التعليم تطلق دورات تدريبية لمعلمي الابتدائي على المناهج المطورة عبر منصة (CPD)    رسميا.. جامعة الأزهر 2025 تفتتح أول كلية للبنات في مطروح وتعلن عن تخصصات جديدة    نشرة التوك شو| موجة حارة جديدة.. وشعبة السيارات تكشف سبب انخفاض الأسعار    فلسطين.. مدفعية الاحتلال تكثف قصفها وسط جباليا بالتزامن مع نسف مباني سكنية شمالي غزة    طارق فهمي: الإعلان الأممي عن تفشي المجاعة في غزة يعكس حجم الكارثة الإنسانية    بوتين: واثق أن خبرة ترامب ستسهم في استعادة العلاقات الثنائية بين بلدينا    وزير الخارجية الأردني: على إسرائيل رفع حصارها عن قطاع غزة والسماح بإيصال المساعدات    الإنتاج الحربي يستهل مشواره بالفوز على راية الرياضي في دوري المحترفين    المستشار القانوني للزمالك يتحدث عن.. التظلم على سحب أرض أكتوبر.. وأنباء التحقيق مع إدارة النادي    بهدف رويز.. باريس سان جيرمان ينجو من فخ أنجيه في الدوري الفرنسي    مواعيد مباريات دوري المحترفين المصري اليوم السبت    رسميا.. مدرسة صناعة الطائرات تعلن قوائم القبول للعام الدراسي الجديد 2025/ 2026    ويجز يشعل حماس جمهور حفله في العلمين الجديدة بأغنيتي "الأيام" و"الدنيا إيه"    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه    مدحت صالح يتألق بغناء حبيبى يا عاشق وزى المليونيرات بحفله فى مهرجان القلعة    ابنة سيد مكاوي عن شيرين عبدالوهاب: فقدت تعاطفي بسبب عدم مسؤوليتها    5 تصريحات جريئة ل محمد عطية: كشف تعرضه للضرب من حبيبة سابقة ويتمنى عقوبة «مؤلمة» للمتحرشين    تنسيق الشهادات المعادلة 2025، قواعد قبول طلاب الثانوية السعودية بالجامعات المصرية    وزير الري يشارك في جلسة "القدرة على الصمود في مواجهة التغير المناخي بقطاع المياه"    في ظهوره الأول مع تشيلسي، إستيفاو ويليان يدخل التاريخ في الدوري الإنجليزي (فيديو)    تشيلسي يقسو على وست هام بخماسية في الدوري الإنجليزي (فيديو)    مصدر ليلا كورة: كهربا وقع عقدا مع القادسية الكويتي    غزل المحلة يبدأ استعداداته لمواجهة الأهلي في الدوري.. صور    ارتفاع الكندوز 39 جنيها، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    اليوم، دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ربيع الأول لعام 1447 هجريا    سليم غنيم يحافظ على الصدارة للعام الثاني في سباقات الحمام الزاجل الدولية    في لحظات.. شقة تتحول إلى ساحة من اللهب والدخان    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    استقالة وزير الخارجية الهولندي بسبب موقف بلاده من إسرائيل    إسرائيل تشن هجومًا على مخازن تابعة لحزب الله في لبنان    قطع المياه عن بعض المناطق بأكتوبر الجديدة لمدة 6 ساعات    خطة عاجلة لتحديث مرافق المنطقة الصناعية بأبو رواش وتطوير بنيتها التحتية    تحت عنوان كامل العدد، مدحت صالح يفتتح حفله على مسرح المحكي ب "زي ما هي حبها"    3 أبراج على موعد مع التفاؤل اليوم: عالم جديد يفتح الباب أمامهم ويتلقون أخبارا مشجعة    خيرى حسن ينضم إلى برنامج صباح الخير يا مصر بفقرة أسبوعية على شاشة ماسبيرو    المنوفية تقدم أكثر من 2.6 مليون خدمة طبية ضمن حملة 100 يوم صحة    صحة المنوفية تواصل حملاتها بسرس الليان لضمان خدمات طبية آمنة وذات جودة    كتر ضحك وقلل قهوة.. طرق للتخلص من زيادة هرمون التوتر «الكورتيزول»    نجاح عملية جراحية دقيقة لاستئصال ورم ليفي بمستشفى القصاصين فى الإسماعيلية    نتيجة تنسيق رياض الأطفال والصف الأول الابتدائي الأزهر الشريف 2025 خلال ساعات.. «رابط مباشر»    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 23 أغسطس 2025    قدم لكلية الطب وسبقه القدر.. وفاة طالب أثناء تركيبه ميكروفون لمسجد في قنا    ظهور مفاجئ ل «منخفض الهند».. تحذير بشأن حالة الطقس