تنسيق الجامعات 2025| مواعيد فتح موقع التنسيق لطلاب الشهادات المعادلة    أسعار الذهب في مصر اليوم السبت 23 أغسطس 2025    مواعيد مباريات اليوم السبت 23 أغسطس والقنوات الناقلة    استشهاد 12 فلسطينيًا جراء قصف للاحتلال استهدف خيام نازحين شمال غرب خان يونس    45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. السبت 23 أغسطس 2025    هل يحق لمكتسبي الجنسية المصرية مباشرة الحقوق السياسية؟ القانون يجيب    60 دقيقة تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. السبت 23 أغسطس 2025    مهاجر التيك توك «الأفغاني» يقدم نصائح لقتل الزوجات وتجنب العقوبة    القاهرة تسجل 40 مجددا والصعيد يعود إلى "الجحيم"، درجات الحرارة اليوم السبت في مصر    ثوانٍ فارقة أنقذت شابًا من دهس القطار.. وعامل مزلقان السادات يروي التفاصيل    قطع المياه 6 ساعات ببعض مناطق الجيزة لتحويل خط رئيسي    سيف الإسلام القذافي يعلن دعمه لتشكيل حكومة جديدة في ليبيا    ضبط 50 محلًا بدون ترخيص وتنفيذ 40 حكمًا قضائيًا بحملة أمنية بالفيوم    لمحبي الآكلات الجديدة.. حضري «الفاصوليا البيضاء» على الطريقة التونسية (الخطوات والمكونات)    إنقاذ حياة مريض بعمل شق حنجري بمستشفى الجامعي بالمنوفية    جامعة أسوان تهنئ البروفيسور مجدي يعقوب لتكريمه من جمعية القلب الأمريكية    كأس السوبر السعودي.. هونج كونج ترغب في استضافة النسخة المقبلة    الجرام يسجل أقل من 3900 جنيها.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد الانخفاض الجديد    عصابات الإتجار بالبشر| كشافون لاستدراج الضحايا واحتجازهم بشقق سكنية    شريف حافظ: الحب هو المعنى في حد ذاته ولا يقبل التفسير... والنجاح مسؤولية يجب أن أكون مستعدًا لها    نوال الزغبي: ضحيت بالفن من أجل حماية أولادي بعد الطلاق    أهداف إنشاء صندوق دعم العمالة غير المنتظمة بقانون العمل الجديد    محمد النمكي: الطرق والغاز جعلت العبور مدينة صناعية جاذبة للاستثمار| فيديو    الأمم المتحدة تعلن المجاعة رسميًا.. ماذا يحدث في غزة؟    سهير جودة عن شيرين عبدالوهاب وحسام حبيب: «انفصال وعودة مزمنة.. متى تعود إلينا؟»    فيفي عبده تعلن وفاة الراقصة المعتزلة سهير مجدي    عميد تجارة القاهرة الأسبق: الجامعات الحكومية ما زالت الأفضل.. وهذه أسباب تفضيل البعض للخاصة    «ميستحقوش يلعبوا في الزمالك».. إكرامي يفتح النار على ألفينا وشيكو بانزا    تنسيق دبلوم التجارة 2025.. قائمة الكليات والمعاهد المتاحة لطلاب 3 سنوات «رابط وموعد التسجيل»    «الأستانلس أم التيفال»: هل نوع حلة الطبخ يغير طعم أكلك؟    