على مدى السنوات القليلة الماضية أصبح الإسلام نقطة مرجعية مركزية لمجموعة واسعة من القوى السياسية وحركات المعارضة، وتم اعتماد مصطلح الإسلام السياسي من قبل العديد من الخبراء في العالم، من أجل تحديد وتوصيف هذا الظهور الذي لم يسبق له مثيل أو استخدام سابق للدين الإسلامي في مجال السياسة ، وبالتالي كان لابد من التمييز بين هذه الممارسات والقائمين عليها وإدراجها تحت فئة تحمل علامة الإسلام.. وفي الوقت الذي ساهمت فيه ثورات الربيع العربي إلى مكاسب سياسية كبيرة للإسلاميين في مصر، تونس، وليبيا، لم يستطيعوا حتى الآن في بلورة مشروعهم أمام الجماهير أو تطبيق شعاراتهم القديمة على أوضاع الناس في حياتهم الاجتماعية اليومية، وبالتالي من المرجح أن يكونا قد خسروا الرهان وبات سقوطهم أمراً حتمياً في الدول العربية، خاصةً بعد أن نجح المصريون في إسقاط جماعة الإخوان المسلمين من الحكم خلال عام واحد بعد فشلها في إدارة البلاد. د. رضا أصلان خبير في شؤون الحركات الإسلامية قال: إن الأحزاب الإسلامية استفادت في بداية تكونيها بأنها الأكثر تنظيماً ولها سمعة طيبة كونها غير قابلة للفساد، لأن المواطن لا يستوعب فكرة أن يكون الشيخ منافقاً أو مختلساً للأموال وغيرها من الصفات التي يتصف بها السياسيون ومن في الحكم، لكن هذه الأحزاب الإسلامية بعضها يواجه الآن تحديات الحكم، وبالتالي لا يمكن الحفاظ على صورتهم النقية في حال وجودهم على رأس السلطة السياسية، مشيراً إلى أن قوة الإسلاميين يرجع إلى جماهيريتها الواسعة واعتقاد مؤيديهم بأنهم على صواب حتى لو فعلوا الأمر الخطأ، وبسبب تأويلهم الديني لجميع القرارات والأحداث فإن العقيدة الفكرية للموالين ترسخت أن قادتهم الإسلاميين منزهين عن الخطأ، ولو حدث فإنهم يستخدمون حجة "إنساني الشيطان"، وبالطبع ما حدث في مصر من سقوط مدويٍ لجماعة الإخوان المسلمين أثّر بشكل كبير على باقي الأنظمة الإسلامية لدول الربيع العربي، وعلى الولاياتالمتحدةالأمريكية أن تستمر في الانخراط ودعم شعوب هذه الدول، وعدم السماح للجماعات الدينية في تولي السيطرة الكاملة على مقاليد الحكم. ويرى د.إبراهيم موسى أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، أن الإسلام السياسي تراجع كثيراً في الشرق الأوسط، بسبب الممارسات الخاطئة في الحكم، لكن كان من الطبيعي أن يحتل الإسلام السياسي مكانة بارزة في أماكن مثل مصر وتونس بعد سقوط أنظمتها، لأن الإسلاميين كانوا الأكثر تنظيماً من المعارضة، ومع الممارسة الفعلية على أرض الواقع السياسية فعل الإسلاميون ما بوسعهم لتعلم أساسيات الممارسة السياسية والانتخابات والديمقراطية وأساليب الحكم وإدارة البلاد، رغم أن هذه المبادئ كانت ضد فكر الإسلاميين، لكنهم تراجعوا عن أفكارهم من أجل السلطة، لافتاً إلى أن الإخوان المسلمين في مصر تعد أقدم من جميع المنظمات السياسية الإسلامية العاملة حالياً، ولها باع طويل من العمل السياسي ومواجهة السلطة، ومع ذلك خاضت معركة سياسية متوترة جداً مع العلمانيين والليبراليين وانضم إليهم لاحقاً السلفيون، ولم تستطع الصمود كثيراً حتى سقطت من الحكم، مؤكداً أن الغالبية العظمى من سكان مصر محافظين دينياً، وكانوا يريدون من الإخوان أن يطبقوا الشريعة وأن يلعب الإسلام دوراً مؤثراً في حياتهم سواء سياسياً أو اقتصادياً، خاصةً وأن الجماعة تبنت ظاهرياً الأخلاق، والقيم، وشعارات الإسلام في جميع النواحي، وهذه هي الطريقة التي نجحت في الوصول بهم إلى السلطة، وأيضاً هي نفس الطريقة التي عجلت بسقوطهم من الحكم بعد أن اكتشف من انتخبوهم وساندهم خداع الإخوان. أما ثروت الخرباوي القيادي السابق بجماعة الإخوان المسلمين فيرى أن العملية السياسية تعتمد على المراوغة والخداع وجلب المصالح بأي طريقة، وإذا كان صعود الإسلاميين للسطلة بحجة أنهم كانوا معارضة مضطهدة، فإن الأمر كلفهم كثيراً وابتعدوا عن التقوى والاستقامة، أو بعبارة أخرى النجاح يعني الاعتدال، أما الفشل فإنه يعني الاحتجاج، فمثلاً عندما قامت الثورة الإيرانية عام 1979، كان حدثاً فريداً تماماً، ولم تكن ثورة إسلامية كما ادعى القائمون عليها لاحقاً، حيث شارك الماركسيون والشيوعيون والعلمانيون والديمقراطيون، والرجال والنساء ورجال الدين، وائتلافات واسعة النطاق ومتنوعة من الناس متحدين لرغبتهم في رؤية سقوط "شاه إيران" بعيداً عن الحكم، مؤكداً أن الغرب يضع دائماً أمام عينيه دول ما بعد الثورة من أجل درء