قال عن قصصها الناقد حسن حامد: القصة التي تكتبها فاطمة يوسف العلي أقرب ما تكون إلى اللوحة البانورامية متعددة الإيحاءات، بعيداً عن الوصف الجزئي، حيث تستمد القصة معناها وكيانها وذاتيتها في إطار كل العلاقات داخل العمل الكلي، وكلما أحكمت تلك العلاقات أدت إلى راحة في الرؤية الفنية، وفهم لتلك العلاقات التي تكونت منذ البدء من أشكال وخطوط وألوان واتجاهات وتوزيعات وإيقاعات عدة، وكلها في مجموعها تترجم في النهاية بما يوحي به العالم الرائي، وكأنها لوحة فنية تشكيلية تستثير في خبرة القارئ السابقة التي يلعب العالم المرئي الموضوعي دوراً كبيراً فيها، الارتباطَ بالأشياء المرئية عموماً ومعانيها الدفينة . ندخل عالم فاطمة يوسف العلي من خلال مجموعتها القصصية تاء مربوطة (مركز الحضارة العربية، القاهرة)، التي تحتوي على عشر قصص مستلّة من واقع المجتمع، إذ تكشف الكاتبة من خلال مجهرها الإبداعي قاع المجتمع، فهو المادة الخام التي يتشكل منها العالم القصصي للمبدع.. وفاطمة يوسف العلي منشغلة ومهتمة أساساً بواقع المرأة في المجتمع الكويتي بشكل خاص، والعربي بوجه عام، منه تبدأ القصص، وإليه تنتهي. @ @ @ تاء مربوطة.. نعم.. هناك فرق.. التاء المربوطة هي التي تحدد نوع الجنس.. في هذه القصة، هو مضيف، وهي راكبة.. ولأننا في مجتمع ذكوري بحت لا يريد التنازل عن مكتسباته، ولم يشأ إعطاء المرأة حقوقها، فالغلبة له، هذا ما حدث لبطلة قصة تاء مربوطة حين صعدت بالطائرة وجلست في المقعد المخصص لها، فقد طلب المضيف منها الانتقال إلى نهاية الطائرة، فالمقدمة للرجال أصحاب الشوارب واللحى، وكذلك طلبت منها المضيفتان أن تنفذ أمر المضيف، لماذا؟ لأن المضيفتين زوجتاه.. وهو الآمر الناهي.. ولم تنفع اعتراضات الراكبة، فهم ثلاثة وهي واحدة.. والنتيجة هي الانصياع.. لأن التاء المربوطة أصل الكارثة ، كما جاء على لسان إحدى المضيفتين. لعل قصة ما فيها شي هي الأكثر التصاقاً بواقع البنت العربية المراهقة، وهي الفترة الحرجة من حياتها، ففي هذه السن المضطربة عاطفياً تكون البنت في التباس لكثير من الأمور المتعلقة بالعاطفة، ومن هنا يبدأ الصراع مع الأم التي تزن الأمور بمنطق الزمن الذي عاشته والذي ما تزال تقاليده تهيمن عليها وعلى المجتمع ككل.. فالبنت في هذه القصة تتزين وترتدي ما تراه مناسباً للقاء الرجل الذي تحبه، وتدعي عند الخروج أنها ذاهبة لزيارة صديقتها المريضة في المستشفى، بينما تعترض الأم وترى أن زينة ابنتها مريم لا تناسب تلك المناسبة. ومريم تحتال على المدرس الذي يقرر زيارة تلميذته المريضة، ويطلب منها أن تخبر بقية الزميلات بهذه الزيارة، إلا أن مريم لا تخبرهن، إنها تريده لها وحدها، فتذهب إلى المكان المتفق عليه مع المدرس دون بقية الزميلات، وتدعي بأنه نسيت إخبارهن، وهنا يقع الحرج بالنسبة للمدرس الذي يطلب منها أن تلغي الزيارة، لكنها تصر وتؤكد له أن الأمر ليس على هذه الدرجة من الإحراج إذا ما ذهبا معاً، وتكرر له ما فيها شي ، لكنه يعتذر ويتركها في المكان.. هنا تذهب مريم إلى صديقتها المريضة، تقبّلها فتسقط دمعة، على ما نابها من الرجل الذي تحبه، من طرف واحد طبعاً، بينما الصديقة تظن أن مريم تبكي عليها فتطمئنها بأنها بخير. وتعتمد قصة رنين الجسد على الحوار بالدرجة الأولى، وفيها بوح بين رجل وامرأة عبر الهاتف يكشف عالم المرأة الداخلي