مطران دشنا يترأس قداس عيد القيامة المجيد بكاتدرائية الشهيد العظيم مار جرجس    مصطفى بكري: اتحاد القبائل العربية كيان مدني يقف خلف الدولة والقوات المسلحة    عيار 21 الآن وسعر الذهب اليوم بعد ارتفاعه الأحد 5 مايو 2024    ضياء رشوان: نتنياهو لن يجرؤ على مهاجمة رفح الفلسطينية    تساحي هنجبي: القوات الإسرائيلية كانت قريبة جدا من القضاء على زعيم حماس    بعد 28 عاما داخل الزمالك، ياسمين نوح تعلن اعتزالها بعد التتويج بلقب إفريقيا للكرة الطائرة    مواعيد مباريات اليوم الأحد 5- 5- 2024 في الدوري الإسباني والقنوات الناقلة    طاقم تحكيم مباراة البنك الأهلي وإنبي في الدوري المصري    عاجل.. تأكد رحيل ثلاثي الأهلي في نهاية الموسم    خبير لوائح: لا توجد حالة رياضية مشابهة لقضية الشحات والشيبي    «أمطار تضرب هذه المناطق».. بيان عاجل من الأرصاد بشأن حالة الطقس اليوم (احذروا التقلبات الجوية)    عبارات تهنئة بمناسبة عيد شم النسيم 2024    "حب جديد هيدق بابك".. بشرى سارة لمواليد برج الجوزاء اليوم (توقعات الصعيد المهني والمادي)    جيانكارلو اسبوزيتو بطل Breaking Bad ينضم لعالم Marvel    شقيق ياسمين صبري يتعرض للإغماء في أمريكا    هل يجوز السفر إلى الحج دون محرم.. الإفتاء تجيب    مستشار الأمن القومي الإسرائيلي: كنا قريبين من القضاء على السنوار واجتياح رفح قريب جدا    البابا تواضروس الثاني يصلي قداس عيد القيامة في الكاتدرائية بالعباسية    انخفاض جديد في أسعار الأجهزة الكهربائية وهذا سر ارتفاع سعر التكييفات (فيديو)    لغز روشتة الأطباء أبرزها، شعبة الأدوية تكشف أسباب نقص الأدوية رغم انتهاء أزمة الدولار    بسبب الاستحمام.. غرق طفل في مياه ترعة بالقليوبية    رئيس جامعة دمنهور يشهد قداس عيد القيامة المجيد بكاتدرائية السيدة العذراء    احتدام المنافسة بانتخابات البرلمان الأوروبي.. الاشتراكيون في مواجهة تحالف المحافظين مع اليمين المتطرف    مدير أمن أسيوط يتفقد الخدمات الأمنية استعداداً لعيد القيامة وشم النسيم    مختار مختار: محمود متولي لاعب رائع وسيضيف للأهلي الكثير    بمشاركة مصطفى محمد.. نانت يتعادل مع بريست في الدوري الفرنسي    محافظ القليوبية يشهد قداس عيد القيامة المجيد بكنيسة السيدة العذراء ببنها    بسبب ماس كهربائي.. المعمل الجنائي يعاين حريق مخزن قطع غيار بالعجوزة    الزراعة تعلن تجديد اعتماد المعمل المرجعي للرقابة على الإنتاج الداجني    بعد الوحدة.. كم هاتريك أحرزه رونالدو في الدوري السعودي حتى الآن؟    "إسكان النواب" تكشف أسباب عدم تطبيق التصالح في مخالفات البناء    نميرة نجم: حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها غير موجود لأنها دولة احتلال    سعاد صالح: لم أندم على فتوى خرجت مني.. وانتقادات السوشيال ميديا لا تهمني    صيام شم النسيم في عام 2024: بين التزام الدين وتقاطع الأعياد الدينية    خاص| زاهي حواس يكشف تفاصيل جديدة عن البحث على مقبرة نفرتيتي    إصابة 