوم المؤلف إلى الارتياب، وكم يقتضي هذا الحذر قبل التحدّث عن خيانة في ما يتعلّق بهويته المفترضة، مُتناولا موضوعات متعلِّقة بالأوديسة وهل كتبتها امرأة كما رجَّح توماس لوني، وشكسبير هل يكون من قبيل المؤلف الخيالي الذي هو بديل للمؤلف الحقيقي كونت أكسفورد السابع عشر وإدوارد دو فير؟ علاوة على مناقشته لمسرحية «دون جوان» لبيير كورنيل، فجميع مسرحيات موليير المهمِّة كاتبها أجير هو كورنيل، وهو ما كشفه مقال«بيير لويس» نُشر عام 1919 بعنوان «موليير هو تحفة أدبية لكورنيل»، فموليير بالنسبة إلى نُّقَادِه ليس إلا اسما مُسْتَعَارا مُناسبا، وقد تعزّزت هذه الفكرة بكتاب دينيس بواسييه «قضية موليير» علاوة على أعمال باحث في الإحصاء هو دومنييك لابيه.
اختراق التحريم
في القسم الثاني المعنون بتغييرات جزئية للمؤلِّفين، ناقش هذه التغييرات التي من الممكن إجراؤها على الكُتّاب، تغييرات قاموا بها هم بأنفسهم إراديا أحيانا، بالتصرف في المكوِّنات المختلفَة لهويتهم سعيا إلى إعطاء شخصياتهم وأعمالهم المزيد مِن الديناميّة،على نحو ما استعار فيرنون سوليفان شخصية روائي أميركي في رواية «سأذهب للبصق على قبوركم»، ونفس الشيء فعله رومان غازي الذي اخترع أميل أجار. وكلّ هذا يدلِّل على أهمية المؤلف الخياليّ، أمّا «أليس في بلاد العجائب» للويس كارول، فلا يقوم على تغيير اسم مؤلف أو على وضعه في منطقة جغرافية غير التي وُلد فيها كما فعل سوليفان، وإنما يعمد إلى نقله مِن عصر إلى آخر، وهو ما يحتاج إلى وجود قارئ خاص بثقافته وحساسيته الخاصة.
أما القسم الثالث فيتعرض فيه بيير بايارد إلى التغييرات الأكثر عمقا التي يُرغب في فرضها على الكتَّاب، كاسرا نهائيا حاجز التحريم الذي يقضي بأنّ لكلِّ عمل مُبدعا وحيدا، فيعامل الغريب لكامبو على أنها رواية كافكا، ويتعامل مع بطلها من إطار نفسي، كما هي أعمال كافكا مثل القضية، والقصر، وبالمثل «ذهبب مع الريح» للكاتبة الأميركية مرغريت ميتشل، يقرأها على أنّها من أعمال الروسي ليو تولستوي صاحب “الحرب والسلام”.
وفي القسم الأخير مِن الكتاب يبحث عن نتائح هذه المقترحات على فروع أخرى للمعرفة كالفلسفة والتحليل النفسي والسينما والتصوير أو الموسيقى، ويرى إذا كانت هذه التعديلات على المؤلِّفين قادرة على إثراء الأعمال الأدبيّة، فمن الممكن الحصول على فوائد مُشابهة من تطبيقات أخرى في غير الأدب من اللائق تفحصها من دون تحيّز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.