عاكف المصري: قمة شرم الشيخ أكدت أن مصر الحارس الأمين للقضية الفلسطينية وخط الدفاع الأخير    ضياء رشوان: مقولة الرئيس السيسي القائد الحقيقي يمنع الحرب لا يشنّها تلخص مشهد قمة السلام    رئيس مدغشقر يغادر البلاد دون الكشف عن مكانه    بريطانيا توجه رسالة شكر إلى مصر بعد قمة شرم الشيخ للسلام    وزير الاتصالات: الذكاء الاصطناعي التوليدي يعيد تشكيل العملية التعليمية    عماد النحاس يكشف عن رأيه في حسين الشحات وعمر الساعي    شادي محمد: حسام غالي خالف مبادئ الأهلي وأصول النادي تمنعني من الحديث    جولة داخل متحف الأقصر.. الأكثر إعجابًا بين متاحف الشرق الأوسط    «زي النهارده».. استشهاد اللواء أحمد حمدي 14 أكتوبر 1973    «شرم الشيخ» تتصدر مواقع التواصل ب«2 مليار و800 ألف» مشاهدة عبر 18 ألف منشور    ترامب: لا أعلم شيئًا عن «ريفييرا غزة».. ووقف إطلاق النار «سيصمد»    الأمم المتحدة: تقدم ملموس في توسيع نطاق المساعدات الإنسانية بقطاع غزة    مدير منظمة الصحة العالمية يعلن دخول 8 شاحنات إمدادات طبية إلى غزة    إسرائيل تتسلم جثث أربعة رهائن كانوا محتجزين فى غزة    بشارة بحبح: تعريف الولايات المتحدة لنزع سلاح حماس لا يشمل الأسلحة الفردية    ارتفاع كبير في عيار 21 الآن بالمصنعية.. مفاجأة بأسعار الذهب اليوم الثلاثاء بالصاغة    رسميًا بعد الانخفاض الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 14-10-2025    توفير أكثر من 16 ألف يومية عمل ضمن اتفاقية تحسين مستوى المعيشة بالإسكندرية    «اختياراته تدل على كدة».. رضا عبدالعال ينتقد حسام حسن: يحلم بتدريب الأهلي    هبة أبوجامع أول محللة أداء تتحدث ل «المصري اليوم»: حبي لكرة القدم جعلني أتحدى كل الصعاب.. وحلم التدريب يراودني    «بين الأخضر وأسود الرافدين».. حسابات التأهل لكأس العالم في مجموعة العراق والسعودية    «التعليم» توضح موعد بداية ونهاية إجازة نصف العام 2025-2026 لجميع المراحل التعليمية    سحب منخفضة على القاهرة وسقوط رذاذ.. بيان مهم من الأرصاد يكشف طقس الساعات المقبلة    اعرف حالة الطقس اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في بني سويف    تسجيل دخول منصة الشهادات العامة 2025 عبر موقع وزارة التربية والتعليم لطلاب أولى ثانوي (رابط مباشر)    شاهد سقوط مفاجئ لشجرة ضخمة على سيارة بمنطقة الكيت كات    ذاكرة الكتب| «مذكرات الجمسي».. شهادة تاريخية حيَّة على إرادة أمة استطاعت أن تتجاوز الانكسار إلى النصر    «زي النهارده».. وفاة الشاعر والإعلامي واللغوي فاروق شوشة 14 أكتوبر 2016    إسعاد يونس: خايفة من الذكاء الاصطناعي.. والعنصر البشري لا غنى عنه    بعد استبعاد أسماء جلال، هنا الزاهد مفاجأة "شمس الزناتي 2"    أحمد التايب للتليفزيون المصرى: مصر تحشد العالم لدعم القضية الفلسطينية    957 مليون دولار أمريكى إيرادات فيلم A Minecraft Movie    دولة التلاوة.. تاريخ ينطق بالقرآن    4 طرق لتعزيز قوة العقل والوقاية من الزهايمر    هتشوف فرق كبير.. 6 مشروبات واظب عليها لتقليل الكوليسترول بالدم    التفاح والقرنبيط.. أطعمة فعالة في دعم صحة الكلى    علماء يحذرون: عمر الأب يحدد صحة الجنين وهذا ما يحدث للطفرات الجينية في سن 75 عاما    قرار جديد للشيخ سمير مصطفى وتجديد حبس صفاء الكوربيجي.. ونيجيريا تُخفي علي ونيس للشهر الثاني    مصرع شاب غرقًا في حوض زراعي بقرية القايات في المنيا    د.