بشعرية تكثر فيها التشبيهات ولغة تنساب بسلاسة وسهولة، وإعلاء لشأن المكان حيث دقة الوصف واللغة المحسوسة، إذ تستطيع أن تشم اللون وتتذوقه وتلمس المراكب ومياه البحر وترى الأضواء بمشاهد سينمائية متتابعة تدفعك للوقوع في مصيدة جمالية السرد وتعيش متنقلاً مع الأبطال من مكان لمكان وفق رؤية السارد الذي تمكن من السير بهدوء وثقة ولغة تستحضر روح "شهرزاد" وعقل المطلع الخبير بالتاريخ وبما يكتب، كتبت رواية راكب الريح للأديب يحيى يخلف. تدور أحداث الرواية في العام 1795 بداية لتواكب الأحداث التي تلتها من حروب ومجازر تعرضت لها يافا المدينة العربية المحتلة والتي ما زالت تقف شاهدةً على أن الحروب ما تزال دائرة وتزداد ضراوة، يافا التي نتنقل فيها بدهشة مدفوعين مشدودين لها عبر أسلوب الراوي السردي الذي أعاد للغة الحكايا بهجتها وحضورها الأنيق. في استحضار لروح البطل الخارق المتفرد وعلى طريقة ألف ليلة وليلة منح الكاتب البطل صفات متعددة بعضها صفات أنبياء وبعضها صفات الأبطال في الحكايا الشعبية على غرار سيرة أبو زيد الهلالي. وبجمال تصويري تسير الأحداث على مهل، لينتقل بنا السارد من فصل لفصل في حياة البطل وحيد والديه والذي ملك من الصفات ما يؤهله ليكون فريد عصره وسط أقرانه، فهو جميل الهيئة، قوي البنية الجسدية، متعلم علوم القرآن بالإضافة للغة الفرنسية التي تعلمها في مدرسة الراهبات، وفنان يجيد الرسم والنقش والرقش والكثير من المهارات المرتبطة فيها، وهذا ما يفتح له باباً للتواصل مع النساء تحديداً، حيث النساء في ذلك العصر يعشن في معزل عن الرجال إلا من كانت لها حاجة، أو الجواري اللواتي يعج فيهن قصر الوالي وبعض القصور المقامة في يافا للمحظيات من الجواري التابعات للبعثات العثمانية وقادة الجيوش. وهذا الاتصال مع الجنس الآخر يفتح باب الحكايا حيث لكل علاقة حكايتها الخاصة ولكل أنثى قصتها التي تشارك فيها في حبكة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالفترة الزمنية التي حدثت فيها أحداث الرواية. ينتقل السرد بعدها ليأخذ منحى آخر مع اضطرار البطل للخروج من يافا حيث أصبح هدفاً "للجندرمة والإنكشارية" بعد أن أعمل فيهم قتلا وذبحا لتجرأهم على المدينة ومنازلها وأسواقها، والبازار الخاص فيه حيث يمارس هوايته في الرسم والنقش. وبانتقال البطل للعيش في الشام تبدأ مرحلة جديدة في حياته وفي الشرق عامة، بداية المرحلة اقتراب البطل من نفسه ومن حقيقة قوته التي تظهر في حال أستثير حيث تغلبه الشهوة ويتعرض للإهانة والضرب مما يدفعه لترك سكنه والبحث عن سكن جديد في خان المدينة، ومن هناك تتسع رقعة الحدث ليصبح الشرق عبر بعض التجار هو المحور للشر القادم من الغرب متمثلاً في حملة نابليون والإنسانية والمحبة المتمثلة بروح الشرق عبر الحكيم الهندي باهر الذي علم يوسف التحكم بقوته الخارقة مقابل نسخ ونقش كتاب يود أن يرسله للغرب يحض على المحبة والتسامح، كاتب شامل يحمل رسائل الشرق بكل طوائفه الدينية حيث التنوع العرقي