أكد عدد من الباحثين في علم الاجتماع أن انتشار ظاهرة عنف الأطفال "الأحداث" يرجع إلى حالات التفكك الأسري التي بدأت تستفحل داخل المجتمعات العربية وكذلك التقدم التكنولوجي، حيث أصبح من المتاح للطفل التجول في جميع دول العالم عن طريق الإنترنت والدش، وغزت قيم غريبة على مجتمعاتنا أفكار الصغار؛ مما أدى إلى ظهور تحديات كبيرة واجهت مؤسسات التربية في دول العالم، وأدى ذلك إلى تغيير في القيم الاجتماعية لدى الأطفال فما يراه الكبار من سلبيات وانحرافات أخلاقية يراها الأحداث والمراهقون سلوكيات طبيعية ومعبرة عن رأيهم ومعنية لشخصياتهم. تقول د. فاطمة كمال، أستاذ علم الاجتماع جامعة القاهرة: أن مفهوم الجريمة لدى الطفل يختلف عن مفهومه لدى الكبير، ولا يعني كلمة جريمة ولكنه يمارس الجريمة ليس بغرض فعل إجرامي ولكن للوصول إلى احتياج أو مصلحة له أو للدفاع عن النفس، وبالتالي نجد أن معظم جرائم الأطفال تقع في إطار السرقة، وأن معظم الأطفال الذين يرتكبون هذه الجريمة في حاجة إلى المال لتلبية احتياجاتهم، من حيث اللعب أو اللبس أو الفسحة حسب احتياجات الطفولة، والطفل أخلاقياته تنمو ببطء وتعتمد على تلقين الكبار، فإذا ما نشأ الطفل في بيئة أسرية لا تلقنه بدقة الأخلاق الحميدة فيمكن بسهولة أن يرتكب جريمة. وتضيف د. فاطمة: أنه من المعروف أن أطفال بعض الأسر الفقيرة فقراء في أخلاقياتهم؛ لأن أسرهم لا تهتم بالقيم الأخلاقية أو عادة ما تمارس الجريمة بشكل أو بآخر، بمعنى أن الأب يسرق من عمله أو تسرق الأم؛ لأن ليس لديهم قيم محددة أخلاقيًا، كما أن الطفل في المناطق الفقيرة والمناطق العشوائية يعيش معظم اليوم خارج البيت الضيق، يعيش في الشارع مع أصدقاء السوء ويمارس معهم كثيرًا من الأخلاقيات غير السوية مثل شم الكلا أو البنزين، أيضًا هؤلاء الأطفال عادة ما يكونون متسربين من المدارس ويفتقدون إلى أي توجهات مدرسية أخلاقية، وبالتالي يفتقدون التوجهات الأخلاقية سواء من الأسرة أو من المدرسة فلا توجد مؤسسة تربوية تؤثر فيهم، ومن هذا المنطلق نجد أن جرائم الأطفال تكاد تنحصر بين الأطفال الفقراء لتلبية احتياجاتهم والإحساس بإشباع غرائزهم واحتياجاتهم، ومن هنا لابد أن تراعي الدولة خاصة في نظامها التعليمي أن يشمل المنهج موضوعات مخففة يمكن أن يستوعبها الطفل مع الالتزام بالتوجهات الأخلاقية للطفل، خاصة في المرحلة الابتدائية، ومن هنا نضمن عدم التسرب واستيعاب الطفل لقيم أخلاقية ملتزمة من المدرسة حتى إذا كانت الأسرة ليس لديها وعي أخلاقي كافٍ يمكن أن تعوضه المدرسة، كما يجب مراعاة الأسر الفقيرة والاهتمام بها وتوفير أعمال لأفراد الأسرة لكي تتمكن من الإنفاق على الأبناء وتلبي احتياجاتهم، ومن هنا ستقل نسبة جرائم الأطفال نظرًا لتدعيم القيم الأخلاقية من خلال التوجهات المدرسية وتلبية احتياجاتهم من إنفاق الأسرة. غياب الدور الاجتماعي يقول اللواء سمير السيد، خبير العلوم الجنائية: أن غياب الدور الاجتماعي والأمني وراء انتشار الظاهرة، وأوضح أنه خلال العشر السنوات القادمة سوف يخرج الأسد من عرينه منتقمًا، مما حدث له من قسوة وذل وظلام سيخرج مجرمًا محترفًا يسهل استقطابه وتشغيله، فهو مجرم المستقبل، وأن القادم أسوأ وستعود مرة أخرى "رايا وسكينة"، و"سعد إسكندر" سفاح كرموز، و"محمود أمين سليمان" سفاح الإسكندرية، وسنرى منهم خط الصعيد، ومنهم الكاموني، ومنهم الجاسوس والإرهابي