حماد عبدالله يكتب: القدرة على الإحتمال "محددة" !!!    أسعار اللحوم الجملي والضاني اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    اعرف مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في بني سويف    موعد صرف معاشات شهر نوفمبر 2025    تخصيص 20 مليون دولار لتأمين الغذاء والمياه والمأوى بغزة    بالتفاصيل| خطوات تحديث بطاقتك التموينية من المنزل إلكترونيًا    ضبط 10 آلاف قطعة باتيه بتاريخ صلاحية مزيف داخل مخزن ببني سويف    أردوغان لميلوني في قمة شرم الشيخ: تبدين رائعة (فيديو)    89.1 % صافي تعاملات المصريين بالبورصة خلال جلسة الإثنين    قرار من النيابة ضد رجل أعمال نصب على راغبي السفر بشركات سياحة وهمية    ألمانيا تفوز أمام ايرلندا الشمالية بهدف نظيف في تصفيات أوروبا لكأس العالم 2026    قلادة النيل لترامب.. تكريم رئاسي يعكس متانة العلاقات المصرية الأمريكية    بحضور صناع الأعمال.. عرض أفلام مهرجان بردية وندوة نقاشية بالمركز القومي للسينما    محافظ قنا يشهد احتفالية قصور الثقافة بذكرى انتصارات أكتوبر    جامعة بنها: إعفاء الطلاب ذوي الهمم من مصروفات الإقامة بالمدن الجامعية    وزير الري يشارك فى جلسة "مرفق المياه الإفريقي" المعنية بالترويج للإستثمار فى إفريقيا    دار الإفتاء تؤكد جواز إخراج مال الزكاة لأسر الشهداء في غزة    هتافات وتكبير فى تشييع جنازة الصحفى الفلسطيني صالح الجعفراوى.. فيديو    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 13-10-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثغرات عن شحنة الأمونيوم التي فجرت بيروت
نشر في صوت البلد يوم 12 - 08 - 2020

في القصة الغامضة الخاصة بكيفية انتهاء المطاف بشحنة من نيترات الأمونيوم شديدة الانفجار في مرفأ بيروت، شيء واحد فقط هو الواضح ألا وهو أن لا أحد تقدم قط وأعلن ملكيته لها.
وثمة كثير من الأسئلة المفتوحة حول الانفجار الهائل الفتاك الذي عصف بالعاصمة اللبنانية الأسبوع الماضي، غير أنه يُفترض أن تكون قضية الملكية من بين أسهلها.
بيد أن التحديد الدقيق لهوية المالك، لا سيما لشحنة بمثل خطورة تلك التي حملتها السفينة "روسوس" التي ترفع علم مولدوفا إلى بيروت قبل نحو 7 أعوام، أمر جوهري في حركة الشحن البحري، كما أنه العنصر الأهم للتأمين على الشحنات وتسوية النزاعات التي كثيرا ما تنشب.
"لا نعرف شيئاً"
غير أن مقابلات وعمليات بحث عن وثائق أجرتها وكالة رويترز ونقلتها "العربية نت" في عشر دول، سعيا لمعرفة المالك الأصلي لهذه الشحنة التي كانت تزن 2750 طنا، كشفت بدلا من ذلك عن قصة معقدة تشمل وثائق مفقودة، وأنشطة سرية، وشبكة شركات صغيرة مغمورة تنتشر في أرجاء العالم.