بطريقة درامية، دوناروما يودع جماهير باريس سان جيرمان (فيديو وصور)    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه بحماس    أطعمة تسبب الصداع النصفي لدى النساء ونصائح للسيطرة عليه    التعليم تطلق دورات تدريبية لمعلمي الابتدائي على المناهج المطورة عبر منصة (CPD)    رسميا.. جامعة الأزهر 2025 تفتتح أول كلية للبنات في مطروح وتعلن عن تخصصات جديدة    مدحت صالح يتألق بغناء حبيبى يا عاشق وزى المليونيرات بحفله فى مهرجان القلعة    نشرة التوك شو| موجة حارة جديدة.. وشعبة السيارات تكشف سبب انخفاض الأسعار    رسميا.. مدرسة صناعة الطائرات تعلن قوائم القبول للعام الدراسي الجديد 2025/ 2026    طارق فهمي: الإعلان الأممي عن تفشي المجاعة في غزة يعكس حجم الكارثة الإنسانية    بوتين: واثق أن خبرة ترامب ستسهم في استعادة العلاقات الثنائية بين بلدينا    وزير الخارجية الأردني: على إسرائيل رفع حصارها عن قطاع غزة والسماح بإيصال المساعدات    وزير الري يشارك في جلسة "القدرة على الصمود في مواجهة التغير المناخي بقطاع المياه"    ارتفاع الكندوز 39 جنيها، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    استقالة وزير الخارجية الهولندي بسبب موقف بلاده من إسرائيل    إسرائيل تشن هجومًا على مخازن تابعة لحزب الله في لبنان    حدث بالفن| أول تعليق من شيرين عبد الوهاب بعد أنباء عودتها ل حسام حبيب وفنان يرفض مصافحة معجبة ونجوم الفن في سهرة صيفية خاصة    3 أبراج على موعد مع التفاؤل اليوم: عالم جديد يفتح الباب أمامهم ويتلقون أخبارا مشجعة    تشيلسي يقسو على وست هام بخماسية في الدوري الإنجليزي (فيديو)    رياضة ½ الليل| إيقاف تدريبات الزمالك.. كشف منشطات بالدوري.. تعديلات بالمباريات.. وتألق الفراعنة بالإمارات    اليوم، دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ربيع الأول لعام 1447 هجريا    مصدر ليلا كورة: كهربا وقع عقدا مع القادسية الكويتي    غزل المحلة يبدأ استعداداته لمواجهة الأهلي في الدوري.. صور    قدم لكلية الطب وسبقه القدر.. وفاة طالب أثناء تركيبه ميكروفون لمسجد في قنا    خدعوك فقالوا: «الرزق مال»    هل يجوز شرعًا معاقبة تارك صلاة الجمعة بالسجن؟.. أحمد كريمة يجيب    هل إفشاء السر بدون قصد خيانة أمانة وما حكمه؟ أمين الفتوى يجيب    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحكاية التراثية والقصة الحديثة في مجموعة "سِفر الحديقة" نموذجا
نشر في صوت البلد يوم 20 - 04 - 2016

هايل المذابي من إصدار إلى آخر يزرع فينا الدهشة.. فإبداعه متجدد دوما.. وأعماله لا تتشابه.
"سِفر الحديقة" قصص قصيرة.. هذا ما جاء على غلاف الإصدار.. لكننا نجد بأن تلك النصوص قد نسجت بوعي مختلف.. فالكاتب استلهم من أسلوب الحكايات لإعادة إنتاج نص مغاير .
المجموعة في ثلاثة عشر عنوانا نسج لنا الكاتب حديقة من الزهور الحكائية: الياسمين.. النرجس.. التوليب.. زهرة الصبار.. عباد الشمس.. السوسنة.. البيلسان.. المانوليا.. البنفسجة.. الأقحوان.. الليلك... إضافة إلى نصي تسطير وحلم وردي.
بداية بلوحة الغلاف التي تعبر عن محتوى المجموعة بألوانها الباردة وقد جاء في قلبها فتاة وفتى تحفهما ألوان الربيع.
العنوان أيضا "سفر الحديقة". يعبر عن حشد حكائي شخصياته الرئيسية ورود.
الإهداء "يرفض الإنسان الاستبداد بكل أشكاله.. ويأبى الذل.. ويتمرد.. ويقاوم.. ويغضب.. ويعلن الثورات.... ويغتاله عبير ورده!"
