جامعة كفر الشيخ الأهلية تعلن المصروفات الدراسية للعام الأكاديمي 2025-2026    قطار النصر للسيارات أنطلق وتصنيع 7 سيارات كهربائية و50 ألف جنيه دعم حكومى    40 نائبًا أمريكيًا في رسالة إلى روبيو وويتكوف: السعي لوقف النار بغزة أولوية    الأهلي يواجه بتروجت الأحد المقبل في أخر بروفات الإستعداد للدوري    بنتايج يواصل تدريباته التأهيلية في مران الزمالك    الداخلية تكشف تفاصيل ضبط بلوجر زعمت أنها "بنت الرئيس مبارك" وشهرت بفنانة    قبل رمضان صبحي.. قصة اتهام مصطفى محمد بتزوير الامتحانات أثناء وجوده مع منتخب مصر    وفاء عامر وأزمة شيكا    بعد أزمته مع نجم كبير.. تامر حسني يعلن تصدره تطبيق "أنغامي"    ما حدود تدخل الأهل في اختيار شريك الحياة؟.. أمين الفتوى يجيب    حكم الرضاعة من الخالة وما يترتب عليه من أحكام؟.. محمد علي يوضح    أمين الفتوى: الشبكة ليست هدية بل جزء من المهر يرد في هذه الحالة    التريند الحقيقي.. تحفيظ القرآن الكريم للطلاب بالمجان في كفر الشيخ (فيديو وصور)    الداخلية تكشف ملابسات فيديو مشاجرة المطرية في القاهرة    وزير الثقافة: احتفالية كبرى بدار الأوبرا لتكريم الفائزين بجوائز الدولة    النائب إيهاب منصور يتقدم بسؤال عاجل للحكومة بشأن الانقطاع المتكرر للكهرباء والمياه في الجيزة    مدرب سلة الأهلى الجديد يصل القاهرة بعد أسبوعين    إكسترا نيوز ترصد تفاصيل وصول مساعدات مصرية إلى غزة ضمن قافلة "زاد العزة"    ضخ المياه بعد انتهاء إصلاح كسر خط رئيسى فى المنصورة    تأجيل محاكمة المتهم بإنهاء حياة شاب بمقابر الزرزمون بالشرقية    رئيس الوزراء: مستعدون لوضع حوافز خارج الصندوق لتوطين صناعة السيارات الكهربائية    بدء أوكازيون تخفيض أسعار السلع 4 أغسطس المقبل    الأردن: الكارثة في غزة وصلت لوضع لا يمكن وصفه    الخارجية الفلسطينية: الضم التدريجي لقطاع غزة مقدمة لتهجير شعبنا    38 قتيلا حصيلة ضحايا الأمطار الغزيرة والفيضانات العارمة فى الصين    النقابات العمالية تدشن لجنة الانتقال العادل لمواجهة التحول الرقمي    وزير العمل ومحافظ الإسكندرية يفتتحان ندوة للتوعية بمواد قانون العمل الجديد    إم جي تطلق سيارتها IM5 سيدان الكهربائية رسميًا في الأسواق.. صور وتفاصيل    خاص.. الزمالك يفتح الباب أمام رحيل حارسه لنادي بيراميدز    نادية مصطفى ومنصور هندى في انتخابات التجديد النصفى لنقابة الموسيقيين    أحمد التهامي يكشف كواليس العمل مع عادل إمام ويشاركنا رحلته الفنية|خاص    "3 فرق يشاركون في دوري الأبطال".. خالد الغندور يزف خبرا سارا    "ياعم حرام عليك".. تعليق ناري من شوبير على زيارة صلاح للمعبد البوذي    سفيرة الاتحاد الأوروبى: مصر ركيزة الاستقرار الإقليمى وندعم جهودها لوقف حرب غزة    وزير الدفاع يلتقي رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستانية - تفاصيل المناقشات    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    وزير الصحة يشهد توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة الصحة وشركة روش مصر لتطوير رعاية مرضى التصلب المتعدد    ماء المخلل.. هل هو مفيد؟    الأمراض المتوطنة.. مذكرة تفاهم بين معهد تيودور بلهارس وجامعة ووهان الصينية    بالأرقام.. رئيس هيئة الإسعاف يكشف تفاصيل نقل الأطفال المبتسرين منذ بداية 2025    تحرير (144) مخالفة للمحلات التى لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة    جسور مصر لا تُقطع عن غزة    7 أيام تفصل فتوح عن حسم مصيره فى الزمالك    المياه أغرقت الشوارع.. كسر في خط مياه رئيسي بالدقهلية    الطب البيطري بسوهاج يتفقد مجزر البلينا للتأكد من سلامة وجودة اللحوم المذبوحة    جامعة مصر للمعلوماتية تتعاون مع شركة اديبون لتدريب طلبة الهندسة بإسبانيا    مجمع إعلام القليوبية يطلق أولى فعاليات الحملة الإعلامية «صوتك فارق»    مقتل وإصابة