تعاني المكتبة العربية من فقر في إنتاج أدب الأطفال؛ مما فتح الباب أمام ترجمة العديد من الكتابات المخصصة للطفل تفتقر للحيوية والخصوصية، وتستهدف مسخ الهوية الثقافية للأطفال، ما يترتب عليه نشوء أجيال عربية جديدة تنشأ على الفقر المعرف والسطحية. ويؤكد أدباء عرب يكتبون للطفل أن أدب الطفل يعاني منذ ربع قرن مضى من أزمة وجود، أما الآن فهو يعاني من أزمة جودة بعد أن ارتفعت مبيعات كتب الأطفال، وهو الأمر الذي أدى إلى هرولة دور النشر لترجمة العديد من قصص الأطفال الغربية دون وعي أو إدراك بمحتوياتها، وما تبثه من أفكار مغايرة لمجتمعاتنا. ويطالب الخبراء التربويون بمراعاة القيم النبيلة الأصيلة في الكتابة للطفل العربي، وربط الطفل بجذوره، في ظل طوفان العولمة حتى لا يقتلع الطفل من جذوره في محاولة لتغريب عقله أو محو هويته، وطالبوا كُتَّاب أدب الأطفال التأكيد على ثقافتنا العربية والقومية ، من خلال أعمال تعيد للطفل العربي استقلالية وحب بيئته من خلال أعمال تنمي بداخله حبه للخير والوطن وتغرس فيه الانتماء، أدب يربطه بالحاضر والماضي. سلعة رائجة الكاتب يعقوب الشاروني أشار إلى الازدياد الكبير في مبيعات كتب الأطفال في العالم العربي، حتى أصبح البعض يعتبرها سلعة رائجة لا يهتم فيها بجودة المضمون قدر الاهتمام بإبهار الشكل أو بقدرتها على جذب اهتمام الصغار، ونتيجة لذلك سارعت العديد من دور النشر لتقديم ألوان مختلفة من كتب ومجلات الأطفال المترجمة، أو المؤلفة بغير خبرة كافية. مشيرًا إلى أن أدب الأطفال في اللغة العربية، كان يعاني منذ نحو ربع قرن من أزمة وجود، وأصبح الآن يمر بأزمة جودة في ظل غيبة النقد والرقابة الوطنية، وذلك رغم وجود العديد من الكتب التي تضمها مكتبات المدارس الحكومية إلا أنها تفتقر إلى تلبية الاحتياجات القومية والفكرية والنفسية والعلمية، التي تسعى المجتمعات العربية إلى ترسيخها في أطفالها. وانتقد "الشاروني" الناشرين في العالم العربي، والذين لجأ العديد منهم إلى البحث عن كتب ومجلات الأطفال الرائجة في العالم الغربي، والقيام بترجمتها وتقديمها لأطفالنا بنفس رسومها، وذلك نتيجة قلة الخبرة بالكتابة للأطفال، أو لندرتها في العالم العربي، والتي أدت إلى نشر قيم تربوية غير ملائمة لنا، كما أنها مرفوضة من قبل البلاد التي تصدر فيها تلك المطبوعات!. واستعرض الشاروني بعض هذه المطبوعات، والتي تلقى رواجًا بين قطاعات كبيرة من أطفال العرب، ومنها شخصية الرجل الخارق للطبيعة "سوبر مان"، و"الرجل الأخضر"، و"باتمان" وغيرها، وهي شخصيات تجعل من صاحبها إما ممثلًا للخير المطلق أو الشر المطلق، ذلك رغم مخالفته للطبيعة البشرية، وهو الأمر الذي يؤدي إلى فهم خاطئ للأطفال عن مجتمعاتهم والمجتمعات الأخرى، بل ربما يستثير فيهم نوازع التعصب والعدوان؛ نتيجة استخدام البطل في معظمها للقتل والدمار، حتى يتمكن في النهاية من نصرة المظلومين والأخذ بأيديهم، ولأن الأطفال عمومًا يتأثرون بالقدرة المتمثلة في أحداث القصة ومواقفها المختلفة، والتي لابد أن يكون سلوكها سويًا لا شذوذ فيه، وذلك أكثر من تأثرهم بعبارة تدين الأفعال الخاطئة، ولا تقال إلا في نهاية القصة!. وأشار إلى أن هذا النوع من القصص يؤدي إلى تأكيد قيم معادية لكل ما قامت عليه نظم الدول المدنية الحديثة، والتي ينبغي أن نعمل على ترسيخها في نفوس أطفالنا من احترام القانون، ومحاكمة المخطئ، والحكم عليه، وتنفيذ هذا الحكم من قبل القضاء وسلطات الأمن، وهو على عكس ما تقوم بغرسه قصة "سوبر مان" البطل الذي يحدد مقياس الخير والشر، ويتولى الحكم بنفسه وتنفيذه على الآخرين حتى لو كان الحكم بالإعدام!. وحذر "الشاروني" من هذه المطبوعات وما تروج له من أفكار ومبادئ، قد تؤدي إلى فوضى لوجهات