احتمال الصراع وعدم الاستقرار، وحتى لا يسمح للجماعات الدينية من تولي السيطرة الكاملة على البلاد، ولذلك قامت الولاياتالمتحدةالأمريكية بالتعاون الكامل مع حكومة إخوان مصر قبل السقوط، والحكومات التي يقودها الإسلاميون في ليبيا وتونس، حرصاً على عدم تكوين لوبي إسلامي معادي لإسرائيل، أو معاقبتها بعد ترسيخ أركانهم في الحكم، وهنا لابد من إلقاء النظر على مقولة موشيه دايان الشهيرة وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق "لا ينبغي التفاوض مع أصدقائك بل يمكنك التفاوض مع أعدائك"، ولذلك نجد إسرائيل في مفاوضات مستمرة مع حماس عندما يتعلق الأمر بالمسائل الأمنية، وموارد المياه، رغم تصنيف حركة المقاومة بأنها منظمة إرهابية، لكن الأمر يتغير تماماً من أجل مصالح إسرائيل. معظم المراقبين يؤكدون أن الإسلام السياسي نجح في المنطقة مع حزب العدالة والتنمية في تركيا، لذلك كان الغرب يعتقد أنه لابد من تكرار التجربة في تونس، ليبيا ومصر، الأمر الذي سيؤدي إلى السلام والازدهار والتنمية الاقتصادية والسياسية، لكن لاحظ العديد من الخبراء أن تطبيق الإسلام في الحياة ليس بالأمر المتجانس أو المرن، حيث ظهرت مصطلحات كثيرة وغير متناسقة مثل إسلامي أو الإسلاموية، أو المتأسلمة، بل ذهب البعض بعيداً وفكر في إعادة الخلافة الإسلامية. وفي رأي د.عمار علي حسن الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، أن الإسلام لا يعني شيئاً أكثر من أنه عقيدة للقومية الدينية للطائفة الإسلامية حول العالم، كما إنها نفس النوع من القومية الدينية التي يراها المرء في المسيحية بين الكاثوليك والأرثوذكس، ونفس الأمر في الهند بين حزب بهاراتيا جاناتا التي تؤمن بالعقيدة الهندوسية، وتهدف إلى دمج التدين الهندوسي مع الدولة، وأيضاً في إسرائيل هناك من يريد تغليب الصهيونية ومن يقول بأنها أرض التوراة، ولذلك فإن القومية الدينية أصبحت ظاهرة عالمية، والإسلام مجرد ديانة في هذا المصطلح العالمي، وكما هو متوقع تختلف مظاهر التطبيق بين كل دولة وأخرى اعتماداً على المعتقدات الفعلية والممارسات السياسية، كما حدث في تركيا التي يراها الكثيرون أنها نموذج ناجح لتطبيق الإسلام السياسي المتمثل في حزب العدالة والتنمية، ونفس التجربة لم تنجح في دول الثورات العربية، موضحاً أن ذلك لا يعني أن جميع أشكال النشاط الإسلامي المعاصر تنطوي على محاولة الاستيلاء على الدولة، فهناك الغالبية العظمى من هذه الحركات تنطوي على أنشطة الدعوة الأخرى (التبشيرية) مثل الوعظ، الزكاة، وتوفير الرعاية الطبية، وبناء المساجد، و نشر الفضيلة العامة من خلال العمل المجتمعي، ومع ذلك فإن هذه الأنشطة تعد بمثابة انخراط في المجال السياسي لخدمة أهداف الحزب الحاكم، وغالباً فإنها تتنافس مع مؤسسات الدولة. وفي السياق ذاته أكد د. أحمد بان الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، أن الإسلام يجمع بين الدين والسياسة أو الدين والدولة، لكن بطريقة تتنافى مع فئات التحليلية الغربية، مع ذلك فإن حقيقة أن المفكرين المسلمين يسعون للتفرقة بين الدين والدولة، تعد مجادلات محددة ولا تعكس الوضع كما حدث في أوروبا أثناء علاقتها الدولية بالكنيسة تاريخياً، وعلاوة على ذلك فإن هذا يترك جانباً لأن التقسيم والتنسيق بين المجالات الدينية والسياسية حتى في المجتمعات الغربية كان دائماً أكثر بكثير من المجتمعات العربية التي يسهل اختراقها وتشويه صورتها، فمثلاً البروتستانتية المسيحية تلعب دوراً هاماً للغاية في السياسة الأمريكية حتى الآن، ويتم التشاور مع القساوسة في تحديد الحدود الأخلاقية والاهتمامات داخل النقاش السياسي، وهنا لا أشير إلى وجود ضغط ديني من جماعات الكنيسة وغيرها من جمعيات الدعوة الدينية على الدولة، وإنما إلى الطريقة التي تنتهجها المسيحية بدرجات متفاوتة مع المؤسسات السياسية الغربية، لافتاً إلى أن زيادة الاعتراف والوعي بالفهوم الإسلامي يدفعنا إلى ضرورة تطبيق بعض المفاهيم الغربية في الدين والسياسة والعلمانية، وإمكانية تطبيقها على المجالات الطبيعية داخل الدول العربية، ومع ذلك حاولت جماعات الإسلام السياسي في دول الثورات العربية السير على هذا النهج، إلا أنهم فشلوا بسبب عدم التجانس والمرونة في تطبيق المفاهيم الإسلامية، حتى ظهرت مصطلحات كثيرة ومتنوعة مثل السياسي الإسلامي، أو المتأسلمين أو الدولة المتأسلمية، وغيرها من عوامل الفشل في تطبيق ودمج الدين بالسياسة.