إن الحرية هي الحياة, والحياة دون حرية لامعنى لها.. ولكن للحرية حدود لايمكن تجاوزها عندما تضر بالآخرين.. أحب حرية الفكر وأتمنى أن يتمتع بها أي فرد من أفراد المجتمع ولاسيما الرجل الذي كثيراً مايظلم المرأة عندما لا يعي مفهوم الحرية الصحيح دائماً مايختلف مفهوم الحرية من فرد إلى آخر ومن جيل إلى جيل, حتى داخل الأسرة الواحدة تجد أن مفهوم الآباء للحرية يختلف عن نظرة الأبناء, وهو مايؤدي إلى الصراع الأبدي المعروف باسم صراع الأجيال. إن الحرية داخل الأسرة معادلة صعبة فهي تتطلب أباً مثقفاً ومتحضراً يناقش قبل أن يعطي خلاصة تجاربه في الحياة, ويعلم أولاده عدم الخوف, ويعطيهم الفرصة للتجربة ولممارسة حقوقهم, وأن يتعلموا عواقبها, سواء مع الفشل أو النجاح. لايصح أن يعتبر الوالد حق الحرية منحة منحها للابن لأنه يمن عليه بأبوته, ولايصح أن يلجأ إلى منطق المساومة مع الأبناء, ويجب أن يتوافر عند الأب منطق السماح والمغفرة, وأن يكون حكيماً وليس ممسكاً بالعصا التي تهدد الأبناء, ويعرف علماء النفس الحرية بأنها القدرة على تحقيق فعل أو امتناع عن تحقيق فعل دون الخضوع لأي ضغط خارجي وهي قدرة الإنسان على اختيار أفعاله . ويبدو الصراع بين الأبناء واضحاً في مرحلة المراهقة فيما يتعلق بموضوع الحرية لأسباب عديدة منها محاولة الآباء فرض سيطرتهم على أبنائهم بشكل كبير يصل إلى درجة الغاء شخصية الأبناء الذين يصرخون دائماً مطالبين بالحرية والآباء خائفون ويشعرون بالتوجس من الحياة المفتوحة, مثل الإنترنت والفضائيات على سبيل المثال, لكنني أنصحهم بعدم الخوف, وإذا أعطينا الأبناء المبادئ والقيم وأهلناهم جيداً يمكن أن نتركهم وسط هذه المتغيرات دون خوف. وحتى يحدث ذلك لابد من تعليم الأطفال الحرية, منذ الصغر تدريجياً حتى يكونوا قادرين على الاعتماد على النفس, واتخاد القرارات في المستقبل. إن ضبط إيقاع الحرية داخل الأسرة يقع بصورة كاملة على عاتق الأبوين, فعليهما أن ينشئا أبناءهما تدريجياً على الحرية الملتزمة التي تعرف الحدود. ومنذ صغرهم لابد من تكوين الوازع الديني لديهم, وزرع مفاهيم الصواب والخطأ والمقبول والمستهجن, حتى لايتسلل إلينا كل يوم من هذه الحضارة ما يجعلنا نفقد ثقافتنا وحضارتنا الأصيلة التي نعتز بها. الحرية من أغنى المفهومات الفلسفية عن التعريف و هي مفهوم فردي و إجتماعي بآن واحد فلا وجود للمجتمعات إذا ما فقدت حريتها ( إستقلالها ) و لكن يبدو هذا المفهوم فضفاضاً جداً إذا ما نظرنا إليه في إطار الحرية الفردية ما الذي يستوجب الآخر هل حرية الفرد أساس في الحفاظ على حرية المجتمع و هنا السؤال الكبير الذي يطرح نفسه ما المقصود بالحرية الفردية . و إذا كان الحال عكس ذلك فما واجب المجتمع الحر إزاء أفراده حتى يبعث فيهم الشعور بالحرية. من منا لم يتساءل يوماً عن معنى الحرية و كم من واحد فينا وجد الإجابة عن هذا السؤال. من منا يشعر حقاً بحريته وإذا كان كذلك فهل يستطيع أن يحدد لنا مصدر هذا الشعور . نعني بالحرية في العادة تلك الخاصة التي تميز الكائن الناطق من حيث هو موجود عاقل تصدر أفعاله عن إرادته هو لا عن أية إرادة آخرى غريبة عنه . فالحرية بحسب معناها الاشتقاقي هي عبارة عن انعدام القسر الخارجي ، و الإنسان الحر هو من لم يكن عبداً أو أسيراً و مفهوم الحرية يتوقف كثيراً على الحد المقابل الذي تثيره في أذهاننا هذه الكلمة ، إذ قد نضع في مقابل كلمة الحرية ، كلمات عديدة مثل كلمة " الضرورة " أو " الحتمية " أو كلمة " القضاء و القدر " أو كلمة " الطبيعة " و لكن من الممكن أن نميز بصفة عامة بين نوعين من الحرية : حرية التنفيذ و حرية التصميم .. والمقصود بحرية التنفيذ : تلك المقدرة على العمل أو الامتناع عن العمل دون الخضوع لأي ضغط خارجي ، والحرية