حملة لتوفير أجهزة كمبيوتر.. دعوات لتأهيل المدارس لتعليم التكنولوجيا | تفاصيل    تراجعت على العربات وبالمحال الصغيرة.. مساعٍ حكومية لخفض أسعار سندوتشات الفول والطعمية    وفقا لوزارة التخطيط.. «صيدلة كفر الشيخ» تحصد المركز الأول في التميز الإداري    الجيش الأوكراني: 96 اشتباكا قتاليا ضد القوات الروسية في يوم واحد    طائرات جيش الاحتلال تشن غارات جوية على بلدة الخيام في لبنان    3 ملايين دولار سددها الزمالك غرامات بقضايا.. عضو مجلس الإدارة يوضح|فيديو    كرة سلة - ال11 على التوالي.. الجندي يخطف ل الأهلي التأهل لنهائي الكأس أمام الجزيرة    المقاولون العرب يضمن بقاءه في الدوري الممتاز لكرة القدم النسائية بعد فوزه على سموحة بثلاثية    تصريح مثير للجدل من نجم آرسنال عن ليفربول    السجن 15 سنة لسائق ضبط بحوزته 120 طربة حشيش في الإسكندرية    إصابة أب ونجله سقطا داخل بالوعة صرف صحي بالعياط    خناقة شوارع بين طلاب وبلطجية داخل مدرسة بالهرم في الجيزة |شاهد    برومو حلقة ياسمين عبدالعزيز مع "صاحبة السعادة" تريند رقم واحد على يوتيوب    رئيس وزراء بيلاروسيا يزور متحف الحضارة وأهرامات الجيزة    بفستان سواريه.. زوجة ماجد المصري تستعرض جمالها بإطلالة أنيقة عبر إنستجرام|شاهد    ما حكم الكسب من بيع التدخين؟.. أزهري يجيب    الصحة: فائدة اللقاح ضد كورونا أعلى بكثير من مخاطره |فيديو    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    بديل اليمون في الصيف.. طريقة عمل عصير برتقال بالنعناع    سبب غياب طارق مصطفى عن مران البنك الأهلي قبل مواجهة الزمالك    شيحة: مصر قادرة على دفع الأطراف في غزة واسرائيل للوصول إلى هدنة    صحة الشيوخ توصي بتلبية احتياجات المستشفيات الجامعية من المستهلكات والمستلزمات الطبية    رئيس جهاز الشروق يقود حملة مكبرة ويحرر 12 محضر إشغالات    أمين عام الجامعة العربية ينوه بالتكامل الاقتصادي والتاريخي بين المنطقة العربية ودول آسيا الوسطى وأذربيجان    سفيرة مصر بكمبوديا تقدم أوراق اعتمادها للملك نوردوم سيهانوم    مسقط تستضيف الدورة 15 من مهرجان المسرح العربي    فيلم المتنافسون يزيح حرب أهلية من صدارة إيرادات السينما العالمية    إسرائيل تهدد ب«احتلال مناطق واسعة» في جنوب لبنان    «تحيا مصر» يوضح تفاصيل إطلاق القافلة الخامسة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في غزة    وزير الرياضة يتابع مستجدات سير الأعمال الجارية لإنشاء استاد بورسعيد الجديد    الاتحاد الأوروبي يحيي الذكرى ال20 للتوسع شرقا مع استمرار حرب أوكرانيا    مقتل 6 أشخاص في هجوم على مسجد غربي أفغانستان    بالفيديو.. خالد الجندي: القرآن الكريم لا تنتهي عجائبه ولا أنواره الساطعات على القلب    دعاء ياسين: أحمد السقا ممثل محترف وطموحاتي في التمثيل لا حدود لها    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط    جامعة طنطا تُناقش أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    وفد سياحي ألماني يزور منطقة آثار بني حسن بالمنيا    هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الايزو 9001    مصرع طفل وإصابة آخر سقطا من أعلى شجرة التوت بالسنطة    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    «التنمية المحلية»: فتح باب التصالح في مخالفات البناء الثلاثاء المقبل    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    مجهولون يلقون حقيبة فئران داخل اعتصام دعم غزة بجامعة كاليفورنيا (فيديو)    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    «الداخلية»: تحرير 495 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة وسحب 1433 رخصة خلال 24 ساعة    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    عبدالجليل: سامسون لا يصلح للزمالك.. ووسام أبوعلي أثبت جدارته مع الأهلي    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أين تقف واشنطن من أطراف النزاع حول "سد النهضة"؟
نشر في صوت البلد يوم 24 - 07 - 2020

كشف ستة مسؤولين ومساعدين في الكونغرس الأميركي، على اطّلاع بمفاوضات سدّ النهضة الإثيوبي الكبير، التي تتوسّط فيها الولايات المتحدة منذ أواخر العام الماضي، عن أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تدرس حجب بعض المساعدات عن أديس أبابا، بشأن مشروع السد الذي تسبّب في توترات مع دولتَيْ المصبّ، مصر والسودان، وذلك بحسب مجلة فورين بوليسي.