10 أشخاص فى أسيوط إثر انقلاب سيارة "تمناية"    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    بمناسبة عيد القيامة.. رئيس قضايا الدولة يشارك في احتفال الكاتدرائية المرقسية    عوض تاج الدين: تأجير المستشفيات الحكومية يدرس بعناية والأولوية لخدمة المواطن    لطلاب الثانوية العامة 2024.. خطوات للوصول لأعلى مستويات التركيز أثناء المذاكرة    ب 150 ألف مقدم.. تفاصيل شقق الإسكان المتميز قبل طرحها بأيام- (صور)    رئيس الغرفة التجارية بالجيزة: شركات عدة خفضت أسعار الأجهزة الكهربائية بنسب تصل إلى 30%    أهالي الجنود لجيش الاحتلال: اقتحام رفح يعني فخ الموت.. لم نعد نثق بكم    قتيلان وجرحى في هجمات روسية على 3 مناطق أوكرانية    أوكرانيا تعلن إسقاط طائرة روسية من طراز "سوخوي - 25" فوق دونيتسك    مهران يكشف أهمية استخدام الذكاء الاصطناعي في التأمين    محافظ بني سويف يشهد مراسم قداس عيد القيامة المجيد بمطرانية ببا    فستان حورية البحر.. نجوى كرم تثير الجدل بأحدث إطلالة| شاهد    قداس بدولة الهند احتفالا بعيد القيامة    التحالف الوطني يكرم ذوي الهمم العاملين بالقطاعين العام والخاص بالأقصر    رسالة دكتوراة تناقش تشريعات المواريث والوصية في التلمود.. صور    دعمتم مناقشة هذا الأمر | رمضان عبد المعز يوجه الشكر ل المتحدة    نجل «موظف ماسبيرو» يكشف حقيقة «محاولة والده التخلص من حياته» بإلقاء نفسه من أعلى المبنى    تحذير من الأرصاد بشأن الطقس اليوم: عودة الأمطار وانخفاض مفاجئ فى درجات الحرارة    المنيا تستعد لاستقبال عيد القيامة المجيد وشم النسيم    "زلزال".. تعليق صادم من تامر أمين على صورة حسام موافي وأبو العينين (فيديو وصور)    من القطب الشمالي إلى أوروبا .. اتساع النطاق البري لإنفلونزا الطيور عالميًا    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثغرات عن شحنة الأمونيوم التي فجرت بيروت
نشر في صوت البلد يوم 12 - 08 - 2020

في القصة الغامضة الخاصة بكيفية انتهاء المطاف بشحنة من نيترات الأمونيوم شديدة الانفجار في مرفأ بيروت، شيء واحد فقط هو الواضح ألا وهو أن لا أحد تقدم قط وأعلن ملكيته لها.
وثمة كثير من الأسئلة المفتوحة حول الانفجار الهائل الفتاك الذي عصف بالعاصمة اللبنانية الأسبوع الماضي، غير أنه يُفترض أن تكون قضية الملكية من بين أسهلها.
بيد أن التحديد الدقيق لهوية المالك، لا سيما لشحنة بمثل خطورة تلك التي حملتها السفينة "روسوس" التي ترفع علم مولدوفا إلى بيروت قبل نحو 7 أعوام، أمر جوهري في حركة الشحن البحري، كما أنه العنصر الأهم للتأمين على الشحنات وتسوية النزاعات التي كثيرا ما تنشب.
"لا نعرف شيئاً"
غير أن مقابلات وعمليات بحث عن وثائق أجرتها وكالة رويترز ونقلتها "العربية نت" في عشر دول، سعيا لمعرفة المالك الأصلي لهذه الشحنة التي كانت تزن 2750 طنا، كشفت بدلا من ذلك عن قصة معقدة تشمل وثائق مفقودة، وأنشطة سرية، وشبكة شركات صغيرة مغمورة تنتشر في أرجاء العالم.