في التفاصيل، قال السياسي المعارض غسان حاصباني الذي كان نائبا سابقا لرئيس الوزراء اللبناني: "بضاعة كانت منقولة من بلد إلى بلد آخر، وانتهى بها الأمر في بلد ثالث دون مالك للبضاعة. لماذا انتهى بها المطاف هنا؟".
فيما نفى كل من كانت لهم صلة بالشحنة معرفتهم بمالكها الأصلي، كما امتنعوا عن الرد على السؤال في أحيان أخرى.
ومن بينهم من قال إنهم لا يعرفون المالك قبطان السفينة، ولا شركة صناعة الأسمدة الجورجية التي أنتجت الشحنة، ولا الشركة الإفريقية التي طلبت شراءها، إلا أنهم نقلوا أن الشركة التي اشترت لم تدفع ثمن الشحنة.
"سلسلة من الأحداث المشؤومة"
فيما تتحدث الرواية الرسمية لرحلة السفينة "روسوس" الأخيرة عنها بوصفها سلسلة من الأحداث المشؤومة.
وتظهر السجلات الملاحية أن السفينة جرى تحميلها بنيترات الأمونيوم في جورجيا في سبتمبر/أيلول من عام 2013، بهدف تسليمها إلى شركة لصناعة المتفجرات في موزمبيق. غير أن قبطان السفينة واثنين من أفراد الطاقم يقولون إن تعليمات صدرت إليهم قبل أن تغادر السفينة البحر المتوسط من رجل الأعمال الروسي إيجور جريشوشكين، الذي كانوا يعتبرونه المالك الفعلي للسفينة، بالتوقف على غير ما كان مقررا في بيروت وتحميل شحنة إضافية.
نزاع قانوني في بيروت
وصلت "روسوس إلى بيروت في نوفمبر/تشرين الثاني، لكنها لم تغادر قط، حيث علقت في نزاع قانوني بشأن رسوم غير مدفوعة للميناء وعيوب في السفينة".
وتقول روايات رسمية، إن دائنين اتهموا المالك القانوني للسفينة، المسجل كشركة مقرها بنما، بالتخلي عنها، حيث تم تفريغ الشحنة لاحقا ووضعها في مستودع على رصيف الميناء.
بالمقابل، لم ترد شركة "بارودي وشركاه" للمحاماة في بيروت التي كانت تمثل الدائنين على طلبات لتحديد هوية المالك الأصلي القانوني للشحنة، كما لم يتسنَّ الوصول إلى رجل الأعمال الروسي جريشوشكين.
غرقت السفينة!
وقالت سلطات الجمارك اللبنانية إن السفينة الفارغة غرقت في نهاية الأمر حيث كانت راسية في 2018.
وخضعت التحركات الأخيرة للسفينة "روسوس" للتدقيق مجددا بعدما اشتعلت النار في نيترات الأمونيوم في المستودع وانفجرت الأسبوع الماضي، في حادث تسبب في مقتل 171 شخصا على الأقل وإصابة الآلاف وتشريد 250 ألفا.
700 ألف دولار.. من دفع ثمنها؟
ومن بين الأسئلة التي ما زالت تنتظر إجابة: من الذي دفع ثمن نيترات الأمونيوم؟ وهل حاول في أي وقت استرداد الشحنة عندما احتُجزت السفينة "روسوس"؟ وإذا كان لم يحاول، فلماذا؟
وقال مصدر في القطاع إن قيمة الشحنة، التي كانت معبأة في أجولة بيضاء كبيرة، كانت تبلغ حوالي 700 ألف دولار بأسعار عام 2013.
"لا تأمين عليها"
سلطت التحقيقات الضوء على العديد من المخالفات التي ارتكبتها السفينة الغريبة، فبموجب الاتفاقيات البحرية الدولية وبعض القوانين المحلية، يجب أن تمتلك السفن التجارية تأمينا لتغطية حوادث مثل الأضرار البيئية، وفقد الأرواح، أو الإصابات الناجمة عن الغرق، أو التسرب، أو التصادم، ورغم ذلك فقد ذكر مصدران مطلعان أنه لم يكن هناك تأمين على "روسوس".