يأتي هذا في الوقت الذي أعلنت إثيوبيا رسمياً هذا الأسبوع، إنجاز المرحلة الأولى من ملء خزان سدّ النهضة. وبحسب بيان صادر عن مكتبه، قال رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد إن الفيضان الحالي وحالة الجريان السطحي في المنطقة جعلت الظروف مؤاتية لملء السدّ. وفي ما يبدو احتفاء بإتمام المرحلة الأولية من الملء، غرّد وزير الخارجية الإثيوبي غيدو أندارغاشيو على حسابه في تويتر، قائلاً "سابقاً كان النيل يتدفّق، والآن أصبح بحيرة، منها ستحصل إثيوبيا على تنميتها المنشودة. في الحقيقة، النيل لنا".
السدّ الأكبر في أفريقيا، يمثّل نقطة إثارة للتوتّرات الجيوسياسية بين مصر والسودان وإثيوبيا، حيث تؤكد القاهرة عدم التفريط في حقوقها المائية ويتحدث كثيرون في العاصمة المصرية عن احتمالات استخدام القوة العسكرية كحقّ مشروع في حماية أمنها المائي، إذ يهدّد السدّ إمدادات المياه لمصر التي تعاني بالفعل شحّاً مائياً.
وشكّلت آلية تشغيل وملء سد النهضة، نقطة الخلاف الرئيسة بين الدول الثلاث، بسبب تأثيرها في تزويد المياه لدولتَيْ المصبّ. ففي حين تريد إثيوبيا ملء الخزان في غضون ثلاث إلى خمس سنوات، تطالب مصر بزيادة عددها إلى سبع أو عشر سنوات، ويشمل ذلك كمية المياه التي ستصل إلى دولَتَيْ المصبّ في فترات الجفاف عند تعارض حاجات توليد الكهرباء مع وصول كميات كافية من المياه إلى مصر والسودان، وكيفية حلّ أي خلافات مستقبلية.
إقدام أديس أبابا على ملء الخزان في مرحلته الأولى قبل التوصّل إلى اتفاق قانوني ملزم مع جيرانها في الشمال، يشكّل انتهاكاً لاتفاق إعلان المبادئ الذي وقّعته مع القاهرة والخرطوم، في 23 مارس (آذار) 2015، والذي يلزم الدول الأفريقية الثلاث التوصّل إلى اتفاق بشأن المبادئ التوجيهية لملء السدّ وتشغيله. وفي وقت سابق من هذا العام، توسّطت الولايات المتحدة، من خلال وزارة الخزانة، في محادثات شملت البنك الدولي، حول السد، مِمّا ساعد على دفع المحادثات إلى الأمام، غير أن إثيوبيا رفضت التوقيع على اتفاق نهائي في فبراير (شباط) الماضي.
