عبر عدد من المثقفين عن استيائهم من القناة الفضائية التي أطلقها رجل أعمال "محمد أبو العينين"، المحسوب على نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك والمتهم بتدبير "موقعة الجمل" الشهيرة، خاصة أنها تحمل اسم "صوت البلد"، في سابقة اعتبروها تعدياً على حقوق الملكية الفكرية للجريدة التي تصدر عن مؤسسة "وكالة الصحافة العربية" بترخيص من المجلس الأعلي للصحافة، وتحمل الاسم ذاته منذ خمس سنوات.. واعتبروا أن الاعتداء على هذه الحقوق يعد من قبيل الاعتداء، بل والإضرار بمصالح المجتمع الذي يعد الإنسان أحد أهم ركائزه. وطالبوا الحكومة الجديدة برئاسة د. كمال الجنزوري، بأن تعمل من خلال مؤسساتها المتعددة علي نشر وتثقيف جمهور المواطنين بالتشريعات التي تنظم حقوق الملكية الفكرية وماهية الأضرار المختلفة والمتعددة التي قد تنجم جراء الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية. وألمح إلي أن هذا الواجب لا يقف على تلك المؤسسات - المعنية أصلاً بتنظيم وحماية حقوق الملكية الفكرية - فحسب، بل يتعدى الأمر ذلك إلى المؤسسات التعليمية والجمعيات والنوادي الثقافية التي من الواجب عليها تثقيف الطبقات التي تتعامل معها. وكانت الأنباء عن انطلاق تلك "القناة"، قد أثارت استياء الأوساط الإعلامية والثقافية كافة؛ لاستحواذ أبو العينين "أحد فلول النظام البائد"، دون وجه حق على اسم جريدة "صوت البلد" التي استطاعت أن تفرض اسمها كصحيفة مستقلة ذات مصداقية مهنية مشهودة لها. ويبدو أن البيان الذي أصدرته الصحيفة تندد فيه بما وصفته ب"قرصنة" اسمها وتاريخها، وتتهم خلاله أبوالعينين ب"السطو" على الاسم التجاري الذي تحمله الصحيفة وموقعها الالكتروني، لم يكن رادعًا بعد لأبو العينين، الذي واصل خطواته عبر البث التجريبي للقناة، ضاربًا عرض الحائط، بالقفز علي حقوق مالك "الجريدة" ومحرريها، وجميع العاملين بها، وبتأكيد د. خالد محمد غازي رئيس مجلس إدارة الصحيفة، علي أن صحيفته "ستتخذ كافة الإجراءات القانونية والإعلامية التي من شأنها أن تحمي الحقوق الفكرية".. ووصف د. غازي ما حدث بأنه "اعتداء على الجماعة الصحفية وعدوان على الصحفيين العاملين بالجريدة وانتماءاتهم السياسية المستقلة والتي وقفت بشرف ضد ممارسات النظام السابق ودعمت ثورة يناير باستحقاقتها السياسية والاجتماعية والفكرية". وباستقراء آراء المثقفين في هذا الصدد، فيقول الروائي فؤاد قنديل: نعاني حالة من الالتباس في قضايا الملكية الفكرية، نظرًا إلي أن أسبابها أخلاقية وليست قانونية؛ فثقافة "حق المبدع" مع الأسف الشديد ليست موجودة في مجتمعنا، وهذا ما يجعل البعض يسطو علي أعمالهم، أما الشق الثاني للأزمة الأخلاقية، فأغلب الحالات تكون فعلاً ادعاءات بغرض الشوشرة دون وجه حق، وأحياناً تكون تصفية حسابات قديمة.. بينما من الناحية القانونية فإنني لا أعتقد أن هناك مشكلة لأن الدولة سنت قانوناً لحماية الملكية الفكرية سنة 2000 ولاقي استحسان النخبة والعامة، وإذا كانت هناك مشاكل في تطبيقه فأعتقد أن ذلك يرجع لغياب ثقافة حق "المبدع" كما ذكرت. مطالبًا بأهمية استمرار جميع الأجهزة الحكومية بالعمل مع القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني علي نشر العلم والإدراك بقوانين الملكية الفكرية واحترامها وإنفاذها لدى كافة شرائح المجتمع.. وكذا لابد من تعديل قوانين الملكية الفكرية فيما يخص الغرامات والعقوبات لتكون رادعة لكل مخالف ومعتد على حقوق الملكية الفكرية. ويري الروائي إبراهيم عبدالمجيد، أن واحدًا من أهم الأسباب الرئيسية للأزمة أن الإعلام بات للأسف مهنة من لا مهنة له، الأمر الذي بات يفرز الكثير من المدعين وطالبي الشهرة.. وبرأ عبدالمجيد الدولة من التباسات قضايا الملكية الفكرية، باعتبار أن القانون واضح.. وقال: لقد تم تدشين "المكتب الدائم لحماية حق المؤلف" من خلال وزارة الثقافة، والتي تضم في عضويتها مندوبين عن وزارتي الخارجية والداخلية والنقابات الفنية والجمعيات والمؤسسات المهتمة بالإنتاج الذهني. وأشار إلي أهمية تشديد العقوبات الخاصة بالغرامة والسجن، علي أن تكون في حدودها القصوى لتكون رادعا وحافظة للحقوق ولهيبة الدولة ومكانتها العالمية والاقتصادية، مع ضرورة تفعيل قضاء التعويض لتعويض كل متضرر عن الاعتداءات على حقوقه الفكرية. أما رئيس المكتب الدائم لحماية حق المؤلف د. نور فرحات، فأكد أن المكتب مهمته استشارية، لكنه في الوقت ذاته بمثابة بيت خبرة يرشد الحكومة لحماية حقوق المؤلفين، كما يقدم المشورة فيما يتعلق بعلاقات مصر الدولية في مسائل الملكية الفكرية. وأضاف: هناك جهة تنفيذية أخري تتبع وزارة الثقافة هي إدارة حق المؤلف وبيننا تنسيق باستمرار، ودعا فرحات المبدعين المصريين إلي محاكاة دول أوروبا في إنشاء مؤسسات الإدارة الجماعية لحق المؤلف، وهي منظمات غير حكومية، وظيفتها محاربة القرصنة.. وطالب بضرورة حماية الملكية الفكرية، باعتبارها حماية لجميع عناصر الابتكار، وإصدار قانون شامل لحماية الملكية الفكرية، بما يسمح بوحد المبادئ الأساسية لهذه الحماية. ودافع د. حسام لطفي المستشار القانوني لاتحاد الناشرين المصريين،عن قانون الملكية الفكرية، وقال بأنه مصنف بالقياسات الفقهية والقضائية في العالم، لكن المشكلة عندنا تكمن في تعامل الناس مع قضايا الملكية الفكرية وتنازل بعض أصحاب الحقوق عن حقوقهم؛ لذا فعلي جميع المنظمات المهنية أن تتعاون بحسم مع الجهات القضائية لردع من يفكر في السطو علي أي مصنف أيًا كان تصنيفه. وأضاف بأنه لابد من تضافر وتكامل كل من الدولة ومالكو الحقوق والمستهلكين؛ لمحاربة القفز علي "حقوقو الملكية الفكرية"، حتي نحول دون وجودها في مجتمعاتنا.