في التفاصيل، قال السياسي المعارض غسان حاصباني الذي كان نائبا سابقا لرئيس الوزراء اللبناني: "بضاعة كانت منقولة من بلد إلى بلد آخر، وانتهى بها الأمر في بلد ثالث دون مالك للبضاعة. لماذا انتهى بها المطاف هنا؟".
فيما نفى كل من كانت لهم صلة بالشحنة معرفتهم بمالكها الأصلي، كما امتنعوا عن الرد على السؤال في أحيان أخرى.
ومن بينهم من قال إنهم لا يعرفون المالك قبطان السفينة، ولا شركة صناعة الأسمدة الجورجية التي أنتجت الشحنة، ولا الشركة الإفريقية التي طلبت شراءها، إلا أنهم نقلوا أن الشركة التي اشترت لم تدفع ثمن الشحنة.
"سلسلة من الأحداث المشؤومة"
فيما تتحدث الرواية الرسمية لرحلة السفينة "روسوس" الأخيرة عنها بوصفها سلسلة من الأحداث المشؤومة.
وتظهر السجلات الملاحية أن السفينة جرى تحميلها بنيترات الأمونيوم في جورجيا في سبتمبر/أيلول من عام 2013، بهدف تسليمها إلى شركة لصناعة المتفجرات في موزمبيق. غير أن قبطان السفينة واثنين من أفراد الطاقم يقولون إن تعليمات صدرت إليهم قبل أن تغادر السفينة البحر المتوسط من رجل الأعمال الروسي إيجور جريشوشكين، الذي كانوا يعتبرونه المالك الفعلي للسفينة، بالتوقف على غير ما كان مقررا في بيروت وتحميل شحنة إضافية.
نزاع قانوني في بيروت
وصلت "روسوس إلى بيروت في نوفمبر/تشرين الثاني، لكنها لم تغادر قط، حيث علقت في نزاع قانوني بشأن رسوم غير مدفوعة للميناء وعيوب في السفينة".
وتقول روايات رسمية، إن دائنين اتهموا المالك القانوني للسفينة، المسجل كشركة مقرها بنما، بالتخلي عنها، حيث تم تفريغ الشحنة لاحقا ووضعها في مستودع على رصيف الميناء.
بالمقابل، لم ترد شركة "بارودي وشركاه" للمحاماة في بيروت التي كانت تمثل الدائنين على طلبات لتحديد هوية المالك الأصلي القانوني للشحنة، كما لم يتسنَّ الوصول إلى رجل الأعمال الروسي جريشوشكين.
غرقت السفينة!
وقالت سلطات الجمارك اللبنانية إن السفينة الفارغة غرقت في نهاية الأمر حيث كانت راسية في 2018.
وخضعت التحركات الأخيرة للسفينة "روسوس" للتدقيق مجددا بعدما اشتعلت النار في نيترات الأمونيوم في المستودع وانفجرت الأسبوع الماضي، في حادث تسبب في مقتل 171 شخصا على الأقل وإصابة الآلاف وتشريد 250 ألفا.
700 ألف دولار.. من دفع ثمنها؟
ومن بين الأسئلة التي ما زالت تنتظر إجابة: من الذي دفع ثمن نيترات الأمونيوم؟ وهل حاول في أي وقت استرداد الشحنة عندما احتُجزت السفينة "روسوس"؟ وإذا كان لم يحاول، فلماذا؟
وقال مصدر في القطاع إن قيمة الشحنة، التي كانت معبأة في أجولة بيضاء كبيرة، كانت تبلغ حوالي 700 ألف دولار بأسعار عام 2013.
"لا تأمين عليها"
سلطت التحقيقات الضوء على العديد من المخالفات التي ارتكبتها السفينة الغريبة، فبموجب الاتفاقيات البحرية الدولية وبعض القوانين المحلية، يجب أن تمتلك السفن التجارية تأمينا لتغطية حوادث مثل الأضرار البيئية، وفقد الأرواح، أو الإصابات الناجمة عن الغرق، أو التسرب، أو التصادم، ورغم ذلك فقد ذكر مصدران مطلعان أنه لم يكن هناك تأمين على "روسوس".