التسطير هو الأخر نص عابق بأريج الورد يصل بالقارئ إلى فكرة سطوة الورد على الأرواح الرقيقة . عتبات شذية خطها الكاتب داعما فكرة واحدة.. تمجيد سلطة الوردة.. ابتداء بالعنوان ولوحة الغلاف مرورا بالإهداء والتسطير . ثم تأتي النصوص التي تسير في نفس التوجه. وكأن الكاتب أرادها متواليات وردية تغمر تلك النصوص بعبق الحياة والحب والسلام. تلك القيم التي نحن بأمس الحاجة إليها ليس في اليمن بل في كل أنحاء كوكبنا الأزرق الذي أعييناه بعبث الحروب وثقافة الكراهية والتطرف القبيح .
إضافة إلى تلك النصوص القصيرة جدا.. المجتزأة من حكايات المجموعة. إذ أن كل نص قصير يسبقه وعلى صفحة مستقلة نص من عدة أسطر قصيرة.. ودون عنوان.
عمل مغاير لأي عمل سبق له في الشكل والمضمون.. فجميع النصوص تحتفي بالزهور والورود.. وجميعها جاءت في قالب حكائي مختلف عما تكتب به القصة القصيرة.. وجميعها تحمل رسائل إنسانية.. ولا تخص مجتمع بعينه.. ولا يوجد ملمح لبيئة بعينها .. فقط يتوجه بها الكاتب إلى عقل وقلب الإنسان في كل مكان.. يحاوره بلغة عالية ومكثفة.. فلا بها ملمح يمني أو إفريقي.. أو شرق أسيوي.. أو أوربي .. فقط جميعها تتنفس الإنسانية .. فيمكن لأي قارئ من أي قارة أن يقرأها ليجدها تحاكيه.. ولذلك يشعر القارئ بأن تلك الحكايات تعبر عن نضج أدبي لدى الكاتب حين تناغي روح الإنسانية السامية.
ولا بأس أن نتماس مع ما يميز تلك النصوص .. هناك ثنائية أشتغل الكاتب عليها.. واشتركت كل النصوص فيها.. وتتمثل بالثنائي الأزلي الخير والشر. والصراع الدائم بينهما.. الخير الذي يمثل قيم السلام والعدالة والحب .. تلك القيم التي طغت عليها هيمنة المادة وحلت محلها مفاهيم القوة والتسلط والغطرسة.. ذلك الذي ترمز إليه النصوص كمخرج لإنعتاق الفرد والمجتمع بإتباع دين الحب والجمال بديلا عن الكراهية والقبح. والشر .. والذي يسعى إلى إفساد حياة الإنسان وأدواته, غرائزه وأطماعه .. يغتال البراءة فينا.. ويمزق أواصر وديمومة الحياة المثالية. ودوما تجنح النصوص للانتصار للجمع بدلا عن الفرد.
في نص "حلم وردي" يظل الصبي شغوف بعالمه ورؤاه .. يحلم بوديان من الورد وأنهر من الزهور.. وحين يرى عمارة عالية زين سطحها بالورود المضيئة.. يمد كفه محاولا قطف إحداها ..لكنها بعيدة عن متناول الطفل الحالم .. تنبهه رفيقته بأن ذلك لا يتسنى له "الكبار فقط من يقطفها" في هذا النص تبدو الخاتمة مبهمة.. علاقة الصبي بالفتاة ملتبسة.. محاولته قطف وردة من الورود المضيئة "البلاستيك" جد غريبة. لكنه نص يحتفي بالأحلام البكر .. أحلام طفولة الورد..وطفولة الإنسان وبراءته.
في نص "الليلك" يدور صراع بين سكان قريتين حول نبع ماء.. قرية سكانها محتالون وأخرى طيبون.. الصراع على نبع ماء بين من يملك ومن لا يمتلك.. يحتدم الصراع بين الساحر والحكيم.. الساحر عراف القرية الشريرة.. والحكيم رئيس القرية الطيبة.. لتفتضح أساليب الساحر وتفشل.. أما حكمة الحكيم فتنتصر. تبدو الفكرة ساذجة حين يطرح النص قضية المياه.. ساذجة لأول وهلة.. لكن المتأمل لوضع البشيرة في هذا العصر.. وذلك الصراع على منابع المياه.. وأرب مثال نهر النيل وما تنتظره مصر.. إذا ما استمرت أثيوبيا ودول المنابع في بناء السدود.. كذلك نهري فرات ودجلة وقيام تركيا ببناء السدود .. هي قضية إنسانية تلك ينابيع ومصادر المياه.. ونرى ونعيش العالم في حالة صراع في كل القارات .. كما أن استخدام السحر والشعوذة مقابل الحكمة .. يدلل على قيم الخير مقابل عبث الخرافة والشعوذة والجهل.. ولذلك عظيم حين تنتصر الحكمة. ينتصر الخير والحب والجمال على أدوات الظلم والاستغلال.
