يرصد مؤلف "آفاق المعرفة في عصر العولمة" إنعكاسات الثورة الاتصالية الكبري التي يشهدها العالم حالياً، وسيرورتها باتجاه أكتساب المعرفة وانتاجها، بأعتبار إسهامها في تشكيل الملامح الأساسية للعصر الحالي "عصر العولمة". والكتاب يتكون من أربعة أقسام رئيسية : - المجتمع العربي - تحديد المشروع النهضوي العربي - عصر التناقضات الكبير - أحياء فكرة النهضة العربية . ويوضح المؤلف د. السيد ياسين بوصفه أستاذاً لعلم الإجتماع السياسي أن العولمة هي "التدفق الحر للمعلومات والأفكار والسلع والخدمات ورؤوس الأموال بغير حدود ولا قيود". كما يقدم المؤلف تعريفاً إجرائياً للمصطلح، يستهدف رصد الأطراف الفكرية المتعددة في مجالات السياسة والإقتصاد والاجتماع والثقافة التي أتاحتها التطورات الكبري في نظرية المعرفة الحديثة، وتطبيق هذا التعريف من خلال رؤية تحليلية نقدية للمجتمع العربي المعاصر، وتضمنت أقسام الكتاب الأربعة دراسة المجتمع العربي من منطقات حداثية، تسعى لتجديد المشروع النهضوي العربي في عصر التناقضات الكبري وإعادة إحياء فكرة "النهضة العربية". يقول المؤلف : إن "العولمة" أصبحت تهيمن على المناخ السياسي والأقتصادي والثقافي منذ بدايات القرن الحادي والعشريين، وأن تحليل التراث الفكري المعاصر يكشف عن خلافات تدور بين العلماء والباحثين والمفكرين في مختلف البلاد حول تعريف مصطلح العولمة وتحديد طبيعته وتقييم آثاره الأيجابية والسلبية، بل والتبنبؤ بمستقبلها... ولو أننا أردنا أن نسوق تعريف إجرائي للعولمة، لما اختلفنا كثيراً عن التعريف المتداول السابق ذكره، أما في حال البحث عن تعريف شامل للعولمة فإن هناك ثلاثة عمليات تكشف عن جوهر المصطلح، الأولى منها متعلقة بنشر وإتاحة المعلومات لكل الناس، أما ثانيتها فمتعلقة بتذويب الحدود بين الدول، والعملية الثالثة هي قياس معدلات التشابه بين الجماعات والمعلومات التي تتحول إلى نتائج إيجابية بالنسبة لبعضها وسبية للآخر. وحسب الكتاب فإن بعض الباحثين اتجهوا إلي تحديد المواد والنشاطات التي تنشد "الحلول" مستفيدة من العولمة، وقد قسموها إلي فئات ست – بضائع –خدمات – وأفراد - وأفكار - ومعلومات - ونقود - ومؤسسات - وأشكال من السلوك والتطبيقات. ويمكن القول أن شكل كل فئة من هذه الفئات تثير مشكلات متعددة، فلو أننا نظرنا مثلاً إلى الأفكار والمعلومات، يمكننا القول أن العالم الثالث يعاني من فقراً فكرياً متكاملاً، ما يجعل من قدره على المنافسة الفكري مع العالم المتقدم محدودة، وفيما يتعلق بالمعلومات، فإن دول العالم الثالث نصيبها من المعلومات محدودة جداً ما يجعلها عالة على الدول المتقدمة، بكل ما في ذلك من سلبيات. ملامح عصر ويتوصل المؤلف في كتابه إلى ثورة الإتصالات الكبرى ساعدت على رسم ملامح "عصر العولمة" وتشكيل سماته، وفي مقدمتة هذه الثورة الإتصالية تقف شبكة المعلومات الدولية "إنترنيت" التي غيرت جوهريا في طرق إكتساب المعرفة وانتاجها على السواء، ما جعل مجتمع المعلومات العالمي الذي جاء بعد المجتمع الصناعي، يقوم بتوفير المعلومات في كل مجالات الحياه لكل مواطني العالم بلا أستثناء بفضل شبكة الإنترنت، بل ولا