وقال قبطان السفينة الروسي بوريس بروكوشيف عبر الهاتف من منزله في سوتشي في روسيا، إنه رأى وثيقة تأمين لكنه لا يستطيع تأكيد صحتها.
دفع عند التسليم وبيع بمزاد!
بدوره، أفاد أنطونيو كونيا فاز، المتحدث باسم الشركة الموزمبيقية التي طلبت شراء شحنة نيترات الأمونيوم، فابريكا دي اسبوزيفوس موسامبيكي، وهي شركة موزمبيق لصناعة المتفجرات (إف.إي.إم)، إن الشركة لم تكن المالك للشحنة في ذلك الوقت لأنها اتفقت على الدفع عند التسليم.
وكانت الشركة المنتجة هي روستافي أزوت الجورجية لصناعة الأسمدة، والتي تمت تصفيتها بعد ذلك. وقال مالكها في ذلك الحين، رجل الأعمال رومان بيبيا، إنه فقد السيطرة على مصنع روستافي لنيترات الأمونيوم في عام 2016.
فيما تظهر وثائق قضائية في المملكة المتحدة أن أحد الدائنين أجبر الشركة على بيع أصولها في مزاد في ذلك العام.
وتدير شركة أخرى المصنع حاليا، هي جيه.إس.سي روستافي أزوت التي قالت أيضا إنه لا يمكنها الكشف عن مالك الشحنة، حسبما ذكر ليفان بورديلادزي، النائب الأول لمدير المصنع حاليا.
وقالت شركة فابريكا دي اسبوزيفوس موسامبيكي، وهي شركة موزمبيق لصناعة المتفجرات (إف.إي.إم)، إنها طلبت الشحنة عبر شركة تجارية، سافارو ليمتد، التي لها شركتان مسجلتان في لندن وأوكرانيا لكن موقعها الإلكتروني لا يعمل حاليا.
شركة بعنوان غير وجود!
وأظهرت زيارة لعنوان شركة سافارو ليمتد المدرج في لندن، أمس الاثنين، منزلا بشرفات، مبنيا على الطراز الفيكتوري وبابه موصد ومحصن، على مقربة من حانات عصرية في شورديتش. ولم يستجب أحد للطرق على الباب.
وبالحديث مع جريتا بايلين، مديرة شركة سافارو ليمتد المسجلة في بريطانيا، وهي ليتوانية تعمل في قبرص، رفضت الإجابة!
فيما قال مصدر على دراية بالأعمال الداخلية للأعمال التجارية لشركة سافارو، إنها تبيع أسمدة من دول الاتحاد السوفيتي السابق لعملاء في إفريقيا.
وتوضح قاعدة بيانات الشركات الأوكرانية "يو كنترول" أن رجل الأعمال فلاديمير فيربونول مسجل كمدير لسافارو في أوكرانيا، وهي مقر إقامته.
من هو "الروسي"؟
مع تحول الحزن والغضب بسبب الانفجار إلى اضطرابات مدنية في بيروت بدت مؤشرات على أن تحقيق الحكومة اللبنانية الموعود بدأ يعود للتركيز مرة أخرى على السفينة "روسوس" وجريشوشكين، الرجل الذي اعتبره طاقم السفينة مالكها.
وقال مصدر أمني إن الشرطة القبرصية استجوبت جريشوشكين في منزله بقبرص الخميس الماضي فيما يتصل بالشحنة.
فيما أكد متحدث باسم الشرطة القبرصية، أنه تم استجواب شخص لم يُكشف عن اسمه بناء على طلب من الشرطة الدولية في بيروت.
بدوره، أفاد القبطان بروكوشيف بأن السفينة "روسوس" وصلت بيروت في نوفمبر تشرين الثاني 2013 وبها تسريب وحالتها العامة متهالكة، قائلاً: "كانت تعاني بالفعل من مشاكل".
