لا يزال مسلسل الفساد مستشريا في جميع القطاعات الحكومية، ولم تستطع ثورة يناير أن تغير في ضمائر الاشخاص، فمازلنا نعاني من بيروقراطية شديدة واهمال جسيم، وغياب القيادات الجادة، خاصة بالنسبة لمسارح الدولة، فمنذ وقت طويل ونحن نردد عبارة "موت المسرح"، فالمسرح الذي يعد أبا الفنون قد بدأ في الانهيار، وهذا يرجع الي ان اغلب المسارح معطلة، ناهيك عن أنه لم تعد له هوية كما كان قديما، فلا يوجد مضمون جيد يقدم علي خشبة المسرح، كما ظهرت في الآونة الاخيرة عشوائية المسرح؛ مما جعله خاليًا من الجمهور، كما هرب منه معظم الفنانين العظام، فأصبح يعاني من الابتذال بعد ان كان منبرا للثقافة والذوق الرفيع. و لا عجب أن كانت تلك هي حال مسارح الدولة، فوزارة الثقافة لا توجد لديها استراتيجية واضحة تنظم عمل المسارح، كما ان المسرح ينقصه توفير كل الطاقات من خامات وديكورات لظهور عمل مسرحي جيد الي النور، فالروتين والقيود علي رؤساء المسارح وسوء الادارة والتخطيط ستؤدي الي اختفاء المسرح الي الابد. وليست هذه هي الاسباب الوحيدة لانهيار المسرح فحسب، بل هناك فساد اداري نتج عن ازدياد الصراعات بين القيادات على الطموحات والمصالح الشخصية البعيدة عن الفن والمسرح، واصبح اختيار النصوص المسرحية يرجع الي المحسوبية والمجاملات دون تقييم للعمل المقدم او قراءته. كما ان المسرح يواجه ازمة مستعصية الحل وهي عدم وجود بنية تحتية للمسرح، ادت الي عزوف الجمهور عن الذهاب للمسرح، فبعد ان كان هدفه الثقافة والتنوير اصبح الهدف الرئيسي له الآن هو الكسب المادي، ومع سوء الاعمال المقدمة والاهمال الذي اصاب المسرح وارتفاع اسعار التذاكر، بدا المسرح وهو خالٍ علي عروشه، فإدارة المسرح تسير بعشوائية مطلقة وبأوامر خاطئة دون خطة او تخطيط جيد. وقد بدا الفساد الاداري واضحا خاصة بعد تعطيل المسرح القومي علي مدي سنتين، مما ادي لاستياء عدد كبير من الفنانين، فالمسرح القومي هو اكبر مسارح الدولة وبعد الحريق الذي نشب به في العام 2008 وادي الي تدميره، تساءل الفنانون عن موعد افتتاح المسرح القومي، وقد وعد وزير الثقافة عماد ابو غازي ان ينظر في الامر خاصة انه تم الاتفاق مع الشركة علي أن يكون الافتتاح في يوم المسرح العالمي، لكن هذا الموعد رفع من تكلفة الانتهاء من التنفيذ إلى 91 مليون جنيه، وهو ما يجاوز سلطة الوزير الان، لذلك قرر الوزير ان تتم الترميمات في حدود المبلغ المرصود لها. ولعل هذا المبلغ الكبير الذي يتجاوز ميزانية القطاع المسرحي بكثير، يجعلنا نتساءل هل سيواكب هذا التطوير الهائل في شكل المسرح القومي المضمون الذي يعرض فيه، ام ان هذا الترميم مجرد مسلسل من مسلسلات إهدار المال العام في القطاع المسرحي، خاصة أن ميزانية قطاع المسرح - وفقا لما حددته وزارة الثقافة - تقدر بحوالي ستة ملايين جنيه، وهذه الميزانية محدده لاقامة عروض مسرحية لتسعة مسارح وهي المسرح القومي، الحديث، الكوميدي، الطليعة، العرائس، الاطفال، الشباب، الغد، والمتجول. ومن