والمتطرف، ومنهم البلطجي والمغتصب وهاتكي الأعراض وسيذهبون لتحالفهم مع الشيطان الذي يراعهم صحيًا وماليًا ونفسيًا ومأكلًا ومشربًا بعد أن تركوهم في المقابر، فأصبح لهم أنياب ومخالب. وأكد، أن اليوم لا فرق بين الضحية والمثقف المتشعب العلاقات، وهو فريسة وغنيمة الجرائم الحديثة اليوم وغير الضحية المنسوب عليها قديمًا، حيث كان النصابون قديمًا من الفقراء والمستويات الاجتماعية الأقل من المتوسط "باعوا الترام"، و"سنبل بعد المليون" أما النصب اليوم من ذي الياقات البيضاء والبدل السمراء والفخامة والثراء وعلاقات كالبحر بلا حدود. الشخصية الإجرامية يقول د. سيد علي، أستاذ علم الاجتماع جامعة القاهرة: أن لهذه الجرائم عوامل وأسبابًا، وأكثر هذه الأسباب متشابهة في الدول، فتعدد أسباب جرائم الأحداث بتعدد البيئات والظروف والأشخاص، وهي أسباب خارجية وتوجد أسباب داخلية مثل عامل الوراثة، وهو عبارة عن انتقال الجينات الوراثية من الأبوين أو أحدهما إلى الابن خاصة الجينات التي لها دور في انحراف الحدث، ومن الأسباب الداخلية ما يصيب الدماغ من تشوهات أو صدمات بعد الولادة مباشرة أو بعد أن يكبر الحدث، ومنها لتأخر في بعض وظائف العقل مثل انخفاض الذكاء، أو ضعف الذاكرة والفهم ومعرفة عواقب الأمور قبل حدوثها، أو اختلال في بعض الغرائز والميول يجعل الحدث غير سوي خاصة في بعض سلوكياته، ومنها الإفرازات الغدد الصماء أو الهرمونات لها تأثير على شخصية الحدث والمراهق. عوامل خارجية وتتكون من البيئة الخارجية مثل الأسرة والمجتمع والحي والمدرسة ووسائل الاتصالات وأثر ظروفها على نفسية الحدث. فبالنسبة لانحراف الأسرة: في مثل متداول يقول: "وراء كل تصدع أسري ظهور حدث جانح"، إذ أن وجود مشكلات بين الأبوين من عدم الثقة وسوء الظن والتعدي بالضرب والتعدي على حقوق الآخر والانفصال والطلاق، كل ذلك يجعل الحدث لا يعيش في جو آمن، فهو لا يتلقى الحنان والمحبة وتتولد في نفسه الحقد على الوالدين وعلى الناس وفقدان الثقة بنفسه وعدم الاعتماد على نفسه، إلى جانب فقر الحالة الاقتصادية للأسرة وحرمان الحدث من الحقوق الأساسية والكمالية، فيلجأ إلى طرق أخرى للحصول على هذه الحقوق منها الطرق غير الشرعية والقانونية، في بعض الدراسات تؤكد على أن 75% من الأحداث من ترك المنزل وعاش بالشوارع وأصبح منحرفًا بسبب سوء المعاملة في المنزل نتيجة للتفكك الأسري. العلاج طالب د. سيد علي بإعادة النظر بالأساليب العلاجية في دور المؤسسات الإصلاحية والمطالبة بمحاكمة الأحداث، هذا يعني أن دور الرعاية لا تؤهل الحدث الجانح إلى الحياة العادية والسوية دائمًا بل قد يعود الحدث إلى الجريمة، صحيح أن دور الرعاية تقدم برامج ثقافية ودينية واجتماعية ورياضية لكنها لا تكفي، ولعل المنهج التربوي الذي يدرس في دور الرعاية أيضًا ينقصه المرونة وعدم تأثر الأحداث به سواء المعلومات التي تقدم للأحداث على شكل محاضرات روتينية جافة كما في المدارس مما يعني عدم إقبال الأحداث على هذا المنهج، كذلك عدم وجود دراسات عن نفسية كل حدث وعن نوع الجريمة التي ارتكبها وعن عمره وعن... فهذه الدراسات تفرز لنا فئات الأحداث ولما تحتاجه كل فئة عمرية من منهج إصلاحي خاص بها، وعدم اختلاط بعض الأحداث ببعض الآخر كي لا يتأثرون بعضهم ببعض، وهذا يعني إنشاء وتعدد في دور الرعاية بينما في الغالب كثير من دول العالم تعاني من قلة أعداد هذه الدور.