في الأسبوع الماضي انتهى في فيينا مؤتمر حوار الثقافات الخامس بحضور 2000 مشارك والكثير من الشخصيات السياسية وقادة منظمات المجتمع المدني وممثلي المنظمات الدولية. ومن بين الحضور الأمين العام للأمم المتحدة باني كي مون ورئيس الوزراء التركي نجم الدين أوردغان وأمير دولة قطر حمد بن خليفة آل ثاني ووزراء خارجية الكثير من دول العالم ومنهم وزير الخارجية الإيراني علي صالحي، هذا بالإضافة إلى نائب المستشار ووزير الخارجية النمساوي ميخائيل شبيندل ايغر الذي افتتح المؤتمر مؤكدا على أهمية الحوار في حل المشاكل الدولية. وقال فيه رئيس الوزراء التركي بأن الساسة يتحملون المسئولية الأساس في حوار الثقافات وليس تصادمها. جاءت فكرة “حوار الثقافات” بمبادرة تركية أسبانية في العام 2005 ولقيت نجاحا كبيرا حيث انضمت إليها 139 دولة وهي تعمل تحت مظلة الأممالمتحدة. وجاءت المبادرة كرد على ”صراع الحضارات” أو ما يعرف أحيانا باسم صدام الحضارات، التعريف الذي ظهر في مجلة فورين أفيرز الأميركية في بداية تسعينات القرن الماضي في مقال تحت عنوان “صدام الحضارات” لصامويل هنتغتون وبقي مرتبطا باسمه وباسم الياباني فرانسيس فوكوياما وفي تلك الفترة بالذات قبل مقال هنتغتون أو بعده مباشرة كتب حول الموضوع عالم المستقبليات المغربي الدكتور المهدي المنجرة. ونشر هنتنغتون كتابه: ” صراع الحضارات” والذي تناول فيه عدة أمور كمفهوم الحضارات، ميزان القوى المتغيرة بين الحضارات، العودة إلى المحلية والتأصيل في المجتمعات غير الغربية، البنية السياسية للحضارات، ومستقبل الغرب وحضارات العالم وغيرها. وحسب هنتغتون فإن الثقافة أو الهويات الثقافية، والتي هي على المستوى العام، هويات حضارية، تشكل أنماط التماسك والتفسخ والصراع في عالم ما بعد الحرب الباردة. استفادت أوروبا من حوار الحضارات قبل المبادرة الاسبانية التركية بنصف قرن من الزمان حيث وضعت أسس الاتحاد الأوربي الذي أصبح اليوم قوة عالمية أنهت الحروب على أرض القارة وغدي الخلاف بين دولها ينحصر في مجال الاقتصاد ورفع مستوى المعيشة وغيرها من الأمور التي تنظر إلى مستقبل سكان القارة ورفاهيتهم. وفي الجانب الآخر بماذا استفادت الدول العربية من حوار الحضارات الذي أقيم مؤتمره الرابع في دولة قطر؟ فهل تلتزم تركيا، إيران وقادتهما بمفهومه أو دولة قطر وقادتها حيث رعوا مؤتمرها السابق مثلا؟ فتركيا بدل أن تساعد في خلق جو من الحوار بين سكان جيرانها في العراق أو سوريا يقوم القادة الأتراك في تقوية أطراف على حساب أطراف أخرى، ناهيك عن تخلفها في الاعتماد على مبدأ الحوار في حل مشكلة أكراد تركيا. وأكثر من يتخلف عن مبدأ حركة أو تحالف، كما أطلقت من تعريفات على المبادرة الاسبانية التركية من أجل حوار الحضارات هي القيادة القطرية حيث ابتعدت كثيرا من مبدأ الحوار بين أبناء الشعب الواحد وكذلك استخدام السلاح بدل الحوار في كل من ليبيا وتونس ومصر وسوريا، حيث قامت دولة قطر بتزويد الجماعات المتطرفة والمليشيات بالسلاح لفرض فكرها على شارع بلدانهم، كما تحاول القيادة القطرية ذلك في العراق أيضا. أما النظام الإيراني فهو أكثر الأنظمة عداءً لا لحوار الثقافات وإنما للثقافة بشكل عام حيث يتم مصادرة أي شكل من حرية المعتقد والرأي في مجال الإبداع الثقافي. ويساهم النظام في بناء مليشيات ودعمها بالمال والسلاح وكذلك التدخل في الشأن الداخلي للدول الأخرى في دعم الإطراف المتصارعة وتغذية النزعة الطائفية والاستعلاء القومي، ناهيك عن ازراء حقوق القوميات الأخرى وحريتها وإعطائها حق تقرير مصيرها كما هو الحال بالنسبة للشعب العربي الأحوازي أو أكراد إيران . وهناك أربعة مبادئ ضمها إعلان فيينا منها حرية المعتقد . فهل تلتزم الدول العربية التي أنظمت إلى “الحركة ” بهذا المبدأٍ، أم أنها في انضمامها لها استخدامه كغطاء لممارسة تحيزها وطائفيتها الدينية والقومية؟ --- * نقلا عن ( الجديدة )