يبدو أن قضية هروب الأمريكان المتهمين في قضية التمويل الأجنبي لن تمر مرور الكرام وأن هناك أمورًا كثيرة تحتاج إلى المزيد من التوضيح وهناك العديد من الأسرار والألغاز التي تحتاج إلى سرعة توضيح وهو ما وضحه السفير نبيل فهمي، سفير مصر السابق في واشنطن، حيث وجه اللوم الشديد إلى مصر للسماح بسفر المتهمين فيها من أصحاب الجنسيات الأجنبية، خصوصًا الأميركية، مؤكدًا أن ما حدث أوقع مصر في حرج. ومن واقع خبراته المتعددة دار بيننا وبينه هذا الحوار الذي شخص فيه طبيعة القضية وما حدث وما سيحدث... ما رأيك في فضيحة السماح للأمريكان المتهمين في قضية التمويل الأجنبي بالسفر؟ رأيي في القضية برمتها قاس، ليس في مسألة الإذن بالسفر من عدمه، وإنما لعدة اعتبارات، وبصرف النظر عن موافقة طرف على قانون الطرف الآخر أم لا، لكن طالما هناك قرار بالعمل في إطار وطن آخر فلا بد من احترام قوانين هذا الوطن إلى أن تتغير، وهذا ما لم يتم من جانب الجهات الأجنبية أو الجمعيات والمنظمات الأجنبية التي عملت في مصر، بعملها أو بتمويلها لمنظمات غير مسجلة. من ناحية أخرى.. وهو أيضًا خطأ كبير كيف يسمح لمنظمات بالعمل في مصر 30 عامًا من دون رخصة؟ هذا أيضًا شيء غريب جدًا، أن نصدر قانونًا ثم نقرر تجاهله لمدة 30 عامًا.. وهذا خطأ من جانبنا نحن في مصر، وأضف إلى ذلك أنه إذا كانت المقولة إنه بعد الثورة الأوضاع قد تغيرت ونريد أن نتمسك بالقانون، وهذا ما أؤيده، فالمطلوب أولاً: الإعلان عن النية في تنفيذ القانون القديم لأن التغيير هنا ليس في القانون، وإنما في الموقف السياسي من تطبيق القانون، والمطلوب أيضًا بما أن هذا التغيير حدث بعد الثورة أن نعمل أيضًا في تغيير القانون بأن يكون أكثر انفتاحًا وأكثر تشجيعًا للمجتمع المدني مع ضوابط صارمة للشفافية والمحاسبة، كما أن مسألة الإعلان مع كل مشكلة بالتهديد بقطع المعونة مسألة غير محترمة ولا تتماشى مع مستوى العلاقات بين الولاياتالمتحدة ومصر لأنها علاقات متشعبة.. ليست علاقات حميمية أو باردة. ما رأيك في المطالبات بعدم قبول المعونة وتأكيد أنها غير مفيدة؟ حوار غير منطقي.. إذا كانت المساعدات غير مفيدة فيجب أن نرفضها حتى لو لم تكن هناك مشكلة، ولكن طالما هي مفيدة بالنسبة إلينا فيجب أن نتعامل معها في حدود ما هو مفيد، وخلاصة ما أود قوله بكل صراحة في هذه الأزمة إنه لن يدخل هذا الحادث في سجل الممارسات الدبلوماسية الناجحة وهذا تعبير دبلوماسي رقيق من جانبي. كيف تؤثر الأحداث على العلاقات المصرية الأمريكية في المستقبل؟ أولاً عدم وجود أي مقدمات عن رفع حظر السفر ثم تصوير المغادرين ترك انطباعًا سيئًا داخليًا في مصر بصرف النظر عن صحة الإجراء من عدمه، وإنما عدم الإعلان والتمهيد له وشرح الأساس القانوني الذي سيتخذ على أساسه القرار.. فمن الناحية المصرية قرار رفع الحظر كان مصريًا سواء كان سياسيًا أم قضائيًا، لذا كان يجب شرح الأساس القضائي الذي سيتم من خلاله السماح بسفر المتهمين.. ثم يجب الأخذ في الاعتبار أن التمهيد للقرار كان يأتي من تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون وإعلانها بقرب الإفراج عن المعتقلين وقرب اتخاذ قرار.. بما يوحي أن هناك حوارًا سياسيًَا وليس حوارًا قضائيًا. إذن التمهيد لاتخاذ القرار لم يكن جيدًا من الطرفين وإنما يجب أن يؤخذ في الاعتبار، وهذه السمة للأسف حتى الآن لم تقدرها الدولتان جيدًا، إنه بقدر تحدث هيلاري كلينتون للرأي العام الأميركي، وتحدث المسئولين المصريين أساسًا للرأي العام المصري، كلاهما حديثه مسموع محليًا، بمعنى أن كلينتون تريد أن تطمئن الجانب الأميركي، فهذه التصريحات تسبب بلبلة وضيقًا في الشارع المصري، والعكس أيضًا صحيح عندما لا نشرح أساس القرار قبل إصداره أو حتى في لحظة إصداره ونعرف من اتخذه فإن الشكل العام سيكون أن هذا ضغط أميركي ومصر رضخت لهذا الضغط.. ولكن دعنا نذهب خطوة إلى الإمام وخطوة إلى الخلف، برغم أن المحتجزين غادروا، والبعض في الولاياتالمتحدة سيدفع بوضوح بأن الضغط نجح.. ولكن الحادث نفسه سيؤدي في رأيي إلى حذر أكثر في المستقبل من تجاهل القوانين في مصر. وبصرف النظر عن أن القرار صادر عن جهة قضائية وفقًا لأسس قانونية، لكن من دون شك الصورة العامة تركت انطباعًا سلبيًا لدى الرأي العام في مصر، خصوصًا أنه لا أحد يعرف على وجه الدقة من الذي اتخذ القرار وعلى أي أساس.. أعتقد ولديَّ أمل في أن هذا الحادث سيجعلنا لا نتهاون في تطبيق القانون المصري. ترى ما هو سر الصمت الدبلوماسي تجاه هذه القضية؟ أولاً ليس لديَّ معلومات محددة حتى أكون مرجعية.. لذا عليك أن تأخذ ملاحظاتي على أنها تقييم أو تحليل أو تقدير، ومن هذا المنطلق فلا شك أن الصورة غير صحية وغير طيبة وبالتحديد لأننا لم نشرح الموقف، إذا كان كما قيل وقد يكون صحيحًا بأن الاحتجاز غير دستوري.. هذا الشيء كان مفاجئًا لنا بعد أسابيع من الاحتجاز لا سيما أن الذي اتخذ هذا القرار هم قضاة، فكان يجب شرح هذا الكلام، خصوصًا أننا كنا نسمع هذا الصوت من خبراء قانونيين منذ البداية. وأنا أقدر أن مصر تمر بمرحلة انتقالية شديدة التعقيد ومن الطبيعي ألا تؤدي كل أجهزة الدولة عملها بكفاءة كاملة وأن نشهد قدرًا من عدم الاتزان بين الحين والآخر، وهذا أمر طبيعي لأي مرحلة ثورية كما نشهدها اليوم، ومرحلة تتصارع فيها القوى الثورية والقوى السياسية والقوى القديمة والقوى الجديدة، كلها تقريبًا في آن واحد. في ظل هذا الوضع عند اتخاذ قرار يجب أن ننظر إلى مبرراته وإلى نتائجه. ما حقيقة ما يقال إن النظام السابق قبل بدخول هذه المنظمات والعمل في مصر مقابل موافقة الأمريكان على التوريث؟ هناك مثل أميركي ترجمته الموجزة «لا تتحدث معي عما قمت به.. حدثني عما ستقوم به»، بمعنى أن الطرف الأميركي دائمًا ينظر إلى المستقبل وفي نهاية الأمر ماذا سيستفيد.. في عام 2002 وقبل انتخابات الرئاسة في مصر بثلاث سنوات، وصل الرئيس السابق حسني مبارك لنحو 73 عامًا، وكان في توقعاتهم أن هذا الرئيس سيتغير سواء بعد 3 أو 5 سنوات، أي فيما يعرف في التقدير السياسي بالمستقبل القريب أيًا كان عدد السنوات، وقتها نجحت الولاياتالمتحدة في إقناع الطرف المصري بإيجابيات اقتصاد السوق أو الاقتصاد الحر، انتقلنا من اشتراكية عبد الناصر إلى انفتاح السادات إلى اقتصاد السوق الحرة وقت مبارك، ولم تنتقل بنفس الدرجة في الجانب السياسي، والمستقبل قادم قادم وهم يحاولون التطلع إلى نظام سياسي في مصر يسهل قراءتهم للواقع.. ومن ثم بدأ النظر إلى الأجهزة الأميركية النشطة «فريدوم هاوس» وغيرها، وبدأ الجميع ينظر إلى مصر كمحور للتغيير في الشرق الأوسط، وهذا بالضبط ما حدث بعد ثورة 25 يناير فحسب ما نشر في الصحف المصرية فإن ما حصلت عليه منظمات المجتمع المدني المتهمة تضاعف نحو 3 مرات في عام. هل بالفعل كنت تشرف على بدايات زيارات رموز المجتمع المصري إلى واشنطن عندما كنت سفيرًا لمصر هناك؟ بكل أمانة دعوت عددًا كبيرًا من أعضاء المجتمع المدني المصري، أولهم مستقلون ليس لهم علاقة بأي حزب أو حكومة مثل د.ميلاد حنا ود.أحمد كمال أبو المجد، وكانت أول زيارات المجتمع المدني عندما كنت سفيرًا في واشنطن وحضر جلسة من الجلسات أحد أعضاء مجلس الشيوخ ود. ميلاد ود.أبو المجد انتقدا الموقف الحكومي المصري ولكنه انتقاد وطني.. فاستغرب السيناتور وقال: أنت تحضر ناسًا ينتقدونك! وكانت ملاحظة جيدة وقلت له: بالعكس، حتى تعرفوا أن في مصر آراء مختلفة، وكما ذكرت كانت انتقاداتهم انتقادات وطنية، ثم بعد ذلك الغالبية العظمى ممن كانوا في المعارضة أو أصبحوا فيها مروا على واشنطن أيضًا. هناك زيارات نظمتها وزيارات تولت تنظيمها منظمات مجتمع مدني. وأنا لا أتهم أي أحد بأي شيء، والمسألة لم تكن قاصرة على أفراد بعينهم. في البداية كان يأتي المستقلون، ومع الوقت أصبح الجميع يريد أن يأتي إلى واشنطن، بعد ذلك حدثت حالة البرود في العلاقة بين إدارة بوش والإدارة المصرية السابقة، فقرر الجميع عدم الحضور.