وقال قبطان السفينة الروسي بوريس بروكوشيف عبر الهاتف من منزله في سوتشي في روسيا، إنه رأى وثيقة تأمين لكنه لا يستطيع تأكيد صحتها.
دفع عند التسليم وبيع بمزاد!
بدوره، أفاد أنطونيو كونيا فاز، المتحدث باسم الشركة الموزمبيقية التي طلبت شراء شحنة نيترات الأمونيوم، فابريكا دي اسبوزيفوس موسامبيكي، وهي شركة موزمبيق لصناعة المتفجرات (إف.إي.إم)، إن الشركة لم تكن المالك للشحنة في ذلك الوقت لأنها اتفقت على الدفع عند التسليم.
وكانت الشركة المنتجة هي روستافي أزوت الجورجية لصناعة الأسمدة، والتي تمت تصفيتها بعد ذلك. وقال مالكها في ذلك الحين، رجل الأعمال رومان بيبيا، إنه فقد السيطرة على مصنع روستافي لنيترات الأمونيوم في عام 2016.
فيما تظهر وثائق قضائية في المملكة المتحدة أن أحد الدائنين أجبر الشركة على بيع أصولها في مزاد في ذلك العام.
وتدير شركة أخرى المصنع حاليا، هي جيه.إس.سي روستافي أزوت التي قالت أيضا إنه لا يمكنها الكشف عن مالك الشحنة، حسبما ذكر ليفان بورديلادزي، النائب الأول لمدير المصنع حاليا.
وقالت شركة فابريكا دي اسبوزيفوس موسامبيكي، وهي شركة موزمبيق لصناعة المتفجرات (إف.إي.إم)، إنها طلبت الشحنة عبر شركة تجارية، سافارو ليمتد، التي لها شركتان مسجلتان في لندن وأوكرانيا لكن موقعها الإلكتروني لا يعمل حاليا.
شركة بعنوان غير وجود!
وأظهرت زيارة لعنوان شركة سافارو ليمتد المدرج في لندن، أمس الاثنين، منزلا بشرفات، مبنيا على الطراز الفيكتوري وبابه موصد ومحصن، على مقربة من حانات عصرية في شورديتش. ولم يستجب أحد للطرق على الباب.
وبالحديث مع جريتا بايلين، مديرة شركة سافارو ليمتد المسجلة في بريطانيا، وهي ليتوانية تعمل في قبرص، رفضت الإجابة!
فيما قال مصدر على دراية بالأعمال الداخلية للأعمال التجارية لشركة سافارو، إنها تبيع أسمدة من دول الاتحاد السوفيتي السابق لعملاء في إفريقيا.
وتوضح قاعدة بيانات الشركات الأوكرانية "يو كنترول" أن رجل الأعمال فلاديمير فيربونول مسجل كمدير لسافارو في أوكرانيا، وهي مقر إقامته.
من هو "الروسي"؟
مع تحول الحزن والغضب بسبب الانفجار إلى اضطرابات مدنية في بيروت بدت مؤشرات على أن تحقيق الحكومة اللبنانية الموعود بدأ يعود للتركيز مرة أخرى على السفينة "روسوس" وجريشوشكين، الرجل الذي اعتبره طاقم السفينة مالكها.
وقال مصدر أمني إن الشرطة القبرصية استجوبت جريشوشكين في منزله بقبرص الخميس الماضي فيما يتصل بالشحنة.
فيما أكد متحدث باسم الشرطة القبرصية، أنه تم استجواب شخص لم يُكشف عن اسمه بناء على طلب من الشرطة الدولية في بيروت.
بدوره، أفاد القبطان بروكوشيف بأن السفينة "روسوس" وصلت بيروت في نوفمبر تشرين الثاني 2013 وبها تسريب وحالتها العامة متهالكة، قائلاً: "كانت تعاني بالفعل من مشاكل".