اليوم: القاهرة تُسجل 40 مئوية    القضاء على بؤرة إجرامية خطرة بأشمون خلال تبادل النار مع قوات الشرطة    ضبط 1954 مخالفة ورفع كفاءة طريق «أم جعفر – الحلافي» ورصف شارع الجيش بكفر الشيخ    أخبار × 24 ساعة.. موعد انطلاق العام الدراسى الجديد بالمدارس الدولية والرسمية    مقتل عنصر من الأمن السورى فى هجوم انتحارى نفذه "داعش" بدير الزور    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. الدفاع الروسية: سيطرنا على 9 بلدات فى أوكرانيا خلال أسبوع .. وزيرة خارجية سلوفينيا: المجاعة مرحلة جديدة من الجحيم فى غزة.. إسرائيل عطلت 60 محطة تحلية مياه فى غزة    منها الإقلاع عن التدخين.. 10 نصائح للحفاظ على صحة عينيك مع تقدمك فى العمر (تعرف عليها)    خدعوك فقالوا: «الرزق مال»    هل يجوز شرعًا معاقبة تارك صلاة الجمعة بالسجن؟.. أحمد كريمة يجيب    هل إفشاء السر بدون قصد خيانة أمانة وما حكمه؟ أمين الفتوى يجيب    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    شنوان.. القرية التي جعلت من القلقاس جواز سفر إلى العالم| صور    محافظ مطروح ورئيس جامعة الأزهر يفتتحان كلية البنات الأزهرية بالمحافظة    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    سعر طن الحديد الاستثماري وعز والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 22 أغسطس 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مأساة أفغانستان ترهق خالد حسيني
نشر في صوت البلد يوم 18 - 02 - 2016

رواية الكاتب الأفغاني خالد حسيني الثالثة «وردّدت الجبال الصدى» صدرت ترجمتها العربية عن دار بلومزبري- مؤسسة قطر للنشر وأنجز الترجمة إيهاب عبدالحميد في صيغة سلسة لا يشوبها سوى أخطاء متسرّعة كان يمكن تلافيها بالمراجعة. يضفي الطبيب والكاتب الأفغاني تعقيداً جميلاً على شخصياته غاب عن روايتيه الأوليين، وينزع عن بعض نسائه صفة الضحية ليجعلهن من الجلادين. على أن حسيني يتمسك بالزخم العاطفي الغامر وحقّه في الإدلاء بشهادته الغاضبة من بشاعات الطبيعة الإنسانية وازدواجيتها خصوصاً في الحرب. تتجلى حرب بلاده، التي لم يتطهّر منها بعد، بالانهيار والخسارة، بما فيها فقدان الفرص والتعويض مهما كان البديل قليلاً. تبلغ الدراما حدّ الميلودراما، وحتى القادرون على الهرب من الجحيم لا يجدون الجنة الموعودة لعجزهم عن قطع الصلة بالقديم والانتماء الى الجديد. يفصّل حسيني حركة الحياة داخلاً وخارجاً بعين حساسة، ويقطع السرد برسالة ومقابلة صحافية، على أنه يمدّد نثره أطول مما يجب، ويقحم صوت الطبيب اليوناني الزائد عن الحاجة بإعطائه تسعين صفحة بينها اثنتان فقط عن زيارة باري منزلها في كابول.
حكاية صبور
تبدأ «وردّدت الجبال الصدى» في 1952 بحكاية يرويها صبور لطفليه، عبدالله وباري، عن فلاح يضطرّه فقره الى إبقاء ابنه المخطوف مع الغول الذي يوفّر له عيشاً رغيداً سعيداً. ستقلّد الحياة الفن حين يبيع صبور باري، ابنة الثالثة، لأسرة وَحداتي الثرية في كابول. توفّيت والدتها وهي تضعها، وتزوج صبور ثانية من بروانة التي تخفي سرّاً رهيباً. رعى عبدالله شقيقته بعاطفة أم، وقايض حذاءه بريشة طاووس لكي تضمّها الى مجموعتها. ذهب صبور مشياً الى كابول ليطيل زمن بقاء ابنته معه، وترجم قهره من فعله بقطع شجرة البلوط العملاقة التي ربط فيها أرجوحة لطفليه، وقيل إنها سحرية تلبّي الأمنيات. منع عبدالله من البكاء، فانتظر الطفل الربيع لكي يغادر قريته لإحساسه أنه لم يعد يملك بيتاً فيها. كان نبي، شقيق بروانة، صاحب فكرة بيع الطفلة ظناً منه أنه يفعل خيراً، وطمعاً بحب السيدة نيلا وَحداتي العاقر.عمل سائقاً لدى الأسرة، وزار القرية بسيارة مخدومه الكبيرة اللامعة، فتباهت العائلة بنجاحه. قاطع صبور نبي بعد عملية البيع الأليم، ومات مقهوراً في الأربعين وهو يعمل في الحقل.
