يعتبر الطيب الصديقي الذي رحل الجمعة رائدا من رواد تأصيل المسرح في الثقافة العربية على صعيد الشكل والمضمون فقد قدم للمسرح العربي تجربة جديدة بعد أن درس المسرح في أوروبا واستلهم في تجربته المسرحية تراث المغرب العربي على وجه الخصوص والتراث العربي والإسلامي على وجه العموم، بقصد إيجاد الخصوصية الجمالية للمسرح العربي منطلقا من إيمانه بإمكانيات التراث العربي والإسلامي في إيجاد المحتوى الصالح للدراما وإضفاء الروح العربية على هذه المادة. فالصديقي الذي درس المسرح في فرنسا عاد بعد إتمام دراسته ليكرس جهوده ويعمق بحوثه الدرامية ليقدم مسرحا يتلاءم مع المجتمع المغربي مستفيدا من دراسته أولا ومن المخزون التراثي والخصوصية للمجتمع العربي ثانيا فقدم تجارب مثل مسرحياته: "سيدي عبد الرحمن المجدوب"، و "مقامات بديع الزمان الهمذاني"، منسلخا فيها عن الاقتباسات الغربية ومتمسكا بالأشكال المعروفة في المسرح المغربي القديم كالبساط والحلقة. وتستمر جهوده بعد ذلك ليؤسس في موسم 1960- 1967 مجموعة مسرحية مركزها " المسرح البلدي بالدار البيضاء" بدأ فيه بتقديم مسرحية "الحسناء" التي اقتبسها عن "أسطورة ليدي كويغا لجان كسانو، ومسرحية "الوارث" اقتبسها مع احمد الطيب العلج ثم مسرحية " مولات الفندق" عن كارلو جولودني، و"محبوبة" عن "مدرسة النساء" لموليير. وفي سنة 1962 غادر المسرح البلدي، قدم مسرحية "في انتظار مبروك" التي اقتبسها عن "في انتظار غودو" لصمويل بيكيت ثم نظم جولات عبر تونسوالجزائر. يعود الصديقي بعد هذا ليبرز شخصيات مغربية في المسرح فعمل مسرحية "حميد وحماد" وأخرج مسرحية "وادي المخازن" ثم يعود أيضا إلى مسرح اللامعقول بعد مسرحيته "في انتظار مبروك" بمسرحية "موموبو خوصة" عن مسرحية "اميدي أو كيف نتخلص منه" ليونسكو، حيث قدمها 38 مرة بمسرح محمد الخامس بالرباط، ثم عين مديرا في سنة 1965 للمسرح البلدي بالدار البيضاء، إذ شكل فرقة محترفة وكانت مرحلة فاصلة في حياته إذ تحول بصفة نهائية عن مسرح اللامعقول ليهتم بالمسرح المغربي والتاريخي والتراث المغربي والعربي. وكانت مسرحية "سلطان الطلبة" أولى أعماله مع فرقته الجديدة التي اشترك في تأليفها مع عبد الصمد الكنفاوي، وأنجز بعد ذلك "في الطريق" أو "سيدي ياسين في الطريق" فيما بعد تأليفا وإخراجا، وعرضها بالمغرب 27 عرضا و 18 في الجزائر. ثم اشتغل مسرحية "طالب ضيف الله" التي اقتبسها احمد الطيب العلج عن "طلب زواج" لتشيكوف. وتبدأ بعد هذه الإنجازات أهم أعمال الصديقي التي أحيى بها التراث ويقدم من خلالها إبداعاته وقدراته الخاصة كمخرج وممثل وهي مسرحيته "ديوان سيدي عبد الرحمن المجذوب" التي تترابط في احداث يبرز فيها الصديقي كعالم بتجارب الناس، ومتصوف وفقيه. وقد مثلت أكثر من 80 مرة على المسرح ولاقت إعجاب الجمهور ونجاحا لافتا ودراسات نقدية كثيرة. في 1969 قدم في المهرجان الإفريقي، "مذكرات