13 يوماً.. اعتقال في إسبانيا
وفي يوليو تموز 2013، أي قبل 4 أشهر من رسوها في بيروت، احتجزت سلطات ميناء اشبيلية في إسبانيا السفينة لمدة 13 يوما بعد اكتشاف العديد من أوجه القصور التي كان بينها تعطل أبواب، وتآكل في منطقة السطح، وقصور في المحركات المساعدة، حسبما ورد في بيانات الشحن.
كما أظهرت البيانات أن السفينة استأنفت الإبحار بعد أن أصدرت شركة التفتيش ماريتايم لويد لها "شهادة سلامة إنشاءات سفينة شحن"، وهي شهادة يفترض أن تتضمن مسحا لها.
مع العلم أن شركة ماريتايم لويد ومقرها جورجيا هي شركة غير مصنفة، وتعد بين أبرز شركات التفتيش وأكثرها استخداما.
وقال تيموراز كافتارادزه المفتش في ماريتايم لويد إنه لا يمكنه أن يؤكد ما إذا كانت الشركة قدمت أم لا وثائق خاصة بالتفتيش للمسؤولين في ميناء اشبيلية، موضحاً أنه كان يعمل بالشركة عام 2013 لكن آخرين من طاقم العاملين والإدارة جرى تغييرهم منذ ذلك الحين.
وفي رسالة بالبريد الإلكتروني أكدت مجموعة مذكرة باريس للتفاهم حول رقابة دولة الميناء التي تضم 27 دولة بحرية وجرى احتجاز السفينة "روسوس" بموجب سلطتها، أن السفينة احتُجزت وجرى تفتيشها في اشبيلية.
وتسجل مولدوفا، المسجلة بها السفينة، أنها مملوكة لبريروود كورب ومقرها بنما، طبقا لشهادة ملكية السفينة.
"كيان واحد"
وتفيد السجلات الدولية أن مستأجر السفينة كان شركة تيتو شيبنج ليمتد ومقرها جزر مارشال وجرى حلها في 2014 وفقا لقاعدة بيانات السجل العالمي التي تقول إنها تقدم خدمات تسجيل الشحن البحري لجزر مارشال.
وقال إيجور زهاريا، مدير وكالة مولدوفا البحرية، إن جريشوشكين كان مدير شركة تيتو شيبنج.
في حين أعطى قبطان روسوس عنوان البريد الإلكتروني الذي كان وأفراد الطاقم يستخدمونه لشركة تيتو شيبنج، إلا أن تلك العناوين لم ترد على أي من طلبات التعليق التي أرسلت إليها.
وأوضح القبطان أنه يعتبر جريشوشكين وتيتو كيانا واحدا.
يذكر أن الانفجار الضخم الذي هز بيروت في الرابع من أغسطس جراء انفجار أطنان من نيترات الأمونيوم كانت مخزنة في أحد عنابر المرفأ لسنوات، حولها عاصمة منكوبة، وعاث في أحيائها خراباً، متسبباً بمقتل 171 شخصاً على الأقل وإصابة أكثر من ستة آلاف، عدا عن مفقودين تضاربت التقديرات بشأن عددهم، وفق ما أعلنت وزارة الصحة أمس الثلاثاء.
في القصة الغامضة الخاصة بكيفية انتهاء المطاف بشحنة من نيترات الأمونيوم شديدة الانفجار في مرفأ بيروت، شيء واحد فقط هو الواضح ألا وهو أن لا أحد تقدم قط وأعلن ملكيته لها.
وثمة كثير من الأسئلة المفتوحة حول الانفجار الهائل الفتاك الذي عصف بالعاصمة اللبنانية الأسبوع الماضي، غير أنه يُفترض أن تكون قضية الملكية من بين أسهلها.