كانت نيلا في العشرين حين تزوجت سليمان وحداتي. شابة جميلة، فرنسية الأم، أفغانية الأب اختارت الهوية الأوروبية، وكثرت علاقاتها فساءت سمعتها. أقامت علاقات مع من دونها طبقة بمن فيهم ابن الخادم، وكتبت قصائد صريحة عنها. لم يكن زواج حب، وتستّر نبي عليها حين خانت زوجها، وأحس لافتتانه بها أنه هو الزوج المخدوع. رغب في أن يعطيها ما لا يستطيع حتى زوجها منحها إياه، وبكت حين أخبرها عن باري. «نظرت إليّ بامتنان وبشيء- كنت واثقاً من ذلك- أشبه بالحب» في الصفحة 138. حين أصيب زوجها بجلطة قوية شلّت نصف جسمه هجرته وغادرت الى باريس مع باري. قالت لنبي عبارة لم يفهمها الى أن اكتشف أن سيده أحبه. بعد وفاة الأخير يرث نبي أملاكه، ويستقبل الدكتور ماركوس فارفاريس، جراح التجميل اليوناني، مجاناً في بيته امتناناً لتطوعه لعلاج مشوّهي الحرب. ينقبض قلبه كلما تذكّر كيف فصل عبدالله وباري «الطفلين العاجزين اللذين تجسّد فيهما الحب بأبسط وأنقى صوره». في عقده السابع يكتب الى الطبيب ليرجوه العثور على باري وإخبارها عن أسرتها.
تبرهن نيلا أنها لا تصلح إلا لنفسها. كانت باري في العاشرة حين تركتها وحدها لتمضي نهاية الأسبوع مع صديقها. قصة الغول الذي يخطف الأطفال ليمنحهم حياة أفضل لا تنطبق على باري. لم توفّر نيلا السعادة لها، وكان عليها منذ طفولتها أن تكون هي الراعية، إذ تسبّب إدمان والدتها على الكحول بدخولها المستشفى باستمرار. أغوت الرجال بسلاسة وكبرت ابنتها بعشرين عاماً فقط، وكانت أجمل منها، وأثار شعرها الاهتمام في فرنسا. لم تشبه باري أياً من والديها، ولم تجد لدى أمها الصمغ الذي احتاجته لتلصق أجزاءها المبعثرة. لم تلبّ حاجة باري الى أسرة، وكذبت حين قالت أن والدها توفّي وهي في السادسة. مع ذلك صرّحت نيلا في مقابلة مع مجلة فرنسية بأن ابنتها عقابها، وانتحرت قبل صدور العدد وهي في الرابعة والأربعين.

امرأة الهدم
بروانة امرأة أخرى قادرة على الهدم الذي يبلغ حدّ القتل. كانت ومعصومة توأمين، لكن الشقيقة نعمت بجمال باهر في حين مُنحت وجهاً ثقيلاً، كئيباً، معصمين ثقيلين وكتفين رجوليين. حسدت معصومة، ورغبت في أن تُشاهد معها في آن، وسرقت دفتراً لصبور لكي يكتب قصصه عليه وهي في التاسعة. تجلس الشقيقتان على غصن شجرة البلوط، وهما في السابعة عشرة، وتخبر معصومة شقيقتها أن صبور سيطلبها للزواج.
تدفعها بروانة، فتقع وتُشلّ، ويعتني الجلّاد بالضحية الى أن تيأس هذه من عجزها وتطلب الخلاص النهائي من بروانة، فتلبّي. لا تجد السعادة التي حلمت بها حين تتزوج صبور. يموت ابنها البكر رضيعاً من البرد قبل رحيل والده، ثم يُقتل ابنها الثاني إقبال بعده بأمر من أمير حرب استولى على أملاك القرية وبنى أخرى جديدة بفضل معمل المخدرات الذي أنشأه.