اتهامات لواشنطن بالتحيّز
وأشارت أديس أبابا إلى أن الاتفاق سيلزمها تفريغ خزان السد إلى مستويات منخفضة بشكل غير مقبول في حالة حدوث فترة جفاف طويلة وأن الاتفاق كان مصمَّماً لإدامة الحصة غير المنصفة التي تطالب بها مصر في مياه النيل.وبحسب تقرير لمجموعة الأزمات الدولية، اتهمت إثيوبيا الولايات المتحدة بالانحياز بشكل كبير إلى مصر خلال مسار المحادثات وتجاوز دورها كمراقب. وفي وقت لاحق، نوّهت القاهرة وواشنطن، لأديس أبابا بأنها ستكون في حالة انتهاك لالتزاماتها القانونية الدولية إذا ضخّت أي مياه في خزان السدّ من دون التوصّل إلى اتفاق، فيما رفضت إثيوبيا هذا الادّعاء، مؤكدةً أن من حقها ملء سدّها بشكل أحادي.
لكن متحدث باسم وزارة الخزانة الأميركية قال إن الإدارة تعمل كوسيط محايد بين أطراف النزاع، مضيفاً "كان الهدف الوحيد لواشنطن، ولا يزال، هو مساعدة مصر وإثيوبيا والسودان في التوصل إلى اتفاقية عادلة بشأن ملء وتشغيل السدّ بطريقة تراعي مصالح البلدان الثلاثة".
وفي حديثه ل "اندبندنت عربية" قال السفير محمد حجازي، مساعد وزير الخارجية المصري السابق للشؤون الأفريقية، إن اتهامات أديس أبابا لواشنطن بالانحياز إلى مصر يمكن اعتبارها "تكتيكاً دبلوماسياً إثيوبياً" والمراقبون سيجدون أنها لجأت إليه في مواقف عدّة سابقة، فعلى سبيل المثال في مطلع التسعينيات أوفدت الأمم المتحدة، (من خلال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي) بعثة تقصّي حقائق لوضع أسس للتعاون الإقليمي، غير أن إثيوبيا رفضت وقتها تلك الخطوة بحجة انحياز الأمم المتحدة، وسبق ووجّهت الاتهام ذاته إلى البنك الدولي. وأضاف "إثيوبيا تستخدم هذا التكتيك أحياناً بهدف الهروب من الالتزامات الدولية".
حجب المساعدات
وطلبت وزارة الخزانة الأميركية هذا الشهر من وزارة الخارجية في واشنطن عرضاً موجزاً لجميع المساعدات الأميركية التي تم التعهّد بها لإثيوبيا، وهي خطوة تهدف إلى حجب بعض أو كل المساعدات غير الإنسانية كوسيلة ضغط إذا توقّفت المفاوضات الحالية التي يرعاها الاتحاد الأفريقي بين الدول الثلاث، وذلك بحسب ثلاثة مسؤولين تحدّثوا إلى المجلة الأميركية.
وليس من الواضح ما هي المساعدات التي ستُحجب، إذا نفّذت الإدارة الخطة قيد النظر. وقال مسؤولان إن إحدى النقاط قيد المناقشة هي مشاريع من مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأميركية (DFC) التي من شأنها تحفيز استثمارات تصل إلى 5 مليارات دولار. وبحسب متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، فإن الولايات المتحدة قدمت في العام المالي 2019 ما مجموعه 824.3 مليون دولار لمساعدة إثيوبيا، من بينها 497.3 مليون دولار مساعدات إنسانية. لكن المسؤولين شدّدوا على أنه لن يتم تعليق تمويل المساعدات الخاصة بالحاجات الإنسانية.
ضغوط داخلية وخارجية
وردّاً على ما إذا كانت الخطوة الأميركية جاءت متأخرة وسط انتقادات لإدارة ترمب بعدم القيام بِما يكفي لحلّ أزمة سدّ النهضة خلال الأشهر الماضية، قال السفير المصري إن وضع الإدارة الأميركية كان يبدو شائكاً بالنظر إلى الحملة الانتخابية للرئيس دونالد ترمب مع اقتراب الانتخابات في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فضلاً عن الضغوط الداخلية، لذا ربما لم تُعر القضية المساحة الكافية من الاهتمام.