والديني. لم ينجح الحكيم باهر في التأثير على الغرب الذي ما زال يتخذ من الشرق ساحة للحرب لتصفية حساباته وفق مصالحه وتداخلها، في تتابع الأحداث يعود يوسف ليافا بعد أن علم بالمجازر التي ارتكبتها القوات الفرنسية بقيادة نابليون بحق البلدة وأهلها، ليكتشف بأن أكثر من نصف السكان قد قتلوا بما فيهم أمه وأبيه وأن يافا تحولت لخراب وإن كانت حبيبته ومؤنسته "العيطموس" محظية جركس باشا والتي تقيم في قصره في يافا ما زالت على قيد الحياة وإن كانت مصابة وتم نهب قصرها. تتجلى القيم الإنسانية في التعامل اللاحق الذي لقيته من يوسف حيث اهتم بها من حيث العلاج والطعام رغم جرحه بفقد أهله، وعندما اشتد عودها عادت للأناضول حيث أهلها ومكان إقامتها. تزخر الرواية بالأفكار التي تدعو للتسامح والتعايش بين البشر بغض النظر عن الدين أو الأصل، ويافا كانت نموذجاً لهذا التعايش حيث من البداية يشير الراوي إلى أن البطل درس في مدارس الراهبات وتحدث عن التجار من مختلف الجنسيات الذين وجدوا مستقرا لهم فيها، قبل أن يدمرها نابليون وتعود مرة أخرى بجهود سكانها، وستعود مرة أخرى لحاضنة الشرق هكذا يقول التاريخ. المرأة في الرواية كانت امرأة ذلك الوقت حيث الدور المحدود للمرأة في الحياة العامة أو بصورة فانتازية حيث الجواري والسبايا ضحايا الصراعات والحروب وكأنها إشارة تحذيرية لما يحدث الآن من مهاترات في الشرق بحق الإنسانية جمعاء وإن كانت المرأة هي الضحية الأكبر. ……. كاتبة وقاصة أردنية. بشعرية تكثر فيها التشبيهات ولغة تنساب بسلاسة وسهولة، وإعلاء لشأن المكان حيث دقة الوصف واللغة المحسوسة، إذ تستطيع أن تشم اللون وتتذوقه وتلمس المراكب ومياه البحر وترى الأضواء بمشاهد سينمائية متتابعة تدفعك للوقوع في مصيدة جمالية السرد وتعيش متنقلاً مع الأبطال من مكان لمكان وفق رؤية السارد الذي تمكن من السير بهدوء وثقة ولغة تستحضر روح "شهرزاد" وعقل المطلع الخبير بالتاريخ وبما يكتب، كتبت رواية راكب الريح للأديب يحيى يخلف. تدور أحداث الرواية في العام 1795 بداية لتواكب الأحداث التي تلتها من حروب ومجازر تعرضت لها يافا المدينة العربية المحتلة والتي ما زالت تقف شاهدةً على أن الحروب ما تزال دائرة وتزداد ضراوة، يافا التي نتنقل فيها بدهشة مدفوعين مشدودين لها عبر أسلوب الراوي السردي الذي أعاد للغة الحكايا بهجتها وحضورها الأنيق. في استحضار لروح البطل الخارق المتفرد وعلى طريقة ألف ليلة وليلة منح الكاتب البطل صفات متعددة بعضها صفات أنبياء وبعضها صفات الأبطال في الحكايا الشعبية على غرار سيرة أبو زيد الهلالي. وبجمال تصويري تسير الأحداث على مهل، لينتقل بنا السارد من فصل لفصل في حياة البطل وحيد والديه والذي ملك من الصفات ما يؤهله ليكون فريد عصره وسط أقرانه، فهو جميل الهيئة، قوي البنية الجسدية، متعلم علوم القرآن بالإضافة للغة الفرنسية التي تعلمها في مدرسة الراهبات، وفنان يجيد الرسم والنقش والرقش والكثير من المهارات المرتبطة فيها، وهذا ما يفتح