بهذا المعنى عبارة عن القدرة على التنفيذ مع انعدام كل قسر خارجي . أما حرية التصميم : فهي عبارة عن القدرة على الاختيار أعني القدرة على تحقيق الفعل دون الخضوع لتأثير قوى باطنة ، تحد من حرية التصميم كالدوافع و الأهواء أن كل تجليات مفهوم الحرية، ترجع في جذورها العميقة والإنسانية إلى قيمة العدالة. فهي طريقنا إلى كل الفضائل. ولا حرية خاصة أو عامة بدون عدالة في حقول الحياة المختلفة. والعدالة كمفهوم في هذا السياق، هي أوسع وأعمق من القوانين والإجراءات الديمقراطية. إذ هي تتعلق بالممارسات والمواقف كما تتعلق بالبواعث والدوافع. فهي الدعامة الأساسية لأي نظام ديمقراطي حقيقي. والنظام الذي يفتقد العدالة، لا يمكن أن يكون ديمقراطيا حتى لو تجلبب بكل شعارات الديمقراطية. فالعدالة هي جوهر الأنظمة الديمقراطية، وهي جسر توسيع رقعة الحرية في مجالات الحياة المختلفة. وعلى هذا فإن الحرية هي ذلك الحيز الذي يستطيع فيه الإنسان التصرف في أموره وقضاياه دون أن يصل إلى ظلم نفسه أو الآخرين. بمعنى أن حدود هذا الحيز الذي يستطيع الإنسان التصرف في فضائه هو العدالة. فالحرية تتسع وتضيق من خلال علاقتها بقيمة العدالة. وبهذا تتضح العلاقة العميقة في الرؤية الإسلامية بين مفهومي الحرية والعدالة. فلا عدالة حقيقية بدون حرية إنسانية، كما أنه لا حرية بدون عدالة في كل المستويات. فالحرية لا تعني التفلت من القيم والضوابط الأخلاقية والإنسانية، كما أن العدالة لا تعني قسر الناس على رأي واحد وقناعة محددة. لذلك فإننا ينبغي أن ننظر إلى مفهوم الحرية بعيدا من لغة الحذر والتوجس والتسلسل المنطقي الذي قد يوصل إلى مساواة معنى الحرية إلى التشريع للانحراف والرذيلة، ونعمل على توضيح العلاقة الجوهرية التي تربط معنى الحرية مع مفهوم العدالة. وبالتالي فإن الحرية عامل محرك باتجاه إنجاز مفهوم العدالة في الواقع الخارجي. كما أن العدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية هي التي تكرس مفهوم الحرية في الواقع المجتمعي. وعلى هذا فإننا لا بد أن "نميز بين الحرية كحق اجتماعي والحرية كخطوة وجودية. كحق، لا تشمل الحرية خيار ما هو محرم، ولكن كحالة وعي وجودي فهي تشمل جميع الاحتمالات، كما سبق وبينا. ففي المفهوم الوجودي يستطيع الفرد أن يقرر ما يشاء وهو عالم بتبعات قراره، ولا يحتاج إلى إجازة من أحد، بينما طالب الحق مقيد بما هو مجاز، ومن ذلك شرعية المطالبة بما هو محرم، ولكن ليس باختيار المحرم.. ولأن واقع الكوكب الذي نعيش عليه ليس بيئة واحدة، بل واقع بيئات متنوعة، مما يجعل العالم الإنساني واقع مجتمعات متمايزة. واقع أمم. فإن الوجود المجتمعي الأتم الكامل هو وجود الأمة التي لا تعني جيلاً واحداً في حقبة من الزمن ولا تعني عدة أجيال في عدة حقب زمنية ؛ بل تعني وحدة حياة الجماعة الإنسانية وحركتها المستمرة على بقعة أو بيئة معينة من الأرض تفاعلت معها وتتفاعل، وسوف يستمر هذا التفاعل منذ كانت الحياة الإنسانية إلى ما سوف تكون. استناداً إلى هذه النظرة التي تقول بالإنسان- المجتمع، والتي ترى أن الأفراد هم إمكانيات وفعاليات اجتماعية فإن المثال الأعلى للقيم الإنسانية يتركز على الأساس المجتمعي الإنساني، حيث يكون المجتمع هو مصدر كل القيم ومآلها. وحيث يكون ارتقاؤه المستمر الشرط الأساسي على أهليته وجدارته في الابتكار والإبداع والخلق، وحيث يدل على مبلغ السموّ في رسالته الحضارية إلى الشعوب الأخرى، ويشير إلى جدية مشاركته في الصراع الإنساني من أجل تحقيق «حياة أجود، في عالم أجمل، وقيم أعلى» فبدلاً من فردية القيم وماديتها ؛ إن القيم تصبح في المفهوم الجديد قيماً اجتماعية إنسانية تبدأ من وبالمجتمع وترتقي وتسمو بقدر ما في المجتمع من طاقة على الارتقاء والسموّ.