بيد أن التحديد الدقيق لهوية المالك، لا سيما لشحنة بمثل خطورة تلك التي حملتها السفينة "روسوس" التي ترفع علم مولدوفا إلى بيروت قبل نحو 7 أعوام، أمر جوهري في حركة الشحن البحري، كما أنه العنصر الأهم للتأمين على الشحنات وتسوية النزاعات التي كثيرا ما تنشب.
"لا نعرف شيئاً"
غير أن مقابلات وعمليات بحث عن وثائق أجرتها وكالة رويترز ونقلتها "العربية نت" في عشر دول، سعيا لمعرفة المالك الأصلي لهذه الشحنة التي كانت تزن 2750 طنا، كشفت بدلا من ذلك عن قصة معقدة تشمل وثائق مفقودة، وأنشطة سرية، وشبكة شركات صغيرة مغمورة تنتشر في أرجاء العالم.
في التفاصيل، قال السياسي المعارض غسان حاصباني الذي كان نائبا سابقا لرئيس الوزراء اللبناني: "بضاعة كانت منقولة من بلد إلى بلد آخر، وانتهى بها الأمر في بلد ثالث دون مالك للبضاعة. لماذا انتهى بها المطاف هنا؟".
فيما نفى كل من كانت لهم صلة بالشحنة معرفتهم بمالكها الأصلي، كما امتنعوا عن الرد على السؤال في أحيان أخرى.
ومن بينهم من قال إنهم لا يعرفون المالك قبطان السفينة، ولا شركة صناعة الأسمدة الجورجية التي أنتجت الشحنة، ولا الشركة الإفريقية التي طلبت شراءها، إلا أنهم نقلوا أن الشركة التي اشترت لم تدفع ثمن الشحنة.
"سلسلة من الأحداث المشؤومة"
فيما تتحدث الرواية الرسمية لرحلة السفينة "روسوس" الأخيرة عنها بوصفها سلسلة من الأحداث المشؤومة.
وتظهر السجلات الملاحية أن السفينة جرى تحميلها بنيترات الأمونيوم في جورجيا في سبتمبر/أيلول من عام 2013، بهدف تسليمها إلى شركة لصناعة المتفجرات في موزمبيق. غير أن قبطان السفينة واثنين من أفراد الطاقم يقولون إن تعليمات صدرت إليهم قبل أن تغادر السفينة البحر المتوسط من رجل الأعمال الروسي إيجور جريشوشكين، الذي كانوا يعتبرونه المالك الفعلي للسفينة، بالتوقف على غير ما كان مقررا في بيروت وتحميل شحنة إضافية.
نزاع قانوني في بيروت
وصلت "روسوس إلى بيروت في نوفمبر/تشرين الثاني، لكنها لم تغادر قط، حيث علقت في نزاع قانوني بشأن رسوم غير مدفوعة للميناء وعيوب في السفينة".
وتقول روايات رسمية، إن دائنين اتهموا المالك القانوني للسفينة، المسجل كشركة مقرها بنما، بالتخلي عنها، حيث تم تفريغ الشحنة لاحقا ووضعها في مستودع على رصيف الميناء.
بالمقابل، لم ترد شركة "بارودي وشركاه" للمحاماة في بيروت التي كانت تمثل الدائنين على طلبات لتحديد هوية المالك الأصلي القانوني للشحنة، كما لم يتسنَّ الوصول إلى رجل الأعمال الروسي جريشوشكين.
غرقت السفينة!
وقالت سلطات الجمارك اللبنانية إن السفينة الفارغة غرقت في نهاية الأمر حيث كانت راسية في 2018.
وخضعت التحركات الأخيرة للسفينة "روسوس" للتدقيق مجددا بعدما اشتعلت النار في نيترات الأمونيوم في المستودع وانفجرت الأسبوع الماضي، في حادث تسبب في مقتل 171 شخصا على الأقل وإصابة الآلاف وتشريد 250 ألفا.