احمد" لكوكول بعد تقديم مسرحية "الاكباش يتمرنون" للطيب العلج، وفي 1976 قدم فنا جديدا بعد مسرحية "ديوان سيدي عبد الرحمن المجذوب" و"المقامات" بمسرحية جديدة من تأليف عز الدين المدني وإخراجه وهي "الغفران" عن رسالة الغفران للمعري وعرضها في الرباط والدار البيضاء. وقد اهتم الصديقي في أعماله بموروث بلده المغرب، من خلال تناوله لشخصيات ووقائع محلية، وتخلصه في تقديمه لهذه الاعمال من الهيمنة الغربية في الشكل أيضا وحاول التقريب كثيرا بين ما درسه في اوروبا وبين ما قدمه برؤية فيها خصوصية الثقافة العربية وخصوصية المجتمع العربي وبالذات المجتمع المغربي. وكان للصديقي وخصوصية ما أنجزه في المسرح المغربي والعربي على حد سواء، تفرد واضح حيث تأثر باتجاهه الكثير من المسرحيين العرب وخاصة في مسرحيته الشهيرة: "مقامات بديع الزمان الهمذاني" التي تمثل محاولة من الصديقي لاستمرار التراث العربي وإعادة صياغته بحيث يصبح مادة لمسرح عربي قرب إلى أذهان الجمهور مادة التراث العربي بشكل لافت ومحبب. وكان الصديقي يرى في تجربته الفنية والمسرحية أن "المسرح في البلاد العربية يجب أن يكون من النوع التام (الشامل)، أي يحتوي على كل العناصر المسرحية من رقص وغناء ودراما.. الخ، كذلك يجب دراسة كل ما شعبي بالتفصيل، والأخذ عنه بشكل مستمر" لذلك فقد قام برحلات فنية وجولات في كل المدن والقرى، وسجل الأغاني والأقاصيص والأساطير والأشعار والموسيقى، والنكت الشعبية والتعابير اللطيفة، ودرس كل الأشكال الشعبية المسرحية الموجودة في المغرب ليقدمها على مسرحه، مطلعا على تاريخ شعبه ومستوحيا فنه ليقدم صوراً فنية جديدة. وفي استلهام الصديقي للتاريخ العربي والإسلامي فلسفة خاصة فهو عنده يحمل قوة دافعة وفعلا ثوريا باتجاه المستقبل، ولا يعتبر الماضي منفصلا عن الحاضر والمستقبل بقدر ما هو حلقة خاصة ومهمة منه وقد قال عن علاقته بالتاريخ "سألوني لماذا التاريخ؟.. وهل عصرنا بحاجة إلى أن يبعث موتاه؟ كان جوابي، نعم فبدلاً من أن ننظر إلى هذا القرن، اتجهت أنظارنا إلى الوراء، ولم تفعل ذلك؟ إلا أننا نملك عن الماضي تطوراً سياسياً أكثر مما نملك عن الحاضر، وإذا كان يعتبر عملي، بسيكو درامة تاريخية، فإني لم أحرص على إبراز المصير المأساوي للأبطال فحسب، بل أردت عرض وثيقة سياسية لهذا العصر. ثم أن محاولة التخلي عن هذا الإسقاط في الماضي يعد إهمالاً لتجارب شعب بأكمله وصراعاته وآلامه، ونكراناً لأعمال أجيال سابقة، تحملت أنبل التضحيات ولو بأراقة دمائها، أننا لا نقبل الدراما التاريخية كحقيقة متجسدة تربط الماضي بالحاضر". وظل الصديقي في كل تجاربه المسرحية حتى أعماله الأخيرة وفيا ومخلصا لمشروعه الخاص في البحث عن الهوية التي جعلته أكثر أصالة وتأصلا في تاريخه وجمع بين الأصالة والمعاصرة وبين الهم الوطني والهم العالمي في تجربة جديدة غيرت من مسار المسرح المغربي والمسرح العربي بشكل