بدأت فعاليات الملتقي بعد الافتتاح، مع الجلسة الأولي بالمسرح الصغير بدار الأوبرا، والتي أدارها الدكتور صلاح فضل، وأكد فيها الناقد إبراهيم فتحي أن تناول الواقع في الرواية هو تكنيك وصنعة وفن وجهد يبذل، ولكن الكتابة الواقعية في العالم العربي الآن باتت كأنها "كلب ميت أو يسهل قتله" وأضاف: "الأدب في فترة الستينيات أعاد النظر في التقنيات الروائية، فأصبح الروائي يري الواقع بعينيه هو لا بأيديولوجية، بينما في التسعينيات ظهرت تقنيات حداثية، حققت قطيعة مع التقنية الواقعية". في حين أكد الناقد المغربي الدكتور محمد برادة أن هناك فرقا كبيرا بين الشكل وتقنيات الرواية، حيث اعتبر مشكلة الشكل تتعلق أساسا بالتخيل، وفي فرنسا حاولوا التخلص من وطأة التخيل إلي التركيز علي السارد، حتي جاء ذلك التيار ليفتح الطريق ويكشف وهم الاندماج، بين التخيل والواقع، وفتح مساحة لجعل القارئ ذا دور جدلي في صنع العمل إلي جانب السارد. تقنيات الرواية الناقدة د.أماني فؤاد تحدثت في جلسة أخري حول تاريخ المنظومة السردية وقالت إن هناك مستويات من التطور في الآليات الفنية، فبعد الراوي العليم المفارق علي سبيل المثال وجدت تقنية "تعدد الأصوات"، بما يتيح تنوعا في سردية الرواية من وجهات نظر مختلفة: "التطور في تقنية كتابة الروية، لا يخضع للأجيال المختلفة، وإنما يعتمد علي إبداع الكاتب وقدرته علي مواكبة ذلك التطور". واتفق معها الدكتور حامد أبو أحمد في أنه خلال العقود الأخيرة حدث تطور كبير في التقنيات الروائية في كل أنحاء العالم: "لم تعد الرواية هي ذلك العالم الإبداعي القائم علي حدث صاعد يبني علي الحكي أو المضمون، وإنما صرنا نفاجأ بتقنيات جديدة معقدة لأنها في الأساس متداخلة، وفيها نوع من عدم الترتيب، أو العودة إلي الماضي، أو تداخل الشخصيات، وغير ذلك من فنون وتقنيات، فالتقنيات الجديدة التي جعلت من الرواية فنا يحتاج إلي امتلاك ثقافة عميقة حتي يمكن تلقيها واستيعابها". الرواية والسينما بينما ذهبت الروائية صفاء النجار إلي محور آخر في ندوة ثالثة، وهو العلاقة بين الرواية والسينما، وتطور البنية الحكائية وتعدد مستويات السرد، فأوضحت أن الرواية لعبت دورا مهما في تاريخ السينما، وكانت رافدا حيويا من روافدها، حيث اعتمدت السينما علي الرواية كثيرا في تقديم أفلام حظيت باهتمام المشاهدين علي مختلف المستويات: "السينما أثرت بذات التأثير علي الرواية من خلال تجديد الأنساق البنائية لتقديم الأحداث، وعلي مدي عقود اختلفت طبيعة المنظور السردي، وتعددت الأصوات وتنوعت علاقتها بنوعية الضمائر ولغة الخطاب الروائي، وفي الوقت ذاته تطورت لغة السينما وأصبح لها آلياتها السردية". مدن وشخصيات ثانوية.. وتحولات وفي اليوم الثاني، بدأت الجلسات مع الدول والعواصم، فمن جانبه أوضح الكاتب والناقد السوري نبيل سليمان، أن الرواية في سوريا أسرعت إلي التعبير عن الزلزال السوري الذي تفجر في 15 مارس 2014، ولايزال، فبلغ عدد الروايات التي تحدثت عنه وتناولته 19 رواية، 7 منها هي أول أعمال لأصحابها، بينما تحدث الكاتب صبحي حديدي، عن الإسكندرية فقال: " تمتعت الإسكندرية بجاذبية عالية لدي أجيال مختلفة من الروائيين المصريين، فتحولت جغرافيتها إلي ميدان متشابك للسرد، كما أن أحياءها اتخذت صفة الشخصيات الروائية والأنماط الإنسانية، كما أن هناك خمسة وجوه للإسكندرية وهي: مدينة الهوية، الذاكرة، المنفي، القرية، الأسطورة". ومن المدن إلي الترميز، حيث تحدثت الكاتبة مني إبراهيم، عن الشخصيات الثانوية بين التهميش والترميز في روايتي "الحرام" ليوسف إدريس، و"آمال عظيمة" لتشارلز ديكنز، فالروايتان تقدمان مجموعة ثرية ومتنوعة من الشخصيات الثانوية يتفنن كلا الكاتبين في خلقها، ولكن إدريس يستخدمها ببعض التميز، دون وجود مايسمي بالشخصيات الرئيسية في نظريات الرواية الحديثة. اللغة.. ثم اللغة وعن الفن الروائي، عبر الكاتب ناصر عراق في