انشغلت الكثير من التيارات الفكرية والأحزاب السياسية بالجدال حول بعض المواقف السياسية في مصر، والجدال حول إجراء الانتخابات أولاً أم وضع الدستور؟ وانشغلت رموز المجتمع المصري الملقبون ب"النخبة" باللقاءات والحوارات على شاشات التلفاز، وفي القاعات المغلقة وانشغلت بتكوين أحزاب سياسية عن احتياجات المواطن البسيط وعن المساهمة في تقديم حلول حقيقية لمشاكل المواطن في مصر لينهلوا من فرصة الظهور الإعلامي، خاصة بعد الثورة ليغتنم كل منهم فرصة الحديث عن الأحداث التي تهم الرأي العام حاليا ويسلط عليها الإعلام أضواءه حتى ينال شرفاً مزيفاً، أنه من النخبة التي تمتلك القدرة على تحليل وحل مشاكل مصر؛ فينبغي علينا أن نتخلص فوراً من فكرة كون هناك مجموعة واحدة أو أفراد معينة هم الذين يمتلكون القدرات والخبرات للمساهمة في تنمية مصر؛ فتلك الفكرة الخبيثة تحجب عنا قدرات المتخصصين وأصحاب الكفاءات الحقيقيين وتحرمنا من تنوع الحلول والأفكار؛ فمازال المواطن المصري يعاني من الفقر والمرض وارتفاع الأسعار والانفلات الأمني وهم لا يملون الحديث الذي لا يسمن ولا يغني من جوع؛ فلن يستطيع مريض الكبد ومريض السرطان الإنتظار حتى تتفق التيارات السياسية ويتم وضع الهيكل السياسي للدولة، وكذلك لن تستطيع المستشفيات الفقيرة بالأجهزة والأدوية الانتظار؛ فالطفل المريض الذي لايجد الدواء لايستطيع الانتظار، والأسرة التي تسكن العشوائيات لاتستطيع الانتظار، والأهالي التي تتقاتل على طوابير العيش لاتستطيع الانتظار؛ فدائما يدفع المواطن البسيط الثمن ويدفعه أكثر في وقت الأزمات حتى وصل بنا الأمر إلى إهمال علاج مصابي الثورة. واللافت للنظر أنه لم يتضمن أي برنامج انتخابي لمرشح رئاسي أو برنامج اجتماعي لحزب سياسي على مساهمات لحل المشاكل اليومية والمتكررة التي يعاني منها المواطن البسيط. ويبقى السؤال: ماذا سيفعل المواطن البسيط لو نفد مخزون القمح المصري؟ ماذا لو استمر تناقص الكفاءة الإنتاجية للمصانع المصرية؟ فلابد أن يقسم المسئولون والمتخصصون أنفسهم إلى قسمين؛ قسم يهتم بالعمل السياسي، والآخر يهتم بمشاكل المواطنين البسطاء ليسير بالتوازي مع العمل السياسي، وبالتأكيد ليس في يد الشعب أو الحكومة عصاة سحرية لتلبية جميع احتياجات المجتمع في وقت قصير، ولكن علينا مراعاة الأولويات والمشاكل الحرجه. فما لايدرك كله لا يترك كله، والأهم من الجدال حول أولوية الدستور والانتخابات هو مصلحة المواطن ثم الطريقة التي تتم بها كل منهما؛ وذلك بأن يتم وضع دستور وإجراء الانتخابات بشفافية وبشكل يحقق الديمقراطية ويساهم في بناء دولة متقدمة دون ثغرات أو مصالح شخصية؛ فنحن كمن يكتفى بالتشاجر مع إدارة مستشفى بسبب تدهور الحالة الصحية لذويه، دون أن ينقل مريضه لمكان أكثر رعاية حفاظاً على حياة المريض ولكن علينا أن نفعل هذا وذاك؛ فلماذا لايقوم رجال الأعمال و الإعلاميون والفنانون ورموز المجتمع بزيارة للمستشفيات في هذه الأيام والمساهمة في حث المجتمع على التبرع لتلبية احتياجات المستشفيات والمرضى؟ فيجب أن يلتف الشعب الآن على مشروع قومي يضع حلاً لمشكلات المواطن البسيط بالتنسيق مع منظمات المجتمع المدني لتحسين الخدمات وبناء المساكن وتحسين الطرق وتطوير المستشفيات، ولنا في تجربة مستشفى سرطان الأطفال 57357 تجربة مثمرة فهي تعد أكبر صرح طبي لسرطان الأطفال في الشرف الأوسط رغم أنها بالجهود الذاتية؛ لأننا تعاملنا معها كمشروع قومي وبفضل الله تحقق الحلم وأنا أقترح فكرة حملة لتنشيط الدور الاجتماعي للشركات والمصانع ولتكن اسمها حملة "شركتي ومجتمعي" لتساهم كل شركة بتوفير احتياجات المجتمع أو بيعها بسعر أقل حتى تساهم هذه الشركات في تنمية مصر والعبور بها من هذه الأزمة الاقتصادية والديون العالمية كل شركة على حسب تخصصها؛ فشركات الأدوية تساهم في إمداد المستشفيات بالأدوية وشركات الأجهزة الطبية تمد المستشفيات بالأجهزة اللازمة وشركات المواد الغذائية تمد الأسر الفقيرة بالمواد الغذائية وشركات الاستثمار العقاري تساهم في تخفيض أجور بعض العقارات لسكان العشوائيات على أن تقوم الدولة وأصحاب الكفاءات والمتخصصون وشباب الخريجين بدعم الشركات بما يزيد الكفاءة الإنتاجية لهذه الشركات، ومن الأفكار الهادفة ما دعا له الفنان صاحب الفن الهادف والفكر الحريص على مصلحة وطنه الفنان "محمد صبحي" لتنفيذ حملة تسمى حملة "المليار"، وهي حملة هدفها جمع مليار جنيه للمساهمة في القضاء على العشوائيات في مصر؛ فتلك خطوة إصلاحية تستحق الاهتمام فعلينا أن نستلهم روح الثورة العظيمة ونبدأ العمل فهذا ليس وقت الكلام وألا ننشغل بالعمل السياسي عن المواطن البسيط؛ فدموع وآلام المواطنين لاتستطيع الصمود. فمازال الكثير من البسطاء والمرضى في مصر يصرخون إلينا أغيثونا أغيثونا.