المفترض ان يقدم كل مسرح أربعة عروض مسرحية خلال العام، فكيف يساهم هذا المبلغ في خروج اعمال جيدة، خاصة ان عروض مسرحية لمسارح مثل "القومى" و"الحديث"، و"الكوميدى" تحتاج إلى مبالغ كبيرة تليق بحجم ومكانة هذه المسارح التى من المفترض أن تستعين بنجوم كبار فى كل أو معظم عروضها مثلما استعانت من قبل ب"يحيى الفخرانى" فى "الملك لير"، و"نور الشريف" فى "لعبة السلطان" و"الأميرة والصعلوك"، و"حسين فهمى" فى "أهلاً يا بكوات"، و"زكى فى الوزارة"، وكذلك "عزت العلايلى"، و"سميحة أيوب"، و"صابرين" وغيرهم ممن يرضون بأجور مسرح الدولة التى تتراوح ما بين خمسين وستين ألف جنيه شهرياً. فالمسرح المصرى يعانى من الركود ليس فقط الركود الحركى والإنتاجى المتعلق بالتمويل وضعف الميزانية، وإنما يعانى من حالة ركود فكرى فى ظل غياب الإبداع. فضياع المسرح المصرى مسئولية مشتركة يتحملها المسئولون والمسرحيون معاً، فالمسئول لا يوفر للمسرح كل الإمكانيات التى تنهض به، بل أصاب المسئولين نوع من التغييب الحسى للمسئولية، وأصبح كل واحد فيهم لا ينظر إلا لمصلحته الذاتية وللشللية التى تحيطه به، أما المسرحيون فمسئوليتهم أنهم لا يبحثون عن التطوير الذاتى لإبداعهم سواء كان ممثلاً أو مؤلفاً أو مخرجا. وبالنسبة لمسلسل إهدار المال العام في القطاع المسرحي، فقد تقدم عدد من الممثلين بشكوي من قطاع الدعاية بالمسرح، نظرا لانه يتم دفع ميزانية طباعة "بوسترات" ولكنها لا تطبع او تطبع بعد انتهاء مدة العرض وينتهي الحال بوجود هذه المطبوعات في المخازن دون الاستفادة منها؛ وهذا ما اكدت عليه الفنانة لقاء سويدان بطلة مسرحية "خالتي صفية والدير".. وقال بأن الوضع لم يتغير حتي بعد الثورة، وان البيروقراطية تؤدي الي ضياع الحقوق، واكدت علي ان مسرح الدولة في حاجة الي تغيير وتطهير شامل. وهذا ما اكد عليه أيضًا المخرج علي بدرخان قائلا ان الفساد كان منتشرا علي مدي ربع قرن، وقد تأثر المسرح بهذا الفساد مما ادي الي احتضار المسرح، وبعد ثورة يناير علينا محاسبة المخطئين والفاسدين، وايجاد افضل الحلول والطرق للنهوض بالمسرح، فنحن بحاجة الي احياء هذا المنبر الثقافي المهم الذي يساهم في ارتقاء الذوق العام وثقافة المجتمع، فلابد ان نختار النصوص المسرحية الجيدة وان نبتعد عن الابتذال والسطحية والاستخفاف بعقول المشاهد. ويري بدرخان ان علينا ان نعيد للمسرح هويته المصرية والعربية، ومعالجة سلبيات المجتمع برؤي ووجهات نظر جديدة تجذب المشاهد الي المسرح.. مؤكدا ان ذلك لن يتم الا عن طريق وضع استراتيجية خطة عمل واضحة الرؤية والهدف، كما يجب ان تعود لجنة القراءة وتمارس عملها وتحدد اي النصوص المسرحية الصالحة للعرض، كما يجب ان تهتم الدولة بالشباب تستعين بهم وبأفكارهم لإحياء المسرح. واضاف بدرخان بأنه علي المسئولين ان يدركوا انهم يديرون ملكية عامة، وبالتالي عليهم ان يضعوا في الاعتبار اولا واخيرا النهوض بالمسرح، ولا يتركوه مسرحا لاهوائهم ومصالحهم الشخصية.