أحد أفراد الأمن يجلس عند الباب، ورجل يجوب الممر الضيق بين الحجرات, ذهاباً وإياباً، في انتظار انتهاء الكشف علي زوجته التي جاءها مخاض الولادة، وشاب لم يتجاوز العشرين عاماً أصيبت يده ودماؤه تنزف بغزارة، ينتظر داخل إحدي الغرف في انتظار أن يفرغ أحد الأطباء لعلاجه، وشاب آخر مصاب بتقلصات في المعدة، يتلوي من الألم، وبجواره ممرضة تحاول تخفيف آلامه بحقنة مسكنة، واثنان من الأطباء يتجاذبان أطراف الحديث حول حالة مريض. وفي غفلة من الزمن، حدثت حالة من الصخب, فرد الأمن يجري في ممرات القسم، يحاول الهروب من كتيبة البلطجية التي اقتحمت المستشفي، وهي تسير في هدوء حتي اصطدمت بالرجل الذي ينتظر ولادة زوجته، مروا بجواره وهو ينظر إليهم في ذهول وأثناء ذلك شعر بألم شديد في وجهه، وشاهد أنفه وهي تترك رأسه وتستقر علي الأرض، وضع الرجل يده علي وجهه يحاول وقف نزيف الدم، وجلس بجوار أنفه يصرخ: "أنا ذنبي إيه؟.. ماذا فعلت حتي يقطع وجهي بهذه الصورة؟.. أنا أنتظر ولادة زوجتي".. ورغم صراخه وعويله،لم يلتفت إليه أحد من أفراد كتيبة البلطجية، وظلوا علي ثباتهم مستمرين في السير حتي وجدوا الشاب "صلاح" الذي يعاني تقلصات بالمعدة، وانهالوا عليه ضرباً بأسلحتهم، وضع الشاب يده علي رأسه محاولا حماية وجهه وأسلم أمره إلي الله, مما أدي إلي إصابته في يده بجروح شديدة وقطع وتر في يده سيجعله عاجزًا مدي الحياة، واستمرت مسيرة كتيبة البلطجية، ووصلوا إلي الغرفة التي ينتظر بها "طاهر" لمعالجة يده المصابة، وعندما دخلوا عليه أصابت الشاب حالة هستيرية من المشهد المرعب لكتيبة البلطجية والسيوف التي بأيدهم تسيل منها دماء الضحايا الذين سبقوه، وظل يجري داخل الغرفة يحاول العثور علي منفذ للهروب من مصيره المحتوم، وتكاثروا عليه وأوسعوه ضرباً بأسلحتهم، وفي محاولة يائسة حمل الشاب الماسورة الحديدية التي يعلق عليها المحاليل, محاولا الدفاع عن نفسه، وصد ضربات السيوف التي تنهال عليه, مما أثار غضب البلطجية وخرجوا عن هدوئهم وبصعوبة بالغة خرج الشاب من الغرفة ودماؤه تسيل من كل أجزاء جسده.. ولأنه الوحيد الذي قاومهم أثناء تعديهم عليه فلم يتركوه بل هرولوا خلفه وضرباتهم تلاحقه، حتي أصيب بكسر في الرأس وسقط وسط بركة من دمائه، فتركوه وتوجهوا إلي باب الخروج بهدوء, يلعنون حظهم العاثر, حيث لم يجدوا ضالتهم التي يبحثون عنها وهي مجموعة أخري من الشباب كانوا قد تعاركوا معهم بمنطقة عابدين وأصابوهم إصابات بالغة، وقد اعتقدوا أنهم توجهوا إلي مستشفي "أحمد ماهر" للعلاج. كان الأطباء والممرضات، خلال تلك الدقائق، قد اختبأوا خوفاً علي أنفسهم، وبعد انتهاء انتقام البلطجية من المرضي الذين كل ذنبهم أنهم توجهوا في تلك اللية المشئومة للعلاج بالمستشفي خرجوا في محاولة لإنقاذ الضحايا، وبدأت رحلة الإسعافات للمصابين، وطلب د• رياض مدير المستشفي المنوب سيارة إسعاف مجهزة لنقلهم إلي قصر العيني حيث يشتبه في إصابة أحدهم بكسر بالجمجمة وحالته خطيرة.. كل هذا والشرطة لم تحضر بعد.. وحسب رواية المصابين: حضر عسكري درجة أولي من قسم شرطة الدرب الأحمر، وعندما شاهد المصابين وكان أحدهم وحالته خطيرة جداً اتصل برئيسه في جهاز اللاسلكي حيث قال له: "الحالة خطيرة يا باشا في واحد مصاب بكسر بالجمجمة".. وجاء صوت الضابط علي الجهة الأخري"الواد مات؟".. ورد عليه العسكري: "يا باشا بقولك الحالة خطيرة سيادتك والواد مصاب بكسر في الجمجمة".. انقطع صوت الضابط ولم يرد علي العسكري.. ذهب محام كان قد شاهد الواقعة إلي القسم وأحضر ضابطًا برتبة ملازم أول، وبصحبته أمين شرطة، وكانت سيارة الإسعاف قد حضرت فانتقل المصابون إلي مستشفي قصر العيني، وهناك قام الضابط بتحرير المحضر رقم 18 أحوال / الدرب الأحمر. ومن جانبنا نقول: كنا قد نسينا هذه الممارسات البلطجية والتقاعس من جهة الشرطة، منذ أن تولي اللواء إسماعيل الشاعر، مدير أمن العاصمة، واللواء فاروق لاشين، مدير مباحث القاهرة، حيث نعيش في أمان وسلام.. ونطالبهم بأن يضربا بيد من حديد علي رأس هذه المجموعة التي خرقت مظلة الأمن التي نحيا تحتها.. ونحمل إليهما بلاغا رسميا علي صفحات الجريدة للتحقيق في تلك الواقعة الشاذة. حيث يجب أن يكون مرتكبو هذه الواقعة عبرة لغيرهم من محترفي البلطجة فبعيدا عن خلفيات القصة وصدق أوكذب رواية المصابين عن صلتهم بكتيبة البلطجية من عدمه لكن حادثة اقتحام المستشفي صحيحة وخطيرة فكيف تستباح حرمة المستشفيات وتستخدم كساحات للقتال وتصفية الحسابات؟.