13 يوماً.. اعتقال في إسبانيا
وفي يوليو تموز 2013، أي قبل 4 أشهر من رسوها في بيروت، احتجزت سلطات ميناء اشبيلية في إسبانيا السفينة لمدة 13 يوما بعد اكتشاف العديد من أوجه القصور التي كان بينها تعطل أبواب، وتآكل في منطقة السطح، وقصور في المحركات المساعدة، حسبما ورد في بيانات الشحن.
كما أظهرت البيانات أن السفينة استأنفت الإبحار بعد أن أصدرت شركة التفتيش ماريتايم لويد لها "شهادة سلامة إنشاءات سفينة شحن"، وهي شهادة يفترض أن تتضمن مسحا لها.
مع العلم أن شركة ماريتايم لويد ومقرها جورجيا هي شركة غير مصنفة، وتعد بين أبرز شركات التفتيش وأكثرها استخداما.
وقال تيموراز كافتارادزه المفتش في ماريتايم لويد إنه لا يمكنه أن يؤكد ما إذا كانت الشركة قدمت أم لا وثائق خاصة بالتفتيش للمسؤولين في ميناء اشبيلية، موضحاً أنه كان يعمل بالشركة عام 2013 لكن آخرين من طاقم العاملين والإدارة جرى تغييرهم منذ ذلك الحين.
وفي رسالة بالبريد الإلكتروني أكدت مجموعة مذكرة باريس للتفاهم حول رقابة دولة الميناء التي تضم 27 دولة بحرية وجرى احتجاز السفينة "روسوس" بموجب سلطتها، أن السفينة احتُجزت وجرى تفتيشها في اشبيلية.
وتسجل مولدوفا، المسجلة بها السفينة، أنها مملوكة لبريروود كورب ومقرها بنما، طبقا لشهادة ملكية السفينة.
"كيان واحد"
وتفيد السجلات الدولية أن مستأجر السفينة كان شركة تيتو شيبنج ليمتد ومقرها جزر مارشال وجرى حلها في 2014 وفقا لقاعدة بيانات السجل العالمي التي تقول إنها تقدم خدمات تسجيل الشحن البحري لجزر مارشال.
وقال إيجور زهاريا، مدير وكالة مولدوفا البحرية، إن جريشوشكين كان مدير شركة تيتو شيبنج.
في حين أعطى قبطان روسوس عنوان البريد الإلكتروني الذي كان وأفراد الطاقم يستخدمونه لشركة تيتو شيبنج، إلا أن تلك العناوين لم ترد على أي من طلبات التعليق التي أرسلت إليها.
وأوضح القبطان أنه يعتبر جريشوشكين وتيتو كيانا واحدا.
يذكر أن الانفجار الضخم الذي هز بيروت في الرابع من أغسطس جراء انفجار أطنان من نيترات الأمونيوم كانت مخزنة في أحد عنابر المرفأ لسنوات، حولها عاصمة منكوبة، وعاث في أحيائها خراباً، متسبباً بمقتل 171 شخصاً على الأقل وإصابة أكثر من ستة آلاف، عدا عن مفقودين تضاربت التقديرات بشأن عددهم، وفق ما أعلنت وزارة الصحة أمس الثلاثاء.
في القصة الغامضة الخاصة بكيفية انتهاء المطاف بشحنة من نيترات الأمونيوم شديدة الانفجار في مرفأ بيروت، شيء واحد فقط هو الواضح ألا وهو أن لا أحد تقدم قط وأعلن ملكيته لها.
وثمة كثير من الأسئلة المفتوحة حول الانفجار الهائل الفتاك الذي عصف بالعاصمة اللبنانية الأسبوع الماضي، غير أنه يُفترض أن تكون قضية الملكية من بين أسهلها.
بيد أن التحديد الدقيق لهوية المالك، لا سيما لشحنة بمثل خطورة تلك التي حملتها السفينة "روسوس" التي ترفع علم مولدوفا إلى بيروت قبل نحو 7 أعوام، أمر جوهري في حركة الشحن البحري، كما أنه العنصر الأهم للتأمين على الشحنات وتسوية النزاعات التي كثيرا ما تنشب.