عام. يعتبر الطيب الصديقي الذي رحل الجمعة رائدا من رواد تأصيل المسرح في الثقافة العربية على صعيد الشكل والمضمون فقد قدم للمسرح العربي تجربة جديدة بعد أن درس المسرح في أوروبا واستلهم في تجربته المسرحية تراث المغرب العربي على وجه الخصوص والتراث العربي والإسلامي على وجه العموم، بقصد إيجاد الخصوصية الجمالية للمسرح العربي منطلقا من إيمانه بإمكانيات التراث العربي والإسلامي في إيجاد المحتوى الصالح للدراما وإضفاء الروح العربية على هذه المادة. فالصديقي الذي درس المسرح في فرنسا عاد بعد إتمام دراسته ليكرس جهوده ويعمق بحوثه الدرامية ليقدم مسرحا يتلاءم مع المجتمع المغربي مستفيدا من دراسته أولا ومن المخزون التراثي والخصوصية للمجتمع العربي ثانيا فقدم تجارب مثل مسرحياته: "سيدي عبد الرحمن المجدوب"، و "مقامات بديع الزمان الهمذاني"، منسلخا فيها عن الاقتباسات الغربية ومتمسكا بالأشكال المعروفة في المسرح المغربي القديم كالبساط والحلقة. وتستمر جهوده بعد ذلك ليؤسس في موسم 1960- 1967 مجموعة مسرحية مركزها " المسرح البلدي بالدار البيضاء" بدأ فيه بتقديم مسرحية "الحسناء" التي اقتبسها عن "أسطورة ليدي كويغا لجان كسانو، ومسرحية "الوارث" اقتبسها مع احمد الطيب العلج ثم مسرحية " مولات الفندق" عن كارلو جولودني، و"محبوبة" عن "مدرسة النساء" لموليير. وفي سنة 1962 غادر المسرح البلدي، قدم مسرحية "في انتظار مبروك" التي اقتبسها عن "في انتظار غودو" لصمويل بيكيت ثم نظم جولات عبر تونسوالجزائر. يعود الصديقي بعد هذا ليبرز شخصيات مغربية في المسرح فعمل مسرحية "حميد وحماد" وأخرج مسرحية "وادي المخازن" ثم يعود أيضا إلى مسرح اللامعقول بعد مسرحيته "في انتظار مبروك" بمسرحية "موموبو خوصة" عن مسرحية "اميدي أو كيف نتخلص منه" ليونسكو، حيث قدمها 38 مرة بمسرح محمد الخامس بالرباط، ثم عين مديرا في سنة 1965 للمسرح البلدي بالدار البيضاء، إذ شكل فرقة محترفة وكانت مرحلة فاصلة في حياته إذ تحول بصفة نهائية عن مسرح اللامعقول ليهتم بالمسرح المغربي والتاريخي والتراث المغربي والعربي. وكانت مسرحية "سلطان الطلبة" أولى أعماله مع فرقته الجديدة التي اشترك في تأليفها مع عبد الصمد الكنفاوي، وأنجز بعد ذلك "في الطريق" أو "سيدي ياسين في الطريق" فيما بعد تأليفا وإخراجا، وعرضها بالمغرب 27 عرضا و 18 في الجزائر. ثم اشتغل مسرحية "طالب ضيف الله" التي اقتبسها احمد الطيب العلج عن "طلب زواج" لتشيكوف. وتبدأ بعد هذه الإنجازات أهم أعمال الصديقي التي أحيى بها التراث ويقدم من خلالها إبداعاته وقدراته الخاصة كمخرج وممثل وهي مسرحيته "ديوان سيدي عبد الرحمن المجذوب" التي تترابط في احداث يبرز فيها الصديقي كعالم بتجارب الناس، ومتصوف وفقيه. وقد مثلت أكثر من 80 مرة على المسرح ولاقت إعجاب الجمهور ونجاحا لافتا ودراسات نقدية كثيرة. في 1969 قدم في المهرجان الإفريقي، "مذكرات