استقالة البرادعى "جون حقيقى" فى مباراة مصر التى يلعبها الجميع.. انتقال البرادعى من دور الرئيس إلى دور المصلح هو مكسب حقيقي لنا وله. فمنذ ظهور البرادعى في مصر في نوفمبر 2009 وفي خضم جدل سياسي حول انتخابات رئاسة الجمهورية المستحقة في مصر سنة 2011 والعوائق الدستورية الموضوعة أمام المرشحين بموجب المادة 76 المعدّلة في 2007 وتكهنات حول تصعيد جمال ابن الرئيس السابق محمد حسني مبارك، أعلن محمد البرادعى احتمال ترشحه لانتخابات الرئاسة في مصر مشترطًا لإعلان قراره بشكل قاطع وجود "ضمانات مكتوبة" حول نزاهة وحرية العملية الانتخابية. وكانت هذه بداية ظهور تطلب الترشيح لرئاسة مصر.. ليس تبعا لآليات النظام القائم.. بل طبقا لآليات الديمقراطية الصحيحة.. والدساتير التى يقبلها المواطن الحر.. وظلت كل محاولات جعله يصبح شخصا خاضعا للنظام القائم فاشلة حتى قامت ثورة يناير، وقام بترشيح نفسه تبعا للنظام الجديد الذي كان للجميع طموحات كبيرة به وفيه، والتي كانت نتيجته أننى سأنزل مرة أخرى لأقوم بثورة مرة أخرى.. لذا كان من الطبيعي جدا أن ينسحب من الرئاسة لأن البرادعى ببساطة لم يجد تغييرا حقيقيا حدث بل كله تغيير ظاهري.. بالإضافة إلى كون البرادعى إصلاحيًا في الأساس وليس كونه طالب سلطة أو رئاسة. وراجعوا جيدا تاريخ ظهوره فى مصر منذ 2009 إلى هذه اللحظة.. هو لديه رغبة دائمة فى التغيير والإصلاح أولا وليس السلطة أولا ومن بعدها الإصلاح الذى يكون فى أغلبه غير مضمون. ما حدث من إعلان انسحابه هو محاولة إصلاحية حتى لو كانت بموته؛ فقد فجر البرادعى نفسه تماما حتى يكف الناس والرأى العام الشعبى عن تناول مبارك فقط الذى هو من الماضى الآن، وجعل الناس تنظر إلى المستقبل وإلى الحاضر.. دائما صديق محمد حسن يرى أن هذه البلد يتم توجيه عقلها ووعيها فى اتجاه واحد عندما يريد القائمون على البلد وقد حدث هذا خلال الاسابيع الماضية حيث أصبحت البلد كاملة تهتم فقط بمحاكمة حسنى مبارك وليس شيء آخر وليس الثورة مرة أخرى يوم 25 يناير القادم، وليس التطوير للدولة وعملية تنظيم دولة حقيقية بها عيش وحرية وكرامة إنسانية, لذا كان لابد من صدمة تمنحنا من جديد الدهشة والقدرة على الرؤية من جديد بعد ان بدأت الصورة تكون ضبابية جدا وغير واضحة "كما يقول صديق أحمد ابو بكر". ان المطلوب ان يظل المواطن المصرى دائما لايرى الصورة واضحة فهى لابد ان تكون ضبابية جدا حتى لايستطيع أن يأخذ موقفًا مع أو ضد, البرادعى قام بتفجير نفسه من أجلنا عندما انسحب من الترشيح للرئاسة حتى نراجع من جديد أنفسنا ولايتم توجيهنا كما حدث خلال الشهر الماضى؛ حيث تم تكبير مشهد محاكمة مبارك وكان هذا التوجيه المتعمد لجعل الأمر مختصرًا في حسنى مبارك ورفع الضغط عن المجلس العسكري. استقالة البرادعى هي الصدمة العنيفة للجميع ليعود مرة أخرى إلى مناقشة أداء المجلس العسكري وأداء الدولة الحاضر وليس الماضي. البرادعى وجه الرأي العام الشعبي والسياسي والبلد كلها إلى وجعها الاصلى لقد تنازل عن وجوده في منافسة الرئاسة التى كانت مؤشرات نجاحه تتزايد كل يوم حتى إننى شخصيا كنت أجد أنى سوف أنتخبه فى نهاية الأمر عندما أقارن بين كل المرشحين وبين كل مواقفهم بعد وقبل الثورة وكنت أتحدث عن أنه المناسب تماما للمرحلة القادمة. لقد فاز البرادعى الاصلاحى بالاستقالة وقد كسبنا نحن.. انا لا اريد البرادعى رئيسا أريده شخصية إصلاحية برتبة مواطن مصرى يتحول تدريجيا إلى زعيم إصلاحى, ولا ننسى أن جيفار كان ثائرا وعندما نجحت الثورة فى كوبا لم يرغب فى الحكم بل ظل دائما ثائرا حتى موته. لقد كان البرادعى في منتهى الذكاء؛ فبانسحابه جعل كل الإعلام يتحدث عن المجلس العسكري وثورة 25 يناير التى سيُعاد تشغيلها مرة أخرى يوم 25 يناير القادم, لقد ضحى بنفسه من أجل أن يعود الجميع مرة أخرى إلى مناقشة إصلاحات ديمقراطية حقيقة وليس فقط محاكمة مبارك التى ظهرت على المشهد خلال الأيام الماضية بجوار الانتخابات دون أي حديث أو تعاطف فعلى مع المد الثاني للثورة، وبدا المشهد أن الثورة تمت وان من ينزل يوم 25 يناير القادم سيكون مجرد احتفال قوى..على الرغم من اننا نريد الثورة مرة أخرى لقد صحح البراداعى المشهد ووجه الجميع إلى الإصلاح الحقيقي مرة أخرى. لقد كان مثل الاستشهادى الذي يضطر إلى تفجير نفسه من أجل أن يخرج المُحتل والمغتصب من أرضه.. فعل هذا من أجل أن يبرهن للجميع أن ما حدث ويحدث حتى هذه اللحظة ليس إصلاحا حقيقيا وديمقراطيا. انسحاب البرادعى من الترشح للرئاسة جعل الجميع يقف أمام المرآة ويراجع قناعاته هل بالفعل نحن نسير على الطريق الصحيح؟ لقد قدم عند انسحابه أسبابا كثيرة ورؤيته بشكل واضح خلال فيديو مُوجه إلى الشعب المصرى عبر فى 16 دقيقة و27 ثانية عن كل ما يريد دون وسيط إعلامى عبر موقع اليوتوب وربما تكون مشاهدة هذا الفيديو تجعلنا ننصت لرجل ما يريد سوى الإصلاح. http://bit.ly/AERS2g ربما بعد مشاهدة الفيديو والاستماع إلى كلمة تكون اللحظة مناسبة لمراجعة الذات الوطنية الجمعية لنسأل نفسنا: هل نحن نسير إلى بناء دولة ديمقراطية حقيقية؟ وهل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية شعارات الثورة الثلاثة تحققت خلال العام المنصرم.