وهكذا في نص "الاقحوانة" و "البنفسجة" وبقية النصوص نجد النزاعات تحتدم لينتصر دوما الخير.. وما يلفت أن الكاتب يؤكد في كل نصوصه أنه لا يوجد في عالمنا شياطين أو ملائكة.. مؤكدا أنا نحن من يسكننا الشيطان والملاك.. فحين يتغلب علينا الشر يظهر شيطاننا من خلال أعمال الشر.. كما أننا الملائكة حين نسلك مسالك التسامح والحب والسلام. تلك النصوص جميعها تحمل بذور إنسانية مؤثرة .. في قوالب حكائية استقاها الكاتب من نمط الحكي الإنساني الشيق والمفيد.. وذلك الأسلوب يحسب له.
أيضا هناك مدخل في كل نص.. إذ أن الكاتب جعل لكل نص عتبة يمكننا أن نقرأها منفصلة ومتصلة.. فتلك التوطئات لا تنفصل عن النص وقد جاءت كأسطر أولى.. مثال:
أربعة أسطر توطئة نص "الياسمين" يقول فيها الكاتب "مليون عام أو تزيد.. لا أدري.. حدث والأرض ما تزال سديما.. عصافيرها مشردة.. النحل صائم على حلم لقاء وردة.. الفراش هائم على وجهه.. حدث أن حورية من حوريات السماء هبطت إلى الأرض تبحث عن ملاك..." الخ تلك الكلمات الشفيفة.. الحالمة بشاعرية رائعة تمثل كائن سردي بما تحمله من معاني ودلالات.. وإذا ما واصلنا قراءة النص فسنجدها متسقة مع ما يرمي إليه في رسالة النص .
وفي نص النرجس " في زمن لا يعلمه إلا الله وفي واد كبير يشقه نهر سلسبيل شب على ضفافه شاب جميل...."
وفي التوليب " عاشا معاً حيث يعيش العالم طفولته......وثمة ملكان يرعيانهما.. يعلمانهما.. ويخبرانهما بما سوف يعيشانه ساعة مجيئهما إلى هذا العالم.. وكانت تأشيرة العبور هي نسيان كل شيء..."
وفي البنفسجة "لم يرث شيئاً يذكر.. أو يحسده الناس عليه.. خصوصا حين يتحدث الناس عن إرثهم.. سوى صرة غريبة الشكل واللون!" تلك وغيرها مقدمات النصوص.. تسحر القارئ بلغتها العميقة والصادقة .. ولذلك تلفت انتباه بروز معانيها وما تستبطنه.
وعودة على بدء.. إلى تلك النصوص التي أشتقها الكاتب من متن نصوصه.. ولا تتجاوز سطر أو سطرين مثلت نصوصا مستقلة .. يشغل كل نص صفحة دون عنوان..مثل: مازالت الوردة تسكنني ولا تدفع إيجار. و لعل حكمة الله من خلق الأقحوانة أن يذل بها الجبابرة. و كان الناس أحراراً إلى أن خلق الله المانوليا. و عندما أهداها كنزا رفضته.. وحين أهداها ورود البيلسان وهبته عمرها! و يسكنه الضوء.. وتسكنهم عتمه..فهل سيهربون عتمتهم إلى ضوءه..أم سيهرب ضوءه إلى عتمتهم؟ و الذي لا يحب إلا نفسه لا تحبه السماء..والذي لا تحبه السماء لن يحبه أحد.