يكتفي يتقديم المعلومات فقط، وإنما يقدم المعرفة العلمية والفكرية أيضاً. وترك هذا التطور الحضاري الهائل آثاره على المعرفة العربية اكتساباً وإنتاجاً، وهو المبحث الذي يقدم من خلاله الكتاب الأصول الفكرية المتعددة في مجالات السياسة والأقتصاد والأجتماع والثقافة التي أتاحها التطور الكبير في النظرية المعرفية الحديثة. ولإرتباط العولمة بالحرية والديموقراطية فإنها تكشف عوائق الديمقراطية العربية، والتحول الديمقراطي التي تطرح عدد من التساؤلات: هل ما يجري من أصلاحات سياسية في بعض البلاد العربية، يعد سعياً للإنتقال من الشمولية والسلطوية، إلى الليبرالية أم أن الأمر لا يتعدى إصلاحات شكلية..؟ كيف يمكن الحكم على عمق هذه الأصلاحات في غيبة قواعد متفق عليها يمكن من خلالها التقييم..؟ وعلى الرغم من أهمية الإتفاق على نموذج ديمقراطي محدد الملامح والسمات، لقياس الإصلاحات الجارية بناء على قواعد ومعايير واضحة، إلاّ أن المشكلة الكبري تكمن في التفاوت الشديد في طبيعة النظم السياسية العربية، بحيث يصعب التعميم والقياس عليه، قبل التعمق في الطابع الخاص لكل نظام، وهو نتاج التاريخ الأجتماعي والسياسي لكل قطر عربي على حدة. وبشأن الحالة المصرية، فإن كتاب "مؤسسة كارينجي" يتجاهل حقيقة أن حركة الإخوان المصرية تسعى استرتيجياً إلي تأسيس دولة دينية على أنقاض الدولة العلمانية، حسبما يتجلى بوضوح في مشروع الحزب السياسي الذي طرحوه على المثقفين والرأي العام في مصر. ويدعو المؤلف إلى تأمل كل حالة على حدة للوصول إلى توصيفات عامة تتعلق بالوضع الديمقراطي العربي، وربط ظاهرة تضاؤل دور الأحزاب السياسية بشكل عام في مراحل ما بعد الديموقراطية، بالأنتقال من مرحلة الحداثة إلى مرحلة ما بعد الحداثة، وهو أمر ذا أهمية بالغة لأنه يتجاوز التفسيرات السطحية التي سبق وأصبحت فهماً للتحولات السياسية الكبري في العالم. ويرى الكاتب أن هناك "أوهاماً" عن حرية التعبير وحقيقة التعصب الديني يجمع عليها مؤرخو الفكر العربي باعتبارها ظاهرة المحورية، وأن التعامل معها بشفافية كان أساساً لتقدم المجتمعات الصناعية الغربية. ويقول الكتاب أن هناك خلط شائع في الخطاب العربي المعاصر بين الحداثة والتحديث، فالتحديث عملية أجتماعية من شأنها نقل المجتمع التقليدي كالمجتمع الزراعي إلى مجتمع حديث كالمجتمع الصناعي، أما الحداثة فهي مشروع حضاري متكامل متعدد الأبعاد، وأن الحداثة نفسها "حداثات" وليست حداثة واحدة. ويثير الكتاب أسئلة وجودية تواجه العقل العربي الساعي نحو الحداثة: في أي عصر نعيش..؟ وهل نعيش حقاً عصر حوار الثقافات والتسامح الذي ينبغي أن يسود بين البشر، واحترام التنوع الخلاق، والمساواة بين الثقافات بحيث لا تكون هناك ثقافة أسمى من الأخرى، ولا دين أفضل من دين، أم أننا على مشارف حرب دينية معلنة لا تزيدها وسائل الإعلام الحديثة اشتعالا..؟ وأين ذهبت دعوات الحوار الحضاري والتحالف بين الحضارات..؟ وهل ضاعت في خضم التعصب الديني لجماعات دينية يهودية أو مسيحية وأسلامية تنتشر في كل مكان، أم أن "النفاق" الغربي حول حرية التفكير تكشف عن وجه قبيح للحضارة الغربية الغارقة في أمراضها؟