خمسة أشخاص في إطلاق نار بولاية نيفادا الأمريكية    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى نحو مليون و51 ألفا و300 فرد منذ بداية الحرب    منال عوض: تمويل 16 مشروعا للتنمية بمصر ب500 مليون دولار    بمشاركة وزير السياحة.. البابا تواضروس يفتتح معرض لوجوس للمؤسسات الخدمية والثقافية    ريال مدريد يعلن انتقال لاعبه إلى خيتافي    بالصور.. اندلاع حريق بمخلفات الأشجار على طريق البراجيل    الطالبة هاجر حسام الأولى أدبي بالثانوية الأزهرية من ذوي البصيرة: أحلم بدراسة الإعلام    انطلاق تصوير فيلم «ريد فلاج» بطولة أحمد حاتم    نتنياهو يقترح خطة عمل جديدة لغزة.. ماذا تتضمن؟    معيط: دمج مراجعتي صندوق النقد يمنح مصر وقتًا أوسع لتنفيذ الإصلاحات    5 أبراج «معاهم مفاتيح النجاح».. موهوبون تُفتح لهم الأبواب ويصعدون بثبات نحو القمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نفرتاري وأخواتها
نشر في صوت البلد يوم 19 - 12 - 2009

وفي كل مكان يمكن أن تجده مانحا لما يعين علي التجدد والخصوبة وأتصور أن المبدأ الذي أرساه كبار النقاد في عالم النقد الأدبي يمكن أن نقرره في عالم الفنون التشكيلية أقصد إلي المبدأ الذي يري أن أهم ما يميز الفن العظيم هو قدرته علي الجمع بين الخاص والعام. المحلي والإنساني. النسبي والمطلق ولقد حلم محمد حسين هيكل. منذ سنوات غير قريبة. بتأسيس أدب وطني وكان يري أن هذا الأدب لابد أن يضرب بجذوره في أعماق التاريخ الفرعوني. باعتباره الابتداء الفعلي الخلاق للحضارة المصرية. وأن يرفرف بأجنحته في آفاق العالم الإبداعي المعاصر التي لا تحدها حدود• وكان النموذج الذي رآه مثالا علي ذلك هو فن مختار الذي مزج ما بين تقاليد النحت الفرعوني وقيمه المتجددة. من حيث هو فن إنساني. يجاوز بعبقريته حدود زمنه ومكانه. وبين تيارات الفن الأوروبي التي درسها. وتأثر بها. لكنه لم يقلدها تقليدا أعمي. وإنما تمثلها وهضمها ومزج بينها وتراثه الإبداعي ولا أدل علي ذلك من قصة تمثال نهضة مصر. فقد كان مختار في باريس. يقوم بالتدريس في إحدي مدارسها العالية للنحت. ووصلته أنباء ثورة1919 التي بدأت في التاسع من مارس بمظاهرات طلاب الحقوق. وسرعان ما تصدرت هدي شعراوي المظاهرة الأولي للمرأة المصرية.
وأخذت أخبار الثورة تتتابع وتملأ وجدان النحات الذي لم يكن قد أكمل الثلاثين من عمره. فاندفع إلي تصميم تمثال يجسد روح مصر الناهضة ولكنه عندما أمعن النظر فيه. وجده أقرب إلي أن يكون تمثالا لجان دارك ممسكة سيفا. فحطم النموذج الأولي للتمثال الذي رأي فيه تقليدا وليس إبداعا. واستعاد ميراث بلده القديم في النحت. متفاعلا مع كل التقنيات المعاصرة. فجاء تمثال نهضة مصر علي هيئة فلاحة مصرية تتطلع إلي الأمام. كأنها رمز للمرأة المصرية التي جسدتها هدي شعراوي عندما قادت المظاهرة النسائية الأولي التي تبعتها عشرات المظاهرات وكانت المرأة تستند إلي ما يشبه أبي الهول. جسد أسد ورأس إنسان يتطلع هو الآخر إلي الأمام. حيث المستقبل الواعد وبذلك حقق مختار المعادلة الصعبة بين الأصالة والمعاصرة. في التقاليد الخلاقة التي لا يزال يتابعها آدم حنين فخرنا المعاصر. في النحت المصري الأصيل. وكما فعل مختار فعل أقرانه من الجيل الأول للرسامين المصريين. في التقاليد الخلاقة نفسها التي تمثلها حلمي التوني. واعيا أو غير واع ولم يكن من الغريب والأمر كذلك أن يكتشف مغارة علي بابا الخاصة به. فاستوعب من كنوزها بقدر ما يستطيع وكان الكنز هو الفن الشعبي المصري بكل أنواعه وتقنياته الجداريات. رسوم الحج والزفاف. الرسم تحت الزجاج لأبطال السير الشعبية. فنون النقش والحنة علي اليدين والقدمين. أنواع الوشم الأحدث إلخ وكان ذلك كله موصولا بسياقه التاريخي الذي يبدأ من الإبداع المصري القديم. مرورا بالإبداع الإسلامي بعناصره الفنية. فضلا عن الإبداع القبطي إلي آخر الحقبة التي تمتد لسبعة قرون أو