كان إدريس وتيمور ابنَي عم يلهوان بطائرات الورق في الشارع نفسه حيث سكن سليمان وحداتي. يهاجران مراهقين الى كاليفورنيا، ويدرسان الطبّ، ويزوران كابول لاسترجاع منزل العائلة المصادَر. لا يفكر نبي بالطبع في سؤالهما عن عبدالله، شقيق باري، لكن هذا من مرضى الدكتور إدريس الذي يصحب أسرته الى مطعم عبدالله الصغير. يصعق الطبيب الشاب حين يزور المستشفى، ويرى روشي التي خرجت كتلة من دماغها من رأسها. غضب عمها من توريث والدها منزل العائلة، وقتل والديها وشقيقتها بالبلطة. يتعلّق إدريس بالطفلة، ويعزم على مساعدتها على السفر الى أميركا للعلاج. لكنه يخذلها مثل مهاجرين عائدين كثر التقطوا صورتها كما لو كانت حيواناً في حديقة، ويساعدها بدلاً منه ابن عمّه تيمور، الكاذب، المحتال، السلس اجتماعياً. يقابل حسيني أمثال إدريس بالأخصائيين الأوروبيين، خصوصاً ماركوس المسيحي وأمرا البوسنية المسلمة، الذين يخاطرون بحياتهم بمجرد وجودهم في أفغانستان. يعزّز ماركوس التزامه الإنساني الرفيع حين ينجح في سدّ الثغرة في حياتها وجمعها بشقيقها، لكن هذا لا يعرفها حين يلتقيها لإصابته بخرف الشيخوخة. يُراكم حسيني المزيد من المآسي لتصوير أهوال الخسارة، فباري نفسها ترمّلت قبل الخمسين، وإصابتها بداء المفاصل تؤلم وتعيق.
يترجم إيهاب عبدالحميد اسم العائلة «وحدتي»، لكنني اخترت «وَحداتي» منعاً لالتباسها مع كلمة «وحدة». يستخدم كلمات «مِضيفة، بطاطين، معاتيه، تقتيل وناضر» في الصفحات 43 و44 و86 و163 و106 بدلاً من «دار أو غرفة ضيافة وبطانيات وعتهاء وقتل ونَضِر». يقول: «كان مثل الجديد» و «أهذّب شعره» و «يجرب يديه في الرسم» و «سنجعلك بخير» و «ابنا عمومة» و «أحذية عالية الرقبة» و «تعرفين شيئاً أو اثنين» و «سقطت مريضة» و «تستقبل مكالمة» في الصفحات 69 و157 و158 و168 و181 و219 و260 و284 و308 بدلاً من «بدا جديداً وأسرّح شعره ويحاول الرسم وسنساعدك ليتحسّن وضعك و «ابنا عم» وأحذية عالية أو جزمة وتعرفين الكثير ومرضت وتتلقى مكالمة». في الصفحة 79 يذكر شقيقين ملتصقين من سيام، والصحيح أن التوأمين الملتصقين سياميان دائماً بصرف النظر عن مكان إقامتهما. على أن الترجمة شاقّة دائماً، وإيهاب عبدالحميد نجح في الحفاظ على انسياب النص وطراوته.
رواية الكاتب الأفغاني خالد حسيني الثالثة «وردّدت الجبال الصدى» صدرت ترجمتها العربية عن دار بلومزبري- مؤسسة قطر للنشر وأنجز الترجمة إيهاب عبدالحميد في صيغة سلسة لا يشوبها سوى أخطاء متسرّعة كان يمكن تلافيها بالمراجعة. يضفي الطبيب والكاتب الأفغاني تعقيداً جميلاً على شخصياته غاب عن روايتيه الأوليين، وينزع عن بعض نسائه صفة الضحية ليجعلهن من الجلادين. على أن حسيني يتمسك بالزخم العاطفي الغامر وحقّه في الإدلاء بشهادته الغاضبة من بشاعات الطبيعة الإنسانية وازدواجيتها خصوصاً في الحرب. تتجلى حرب بلاده، التي لم يتطهّر منها بعد، بالانهيار والخسارة، بما فيها فقدان الفرص والتعويض مهما كان البديل قليلاً. تبلغ الدراما حدّ الميلودراما، وحتى القادرون على الهرب من الجحيم لا يجدون الجنة الموعودة لعجزهم عن قطع الصلة بالقديم والانتماء الى الجديد. يفصّل حسيني حركة الحياة داخلاً وخارجاً بعين حساسة، ويقطع السرد برسالة ومقابلة صحافية، على أنه يمدّد نثره أطول مما يجب، ويقحم صوت الطبيب اليوناني الزائد عن الحاجة بإعطائه تسعين صفحة بينها اثنتان فقط عن زيارة باري منزلها في كابول.