هايل المذابي أشار في هامش نصين من المجموعة إلى أنه استوحاها من بعض التراث الإنساني.. هما نص النرجس "حكاية النرجس مستواحاة من ميثيولوجيا إغريقية" ونص الياسمين "حكاية الياسمين مستوحاة من أسطورة شعبية".
هي الفكرة أو البذرة ملك الجميع.. وأيضا التقنية .. لكن المذابي حلق بنا بما أضافه من خيال مشوق وجميل.. ولم يعتمد على الأسطورة في النصين إلا ليرتفع بأجنحة الخيال بلغة رائعة .. تثير الإعجاب.. وبأسلوبه الذي لا يشبه أي كاتب. وهو بذلك يضع بصمة تخصه.. ويسلك مسلك إحياء التراث الإنساني مزاوجا بين فني الحكاية والقصة الحديثة مقدما قالبا متميزا يشد القارئ ويجذبه.
هائل المذابي كاتب مجتهد لا يمر عام إلا ويتحفنا بجديده.. يراهن على قدراته..ونحن أيضا نشد على يديه.ونهمس في مسامعه: دوما ننتظر جديدك أيها المشاغب.
هايل المذابي من إصدار إلى آخر يزرع فينا الدهشة.. فإبداعه متجدد دوما.. وأعماله لا تتشابه.
"سِفر الحديقة" قصص قصيرة.. هذا ما جاء على غلاف الإصدار.. لكننا نجد بأن تلك النصوص قد نسجت بوعي مختلف.. فالكاتب استلهم من أسلوب الحكايات لإعادة إنتاج نص مغاير .
المجموعة في ثلاثة عشر عنوانا نسج لنا الكاتب حديقة من الزهور الحكائية: الياسمين.. النرجس.. التوليب.. زهرة الصبار.. عباد الشمس.. السوسنة.. البيلسان.. المانوليا.. البنفسجة.. الأقحوان.. الليلك... إضافة إلى نصي تسطير وحلم وردي.
بداية بلوحة الغلاف التي تعبر عن محتوى المجموعة بألوانها الباردة وقد جاء في قلبها فتاة وفتى تحفهما ألوان الربيع.
العنوان أيضا "سفر الحديقة". يعبر عن حشد حكائي شخصياته الرئيسية ورود.
الإهداء "يرفض الإنسان الاستبداد بكل أشكاله.. ويأبى الذل.. ويتمرد.. ويقاوم.. ويغضب.. ويعلن الثورات.... ويغتاله عبير ورده!"
التسطير هو الأخر نص عابق بأريج الورد يصل بالقارئ إلى فكرة سطوة الورد على الأرواح الرقيقة . عتبات شذية خطها الكاتب داعما فكرة واحدة.. تمجيد سلطة الوردة.. ابتداء بالعنوان ولوحة الغلاف مرورا بالإهداء والتسطير . ثم تأتي النصوص التي تسير في نفس التوجه. وكأن الكاتب أرادها متواليات وردية تغمر تلك النصوص بعبق الحياة والحب والسلام. تلك القيم التي نحن بأمس الحاجة إليها ليس في اليمن بل في كل أنحاء كوكبنا الأزرق الذي أعييناه بعبث الحروب وثقافة الكراهية والتطرف القبيح .
إضافة إلى تلك النصوص القصيرة جدا.. المجتزأة من حكايات المجموعة. إذ أن كل نص قصير يسبقه وعلى صفحة مستقلة نص من عدة أسطر قصيرة.. ودون عنوان.
عمل مغاير لأي عمل سبق له في الشكل والمضمون.. فجميع النصوص تحتفي بالزهور والورود.. وجميعها جاءت في قالب حكائي مختلف عما تكتب به القصة القصيرة.. وجميعها تحمل رسائل إنسانية.. ولا تخص مجتمع بعينه.. ولا يوجد ملمح لبيئة بعينها .. فقط يتوجه بها الكاتب إلى عقل وقلب الإنسان في كل مكان.. يحاوره بلغة عالية ومكثفة.. فلا بها ملمح يمني أو إفريقي.. أو شرق أسيوي.. أو أوربي .. فقط جميعها تتنفس الإنسانية .. فيمكن لأي قارئ من أي قارة أن يقرأها ليجدها تحاكيه.. ولذلك يشعر القارئ بأن تلك الحكايات تعبر عن نضج أدبي لدى الكاتب حين تناغي روح الإنسانية السامية.
