عبر تجربته الروائية الثانية، استطاع الروائي الشاب أحمد مراد أن يرصد الفترة التاريخية منذ العام 1954 إلي الآن، وجاء المحور المكاني الذي انطلقت منه روايته "تراب الماس" - والصادرة مؤخرًا عن دار نشر "أكتب"- في حارة "اليهود" بحي الجمالية، بعد أيام قليلة من إزاحة الرئيس الأسبق محمد نجيب، ويطالع قارئ الرواية أسماء أشخاص سرعان ما تنطوي صفحتهم من الأحداث - ربما كانوا تمهيدًا للأحداث المتلاحقة - منهم: الحاج "حنفي الزهار"، والذي بموته ينهار ابنه "حسين" وإخوته لوفاة والدهم المفاجئة؛ وفي انتقال غريب للأحداث يضع الراوي قارئه أمام الأحداث الراهنة، فيظهر "حسين الزهار" كهلًا مشلولًا؛ يتابع خطوات ابنه الصيدلي "طه الزهار" . وبنمط شكسبيري يعمد مراد إلي ترك العنان لقلمه يصف ويرسم شخوصه، وأمكنته الروائية؛ لتنحت لوحة أدبية في خيالات القارئ، مستخدمًا ألفاظًا عامية تميل إلي الفصحي، وأحايين أخري يستخدم ألفاظًا فصحي تميل إلي العامية؛ وربما ينبع هذا من الخلفيات النفسي والمعتقدية لشخوصه؛ فحسين الزهار يمتلك فلسفة صوفية، ويظهر هذا في محادثاته مع ابنه "طه"، والتي تأتي بأسلوب صوفي مباشر في قلب النص؛ إذ غالبًا ما تأتي صوفيته مستترة بين السطور؛ إلا أنها تتجلي في عدد من المواقف؛ مثلًا: حينما علم بخيانة جاره "اليهودي" وتعامله مع إسرائيل، وكذا حين علم بأن صديق عمره يتاجر في "المخدرات" .. فيخالجه اعتقاد بضروة قتل هؤلاء للتخلص من شرورهم، ولكن الراوي يطرح تساؤلًا - لم يأت صراحة في الأحداث - مفاده: هل يمكن تحقيق العدالة بهذا الأسلوب؟ وفجأة وقبل الوصول إلي إجابة، يموت "حسين الزهار"، فيبدأ ابنه في اكتشاف أسرار أبيه، لتبدأ الرواية في اتخاذ منحي آخر، وهو "رحلة اكتشاف المجتمع"، وتظهر شخوص أخري؛ منهم: المقدم "وليد سلطان" رئيس المباحث، والذي يحرص الراوي علي إظهاره بمختلف تناقضاته الصارخة؛ فهو يساير الفساد للبقاء في منصبه، ثم يصبح ضحية للفساد؛ قبل أن يصبح جزءاً منه .. وهذه سيدة الأعمال "بشري صيرة"؛ والتي وصفتها الرواية بنجمة المجتمع؛ والتي تحارب ظاهرة "انتشار الرذيلة" وأطفال الشوارع؛ بينما هي تدير واحدة من أكبر شبكات "الرذيلة" .. وهذا "عادل" الشاب "البلطجي"، الذي يسيطر علي المنطقة، وصاحب الدور البارز في الفساد؛ إذ يحشد الناس إبان الانتخابات لصالح مرشح بعينه ثم يفرقهم بعدها . وتظهر كذلك شخصية رجل الأعمال "عبد الحكم برجاس"، وهو الذي كان ملكيا إبان عصر الملك "فاروق"؛ ثم أصبح مؤيداً لثورة 1952 فور وقوعها، لتظهره صفحات الرواية دومًا علي أنه من أصحاب الحظوة، فهو في كل حقبة مقرب من السلطة بسبب نفاقه . ليصل مراد - والقارئ معه - إلي ذروة النص الروائي؛ والذي يظهر دومًا أثناء حوار "طه" مع جارته الصحفية "سارة"، فتجد المنطق يتحدث مع نفسه، فسارة نموذج للفتاة الصحفية "المحجبة"، والمنفتحة في آن علي مثقفي "وسط البلد"، فتجدها تخرج في المظاهرات، وتتركز كتاباتها حول الفساد . ولكن من المفارقات الأدبية في الرواية، أن طريقة "القتل البريء"، والتي استخدمها مراد، كانت جديدة ومبتكرة؛ فهي تأتي علي الطريقة التي عرفت - علي الدوام - بأنها تتم في القصور الملكية بأوروبا تنفيذًا للاغتيالات السياسية .. كما يظهر كذلك استخدام مراد لمصطلحات وصيغ تنتمي إلي جيل الألفية الثالثة، بما يبعث علي الخوف إذا اندثرت هذه المفاهيم أن تبدو تلك السطور غير مفهومة للأجيال المقبلة.