حكاية صبور
تبدأ «وردّدت الجبال الصدى» في 1952 بحكاية يرويها صبور لطفليه، عبدالله وباري، عن فلاح يضطرّه فقره الى إبقاء ابنه المخطوف مع الغول الذي يوفّر له عيشاً رغيداً سعيداً. ستقلّد الحياة الفن حين يبيع صبور باري، ابنة الثالثة، لأسرة وَحداتي الثرية في كابول. توفّيت والدتها وهي تضعها، وتزوج صبور ثانية من بروانة التي تخفي سرّاً رهيباً. رعى عبدالله شقيقته بعاطفة أم، وقايض حذاءه بريشة طاووس لكي تضمّها الى مجموعتها. ذهب صبور مشياً الى كابول ليطيل زمن بقاء ابنته معه، وترجم قهره من فعله بقطع شجرة البلوط العملاقة التي ربط فيها أرجوحة لطفليه، وقيل إنها سحرية تلبّي الأمنيات. منع عبدالله من البكاء، فانتظر الطفل الربيع لكي يغادر قريته لإحساسه أنه لم يعد يملك بيتاً فيها. كان نبي، شقيق بروانة، صاحب فكرة بيع الطفلة ظناً منه أنه يفعل خيراً، وطمعاً بحب السيدة نيلا وَحداتي العاقر.عمل سائقاً لدى الأسرة، وزار القرية بسيارة مخدومه الكبيرة اللامعة، فتباهت العائلة بنجاحه. قاطع صبور نبي بعد عملية البيع الأليم، ومات مقهوراً في الأربعين وهو يعمل في الحقل.
كانت نيلا في العشرين حين تزوجت سليمان وحداتي. شابة جميلة، فرنسية الأم، أفغانية الأب اختارت الهوية الأوروبية، وكثرت علاقاتها فساءت سمعتها. أقامت علاقات مع من دونها طبقة بمن فيهم ابن الخادم، وكتبت قصائد صريحة عنها. لم يكن زواج حب، وتستّر نبي عليها حين خانت زوجها، وأحس لافتتانه بها أنه هو الزوج المخدوع. رغب في أن يعطيها ما لا يستطيع حتى زوجها منحها إياه، وبكت حين أخبرها عن باري. «نظرت إليّ بامتنان وبشيء- كنت واثقاً من ذلك- أشبه بالحب» في الصفحة 138. حين أصيب زوجها بجلطة قوية شلّت نصف جسمه هجرته وغادرت الى باريس مع باري. قالت لنبي عبارة لم يفهمها الى أن اكتشف أن سيده أحبه. بعد وفاة الأخير يرث نبي أملاكه، ويستقبل الدكتور ماركوس فارفاريس، جراح التجميل اليوناني، مجاناً في بيته امتناناً لتطوعه لعلاج مشوّهي الحرب. ينقبض قلبه كلما تذكّر كيف فصل عبدالله وباري «الطفلين العاجزين اللذين تجسّد فيهما الحب بأبسط وأنقى صوره». في عقده السابع يكتب الى الطبيب ليرجوه العثور على باري وإخبارها عن أسرتها.
تبرهن نيلا أنها لا تصلح إلا لنفسها. كانت باري في العاشرة حين تركتها وحدها لتمضي نهاية الأسبوع مع صديقها. قصة الغول الذي يخطف الأطفال ليمنحهم حياة أفضل لا تنطبق على باري. لم توفّر نيلا السعادة لها، وكان عليها منذ طفولتها أن تكون هي الراعية، إذ تسبّب إدمان والدتها على الكحول بدخولها المستشفى باستمرار. أغوت الرجال بسلاسة وكبرت ابنتها بعشرين عاماً فقط، وكانت أجمل منها، وأثار شعرها الاهتمام في فرنسا. لم تشبه باري أياً من والديها، ولم تجد لدى أمها الصمغ الذي احتاجته لتلصق أجزاءها المبعثرة. لم تلبّ حاجة باري الى أسرة، وكذبت حين قالت أن والدها توفّي وهي في السادسة. مع ذلك صرّحت نيلا في مقابلة مع مجلة فرنسية بأن ابنتها عقابها، وانتحرت قبل صدور العدد وهي في الرابعة والأربعين.