حين تفاجأ بصوت رجل عبر الهاتف يقول لها، ودون لف أو دوران: أريد أن أتحدث معك.. . ورغم أنها كانت ترد بعنف على مكالمات كهذه وتغلق السماعة، إلا أنها هذه المرة انساقت وراء رغبة تحركت تحت جلدها وواصلت الحوار، وعلى نحو هادئ بدأ بينهما الكلام كما لو أنهما كانا على موعد حدداه مسبقاً.. أخبرها أنه شاهدها على شاشة الفضائية، فانجذب إليها رغم أنه كان يفكر بالانتحار، واعترف لها بأنه عشق صوتها فقط، ومن خلال الحوار بين شخصين مجهولين سنقف على اضطراب المرأة في حالات كهذه، خصوصاً وقد راحت تفكر بأنه ربما يكون شخصاً تعرفه، لكنه غيّر صوته ويريد أن يسخر منها، أو أنه أحد منافسيها في العمل ليسجل موقفاً ضدها، وربما يكون أحد أقاربها ليختبرها.. ثم فكرت أنه ربما يكون مختلاً عقلياً، خصوصاً بعد أن طلب منها أن تصافحه عبر الهاتف، وحين أخبرته أنها فعلت ذلك قال لها: الله.. يدك ناعمة جداً.. . عند هذا الحد قذفت بالسماعة دون أن تضعها في مكانها، في حين ظل نداؤه مستمراً، وعندما عادت بعد نصف ساعة لتضع السماعة في مكانها اكتشفت أنه ما يزال على الخط، فعاد الحوار بينهما، وهذه المرة صار كلام الرجل أكثر قرباً إلى الحواس، مما أغضبها، فضربت السماعة على التلفون والتفتت إلى المرآة فوجدت أن وجهها محتقن.. وأنها بانتظار الرنين ثانية، بينما رنين صاخب يعتري جسدها. تستدرجنا الكاتبة حيث الوهم في قصة أنا وهو، وهو ، حين نظن أن بطلة القصة -وهي امرأة متزوجة- تحبّ رجلاً آخر: عندما اقتحم الغرفة فجأة وجدني معه في حالة من الذوبان، حتى ما استطعت النظر إلى عينيه، كنا معاً في توحد لذيذ، لم ينتظر حتى الرد، أدار ظهره وصفق الباب بقوة . هكذا بدأت القصة، واسترسلت البطلة مع عشيقها ساردةً ما يحدث بينهما، بينما الآخر (الزوج) في حالة من الضيق لما يجري، وهي لا تتوانى أن تصف نفسها بالخروج عن المألوف من الأعراف، لأنها تحس بأنها استطاعت أن تتجاوز هذه العقبة، وأنها منشغلة بحبيبها عن سواه بجرأة غريبة: ننفرد ببعضنا بعضاً، يقترب أقترب، يقبّل أقبّل، يتلهف يجرفني، نحلّق، ننسى الداخل، نبرد، نسخن، يصب عصارته، أعطيه سخونة أنفاسي، نذوب وننسى الكون الخارجي . هكذا تمضي القصة المغمورة بالأحاسيس الجياشة والاستغراق والتوحد وتأجج العاطفة، حتى نقترب من النهاية لنكتشف أن هذا الذي تذوب فيه المرأة وتعشقه ما هو إلا بطل الرواية التي تكتبها، فهي امرأة كاتبة، وانشغالها وذوبانها بالكتابة جعلاها تنأى عن زوجها أثناء فترة الكتابة، وهذا الزوج تتملكه الغيرة فيقتحم عليها المكتب، ثم يدخل في صراع معها محاولاً الانتصار على هذا الغريم. هذه حال الكاتبة العربية المتزوجة من رجل ليست له اهتمامات بالأدب، أو أن اهتماماته تفرض عليه، بحسب سياقات المجتمع، أن يكون هو الأول دائماً، ولا يسمح لرجل آخر، حتى إذا كان من ورق، أن يسلبه حقه المكتسب. المرأة في القصص جميعها هي الشخصية المحورية التي تدور حولها ومن خلالها الأحداث، تنبثق وتتحرك من عالمها الداخلي تلك الهواجس السرية الغامضة والمقموعة بفعل القهر الذي لحق بها عبر العصور، حتى إننا نكاد نسمع استغاثاتها لتغيير الواقع الذي يكبل إرادتها وهي تكشف كل ما هو مكبوت، تحلله وتعرضه من خلال وجهة نظر امرأة مبدعة عانت هي الأخرى من القهر، وأقصد، فاطمة يوسف العلي، المرأة التي وقفت بصلابة ضد كل أشكال الظلم في المجتمع.