وأضاف "للإدارة الأميركية فضل التوصّل إلى اتفاق مهم وقّعت عليه مصر بالأحرف الأولى في فبراير الماضي، وكان يمكن أن تمارس هذا الدور استناداً إلى هذه الوثيقة الرئيسة. فالولايات المتحدة تتّخذ قراراتها السيادية بالشكل الذي يدفع الأطراف إلى التوافق". وأشار إلى أن مسألة حجب المساعدات تتعلّق بالإجراءات التي يتوجب على المجتمع الدولي اتّخاذها ضمن تدابير عدّة لدفع إثيوبيا إلى التفاوض والامتناع عن التصرّف بطريقة أحادية والعمل على اتفاق قانوني ملزم.
مؤشرات إيجابية إثيوبية
وأعلنت أديس أبابا، الثلاثاء الماضي، عقب قمة أفريقية مصغّرة عُقدت افتراضياً برعاية الاتحاد الأفريقي لاستئناف المفاوضات حول السدّ، إن الدول الثلاث أحرزت تقدماً "مثمراً" بتوصّل جميع الأطراف إلى تفاهم مشترك رئيس يمهّد الطريق للاتفاق الشامل. واتفقت مصر وإثيوبيا والسودان على مزيد من المناقشات الفنية بشأن التعبئة لمواصلة العملية التي يقودها الاتحاد الأفريقي والمضي قدماً في اتفاق شامل.
ويرسل الإعلان إشارة إيجابية إلى بعض المسؤولين والمراقبين الأميركيين الذين يخشون من أنه إذا استمرت إثيوبيا في ملء الخزان خلف السد من دون اتفاق مع القاهرة والخرطوم، فقد تتحوّل التوترات الإقليمية إلى مواجهة عسكرية. وقال عددٌ من المسؤولين الأميركيين إن إدارة ترمب يمكن أن تمضي قدماً في خفض المساعدات لإثيوبيا إذا بلغت المفاوضات طريقاً مسدوداً آخر ولم يتمكّن الطرفان من التوصّل إلى اتفاق نهائي.
ويقول حجازي "لدينا انطباع من دعوة الرئاسة الجنوب أفريقية وقبول الأطراف العودة إلى طاولة التفاوض أن هناك مدخلاً جديداً وأرضيات مشتركة يمكن البناء عليها لحلّ المشكلة والتوصّل إلى اتفاق قانوني ملزم، يحكم علاقات الأطراف الثلاثة الشركاء في النيل الأزرق الذين يتقاسمون السيادة عليه وليس لأحدهم سيادة مطلقة على النهر".
ويشير إلى تردّد أقاويل بشأن التخلّي عن نقطتين كانتا تمثلان عقبة أمام التوصّل إلى اتفاق ملزم، إذ كانت إثيوبيا تخشى من أي اتفاق من شأنه أنيهدّد مشاريعها المستقبلية، فرُفعت هذه النقطة لأننا في صدد التوصّل إلى اتفاق يخصّ الملء والتشغيل فقط للسدّ، بينما المشاريع الأخرى، فستتم دراستها في حينها بالتعاون مع باقي الأطراف. والنقطة الأخرى، بحسب حجازي، كانت تتعلّق بتخلّي الجانب الإثيوبي عن إصراره توقيع مصر على اتفاق عنتيبي (اتفاق إطاري وقّع عليه عدد من دول حوض النيل في 2010في غياب مصر والسودان) الذي ترفضه القاهرة. ويضيف "اتفاق إعلان المبادئ معنيّ فقط بملء وتشغيل السدّ، بالتالي مع رفع ثقل هذه التحفظات، أصبح المجال متاحاً للتوصّل إلى اتفاق نهائي".