700 ألف دولار.. من دفع ثمنها؟
ومن بين الأسئلة التي ما زالت تنتظر إجابة: من الذي دفع ثمن نيترات الأمونيوم؟ وهل حاول في أي وقت استرداد الشحنة عندما احتُجزت السفينة "روسوس"؟ وإذا كان لم يحاول، فلماذا؟
وقال مصدر في القطاع إن قيمة الشحنة، التي كانت معبأة في أجولة بيضاء كبيرة، كانت تبلغ حوالي 700 ألف دولار بأسعار عام 2013.
"لا تأمين عليها"
سلطت التحقيقات الضوء على العديد من المخالفات التي ارتكبتها السفينة الغريبة، فبموجب الاتفاقيات البحرية الدولية وبعض القوانين المحلية، يجب أن تمتلك السفن التجارية تأمينا لتغطية حوادث مثل الأضرار البيئية، وفقد الأرواح، أو الإصابات الناجمة عن الغرق، أو التسرب، أو التصادم، ورغم ذلك فقد ذكر مصدران مطلعان أنه لم يكن هناك تأمين على "روسوس".
وقال قبطان السفينة الروسي بوريس بروكوشيف عبر الهاتف من منزله في سوتشي في روسيا، إنه رأى وثيقة تأمين لكنه لا يستطيع تأكيد صحتها.
دفع عند التسليم وبيع بمزاد!
بدوره، أفاد أنطونيو كونيا فاز، المتحدث باسم الشركة الموزمبيقية التي طلبت شراء شحنة نيترات الأمونيوم، فابريكا دي اسبوزيفوس موسامبيكي، وهي شركة موزمبيق لصناعة المتفجرات (إف.إي.إم)، إن الشركة لم تكن المالك للشحنة في ذلك الوقت لأنها اتفقت على الدفع عند التسليم.
وكانت الشركة المنتجة هي روستافي أزوت الجورجية لصناعة الأسمدة، والتي تمت تصفيتها بعد ذلك. وقال مالكها في ذلك الحين، رجل الأعمال رومان بيبيا، إنه فقد السيطرة على مصنع روستافي لنيترات الأمونيوم في عام 2016.
فيما تظهر وثائق قضائية في المملكة المتحدة أن أحد الدائنين أجبر الشركة على بيع أصولها في مزاد في ذلك العام.
وتدير شركة أخرى المصنع حاليا، هي جيه.إس.سي روستافي أزوت التي قالت أيضا إنه لا يمكنها الكشف عن مالك الشحنة، حسبما ذكر ليفان بورديلادزي، النائب الأول لمدير المصنع حاليا.
وقالت شركة فابريكا دي اسبوزيفوس موسامبيكي، وهي شركة موزمبيق لصناعة المتفجرات (إف.إي.إم)، إنها طلبت الشحنة عبر شركة تجارية، سافارو ليمتد، التي لها شركتان مسجلتان في لندن وأوكرانيا لكن موقعها الإلكتروني لا يعمل حاليا.
شركة بعنوان غير وجود!
وأظهرت زيارة لعنوان شركة سافارو ليمتد المدرج في لندن، أمس الاثنين، منزلا بشرفات، مبنيا على الطراز الفيكتوري وبابه موصد ومحصن، على مقربة من حانات عصرية في شورديتش. ولم يستجب أحد للطرق على الباب.
وبالحديث مع جريتا بايلين، مديرة شركة سافارو ليمتد المسجلة في بريطانيا، وهي ليتوانية تعمل في قبرص، رفضت الإجابة!
فيما قال مصدر على دراية بالأعمال الداخلية للأعمال التجارية لشركة سافارو، إنها تبيع أسمدة من دول الاتحاد السوفيتي السابق لعملاء في إفريقيا.
وتوضح قاعدة بيانات الشركات الأوكرانية "يو كنترول" أن رجل الأعمال فلاديمير فيربونول مسجل كمدير لسافارو في أوكرانيا، وهي مقر إقامته.
من هو "الروسي"؟
مع تحول الحزن والغضب بسبب الانفجار إلى اضطرابات مدنية في بيروت بدت مؤشرات على أن تحقيق الحكومة اللبنانية الموعود بدأ يعود للتركيز مرة أخرى على السفينة "روسوس" وجريشوشكين، الرجل الذي اعتبره طاقم السفينة مالكها.
