ثمة حالة نفسية ما تلعب دوراً أساسياً في حمي الشراء التي تصيب الناس. علي الرغم من أن الطعام متاح طوال العام، أي لا يوجد حرمان منه أو غيابه من الأسواق، لكن ما إن يقترب شهر رمضان حتي يتكرر سيناريو التسابق إلي التسوق في الشوارع، في المولات، وفي جميع أماكن الشراء الخاصة بالطعام والعطارة، والبهارات، والأشربة علي أنواعها. ستجد زحاما، وتدافعا نحو شراء المؤن الخاصة بالشهر الفضيل. ما يسبق شهر رمضان بأيام وربما بأسبوعين، وما يتخلله أيضا، هو تدافع إلي التسوق، حشود بشرية هائلة تزاحم بعضها بعضا علي الشراء، وكما أظن أن شهر رمضان هو موسم استثنائي لتجار المواد الغذائية، فيعمد التجار إلي توفير العروض والتخفيضات الكبيرة علي بعض السلع الاستهلاكية التي لا يقاوم المستهلك ثمنها، دون حاجة حقيقية للكم الكبير من تلك المشتروات، بل باندفاع تام وراء سياسة التخزين. هذه المشاهد تُشعرك أنك تعيش في كرنفال للطعام. وهذا لا يتعلق بشهر من المفترض أنه شهر عبادة، بل إنه حالة من حالات الصخب الشرائي المفرط، هذا.. ناهيك عن انتشار برامج الطبخ في كل قناة فضائية، لتعزز من أهمية الطعام ودوره في شهر الصيام. إذ يري البعض أن أعداد مائدة متنوعة عامرة بالطعام، هي سمة أساسية من سمات شهر رمضان، ربما لأنهم يربطون الطعام بنوع من السعادة أو بتعبير أدق "اللذة"، فيندفعون للحصول عليها بغض النظر عن الإسراف في الاستهلاك، أو الخلل في ميزانية الأسرة. لا أعرف إذا كان هذا سلوكاً إرادياً أو غير إرادي، من العقل الواعي، أو أوامر العقل الباطن التي لا ترد، لكن الأكيد أن ثمة حالة نفسية ما تلعب دوراً أساسياً في حمي الشراء التي تصيب الناس. علي الرغم من أن الطعام متاح طوال العام، أي لا يوجد حرمان منه أو غيابه من الأسواق، لكن ما إن يقترب شهر رمضان حتي يتكرر سيناريو التسابق إلي التسوق، زحام هائل في المحلات الغذائية، زحمة سير خانقة، تسارع وتدافع بين المارة الذين يحملون مشترواتهم للإسراع بغنائمهم إلي البيت في هلع غير مبرر. ويكتشف المتأمل في المشهد حالة من عبثية مسرح اللامعقول. لن يلتفت إليك أحد لو قلت للعباد الأتقياء إن هذا يتنافي مع روحانية شهر الصوم، الذي من المفترض أنه شهر تقشف وزهد. وليس ماراثون ضخماً لشراء الأطعمة وطهوها خلال مشاهدة الدراما الرمضانية، لأن اهتمام الناس ينصب خلال ساعات الصوم علي ما سيأكلونه في وقت الإفطار، وليس في التركيز عبر ساعات الصوم علي تحقيق مران نفسي لتعزيز قوة الإرادة وإدراك المعني الضمني من الانقطاع لساعات عن تناول الطعام والشراب. لكن من الواضح أن الإعلام الذي اكتسح حياة الناس ودخل في تفاصيلها، وأنه يساهم تماما في عدم وجود سياسة ترشيد للاستهلاك، فالإعلام بوجهه الآخر أي الإعلان، يسعي إلي دفع المشاهد للاستهلاك الأعمي، وفي الوقت الذي يتحدث فيه خبراء الاقتصاد عن وسائل تدبيرية ينبغي أن تنتهجها العائلة للحد من نفقاتها اليومية، نقرأ عن الملاين التي يتم صرفها علي "الياميش" فقط، تبدو مشاهد "الياميش" في المولات، مغرية جدا، في تكومها في أكياس كثيرة ومتنوعة، في شكل كرنفالي مثير من الألوان المختلفة، التي لن تترك أي عابر سبيل يمر من أمامها، دون أن تنتقل أجزاء منها إلي يديه، هذا علي الرغم من أن "الياميش" يعتبر من الكماليات، لكنه في رمضان، يصير من الضروريات، لأسباب شتي يطول شرحها هنا. لكن لنضع فرضية أن المبالغ التي تُصرف علي الياميش في مصر فقط، يتم توجيهها إلي مشاريع تخفف من الأزمات اليومية في حياة الناس، تخيلوا الفرق الذي سيحدث، إلا إذا كان غياب الياميش يؤثر في حالة الصوم، ولا يُقنع الصائمين بأن شهر رمضان سيظل كما هو دون الياميش، بأنواعه وأشكاله المتعددة.