مرحلة استراتيجية جديدة تخوضها مصر مع روسيا ضمن سلسلة العلاقات المفتوحة التي تعقدها مع منطقة الشرق الأوسط والعالم الغربي، ليسطّر التاريخ هذا الحدث ضمن نجاحات ثورة 30 يونيو 2013 لتصبح عودة العلاقات المصرية الروسية عقب مرحلة من التراجع تأكيداً على نجاح السياسة المصرية الجديدة أمام دول العالم التي شهدتها المباحثات الثنائية بين وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي، ووزير الخارجية نبيل فهمي ، وبين نظيرهما وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو ، ووزير الخارجية سيرغي لافروف، خلال زيارتهما الرسمية للقاهرة كمرحلة جديدة للتعاون العسكري والاقتصادي بين البلدين. والتي بدأت كعادتها بالوقوف الحقيقي بجانب مصر حالياً بإرسال السفينة الروسية "فارياج " ولأول مرة بالتزامن مع زيارة وزيري الخارجية والدفاع الروسيين للقاهرة للتأكيد الروسي على أهمية عودة العلاقات الاستراتيجية السياسية والعسكرية والاقتصادية مع مصر .والتي اعتبرها مراقبون عسكريون مصريون محاولة جادة من قبل روسيا لاستعادة العلاقات العسكرية المصرية المتوقفة منذ حرب أكتوبر 1973 وحتى الآن .وعقد صفقات ضخمة للأسلحة للجيش المصري مع تحديث الدبابات الروسية القديمة التي ما زال يستخدمها الجيش المصري ، فضلاً عن اعتبار تلك العلاقة بالرد القوي لتصريحات الولاياتالمتحدةالأمريكية والتلويح بقطع المساعدات العسكرية عن مصر. اللواء حمدي بخيت الخبير الاستراتيجي، أكد أن العلاقات الدولية بين مصر وروسيا لم تكن بعيدة أو منقطعة، وإنما تأتي هذه العلاقات والصفقات العسكرية بين البلدين من أجل تنويع الأسلحة سواء باستيرادها من روسيا أو غيرها من الدول المتطورة عسكرياً، وذلك وفقاً لمبادئ القوات المسلحة التي تسعى دائماً لتنويع مصادر الأسلحة خاصة عقب تهديدات الولاياتالمتحدةالأمريكية بقطع المساعدات العسكرية عن الجيش المصري وعدم توريد الأسلحة المطلوبة للقوات الجوية سواء الطائرات الإف 16 أو الأباتشي، الأمر الذي يجعل من عودة العلاقات العسكرية مع روسيا في الوقت الحالي لسد احتياجاتها الاستراتيجية فرصة في تحقيق ذلك التنويع السلاحي المطلوب، الذي اعتادت مصر الحصول عليه من السلاح البريطاني الفرنسي، ثم السلاح الشرقي من الاتحاد السوفيتي خلال فترة الستينيات والسبعينيات حتى حرب أكتوبر 1973 ، ثم السلاح الأمريكي عقب التوقيع على اتفاقية السلام كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل واستمرارها حتى أحداث ثورة 30يونيو 2013 التي أسقطت النظام الإخواني الذي يحظى بتقارب وتأييد الإدارة الأمريكية .واستطرد قائلاً : إن العلاقات الجديدة مع روسيا لا تعني بالضرورة قطع العلاقات الأمريكية خاصة وأن مصر تعد كتلة حيوية مؤثرة في منطقة الشرق الأوسط والإقليم ككل وبالتالي فهي أكثر قدرة على استيعاب العديد من العلاقات والمصالح الخارجية معاً خاصة مع روسيا التي تسعى لتقديم المزيد من التسهيلات لإنجاح صفقات الأسلحة، بداية من القول بتقسيط المبالغ المالية المستحقة على مصر وتأجيل الدفع حرصاً منها على تنشيط العلاقات . ومن جانبه أشار اللواء يسري قنديل رئيس استخبارات القوات البحرية سابقاً، إلى أهمية العلاقات مع روسيا التي تعد من أهم دول العالم في تصنيع الأسلحة القتالية التي تتميز بالدقة في الصنع والتعقيد والتميز في الإنتاج وسهولة الحصول عليها نظراً لاعتدال أسعارها، فضلاً عن عدم تقبلها لفكرة الشراكة في التصنيع خوفاً من نقل التكنولوجيا الروسية لأي من البلاد على العكس من بعض الدول التي تعد أكثر انفتاحاً مثل الصين والتي نشترك معها في تصنيع عدد كبير من القطع العسكرية ونطور فيها لتصبح أسلحة مصرية 100% وبالتالي سرعان ما تساعد هذه العلاقات الجيش المصري في الاستفادة من هذه الخبرات والإستراتيجيات المتعددة سواء عن طريق إقامة علاقات جديدة مع الصين أو أمريكا بجانب روسيا التي كانت