له باباً للتواصل مع النساء تحديداً، حيث النساء في ذلك العصر يعشن في معزل عن الرجال إلا من كانت لها حاجة، أو الجواري اللواتي يعج فيهن قصر الوالي وبعض القصور المقامة في يافا للمحظيات من الجواري التابعات للبعثات العثمانية وقادة الجيوش. وهذا الاتصال مع الجنس الآخر يفتح باب الحكايا حيث لكل علاقة حكايتها الخاصة ولكل أنثى قصتها التي تشارك فيها في حبكة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالفترة الزمنية التي حدثت فيها أحداث الرواية. ينتقل السرد بعدها ليأخذ منحى آخر مع اضطرار البطل للخروج من يافا حيث أصبح هدفاً "للجندرمة والإنكشارية" بعد أن أعمل فيهم قتلا وذبحا لتجرأهم على المدينة ومنازلها وأسواقها، والبازار الخاص فيه حيث يمارس هوايته في الرسم والنقش. وبانتقال البطل للعيش في الشام تبدأ مرحلة جديدة في حياته وفي الشرق عامة، بداية المرحلة اقتراب البطل من نفسه ومن حقيقة قوته التي تظهر في حال أستثير حيث تغلبه الشهوة ويتعرض للإهانة والضرب مما يدفعه لترك سكنه والبحث عن سكن جديد في خان المدينة، ومن هناك تتسع رقعة الحدث ليصبح الشرق عبر بعض التجار هو المحور للشر القادم من الغرب متمثلاً في حملة نابليون والإنسانية والمحبة المتمثلة بروح الشرق عبر الحكيم الهندي باهر الذي علم يوسف التحكم بقوته الخارقة مقابل نسخ ونقش كتاب يود أن يرسله للغرب يحض على المحبة والتسامح، كاتب شامل يحمل رسائل الشرق بكل طوائفه الدينية حيث التنوع العرقي والديني. لم ينجح الحكيم باهر في التأثير على الغرب الذي ما زال يتخذ من الشرق ساحة للحرب لتصفية حساباته وفق مصالحه وتداخلها، في تتابع الأحداث يعود يوسف ليافا بعد أن علم بالمجازر التي ارتكبتها القوات الفرنسية بقيادة نابليون بحق البلدة وأهلها، ليكتشف بأن أكثر من نصف السكان قد قتلوا بما فيهم أمه وأبيه وأن يافا تحولت لخراب وإن كانت حبيبته ومؤنسته "العيطموس" محظية جركس باشا والتي تقيم في قصره في يافا ما زالت على قيد الحياة وإن كانت مصابة وتم نهب قصرها. تتجلى القيم الإنسانية في التعامل اللاحق الذي لقيته من يوسف حيث اهتم بها من حيث العلاج والطعام رغم جرحه بفقد أهله، وعندما اشتد عودها عادت للأناضول حيث أهلها ومكان إقامتها. تزخر الرواية بالأفكار التي تدعو للتسامح والتعايش بين البشر بغض النظر عن الدين أو الأصل، ويافا كانت نموذجاً لهذا التعايش حيث من البداية يشير الراوي إلى أن البطل درس في مدارس الراهبات وتحدث عن التجار من مختلف الجنسيات الذين وجدوا مستقرا لهم فيها، قبل أن يدمرها نابليون وتعود مرة أخرى بجهود سكانها، وستعود مرة أخرى لحاضنة الشرق هكذا يقول التاريخ. المرأة في الرواية كانت امرأة ذلك الوقت حيث الدور المحدود للمرأة في الحياة العامة أو بصورة فانتازية حيث الجواري والسبايا ضحايا الصراعات والحروب وكأنها إشارة تحذيرية لما يحدث الآن من مهاترات في الشرق بحق الإنسانية جمعاء وإن كانت المرأة هي الضحية الأكبر. ……. كاتبة وقاصة أردنية.