احمد" لكوكول بعد تقديم مسرحية "الاكباش يتمرنون" للطيب العلج، وفي 1976 قدم فنا جديدا بعد مسرحية "ديوان سيدي عبد الرحمن المجذوب" و"المقامات" بمسرحية جديدة من تأليف عز الدين المدني وإخراجه وهي "الغفران" عن رسالة الغفران للمعري وعرضها في الرباط والدار البيضاء. وقد اهتم الصديقي في أعماله بموروث بلده المغرب، من خلال تناوله لشخصيات ووقائع محلية، وتخلصه في تقديمه لهذه الاعمال من الهيمنة الغربية في الشكل أيضا وحاول التقريب كثيرا بين ما درسه في اوروبا وبين ما قدمه برؤية فيها خصوصية الثقافة العربية وخصوصية المجتمع العربي وبالذات المجتمع المغربي. وكان للصديقي وخصوصية ما أنجزه في المسرح المغربي والعربي على حد سواء، تفرد واضح حيث تأثر باتجاهه الكثير من المسرحيين العرب وخاصة في مسرحيته الشهيرة: "مقامات بديع الزمان الهمذاني" التي تمثل محاولة من الصديقي لاستمرار التراث العربي وإعادة صياغته بحيث يصبح مادة لمسرح عربي قرب إلى أذهان الجمهور مادة التراث العربي بشكل لافت ومحبب. وكان الصديقي يرى في تجربته الفنية والمسرحية أن "المسرح في البلاد العربية يجب أن يكون من النوع التام (الشامل)، أي يحتوي على كل العناصر المسرحية من رقص وغناء ودراما.. الخ، كذلك يجب دراسة كل ما شعبي بالتفصيل، والأخذ عنه بشكل مستمر" لذلك فقد قام برحلات فنية وجولات في كل المدن والقرى، وسجل الأغاني والأقاصيص والأساطير والأشعار والموسيقى، والنكت الشعبية والتعابير اللطيفة، ودرس كل الأشكال الشعبية المسرحية الموجودة في المغرب ليقدمها على مسرحه، مطلعا على تاريخ شعبه ومستوحيا فنه ليقدم صوراً فنية جديدة. وفي استلهام الصديقي للتاريخ العربي والإسلامي فلسفة خاصة فهو عنده يحمل قوة دافعة وفعلا ثوريا باتجاه المستقبل، ولا يعتبر الماضي منفصلا عن الحاضر والمستقبل بقدر ما هو حلقة خاصة ومهمة منه وقد قال عن علاقته بالتاريخ "سألوني لماذا التاريخ؟.. وهل عصرنا بحاجة إلى أن يبعث موتاه؟ كان جوابي، نعم فبدلاً من أن ننظر إلى هذا القرن، اتجهت أنظارنا إلى الوراء، ولم تفعل ذلك؟ إلا أننا نملك عن الماضي تطوراً سياسياً أكثر مما نملك عن الحاضر، وإذا كان يعتبر عملي، بسيكو درامة تاريخية، فإني لم أحرص على إبراز المصير المأساوي للأبطال فحسب، بل أردت عرض وثيقة سياسية لهذا العصر. ثم أن محاولة التخلي عن هذا الإسقاط في الماضي يعد إهمالاً لتجارب شعب بأكمله وصراعاته وآلامه، ونكراناً لأعمال أجيال سابقة، تحملت أنبل التضحيات ولو بأراقة دمائها، أننا لا نقبل الدراما التاريخية كحقيقة متجسدة تربط الماضي بالحاضر". وظل الصديقي في كل تجاربه المسرحية حتى أعماله الأخيرة وفيا ومخلصا لمشروعه الخاص في البحث عن الهوية التي جعلته أكثر أصالة وتأصلا في تاريخه وجمع بين الأصالة والمعاصرة وبين الهم الوطني والهم العالمي في تجربة جديدة غيرت من مسار المسرح المغربي والمسرح العربي بشكل عام.