"لا نعرف شيئاً"
غير أن مقابلات وعمليات بحث عن وثائق أجرتها وكالة رويترز ونقلتها "العربية نت" في عشر دول، سعيا لمعرفة المالك الأصلي لهذه الشحنة التي كانت تزن 2750 طنا، كشفت بدلا من ذلك عن قصة معقدة تشمل وثائق مفقودة، وأنشطة سرية، وشبكة شركات صغيرة مغمورة تنتشر في أرجاء العالم.
في التفاصيل، قال السياسي المعارض غسان حاصباني الذي كان نائبا سابقا لرئيس الوزراء اللبناني: "بضاعة كانت منقولة من بلد إلى بلد آخر، وانتهى بها الأمر في بلد ثالث دون مالك للبضاعة. لماذا انتهى بها المطاف هنا؟".
فيما نفى كل من كانت لهم صلة بالشحنة معرفتهم بمالكها الأصلي، كما امتنعوا عن الرد على السؤال في أحيان أخرى.
ومن بينهم من قال إنهم لا يعرفون المالك قبطان السفينة، ولا شركة صناعة الأسمدة الجورجية التي أنتجت الشحنة، ولا الشركة الإفريقية التي طلبت شراءها، إلا أنهم نقلوا أن الشركة التي اشترت لم تدفع ثمن الشحنة.
"سلسلة من الأحداث المشؤومة"
فيما تتحدث الرواية الرسمية لرحلة السفينة "روسوس" الأخيرة عنها بوصفها سلسلة من الأحداث المشؤومة.
وتظهر السجلات الملاحية أن السفينة جرى تحميلها بنيترات الأمونيوم في جورجيا في سبتمبر/أيلول من عام 2013، بهدف تسليمها إلى شركة لصناعة المتفجرات في موزمبيق. غير أن قبطان السفينة واثنين من أفراد الطاقم يقولون إن تعليمات صدرت إليهم قبل أن تغادر السفينة البحر المتوسط من رجل الأعمال الروسي إيجور جريشوشكين، الذي كانوا يعتبرونه المالك الفعلي للسفينة، بالتوقف على غير ما كان مقررا في بيروت وتحميل شحنة إضافية.
نزاع قانوني في بيروت
وصلت "روسوس إلى بيروت في نوفمبر/تشرين الثاني، لكنها لم تغادر قط، حيث علقت في نزاع قانوني بشأن رسوم غير مدفوعة للميناء وعيوب في السفينة".
وتقول روايات رسمية، إن دائنين اتهموا المالك القانوني للسفينة، المسجل كشركة مقرها بنما، بالتخلي عنها، حيث تم تفريغ الشحنة لاحقا ووضعها في مستودع على رصيف الميناء.
بالمقابل، لم ترد شركة "بارودي وشركاه" للمحاماة في بيروت التي كانت تمثل الدائنين على طلبات لتحديد هوية المالك الأصلي القانوني للشحنة، كما لم يتسنَّ الوصول إلى رجل الأعمال الروسي جريشوشكين.
غرقت السفينة!
وقالت سلطات الجمارك اللبنانية إن السفينة الفارغة غرقت في نهاية الأمر حيث كانت راسية في 2018.
وخضعت التحركات الأخيرة للسفينة "روسوس" للتدقيق مجددا بعدما اشتعلت النار في نيترات الأمونيوم في المستودع وانفجرت الأسبوع الماضي، في حادث تسبب في مقتل 171 شخصا على الأقل وإصابة الآلاف وتشريد 250 ألفا.