ندوة تالية، عن استيائه من تصدر بعض الأعمال لكتاب ليس لديهم قاموس لغوي، أو لغة شعرية تليق بالعمل الروائي: "لا أعتقد أن روائيا جيدا من الممكن أن يقدم أعمالا بلا لغة جيدة، . واتفق معه الكاتب المغربي بنسالم حميش، وزير الثقافة السابق، حيث قال إنه لا يقرأ أي رواية يجد فيها خطأ نحوياً أو لغوياً، وأنه إذا ما وجد في بداية قراءته لرواية خطأ واحدا يقوم بإغلاقها وتوديع مؤلفها: "للأسف الشديد هناك بعض الكتاب يكتبون بأرجلهم، ولا يعطون أي اهتمام للغة أو الأدب، فأنا من أشد المؤمنين بأن الكاتب هو لغته، ومن أهم المهام الملقاة علي عاتق الروائي العربي في عهدنا هذا هو أن يكون في طليعة القائمين علي حماية اللغة العربية وتطويرها، وله في هذا مسئولية، ذلك أن اللغة في عمله الإبداعي هي وعاء هويته وذخيرته الحية، وهي بوتقة حساسيته ومشاعره ومداركه". واستكملت الكاتبة والناقدة أمينة زيدان، مؤكدة علي ما سبق: "ثبات اللغة ضرورة منهجية فقط لا تتصل بالواقع، وفي اعتقادي أن اكتساب اللغة لصفات الكائن الحي هو الأقرب إلي الصحة، فهي "اللغة" تمر بما يمر به الكائن الحي من قوة وضعف وأخذ وعطاء وموت وحياة، فهي ليست فقط تقنية ضمن التقنيات السردية". ومثلها جاءت كلمات الكاتب هدرا جرجس، الذي يري أن اللغة ليست مجرد عتبة ترتقي عليها الرواية حتي تتشكل، فإن كان الأدب بصفة عامة هو فن يتوسل باللغة، فاللغة في الرواية لها خصوصية لا تكفي فيها بكونها مجرد توصيل: أو فصل بعض الفقرات". الرواية والتأريخ وفي نهاية اليوم الثاني، تتالت ندوتان، جاءت الأولي عن التاريخ، حيث قال الناقد الدكتور عبد الرحمن حجازي: "لا شك أن العلاقة بين الأدب والتاريخ علاقة جدلية، وأن النص الذي يوظف التاريخ له جانبان أحدهما تاريخي، والثاني أدبي"، وتحدث تحديدا عن رواية "كوكو سودان كباشي" للروائية سلوي بكر، التي تسرد أوراق الشيخ عثمان عن تاريخ الأورطة المصرية السودانية التي أرسلها الخديو سعيد لتحارب في المكسيك بناء علي طلب الفرنسيين الذين لم تتمكن قواتهم من الصمود هناك لسوء الطقس وانتشار الأوبئة وقسوة البيئة، وهذه الأوراق إضافة إلي المتعة السردية التي تقدمها الرواية، فإنها تحمل الكثير من الدلالات الأخري التي تشكل العصب الرئيسي لرؤية الكاتبة. في حين تناول الناقد الدكتور عزوز علي إسماعيل، رواية "شوق الدراويش" للروائي السوداني حمور زيادة، التي تحاول شرح القضية التاريخية بين الشرق والغرب، حيث تعرض في الرواية لفكرة قهر الحكم التركي للشعب السوداني، بكتابة حميمية مسرودة علي لسان بطل الرواية "بخيت منديل" الذي حاول أن يثبت طوال السرد أن الشوق هو الذي يسكن القلب ثم يأتي بعد ذلك الحب. بينما الروائية السورية لينا الحسن، فتري أن الرواية بشكل عام دائمة الاستفادة من الموروث الثقافي والاجتماعي والسياسي، ويعد تراث الأمم خلفية دائمة الحضور في ذاكرة الروائي، ولا يمكن بشكل أو بآخر تجاهل التاريخ: "الرواية العربية متأثرة علي سبيل المثال ب"ألف ليلة وليلة" السردية، التي أعتمدت الرواية العربية علي فهم فنيات وتقنيات السرد من خلالها، والحكي وصناعة الأسطورة، ولأنها كانت محكمة مازالت تطل برأسها بين الحين والآخر، ولا يمكن إنكار أن الرواية العربية دائمة التوجه إلي أجواء سردية مغايرة، علي مستوي السرد، والحكي، وصناعة الصورة، ومع تطور الرواية، أصبح الموروث الثقافي الجمعي الآن أرضية واحدة تقف عليها الرواية الحديثة". الحداثة والتفاصيل أما الثانية فجاءت متنوعة، من جانبها اهتمت الكاتبة شهلا العجيلي بإشكالية الهجنة في المعمار الروائي، والتي تعود إلي بواكير تشكل فن الرواية في البينية الاجتماعية الثقافية العربية، وذلك منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر: "إنها إشكالية دالة علي صدام نسقي، فمشروع الحداثة مايزال قائما حتي اليوم وفقا للظرف الثقافي بما يحمله من تحولات اجتماعية ودينية وسياسية ومعرفة".