امرأة الهدم
بروانة امرأة أخرى قادرة على الهدم الذي يبلغ حدّ القتل. كانت ومعصومة توأمين، لكن الشقيقة نعمت بجمال باهر في حين مُنحت وجهاً ثقيلاً، كئيباً، معصمين ثقيلين وكتفين رجوليين. حسدت معصومة، ورغبت في أن تُشاهد معها في آن، وسرقت دفتراً لصبور لكي يكتب قصصه عليه وهي في التاسعة. تجلس الشقيقتان على غصن شجرة البلوط، وهما في السابعة عشرة، وتخبر معصومة شقيقتها أن صبور سيطلبها للزواج.
تدفعها بروانة، فتقع وتُشلّ، ويعتني الجلّاد بالضحية الى أن تيأس هذه من عجزها وتطلب الخلاص النهائي من بروانة، فتلبّي. لا تجد السعادة التي حلمت بها حين تتزوج صبور. يموت ابنها البكر رضيعاً من البرد قبل رحيل والده، ثم يُقتل ابنها الثاني إقبال بعده بأمر من أمير حرب استولى على أملاك القرية وبنى أخرى جديدة بفضل معمل المخدرات الذي أنشأه.
كان إدريس وتيمور ابنَي عم يلهوان بطائرات الورق في الشارع نفسه حيث سكن سليمان وحداتي. يهاجران مراهقين الى كاليفورنيا، ويدرسان الطبّ، ويزوران كابول لاسترجاع منزل العائلة المصادَر. لا يفكر نبي بالطبع في سؤالهما عن عبدالله، شقيق باري، لكن هذا من مرضى الدكتور إدريس الذي يصحب أسرته الى مطعم عبدالله الصغير. يصعق الطبيب الشاب حين يزور المستشفى، ويرى روشي التي خرجت كتلة من دماغها من رأسها. غضب عمها من توريث والدها منزل العائلة، وقتل والديها وشقيقتها بالبلطة. يتعلّق إدريس بالطفلة، ويعزم على مساعدتها على السفر الى أميركا للعلاج. لكنه يخذلها مثل مهاجرين عائدين كثر التقطوا صورتها كما لو كانت حيواناً في حديقة، ويساعدها بدلاً منه ابن عمّه تيمور، الكاذب، المحتال، السلس اجتماعياً. يقابل حسيني أمثال إدريس بالأخصائيين الأوروبيين، خصوصاً ماركوس المسيحي وأمرا البوسنية المسلمة، الذين يخاطرون بحياتهم بمجرد وجودهم في أفغانستان. يعزّز ماركوس التزامه الإنساني الرفيع حين ينجح في سدّ الثغرة في حياتها وجمعها بشقيقها، لكن هذا لا يعرفها حين يلتقيها لإصابته بخرف الشيخوخة. يُراكم حسيني المزيد من المآسي لتصوير أهوال الخسارة، فباري نفسها ترمّلت قبل الخمسين، وإصابتها بداء المفاصل تؤلم وتعيق.
يترجم إيهاب عبدالحميد اسم العائلة «وحدتي»، لكنني اخترت «وَحداتي» منعاً لالتباسها مع كلمة «وحدة». يستخدم كلمات «مِضيفة، بطاطين، معاتيه، تقتيل وناضر» في الصفحات 43 و44 و86 و163 و106 بدلاً من «دار أو غرفة ضيافة وبطانيات وعتهاء وقتل ونَضِر». يقول: «كان مثل الجديد» و «أهذّب شعره» و «يجرب يديه في الرسم» و «سنجعلك بخير» و «ابنا عمومة» و «أحذية عالية الرقبة» و «تعرفين شيئاً أو اثنين» و «سقطت مريضة» و «تستقبل مكالمة» في الصفحات 69 و157 و158 و168 و181 و219 و260 و284 و308 بدلاً من «بدا جديداً وأسرّح شعره ويحاول الرسم وسنساعدك ليتحسّن وضعك و «ابنا عم» وأحذية عالية أو جزمة وتعرفين الكثير ومرضت وتتلقى مكالمة». في الصفحة 79 يذكر شقيقين ملتصقين من سيام، والصحيح أن التوأمين الملتصقين سياميان دائماً بصرف النظر عن مكان إقامتهما. على أن الترجمة شاقّة دائماً، وإيهاب عبدالحميد نجح في الحفاظ على انسياب النص وطراوته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.