دائماً تأتي الثورات لإنهاء الفساد والقمع والظلم وتردي الأوضاع الداخلية، وجاءت ثورة الثالث والعشرين من يوليو عام 1952 في مصر لتعالج أوضاعاً معقدة في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ورفض الإنجليز الخروج من مصر تحت أي ظرف، ولكن تنظيم الضباط الأحرار كان يصر على الاستقلال وإنهاء آخر صور الاحتلال الإنجليزي، والحكم الملكي بما يمثلانه من ظلم وإجحاف في حق الشعب على المستوى الداخلي، وضياع فلسطين في عام 48 وما تمثله من سقوط مدوٍ للجيوش العربية، وأدت هذه الأوضاع إلى خلق حراك سياسي وميداني على امتداد عقود انتهت بقيام الضباط الأحرار بثورة على الملك فاروق "آخر ملك مصري من أسرة "محمد علي باشا" ، هدفت إلى تغيير الأوضاع جذرياً وتحقيق الاستقلال والديمقراطية والحرية والعدالة والتنمية، ولم يكن الإخوان -كتنظيم إسلامي- بعيداً عن مباركة الضباط الأحرار، ولكن العلاقة بين الطرفين شهدت مراحل من التعاون والصدام حتى وصل الأمر إلى التنافس على السلطة، فقد كان لبعض أعضاء تنظيم الضباط الأحرار جذور من حركة الإخوان، وربما ساعدت هذه الصلة على التنسيق بينهما منذ حرب فلسطين إلى أن بدأ الصدام بين الإخوان وقيادة الثورة واستخدمت الأسلحة والقنابل والعصي وإحراق السيارات والمشاجرات في الجامعات، حتى انهارت العلاقة تماماً عام 53 وانتهت بحل الجماعة والقبض على أعضائها وإعدام بعضهم عام 54، وهكذا لم تستغل الإخوان دورها فى مساندة ثورة يوليو وأرادت تقاسم السلطة مع قيادة الثورة بوضع أعضائها في الوزارات المختلفة، إلا أن ناصر كان بالمرصاد ضد الحكم الإخواني لمصر. د."جمال زهران" أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس قال: إن الإخوان دائماً يبحثون عن رد الجميل لما يقدمونه للوطن، ولا أحد ينكر دورهم في حرب فلسطين من قبل التنظيم السري العسكري لجماعة الإخوان المسلمين، والذي حرص جمال عبدالناصر وزملاؤه على المساهمة في تدريب عناصرهما قبل حرب فلسطين، مشيراً إلى أن الجماعة وقاداتها كانوا يتطلعون للحكم منذ نجاح ثورة 23 يوليو في الإطاحة بالملك؛ لأنهم كانوا يرون في أنفسهم البديل الجيد والكفء لملء الفراغ بعد رحيل الملك، ووقتها قال المرشد "الهضيبي" الآن حان الوقت ليحكم الإخوان مصر، مشيراً إلى أن حكومة ما بعد الثورة طلب ناصر من الإخوان ترشيح بعض الشخصيات من الجماعة في الوزارة الجديدة، بشرط ألايكونوا منتمين إلى التنظيم السري في الجماعة، ولكن حاول الهضيبي خداع عبد الناصر فرشح أعضاء التنظيم السري مثل صلاح شادي وحسن عشماوي، ورفض أعضاء الثورة هذه الأسماء واختاروا أحمد حسن الباقوري، وأحمد حسني، فرفض الإخوان أن تمثلهم هذه الأسماء وتم فصلهم من الجماعة، وكان هذا بداية الصدام مع أعضاء ثورة يوليو، موضحاً أن الإخوان يبحثون عن الأدوار الثانية التي تكون بعيدة عن مواقع المسئولية، وتحرك الأحداث السياسية من الخفاء، حيث قاد الإخوان المظاهرة بالتعاون مع الأحزاب طالبت بعودة الجيش ورجال الثورة إلى ثكناتهم وتولي الأحزاب السياسية السلطة، فكان الرد القاسي من مجلس قيادة الثورة بحل الأحزاب والتخلص من جماعة الإخوان. ويرى د."حسن نافعة" أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة: أن أكبر أدوار الإخوان في ثورة 23 يوليو هو تنامي الدور السياسي للإخوان المسلمين من حيث الإعداد التنظيمي والتدريب والتسليح وهو ما أعطى لهم قوة على الساحة السياسية كان من الصعب تجاهلها من قبل مجلس قيادة الثورة، مشيراً إلى أن تنافس الإخوان مع حزب الوفد والذي اتخذ طابعاً عدائياً وصدامياً في أغلب الأحيان بسبب صراعهم على السلطة، يرجع إلى توجه منهجية الوفد إلى الصبغة الليبرالية، في حين كانت الإخوان تريد الحكم الإسلامي، لكن انفراد حركة الضباط الأحرار بالحكم مع بقاء الإخوان وباقي القوى السياسية خارج منظومة الرئاسة جعل التعاون كبير بينهما، مؤكداً أن الإخوان أيدت ثورة يوليو لتحقيق مكاسب سياسية، وكانت تلعب على وتيرة أن بعض قيادات الثورة كان لهم ارتباط فكري وتنظيمي بالجماعة، ولعبوا دورًا في تأكيد تلك العلاقة الخاصة التي ربطت بين النخبة الحاكمة والجماعة في تلك المرحلة المبكرة من الثورة، ثم ما إن لبث هذه الفكرة إلا أنها أطاحت بهم خارج السباق الرئاسي