وبدأت أفراحها وآمالها تتلاشي وانتهت بزرف الدموع بين جدران المحاكم وسط أحزان وهموم مشاكل ومنازعات معلقة لكثيرات مثلها.. قضايا نظرت وتم الفصل والحكم فيها وأخري مازالت متداولة أمام منصة العدالة.. آهات وقلوب تئن وتتوجع من ضيق ذات اليد وكثرة رسوم القضايا وأتعاب المحاماة من بينهم كانت هذه الزوجة بسيطة الحال عاشت مع زوجها علي الحلوة والمرة علي مدي سنوات لكنه تنكر لحسن صنيعها بعدما أكلها لحما ورماها عظماً هجرها وتركها وطفلها الرضيع في طريق التشتت والضياع وعاد لأحضان زوجته الأولي وصار الشقاء حليفها والتعاسة طريقها!! نشأت وسط أسرة في بيت ريفي متواضع تكاد تصرخ جدرانه من الفقر والعوز والحاجة.. اختطف الموت فجأة والدها وتركها ووالدتها المريضة تتلاطمهما أمواج الحياة القاسية.. دفنت همومها بين ضلوعها في صمت ومرارة وحزن ومرت شهور عاونها فاعل خير من كبار القرية في إلحاقها بالعمل بمصنع للمنسوجات لمواجهة أعباء الحياة المعيشية ومتطلبات ونفقات علاج والدتها.. استأجرت بالقرب من مكان عملها بالمصنع غرفة متواضعة تقيها ووالدتها من حياة التشرد حصن الأمن والأمان لحياتهما.. كرست حياتها في السعي وراء لقمة العيش بالصبر والمثابرة بعيداً عن الاختلاط والتزاور بين الجيران وكان جمالها الهادئ يجذب شباب الحي فعندما تظهر في الشارع مرتدية جلبابها الذي يلتف حول قوامها الفارع كانت تبدو كالغزال تلاحقها العيون من كل اتجاه ومكان وكان همها الأول والأخير لقمة العيش ومراعاة ست الحبايب.. لم تكن تدري بأن عيون أحد سكان الحي تلاحقها منذ شهور من خلال تردده لزيارة شقيقته جارتها في المسكن فوجئت بالولهان بصحبته قريب له يطرق باب مسكنها فاجأها ووالدتها بأنه رصد جمالها ووقف علي تربيتها وتمسكها بالعادات والتقاليد الريفية الراسخة في تصرفاتها وعلاقتها بالجيران مما دفعه إلي التقدم لوالدتها للزواج منها بغية ان يعيش حياة الاستقرار الأسري بعدما تصدعت حياته الزوجية مع زوجته الأولي والتي مازالت علي ذمته وفي عصمته بعدما أنجبا نصف دستة أطفال لكنها تمادت في عصيانها وتمردها علي حياته وأغراها العريس المزواج بدخله الوفير من عمله بإحدي الهيئات.. استشعرت بأنه إنسان مخادع وفي هدوء رفضت مطلبه وهنا فوجئت بوالدتها راحت تردد بصوت خافت من فوق فراش المرض باصرارها علي زواجها منه لكي يطمئن قلبها عليها باستقرارها في حياة زوجية في كنف زوج يحميها من غدر الأيام وشرور بعض العباد. وأمام اصرار والدتها لم تجد أمامها سوي ان تحتضنها وتجفف دموعها وترضخ لمطلبها وهي تردد بينها وبين نفسها "ضل راجل ولا ضل حيطة" قبلته زوجا علي مضض وتم عقد قرانهما ورضخت لمطلبه في ان تستمر حياتهما الزوجية بين جدران الغرفة التي تأويها ووالدتها واعتاد التردد عليها بصفة مستمرة خلال الشهور الأولي لحياتهما.. اعتادت خلال تغيبه في مأموريات عمله بالمحافظات ان تلتزم بقول الرسول عليه الصلاة والسلام "وإذا غاب عنها حفظته في ماله وعرضه" تركت عملها بالمصنع وتفرغت لاسعاده وتلبية متطلباته والعمل علي راحته وحملت بين أحشائها بجنين في الشهر الرابع وملأت الفرحة العارمة قلبها ووالدتها التي اختطفها الموت فجأة وودعت فيها نعم الأمومة والطيبة. ويبدو ان دوام الحال من المحال.. حيث فوجئت بشموع المودة والمحبة وقد انطفأت في عيني زوجها بعد أن امتص رحيق شبابها هجرها وانقطع عن زيارتها واعتكف بين أحضان "الضرة" التي راحت تدس سم الحقد والكراهية في قلبه الذي تحجر وانصاع وراء نصائحها المدمرة واعتبرها في عداد الاموات علي مدي شهور حتي رزقت بالمولود طفل صار في عمر الزهور. وعندما علم تمرد عن رؤيته وتدخل أحد أقاربه فاعل خير واصطحبه لرؤيته بين أحضان والدته.. فاجأها بالطامة الكبري برفضه استخراج شهادة ميلاد لابنه وتحطمت فرحتها بميلاده فوق صخرة جبروته وقسوته وراح يعلل السبب لكي يطمئن قلبه بعدم مطالبته قانوناً باقامة دعوي نفقة لها والمولود.. وقفت أمامه تحملق في ذهول من قسوة قلب أب لا يرحم ولا يلين.. ارتضت بان تكون زوجة مخدوعة تبعثرت تحت أقدام زوج مزواج كل همه الشهوات والنزوات ولكن ما ذنب الطفل البريء تركها بغياب ضميره وتحجر مشاعره بلا نفقة أو رعاية علي مدي شهور طويلة. صارت حياتها مغلفة باليأس والحرمان تقف مكتوفة اليدين أمام أتعاب المحامي للحصول علي حقوقها الشرعية القانونية لحياتها وطفلها تعاني ضيق ذات اليد عاجزة عن الالتحاق بأي عمل وبين أحضان أمومتها الرضيع لا تملك سوي دموعها التي صارت تبلل همومها وقيظ عذابها وطفلها يدفع حياته ثمناً لقسوة أب مزواج!