700 ألف دولار.. من دفع ثمنها؟
ومن بين الأسئلة التي ما زالت تنتظر إجابة: من الذي دفع ثمن نيترات الأمونيوم؟ وهل حاول في أي وقت استرداد الشحنة عندما احتُجزت السفينة "روسوس"؟ وإذا كان لم يحاول، فلماذا؟
وقال مصدر في القطاع إن قيمة الشحنة، التي كانت معبأة في أجولة بيضاء كبيرة، كانت تبلغ حوالي 700 ألف دولار بأسعار عام 2013.
"لا تأمين عليها"
سلطت التحقيقات الضوء على العديد من المخالفات التي ارتكبتها السفينة الغريبة، فبموجب الاتفاقيات البحرية الدولية وبعض القوانين المحلية، يجب أن تمتلك السفن التجارية تأمينا لتغطية حوادث مثل الأضرار البيئية، وفقد الأرواح، أو الإصابات الناجمة عن الغرق، أو التسرب، أو التصادم، ورغم ذلك فقد ذكر مصدران مطلعان أنه لم يكن هناك تأمين على "روسوس".
وقال قبطان السفينة الروسي بوريس بروكوشيف عبر الهاتف من منزله في سوتشي في روسيا، إنه رأى وثيقة تأمين لكنه لا يستطيع تأكيد صحتها.
دفع عند التسليم وبيع بمزاد!
بدوره، أفاد أنطونيو كونيا فاز، المتحدث باسم الشركة الموزمبيقية التي طلبت شراء شحنة نيترات الأمونيوم، فابريكا دي اسبوزيفوس موسامبيكي، وهي شركة موزمبيق لصناعة المتفجرات (إف.إي.إم)، إن الشركة لم تكن المالك للشحنة في ذلك الوقت لأنها اتفقت على الدفع عند التسليم.
وكانت الشركة المنتجة هي روستافي أزوت الجورجية لصناعة الأسمدة، والتي تمت تصفيتها بعد ذلك. وقال مالكها في ذلك الحين، رجل الأعمال رومان بيبيا، إنه فقد السيطرة على مصنع روستافي لنيترات الأمونيوم في عام 2016.
فيما تظهر وثائق قضائية في المملكة المتحدة أن أحد الدائنين أجبر الشركة على بيع أصولها في مزاد في ذلك العام.
وتدير شركة أخرى المصنع حاليا، هي جيه.إس.سي روستافي أزوت التي قالت أيضا إنه لا يمكنها الكشف عن مالك الشحنة، حسبما ذكر ليفان بورديلادزي، النائب الأول لمدير المصنع حاليا.
وقالت شركة فابريكا دي اسبوزيفوس موسامبيكي، وهي شركة موزمبيق لصناعة المتفجرات (إف.إي.إم)، إنها طلبت الشحنة عبر شركة تجارية، سافارو ليمتد، التي لها شركتان مسجلتان في لندن وأوكرانيا لكن موقعها الإلكتروني لا يعمل حاليا.
شركة بعنوان غير وجود!
وأظهرت زيارة لعنوان شركة سافارو ليمتد المدرج في لندن، أمس الاثنين، منزلا بشرفات، مبنيا على الطراز الفيكتوري وبابه موصد ومحصن، على مقربة من حانات عصرية في شورديتش. ولم يستجب أحد للطرق على الباب.
وبالحديث مع جريتا بايلين، مديرة شركة سافارو ليمتد المسجلة في بريطانيا، وهي ليتوانية تعمل في قبرص، رفضت الإجابة!
فيما قال مصدر على دراية بالأعمال الداخلية للأعمال التجارية لشركة سافارو، إنها تبيع أسمدة من دول الاتحاد السوفيتي السابق لعملاء في إفريقيا.
وتوضح قاعدة بيانات الشركات الأوكرانية "يو كنترول" أن رجل الأعمال فلاديمير فيربونول مسجل كمدير لسافارو في أوكرانيا، وهي مقر إقامته.
من هو "الروسي"؟
مع تحول الحزن والغضب بسبب الانفجار إلى اضطرابات مدنية في بيروت بدت مؤشرات على أن تحقيق الحكومة اللبنانية الموعود بدأ يعود للتركيز مرة أخرى على السفينة "روسوس" وجريشوشكين، الرجل الذي اعتبره طاقم السفينة مالكها.
