عقب فوز مرشح جماعة الإخوان المسلمين د. محمد مرسي بمنصب رئيس مصر أثيرت العديد من التساؤلات حول مدي التدخل الأمريكي والغربي بالضغط علي المجلس العسكري لإعلان فوزه علي منافسه الفريق أحمد شفيق ورغم نفي عناصر قيادية داخل جماعة الإخوان لمثل هذه الضغوط لكن كانت هناك مؤشرات سابقة تؤكد علي إبرام تحالف سري من نوع خاص علي أساسه يتم تمكين ممثل الإخوان من منصب رئيس الجمهورية، في مقابل تعهدات مؤكدة بالحفاظ علي استمرار اتفاقية السلام مع إسرائيل. وطرح مثل هذا الأمر من جانب مصادر مصرية قد يشوبه الريبة والشك، ويثير الحديث مجددا عن نظرية المؤامرة والتربص بكل ما هو إسلامي، لكن عندما يصدر الكشف عن تلك العلاقة من أحد أهم المراكز البحثية في إسرائيل، من الضرورى الوقوف كثيرا أمام هذا الأمر، حيث أعد أوريه شابيط الأكاديمي الإسرائيلي المتخصص في شئون الجماعات والحركات الإسلامية دراسة خاصة نشرتها دورية «تخلت» الإسرائيلية البحثية المتخصصة في الدراسات السياسية والاستراتيجية الصادرة عن مركز شاليم اليميني الإسرائيلي حول المستقبل السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر من الناحية الديمقراطية علي خلفية التطورات السياسية المتلاحقة التي تشهدها مصر وما يمكن لإسرائيل أن تفعله حيال تلك التطورات. وأشار الخبير الإسرائيلي في مستهل دراسته، التي حملت عنوان «الديمقراطية نسخة الإخوان المسلمين» إلي أن تعاظم قوة الإسلاميين وانتهاجهم للغة الديمقراطية وضع أصحاب القرار في الولاياتالمتحدةالأمريكية في مأزق خطير، مؤكدا أن هناك شبه إجماع بين أروقة الحكم في واشنطن وأجهزة المخابرات الأمريكية علي أن صعود الإخوان المسلمين للسلطة في الدول العربية عموما وفي مصر علي وجه الخصوص هو سيناريو مرغوب فيه ومن الممكن التعامل معه، وزعم أن الخلاف الوحيد بين المسئولين الأمريكيين في هذا الصدد كان حول مسألة هل من المناسب التعامل مع جماعة الإخوان أو أنه من الضرورى مقاطعتها، لكن يبدو أن الأمر تم حسمه داخل البيت الأبيض. وفي يونيو 2011 وعقب إعلان السلطات المصرية بأن الإخوان المسلمين حركة شرعية أفادت وقتها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بأن واشنطن ستجري حواراً مع الحركة، مثلما تفعل مع الأحزاب التي لا تنتهج العنف في دول أخري. وتابع أوريه شابيط حديثه قائلا: من الممكن إيجاد نقطة التقاء بين الإدارة الأمريكية التي تأمل في إيجاد شخص يمكن التحاور معه في المعسكر الإسلامي الراديكالي وبين الإسلاميين الذين يدركون أنه من الخطأ حرق جميع الجسور في العلاقات مع الغرب، هذه النقطة يمكن أن تثمر عن اتفاقيات متبادلة. ورصد الخبير الإسرائيلي في دراسته السلاح الأقوي الذي يمتلكه الإخوان المسلمين والذي من خلاله وصل مرشحهم إلي منصب رئيس جمهورية مصر العربية، وهو نجاحهم في الدمج بين الحداثة والشريعة الإسلامية، رأيا أن ذلك يمثل قوة جذب كبيرة، خاصة بين أوساط الطلاب وأصحاب المهن المستقلة الذين دائما كانوا منقسمين بين عالمين. وقد أظهر استطلاع الرأي الذي أجراه معهد «بيو» الأمريكي عقب إسقاط نظام الرئيس السابق حسني مبارك أن واحد وسبعين بالمائة من المصريين يرون أن النظام الديمقراطي هو الأفضل لتطبيقه في مصر، بينما اثنين وستين بالمائة منهم يرون أنه لابد من تطبيق القوانين طبقا لما ينص عليه القرآن الكريم. فيما يحمل خمسة وسبعون بالمائة ممن شملهم الاستطلاع مواقف إيجابية للغاية حيال الإخوان المسلمين، فثلاثة أرباع الشعب المصري المهتمين سواء بإقامة نظام ديمقراطي أو نظام يحكمه القرآن، هم الجمهور الذي كان مستهدفا من جانب الإخوان المسلمين سواء خلال الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية في مصر، مشيرا إلي أن الإخوان المسلمين الذين يتحدثون مثل الديمقراطيين والليبراليين بل ويتصرفون مثلهم، هم في الواقع ليسوا ديمقراطيين أو ليبراليين، لكن التركيبة الإسلامية تتيح لهم استعارة مفاهيم وقيم من المعجم السياسي لليبراليين، لكن التزامهم الأساسي للقوانين والأحكام الدينية فقط. وفي ختام دراسته أعرب أوريه شابيط عن أسفه وحزنه الشديد من النجاح الذي حققه الإخوان المسلمين في معظم الدول العربية وعلي رأسها مصر بأغلبية ساحقة في معظم الانتخابات الحرة التي جرت مؤخرا، مرجعا ذلك إلي قيام الأحزاب الإسلامية بعرض نظرياتها وبرامجها بشكل واضح وبسيط، في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة والتخبط الفكري في المنطقة العربية وهو ما أكسبها مزيدا من التأييد والانجذاب الشعبي. وفي محاولة لتقليب العالم علي جماعة الإخوان -وهو ما ال مستمرا خاصة بعد فوز د. مرسي برئاسة مصر - أوصي الخبير الإسرائيلي الغرب بضرورة التأهب لأعلي درجة علي ضوء الخطر المحدق الذي يمثله حركات الإسلام السياسي للمجتمعات العربية، لكنه سيكون في مأزق خطير قائلا: إذا قام بشن الحرب عليها، سيعضد ذلك من مزاعم الإخوان المسلمين بشأن وجود مؤامرات غربية لتفتيت الهوية الدينية للعالم الإسلامي بهدف السيطرة عليه، وإذا وقف مكتوف الأيدي فسيكتب بنفسه وفاة القوي الليبرالية المصرية، فهذه النقطة الخطيرة في الديمقراطية العربية التي يصبح فيها الغرب في حيرة بين دور المحرر والمحتل، الحل والمشكلة، ورغم تعقد الوضع إلا أنه يتعين علي أصحاب القرار في الغرب عدم تجاهل الحقيقة المفاجئة التي ظهرت العام الماضي وهي اقتحام المجتمعات العربية قوي متشوقة الديمقراطية الحقيقية وتدرك أن أسلوب نظام الحكم الغربي يجسد حقيقة صورة الازدهار البشري والاستقرار السياسي.