جزء هاماً من استراتيجيات مصر العسكرية بداية من حرب أكتوبر 1973 ؛ إلا أن قام الرئيس الراحل محمد أنور السادات بتغيير مسار العلاقات لتصبح أكثر انفتاحاً من أجل تعدد مصادر الأسلحة بين أسبانياوالصين وبريطانيا بجانب روسيا ، لمنع محاولات الدول في احتكار الأسلحة خاصة قطع الغيار إضافة إلى تحكمها وفقاً للميول السياسية كما هو في الوقت الراهن من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية التي سرعان ما خلطت الموقف السياسي بالاستراتيجيات وصفقات الأسلحة التي قطعتها عن القوات المسلحة في محاولة منها للضغط على المسار السياسي الجديد والتراجع عن خارطة الطريق السياسية الجديدة . وقال اللواء طلعت مسلم الخبير العسكري : إن لعودة العلاقات مع روسيا حالياً أهمية كبيرة ومزايا متعددة تأتي في صالح التسليح المصري الذي نجح في العثور على ضالته التي تتمثل في السلاح المطلوب والموجود في روسيا ضمن الصفقة الحيوية التي أرسلتها روسيا لمصر مؤخراً بعد أن رفضت الولاياتالمتحدةالأمريكية تقديمها في ميعادها السابق ، مؤكداً أن الجندي والمقاتل المصري نجح في التعامل مع السلاح على أنه آلة حرب فقط، دون الاكتراث لمدة تصنيعه ،نظراً لقدرته على استيعاب أصعب التكنولوجيات والإمكانات ليفوق منتجيها .مشدداً على ضرورة إقامة اتفاقية تعاون عربية بين دول المنطقة من أجل إقامة صناعة عسكرية من خلال مشاركة جميع علماء المنطقة في التصنيع المشترك لضمان الاستقرار السياسي والاستقلال العربي بعيداً عن قيود الدول الأخرى المنتجة للسلاح في العالم . مشيراً إلى قدرة مصر على مواكبة سوق التسليح في المنطقة بالتعاون مع أي دولة في محاولة منها لتخفيف حدة الاعتماد على دولة مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية فقط في التسليح . وفي سياق متصل ؛ وصف اللواء أحمد رجائي مؤسس الفرقة 777 الخبير العسكري ، الزيارات الروسية لمصر ب"الجيدة " بداية من إرسال السفينة الروسية " فارياج " ثم زيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، ووزير الخارجية سيرغي لافروف، التي تعد تعبيراً حقيقياً عن نجاح الثورة المصرية في تغيير المسار التاريخي لمصر بين الدول وعودتها للعصر الذهبي والريادي في المنطقة، هذا بالإضافة لدورها في فتح علاقات جديدة مع دول أخرى مثل كوريا الشماليةوالصين والتي ينتج عنها مزيد من التعدد في الأسلحة ومصادر التسليح، وبالتالي التقليل من حجم المخاطر التي يتعرض لها الوطن من ناحية؛ ورداً على تهديدات الولاياتالمتحدة بحرمان مصر من المساعدات المالية والعسكرية من ناحية أخرى، خاصة عقب ترحيب الجانب الروسي بالتعاون العسكري مع مصر والتي يقابلها زعزعة في العلاقات بين مصر وكل من أمريكا وتركيا . بينما استنكر اللواء محمود خلف الخبير العسكري المبالغة في تقدير الاتجاه المصري إلى العلاقات الحالية بين مصر وروسيا خاصة عقب إرسال السفينة الحربية لميناء الإسكندرية ووصفه ب" المبالغ " الذي من شأنه أن يعكس صورة سلبية أمام العالم عن مدى احتياج الجيش المصري لهذا الأسطول الروسي في سد احتياجات الجيش من التسليح الذي يتطلب عدم الاعتماد على مصادر تسليح أحادية بشكل كامل لضمان عدم التحكم في عمليات التسليح ، منتقداً فكرة استبدال التسليح الروسي بالأمريكي قائلاً :"إن السلاح الروسي لا يمكنه أن يكون بديلاً أساسياً عن المساعدات الأمريكية التي تم تعليقها، كما أن العلاقات الروسية لا يمكن اقتصار الهدف منها على قطع العلاقات الخارجية مع أمريكا، وإنما جاءت الزيارات الروسية للقاهرة تأكيداً على أهمية العلاقات العسكرية والاستراتيجية بين البلدين ودورها في تغيير المسار المصري بين دول المنطقة في الشرق الأوسط وتكريساً لأمنها الإقليمي بين الدول على المستوى الخارجي، هذا بالإضافة لدورها الحيوي على صعيد التعاون من أجل النهوض السياسي بجانب توسيع مجال التجارة والاستثمار بين الدولتين .