يزيد وكان التناغم بين هذه العصور هو مفتاح الهوية الإبداعية المصرية. وسر تركيبها الذي انطوت عليه روح حلمي التوني وتمثله وعيه الجمالي إلي أبعد حد. وحاول أن يصوغه في تجارب عديدة. عبر مراحل متباينة. صاغتها معارضه المتتابعة التي شاهدتها وجوه جميلة من زمن جميل. تحية إلي الفن القبطي. وجوه نجيب محفوظ. نفرتاري وأخواتها وهو المعرض الأخير ويبدو التتابع بين هذه المعارض كما لو كانت ريشة ألوان حلمي التوني. تنتقل حرة بين مراحل الحضارة المصرية وتجلياتها الإبداعية. بادئة من الأحدث القريب من نفوس أبناء جيلي إلي الأقدم الذي يعود بنا إلي تجليات الفن المصري الأقدم. بحثا عن لغة بصرية جمالية. تتنوع مكوناتها ومفرداتها التي تتوزع عبر العصور. ولكن تتجاوب في النفوس. ملحة علي رؤية جذرية واحدة. تبحث عن التركيبة السرية لمزج الأصالة بالمعاصرة. وإيقاع التناغم بين الثابت والمتغير حتي في ملامح الوجوه. واكتشاف الرابطة الرمزية التي تصل الإنسان بالكون. ظاهرة في موتيفات وموازيات رمزية لزهور ونباتات وطيور ووجوه والمرأة هي عنصر تأسيسي متكرر. تيمة لا غني عنها في معزوفات حلمي التوني التي تغني العين. وتطلق الخيال كالطائر الذي يشبه هدهد سليمان ونوح. أو عصفور الجنة الذي لا يفارق زهرة اللوتس. ولا ملامح الأسماك والأغصان التي تلازم زهور اللوتس في معرض نفرتاري وأخواتها.
أما نفرتاري فهي جميلة الجميلات، الزوجة الرسمية للملك رمسيس الثاني الذي حكم مصر لتسعين عاما، وتزوج تسعين امرأة، وأنجب تسعين ولدا، حتي يكتمل سحر الرقم (9) في المعتقدات الشعبية المتوارثة.
ونفرتاري كأخواتها، نموذج أنثوي مصري لتنويعات الجمال البصري الذي لا يغرق في التجريد أو التكعيب أو الإبحار في تيارات اللاوعي. حيث قارات الأعماق. فنحن إزاء لوحات محدثة علي طريقتها. تحافظ علي عقلانية المنظور. ولا تري الجمال إلا في النظام والتناغم اللذين لا يكفان عن إرسال رسائل تتجاوب فيها تراسلات الحواس وإيحاءات الألوان فزهرة اللوتس بكل تنويعاتها تتجاوب مع الطيور بكل أشكالها الناطقة. جنبا إلي جنب لوحات الطبيعة الصامتة. كأنها استراحات بصرية بين تعدد الأوجه والشخوص وتتقارب درجات اللون أو تتباعد بما يحقق التشابه والتضاد وتتبادل الكائنات الموقع مع الطيور. فتغدو إياها كأنها المعادل الرمزي الذي يدني بطرفي التشبيه إلي حال من الاتحاد. وتحمل البقرة. التي تبدو مقدسة. المرأة التي لا تفارقها في مدي رمزية الخصب التي تجمع بين الثنائية التي تقابل بين بقرتين تحملان امرأتين. في علاقة مفتوحة مع طيور محلقة وزهور نابتة. وبراعم متفتحة. وتبدو المرأة الأم إلي جوار طفلتها الصغيرة مفعمتين برائحة الخصب الذي تمثله زهرة في إناء والقطة التي تجمع ما بين رمزية المرأة وما لا يفارقها من مكر. وذلك في اللوحة المهداة إلي عبد الهادي الجزار. وهي نوع من التناص التشكيلي مع إحدي لوحات الجزار الشهيرة ولا تكف المرأة عن التبدل. فهي مفرد في صيغة تثنية كما لو كانت تواجه نفسها في مرآة. وهي جمع بصيغة المفرد. موصولة برموز حلمي وتيماته الأثيرة ابتداء من الطيور المحلقة إلي السمكة العائمة التي تصل بين الخصوبة والماء الذي يقترن بمعاني التجدد والحياة التي لا تتوقف. وليست كل مكونات المنظور. في لوحات معرض نفرتاري وأخواتها. مصرية قديمة مائة في المائة. فحلمي التوني. يمزج العصور. بحيث لا تخلو لوحة من تيمات متكررة في أغلب أعماله. خصوصا في دلالات الخصب الذي ينبغي أن يغمر الكون. ويتسرب إلي الشرايين والأفئدة. والأرض التي لا تكف عن الإثمار مع تجدد الربيع. وعودة إيزيس إلي الحياة. بعد أن جمعت أجزاءه في وحدة واحدة. كأنها وطن لا يمايز بين أفراده وطوائفه ودياناته كما لا يمايز بين أعضائه. فتتحول وحدته المتجددة إلي تنوع خلاق. يصل أحدث الحديث بأقدم القديم وهذا هو الفن الأصيل فيما يفهمه ناقد أدبي مثلي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.