ولا بأس أن نتماس مع ما يميز تلك النصوص .. هناك ثنائية أشتغل الكاتب عليها.. واشتركت كل النصوص فيها.. وتتمثل بالثنائي الأزلي الخير والشر. والصراع الدائم بينهما.. الخير الذي يمثل قيم السلام والعدالة والحب .. تلك القيم التي طغت عليها هيمنة المادة وحلت محلها مفاهيم القوة والتسلط والغطرسة.. ذلك الذي ترمز إليه النصوص كمخرج لإنعتاق الفرد والمجتمع بإتباع دين الحب والجمال بديلا عن الكراهية والقبح. والشر .. والذي يسعى إلى إفساد حياة الإنسان وأدواته, غرائزه وأطماعه .. يغتال البراءة فينا.. ويمزق أواصر وديمومة الحياة المثالية. ودوما تجنح النصوص للانتصار للجمع بدلا عن الفرد.
في نص "حلم وردي" يظل الصبي شغوف بعالمه ورؤاه .. يحلم بوديان من الورد وأنهر من الزهور.. وحين يرى عمارة عالية زين سطحها بالورود المضيئة.. يمد كفه محاولا قطف إحداها ..لكنها بعيدة عن متناول الطفل الحالم .. تنبهه رفيقته بأن ذلك لا يتسنى له "الكبار فقط من يقطفها" في هذا النص تبدو الخاتمة مبهمة.. علاقة الصبي بالفتاة ملتبسة.. محاولته قطف وردة من الورود المضيئة "البلاستيك" جد غريبة. لكنه نص يحتفي بالأحلام البكر .. أحلام طفولة الورد..وطفولة الإنسان وبراءته.
في نص "الليلك" يدور صراع بين سكان قريتين حول نبع ماء.. قرية سكانها محتالون وأخرى طيبون.. الصراع على نبع ماء بين من يملك ومن لا يمتلك.. يحتدم الصراع بين الساحر والحكيم.. الساحر عراف القرية الشريرة.. والحكيم رئيس القرية الطيبة.. لتفتضح أساليب الساحر وتفشل.. أما حكمة الحكيم فتنتصر. تبدو الفكرة ساذجة حين يطرح النص قضية المياه.. ساذجة لأول وهلة.. لكن المتأمل لوضع البشيرة في هذا العصر.. وذلك الصراع على منابع المياه.. وأرب مثال نهر النيل وما تنتظره مصر.. إذا ما استمرت أثيوبيا ودول المنابع في بناء السدود.. كذلك نهري فرات ودجلة وقيام تركيا ببناء السدود .. هي قضية إنسانية تلك ينابيع ومصادر المياه.. ونرى ونعيش العالم في حالة صراع في كل القارات .. كما أن استخدام السحر والشعوذة مقابل الحكمة .. يدلل على قيم الخير مقابل عبث الخرافة والشعوذة والجهل.. ولذلك عظيم حين تنتصر الحكمة. ينتصر الخير والحب والجمال على أدوات الظلم والاستغلال.
وهكذا في نص "الاقحوانة" و "البنفسجة" وبقية النصوص نجد النزاعات تحتدم لينتصر دوما الخير.. وما يلفت أن الكاتب يؤكد في كل نصوصه أنه لا يوجد في عالمنا شياطين أو ملائكة.. مؤكدا أنا نحن من يسكننا الشيطان والملاك.. فحين يتغلب علينا الشر يظهر شيطاننا من خلال أعمال الشر.. كما أننا الملائكة حين نسلك مسالك التسامح والحب والسلام. تلك النصوص جميعها تحمل بذور إنسانية مؤثرة .. في قوالب حكائية استقاها الكاتب من نمط الحكي الإنساني الشيق والمفيد.. وذلك الأسلوب يحسب له.