وقال مصدر أمني إن الشرطة القبرصية استجوبت جريشوشكين في منزله بقبرص الخميس الماضي فيما يتصل بالشحنة.
فيما أكد متحدث باسم الشرطة القبرصية، أنه تم استجواب شخص لم يُكشف عن اسمه بناء على طلب من الشرطة الدولية في بيروت.
بدوره، أفاد القبطان بروكوشيف بأن السفينة "روسوس" وصلت بيروت في نوفمبر تشرين الثاني 2013 وبها تسريب وحالتها العامة متهالكة، قائلاً: "كانت تعاني بالفعل من مشاكل".
13 يوماً.. اعتقال في إسبانيا
وفي يوليو تموز 2013، أي قبل 4 أشهر من رسوها في بيروت، احتجزت سلطات ميناء اشبيلية في إسبانيا السفينة لمدة 13 يوما بعد اكتشاف العديد من أوجه القصور التي كان بينها تعطل أبواب، وتآكل في منطقة السطح، وقصور في المحركات المساعدة، حسبما ورد في بيانات الشحن.
كما أظهرت البيانات أن السفينة استأنفت الإبحار بعد أن أصدرت شركة التفتيش ماريتايم لويد لها "شهادة سلامة إنشاءات سفينة شحن"، وهي شهادة يفترض أن تتضمن مسحا لها.
مع العلم أن شركة ماريتايم لويد ومقرها جورجيا هي شركة غير مصنفة، وتعد بين أبرز شركات التفتيش وأكثرها استخداما.
وقال تيموراز كافتارادزه المفتش في ماريتايم لويد إنه لا يمكنه أن يؤكد ما إذا كانت الشركة قدمت أم لا وثائق خاصة بالتفتيش للمسؤولين في ميناء اشبيلية، موضحاً أنه كان يعمل بالشركة عام 2013 لكن آخرين من طاقم العاملين والإدارة جرى تغييرهم منذ ذلك الحين.
وفي رسالة بالبريد الإلكتروني أكدت مجموعة مذكرة باريس للتفاهم حول رقابة دولة الميناء التي تضم 27 دولة بحرية وجرى احتجاز السفينة "روسوس" بموجب سلطتها، أن السفينة احتُجزت وجرى تفتيشها في اشبيلية.
وتسجل مولدوفا، المسجلة بها السفينة، أنها مملوكة لبريروود كورب ومقرها بنما، طبقا لشهادة ملكية السفينة.
"كيان واحد"
وتفيد السجلات الدولية أن مستأجر السفينة كان شركة تيتو شيبنج ليمتد ومقرها جزر مارشال وجرى حلها في 2014 وفقا لقاعدة بيانات السجل العالمي التي تقول إنها تقدم خدمات تسجيل الشحن البحري لجزر مارشال.
وقال إيجور زهاريا، مدير وكالة مولدوفا البحرية، إن جريشوشكين كان مدير شركة تيتو شيبنج.
في حين أعطى قبطان روسوس عنوان البريد الإلكتروني الذي كان وأفراد الطاقم يستخدمونه لشركة تيتو شيبنج، إلا أن تلك العناوين لم ترد على أي من طلبات التعليق التي أرسلت إليها.
وأوضح القبطان أنه يعتبر جريشوشكين وتيتو كيانا واحدا.
يذكر أن الانفجار الضخم الذي هز بيروت في الرابع من أغسطس جراء انفجار أطنان من نيترات الأمونيوم كانت مخزنة في أحد عنابر المرفأ لسنوات، حولها عاصمة منكوبة، وعاث في أحيائها خراباً، متسبباً بمقتل 171 شخصاً على الأقل وإصابة أكثر من ستة آلاف، عدا عن مفقودين تضاربت التقديرات بشأن عددهم، وفق ما أعلنت وزارة الصحة أمس الثلاثاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.