وقال مصدر أمني إن الشرطة القبرصية استجوبت جريشوشكين في منزله بقبرص الخميس الماضي فيما يتصل بالشحنة.
فيما أكد متحدث باسم الشرطة القبرصية، أنه تم استجواب شخص لم يُكشف عن اسمه بناء على طلب من الشرطة الدولية في بيروت.
بدوره، أفاد القبطان بروكوشيف بأن السفينة "روسوس" وصلت بيروت في نوفمبر تشرين الثاني 2013 وبها تسريب وحالتها العامة متهالكة، قائلاً: "كانت تعاني بالفعل من مشاكل".
13 يوماً.. اعتقال في إسبانيا
وفي يوليو تموز 2013، أي قبل 4 أشهر من رسوها في بيروت، احتجزت سلطات ميناء اشبيلية في إسبانيا السفينة لمدة 13 يوما بعد اكتشاف العديد من أوجه القصور التي كان بينها تعطل أبواب، وتآكل في منطقة السطح، وقصور في المحركات المساعدة، حسبما ورد في بيانات الشحن.
كما أظهرت البيانات أن السفينة استأنفت الإبحار بعد أن أصدرت شركة التفتيش ماريتايم لويد لها "شهادة سلامة إنشاءات سفينة شحن"، وهي شهادة يفترض أن تتضمن مسحا لها.
مع العلم أن شركة ماريتايم لويد ومقرها جورجيا هي شركة غير مصنفة، وتعد بين أبرز شركات التفتيش وأكثرها استخداما.
وقال تيموراز كافتارادزه المفتش في ماريتايم لويد إنه لا يمكنه أن يؤكد ما إذا كانت الشركة قدمت أم لا وثائق خاصة بالتفتيش للمسؤولين في ميناء اشبيلية، موضحاً أنه كان يعمل بالشركة عام 2013 لكن آخرين من طاقم العاملين والإدارة جرى تغييرهم منذ ذلك الحين.
وفي رسالة بالبريد الإلكتروني أكدت مجموعة مذكرة باريس للتفاهم حول رقابة دولة الميناء التي تضم 27 دولة بحرية وجرى احتجاز السفينة "روسوس" بموجب سلطتها، أن السفينة احتُجزت وجرى تفتيشها في اشبيلية.
وتسجل مولدوفا، المسجلة بها السفينة، أنها مملوكة لبريروود كورب ومقرها بنما، طبقا لشهادة ملكية السفينة.
"كيان واحد"
وتفيد السجلات الدولية أن مستأجر السفينة كان شركة تيتو شيبنج ليمتد ومقرها جزر مارشال وجرى حلها في 2014 وفقا لقاعدة بيانات السجل العالمي التي تقول إنها تقدم خدمات تسجيل الشحن البحري لجزر مارشال.
وقال إيجور زهاريا، مدير وكالة مولدوفا البحرية، إن جريشوشكين كان مدير شركة تيتو شيبنج.
في حين أعطى قبطان روسوس عنوان البريد الإلكتروني الذي كان وأفراد الطاقم يستخدمونه لشركة تيتو شيبنج، إلا أن تلك العناوين لم ترد على أي من طلبات التعليق التي أرسلت إليها.
وأوضح القبطان أنه يعتبر جريشوشكين وتيتو كيانا واحدا.
يذكر أن الانفجار الضخم الذي هز بيروت في الرابع من أغسطس جراء انفجار أطنان من نيترات الأمونيوم كانت مخزنة في أحد عنابر المرفأ لسنوات، حولها عاصمة منكوبة، وعاث في أحيائها خراباً، متسبباً بمقتل 171 شخصاً على الأقل وإصابة أكثر من ستة آلاف، عدا عن مفقودين تضاربت التقديرات بشأن عددهم، وفق ما أعلنت وزارة الصحة أمس الثلاثاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.