أى ما هى الا اتفاقية خزى او عار، فأى اتفاقية هذه التى يسمح باختراقها وتجاوز بنودها من طرف وتفرض الالتزام بها من الطرف الآخر؟ وأى اتفاقية هذه التى تتخذ كداعم للتطاول والتعدى وإراقة الدماء ولا تعطى الا حق الشجب والتنديد والاستنكار للجانب الآخر؟ وأى شعب هذا الذى تراق دماؤه على الرمال ولا يتحرك له ساكن؟ واى نظام هذا الذى سلب شعبه الكرامة وحرمه من ابسط حقوقه فى التعبير عن موقفه تجاة ما يحدث من تجاوز وما ينتهك من حدود ومعاهدات؟ ولم يكتفِ النظام الغاشم بذلك وحسب، بل راح يجدد العهد مع آل صهيون مرات وكان اخرها تصدير الغاز وإطعامهم من قوت المصريين كمكافأة أولية على سفك دماء ابناء الوطن الجند والمدنيين. وعندما تم الاعلان بشكل رسمى عن مقتل جنود مصريين على الحدود دعونا أعضاء الائتلاف المستقل لشباب الثورة الى اجتماع طارئ للنظر فى الواقعة واعداد موقف رسمى للرد على الانتهاكات التى تعرضت لها الاراضى المصرية، ومن ثم قتل ابناء مصر الشرفاء، ونظرا للإيمان الشديد بأن مصر ما بعد الثورة تختلف اختلافًا كليًا وجزئيًّا عن مصر ما قبل الثورة، ولن يسمح احد من ان ترجع البلاد الى الوراء او يتعدى احد ايًا كان على كرامة او حقوق مواطن مصرى، فمن اليوم وصاعدا كرامة المصرى وحقوقه فوق الجميع. لذا انتهى الاجتماع الى عدة امور؛ مفادها اولا: الا تمر الواقعة - كما سبق ومرت حالات قتل للجنود والمدنيين العزل - بل لابد ان تخضع للتحقيق حتى ينكشف الوجه القبيح لهذا الكيان الصهيونى.. ثانيها: ان يتم اعتزار رسمى وصريح من الجانب الاسرائيلى بحيث أن يأتى الاعتزار على قدر الحدث - فالاعتذارات الفاترة إهانة ثانية فى حق مصر واستخفاف بقدرة الوطن على المجابهة والرد.. ثالثها: ان تتوجه مسيرة الى السفارة الاسرائيلية تطالب بطرد السفير الاسرائيلى واستدعاء السفير المصرى من اسرائيل. واثناء سير المسيرة إذ بهتافات بادئ الثورة تسمو وترتفع ليعود الى الاذهان يوم ان كان النظام جاثمًا على الصدور حين بدأنا ثورتنا مطالبين بكرامة وحرية وعدالة اجتماعية ثم ارتفع سقف المطالب ليكون الشعب يريد اسقاط النظام. وهكذا كانت الحال فى المسيرة فشق شعار التأكيد على كرامة المصرى وحريته عنان السماء ثم تأتى العدالة الاجتماعية بمفهومها الجديد الذى يتماشى مع الوضع وسادت حالة من التفاؤل الحذر.. وسؤال مهم فرض نفسه على الموقف: هل الهتاف الذى اسقط النظام المباركى سيكتب بفضله نهاية دولة صهيون؟ وعندما دنا الجمع بمسيرتهم من السفارة الاسرائيلية وتلاحموا مع باقى المتظاهرين تعالي هتاف "الشعب يريد اسقاط اسرائيل"؛ ليهرول شباب وابطال مصر متجاوزين كل الحواجز الى الجدار الخرسانى العازل الذى وضعه الامن ليعوق مرور المحتجين الى السفارة الاسرائيلية وبالرغم من حجمه الخرسانى وطولة الذى فاق الخمسة امتار؛ الا ان ذلك لم يكن مانعا من ان يمتطوه - ابطال الثورة - ويطرحوه ارضا ثم يلتهموا الاسلاك الشائكة والحواجز المعدنية المعلقة خلفه ليكونوا وجها الى وجه مع باب السفار تحت ذهول من رجال الامن والجيش الموجود خلف السور والاسلاك الحديدية. وفى لحظة الشعور بالقوة وفى ظل روح الثورة التى تجلت فوق الرءوس ساد الحزن والانكسار وثالثهما الخزى عند مطالعة "نجمة داود" معلقة فى قلب السماء وفوق ضفاف النيل وعلى ارض عادت لاصحابها، وكأنها تحتفى بما حققته فى غزة وتتباهى بما حدث على الحدود من قتل للجنود، وعليها انطلق شعار جديد وبصوت يخرق الحديد "هنزل العلم.. هنزل العلم" وأصبح الشغل الشاغل هو تنكيس هذا الرمز الذى هز ثقة المتظاهرين، وبدأ يستهدف العلم بالالعاب النارية واشعة الليزر الحارقة ولكن دون جدوى وكاد ان ينفذ الصبر والشعور بأن هذا كل ما نملكه من قوة أضعف الموقف، ولكن "اذا الشعب يوما اراد الحياة.. فلابد ان يستجيب القدر" وأسقط علم اسرائيل ليحل محلة العلم المصرى.. فهل كتبنا بداية سقوط دولة صهيون؟ وهل ستكون قبلة الثوار المرات القادمة الى جدارهم العازل؟ بعد ان نقطع الغاز عنهم ومن ثم الانطلاق لتفكيك المستوطنات، ومنها الى تل ابيب لنسوء وجوههم ونجوس خلال الديار ونحتضن الاقصى وعليها نكون قد دمرنا ما علوا تدميرا ونكتب نهاية دولة صهيون كما قال المولى عز وجل.