نهائياً، طوال حكم ناصر والسادات ومبارك. وأوضح "أبوالعز الحريري" القيادى بحزب التحالف الشعبي الاشتراكي، أن الدور الحقيقى والقوى بين الضباط الأحرار والإخوان تصاعدت؛ بسبب مشاركة التنظيم السري المسلح للجماعة في مقاومة الإنجليز، والدور البطولي لشبابها في حرب فلسطين، وقبل الثورة بعام طالب ناصر ضباطه الأحرار بالانضمام إلى الإخوان حتى تؤمن الجماعة حياة الضباط ومستقبلهم في حالة فشل الثورة، مشيراً إلى أن الإخوان بعد نجاح الثورة رغبوا في فرض الوصاية على عبد الناصر، وطلبوا ألا يصدر قراراً أو قانوناً إلا بعد أن يدرسه مكتب الإرشاد الإخواني، مما أحدث فجوة عميقة في قلب ناصر الذي رفض وصاية الإخوان، وبدأ الصدام منذ أن تحالفوا مع خصومهم القدامى من الوفديين والشيوعيين المعادين وقتها لعبد الناصر وللثورة، وسعوا إلى دفع عناصرهم التنظيمية في الجيش والشرطة للقيام بانقلاب عسكري عام 54، وبعدها أصدر مجلس قيادة الثورة قراراً بحل جماعة الإخوان واعتقال قادتها، متوقعاً بأنه رغم صعود المرشح الإخوانى لرئاسة مصر إلا أنه سيقع في أزمة وقت الاحتفال بثورة يوليو مع مكتب الإرشاد، وقد يوفد الرئيس مرسي نائباً عنه لزيارة قبر عبد الناصر، ويرى أنه من الضروري أن يعبر الرئيس فوق هذه الشكليات وينسى التاريخ الدموي القديم بين الجماعة وناصر وعليه أن يتعامل كرئيس مستقل وينسى خلفيته الإخوانية. مواجهة الاستبداد بينما أشار د. "جمال حشمت" عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين، إلى أن الإخوان تعودوا على مواجهة استبداد الأنظمة الحاكمة في مصر بداية من الملك فاروق وانتهاء بمبارك، وطوال ثمانية عقود من العمل السياسي في وجه السلطة فإن الإخوان تلقوا درساً قاسياً خلال فترة حكم جمال عبد الناصر، ثم السجن خلال عهد السادات رغم تعاونهم معه في وقف زحف الفكر الشيوعي، ولم يشهد وضع الإخوان تحسناً أو تغيراً داخل اللعبة السياسية بعد تولي الرئيس السابق حسنى مبارك الحكم، فكان الإسلاميون بالنسبة لنظامه الفزاعة التى استخدمت لتخويف الولاياتالمتحدة والغرب من تكرار سيناريو الدولة الإسلامية الإيرانية في مصر، منوهاً إلى أن نجاح حركة الضباط الأحرار اعتمدت على تأمينات شباب الإخوان، حتى أن عبدالناصر اتصل بحسن الهضيبي المرشد العام للإخوان وقتها ليتعاون مؤيدو الإخوان وشبابها مع قوات الجيش لتأمين مرافق البلاد الحيوية والسفارات الأجنبية ومراقبة تحركات القوات البريطانية، فكان هذا دليلاً على أن دور الإخوان لم يكن فقط الانقضاض على السلطة ومطالبة الزعيم الراحل بحق الإخوان المشاركة في الحكم، وللأسف ما أن شعر عبد الناصر بقوة وتأثير الجماعة في الشارع، حينما طالبناه بإنهاء الثورة وإعطاء السلطة للقوى السياسية المدنية، انقضوا على الجميع وقرر مجلس قيادة الثورة حل الأحزاب، باستثناء الإخوان لأنهم لم يكونوا تنظيماً سياسياً، حتى تم تدبير حادثة المنشية من قبل بعض المعارضين للإخوان وتم إلصاقها بالإخوان لتكون فرصة عظيمة للتخلص من المرشد وبعض قيادات الإخوان، لينتهي أمر الإخوان عند هذه الفترة، وتبدأ فترة جديدة مع السادات الذي استخدمنا لوقف المد الشيوعي وانقلب علينا بعد ذلك، حتى جاءت فترة مبارك الذي زج بالإخوان داخل المعتقلات والسجون. واتفق مع الرأي السابق د."أحمد أبو بركة" القيادي الإخواني، أن الإخوان ساندوا عبد الناصر كثيراً حتى أطاح بخصومه السياسيين وأعداءه بمعاونة الإخوان، ولكن ما إن لبث على السلطة حتى انقلب على من ساندوه وساعدوه لعبور أزمات حركة يوليو، موضحاً أن الجماعة هي السبب وراء تقبل الشارع لناصر ومجموعته، بسبب الحشود التي كانوا ينظمونها في الشوارع والميادين دعماً للضباط الأحرار، إلا أنهم أطاحوا بالإسلاميين وأدخلوهم السجون والمعتقلات، ولذلك من الصعب على الجماعة أن تنسى سلبيات انقلاب يوليو على الحركة السياسية وعلى المجتمع، مشيرًا إلى أن تعذيب الإخوان في سجون ناصر مازالت مستقرة في وجداننا ولن تمحوها السنون، ولا تجعل الاحتفال بذكرى ثورة يوليو احتفالاً جماهيرياً نرضى به، ولكنه سيكون احتفالاً بمراجعة وضعها وآثارها على البلاد وما آلت الية، منوهاً إلى أن الإخوان لايحملون أي أحقاد لأحد ولا لفترة تاريخية مضى عليها زمن ولكننا لا ننسى الإساءة والتعذيب.