النظر الشخصية، إذا ما ترك الفرد المتفوق، والذي يفترض أن يتمثل به الطفل وأن مثل هذه القصص للرجل الخارق للطبيعة تسعى إلى نوع من التبرير، أو الترويج لهذه السلطات المنغلقة التي تحرص هذه المؤسسات على ممارستها، ومنع تدخل الدولة في أي شأن من شئونها الاقتصادية، وأن من حقهم وحدهم اختيار الأسلوب الملائم لهم، والذي يحقق لهم الربح الأكبر دون تدخل من الدولة!.. وشدد الشاروني على أهمية تقديم الأدب في صورة مبسطة تساعد الأطفال على فهم دوافع الإنسان، وأسباب سلوكه، ومدى تناسب ذلك مع مراحل الطفولة التي تقدم لها، وشدد على أهمية وترسيخ قيم الاحترام للإنسان مهما اختلف لونه وكذا، والتأكيد على احترام الحياة الإنسانية، والحفاظ عليها وتقديرها وتقديسها مهما اختلف لون البشرة، مطالبًا بضرورة مراجعة قصص الأطفال المترجمة، وما تبثه من قيم ومبادئ مغايرة لمجتمعاتنا العربية وثقافتها، وتنمية حب القراءة، والتي غابت في ظل سيطرة القنوات الفضائية. صراع حضارات وأشار الروائي والناقد فؤاد قنديل إلى تأثير العولمة على أدب الطفل بعد فتح جميع الأبواب والنوافذ دفعة واحدة، وبدون مقدمات، حتى وجدنا أنفسنا دون وعي منا في صراع مع الحضارات، كما وجد أطفالنا أنفسهم أمام أماكن غير الأماكن وبشر غير البشر، ومن ثم أصبحت تتنازعه مشاعر حب لما تصور إنه بعيد عنه، حيث حرية الحركة والاستمتاع بحياته دون قيود أو التزامات، هذا فضلًا عن العادات المغايرة لمجتمعاتنا الشرقية وتقاليدنا وثقافتنا العربية، ومتطلبات المدينة الدخيلة علينا، والتي دفعت الأم إلى العمل نصف الوقت والأب طوال الوقت، والتي كان نتيجتها ما يسمى اليوم بأطفال المفاتيح، حيث الحياة بعيدًا عن الرقابة الأسرية، وأشار إلى أن الدراسات أكدت أن حوالي 73% من الحوادث والأخطار تحدث للطفل داخل البيت، ومن هنا فقد ظهرت الحاجة إلى أدب جديد يوجه الطفل إلى الاستقلالية والاعتماد على الذات والالتزام في ظل غياب الرقابة، أدب يعيد الطفل إلى حب بيئته النيل، والترعة، وشجرة الصفصاف، والأرض المعطاة والتاريخ والمستقبل، أدب يغرس فيه الانتماء وحب الوطن والتمسك بتقاليدنا .. أدب يربط ما بين الماضي والحاضر ومواكبة العصر بمتغيراته، حتى نحمي أطفالنا في العالم العربي من أخطار العولمة الداخلة على حياتنا ومجتمعاتنا!. قيم إنسانية ومن خلال هذه القضية حول أدب الطفل المستورد تحدثنا د. أميمة منير كامل وهي متخصصة في أدب الطفل، ولها كتب كثيرة حول قضايا الطفل فتقول: من خلال تجاربي وبحوثي حول أدب الطفل وما يتعرض له من هجمات أجنبية لا نستطيع أن نقف ضدها أو نمنعها ولكن يمكن أن نقاومها من خلال ما نقدمه للطفل من كتابة مشوقة قائمة على منهج علمي بعيدة عن الخرافات أو الخيال المدمر لواقع الطفل وأحلامه.. نحن نرى أطفالنا يجلسون ساعات طويلة يشاهدون البرامج الأجنبية بما فيها من إثارة، وعنف، وصراع، وتمجيد القوة، والبطولة البدنية في صورة الفرد المنتصر دائمًا بآلاته الأوتوماتيكية، وأسلحته التكنولوجية فما موقفنا؟. هل نحرم الطفل من مشاهدة هذه البرامج؟ بالطبع لم نستطع، ولكن أرى أنه من الممكن أن نعد برامج ونكتب قصصًا تحتوي على بطولات عربية وقيم إنسانية، يتعلم منها الطفل معاني جميلة تمس عقيدته وأخلاقه وعلاقته بالآخر وبالمجتمع. نريد أدبًا يثقف الطفل، يرشده يعلمه يساير أفكاره ويطورها، ويدفعه إلى القراءة وحب العلم، نريد أدبًا يربط الطفل بالتاريخ الإسلامي والتاريخ العالمي بعيدًا عن التعصب والأنانية والعنصرية. ويجب أن يكون كتاب أدب الطفل جميلًا وناعمًا وملونًا ليجذب الطفل، ونضيف إليه صور بالأبيض والأسود يقوم بإضافة الألوان إليها مع المادة العلمية المكتوبة، وتلك طريقة ناجحة جدًّا لنجعل الطفل يقرأ ويتابع الكتاب ولا يتركه.