أيضا هناك مدخل في كل نص.. إذ أن الكاتب جعل لكل نص عتبة يمكننا أن نقرأها منفصلة ومتصلة.. فتلك التوطئات لا تنفصل عن النص وقد جاءت كأسطر أولى.. مثال:
أربعة أسطر توطئة نص "الياسمين" يقول فيها الكاتب "مليون عام أو تزيد.. لا أدري.. حدث والأرض ما تزال سديما.. عصافيرها مشردة.. النحل صائم على حلم لقاء وردة.. الفراش هائم على وجهه.. حدث أن حورية من حوريات السماء هبطت إلى الأرض تبحث عن ملاك..." الخ تلك الكلمات الشفيفة.. الحالمة بشاعرية رائعة تمثل كائن سردي بما تحمله من معاني ودلالات.. وإذا ما واصلنا قراءة النص فسنجدها متسقة مع ما يرمي إليه في رسالة النص .
وفي نص النرجس " في زمن لا يعلمه إلا الله وفي واد كبير يشقه نهر سلسبيل شب على ضفافه شاب جميل...."
وفي التوليب " عاشا معاً حيث يعيش العالم طفولته......وثمة ملكان يرعيانهما.. يعلمانهما.. ويخبرانهما بما سوف يعيشانه ساعة مجيئهما إلى هذا العالم.. وكانت تأشيرة العبور هي نسيان كل شيء..."
وفي البنفسجة "لم يرث شيئاً يذكر.. أو يحسده الناس عليه.. خصوصا حين يتحدث الناس عن إرثهم.. سوى صرة غريبة الشكل واللون!" تلك وغيرها مقدمات النصوص.. تسحر القارئ بلغتها العميقة والصادقة .. ولذلك تلفت انتباه بروز معانيها وما تستبطنه.
وعودة على بدء.. إلى تلك النصوص التي أشتقها الكاتب من متن نصوصه.. ولا تتجاوز سطر أو سطرين مثلت نصوصا مستقلة .. يشغل كل نص صفحة دون عنوان..مثل: مازالت الوردة تسكنني ولا تدفع إيجار. و لعل حكمة الله من خلق الأقحوانة أن يذل بها الجبابرة. و كان الناس أحراراً إلى أن خلق الله المانوليا. و عندما أهداها كنزا رفضته.. وحين أهداها ورود البيلسان وهبته عمرها! و يسكنه الضوء.. وتسكنهم عتمه..فهل سيهربون عتمتهم إلى ضوءه..أم سيهرب ضوءه إلى عتمتهم؟ و الذي لا يحب إلا نفسه لا تحبه السماء..والذي لا تحبه السماء لن يحبه أحد.
هايل المذابي أشار في هامش نصين من المجموعة إلى أنه استوحاها من بعض التراث الإنساني.. هما نص النرجس "حكاية النرجس مستواحاة من ميثيولوجيا إغريقية" ونص الياسمين "حكاية الياسمين مستوحاة من أسطورة شعبية".
هي الفكرة أو البذرة ملك الجميع.. وأيضا التقنية .. لكن المذابي حلق بنا بما أضافه من خيال مشوق وجميل.. ولم يعتمد على الأسطورة في النصين إلا ليرتفع بأجنحة الخيال بلغة رائعة .. تثير الإعجاب.. وبأسلوبه الذي لا يشبه أي كاتب. وهو بذلك يضع بصمة تخصه.. ويسلك مسلك إحياء التراث الإنساني مزاوجا بين فني الحكاية والقصة الحديثة مقدما قالبا متميزا يشد القارئ ويجذبه.
هائل المذابي كاتب مجتهد لا يمر عام إلا ويتحفنا بجديده.. يراهن على قدراته..ونحن أيضا نشد على يديه.ونهمس في مسامعه: دوما ننتظر جديدك أيها المشاغب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.