على الجانب الآخر، وصف مسؤولان في الإدارة الأميركية تحدثا إلى فورين بوليسي، إعلان الثلاثاء بأنه "مؤشر إلى أن المفاوضين وضعوا الأساس لاتفاق نهائي". وقال أحد المسؤولَيْن: "لقد ساعدت مشاركة إدارة ترمب مصر وإثيوبيا والسودان على إحراز تقدّم في المفاوضات خلال الأشهر التسعة الفائتة أكثر من السنوات التسع الماضية". وأضاف "إن العمل الكبير الذي قامت به القاهرة والخرطوم وأديس أبابا على مدى الأشهر التسعة يظهر أنه من الممكن التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن إذا كان هناك التزام بين الجميع لفعل ذلك".
كشف ستة مسؤولين ومساعدين في الكونغرس الأميركي، على اطّلاع بمفاوضات سدّ النهضة الإثيوبي الكبير، التي تتوسّط فيها الولايات المتحدة منذ أواخر العام الماضي، عن أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تدرس حجب بعض المساعدات عن أديس أبابا، بشأن مشروع السد الذي تسبّب في توترات مع دولتَيْ المصبّ، مصر والسودان، وذلك بحسب مجلة فورين بوليسي.
يأتي هذا في الوقت الذي أعلنت إثيوبيا رسمياً هذا الأسبوع، إنجاز المرحلة الأولى من ملء خزان سدّ النهضة. وبحسب بيان صادر عن مكتبه، قال رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد إن الفيضان الحالي وحالة الجريان السطحي في المنطقة جعلت الظروف مؤاتية لملء السدّ. وفي ما يبدو احتفاء بإتمام المرحلة الأولية من الملء، غرّد وزير الخارجية الإثيوبي غيدو أندارغاشيو على حسابه في تويتر، قائلاً "سابقاً كان النيل يتدفّق، والآن أصبح بحيرة، منها ستحصل إثيوبيا على تنميتها المنشودة. في الحقيقة، النيل لنا".
السدّ الأكبر في أفريقيا، يمثّل نقطة إثارة للتوتّرات الجيوسياسية بين مصر والسودان وإثيوبيا، حيث تؤكد القاهرة عدم التفريط في حقوقها المائية ويتحدث كثيرون في العاصمة المصرية عن احتمالات استخدام القوة العسكرية كحقّ مشروع في حماية أمنها المائي، إذ يهدّد السدّ إمدادات المياه لمصر التي تعاني بالفعل شحّاً مائياً.
وشكّلت آلية تشغيل وملء سد النهضة، نقطة الخلاف الرئيسة بين الدول الثلاث، بسبب تأثيرها في تزويد المياه لدولتَيْ المصبّ. ففي حين تريد إثيوبيا ملء الخزان في غضون ثلاث إلى خمس سنوات، تطالب مصر بزيادة عددها إلى سبع أو عشر سنوات، ويشمل ذلك كمية المياه التي ستصل إلى دولَتَيْ المصبّ في فترات الجفاف عند تعارض حاجات توليد الكهرباء مع وصول كميات كافية من المياه إلى مصر والسودان، وكيفية حلّ أي خلافات مستقبلية.
إقدام أديس أبابا على ملء الخزان في مرحلته الأولى قبل التوصّل إلى اتفاق قانوني ملزم مع جيرانها في الشمال، يشكّل انتهاكاً لاتفاق إعلان المبادئ الذي وقّعته مع القاهرة والخرطوم، في 23 مارس (آذار) 2015، والذي يلزم الدول الأفريقية الثلاث التوصّل إلى اتفاق بشأن المبادئ التوجيهية لملء السدّ وتشغيله. وفي وقت سابق من هذا العام، توسّطت الولايات المتحدة، من خلال وزارة الخزانة، في محادثات شملت البنك الدولي، حول السد، مِمّا ساعد على دفع المحادثات إلى الأمام، غير أن إثيوبيا رفضت التوقيع على اتفاق نهائي في فبراير (شباط) الماضي.
اتهامات لواشنطن بالتحيّز
وأشارت أديس أبابا إلى أن الاتفاق سيلزمها تفريغ خزان السد إلى مستويات منخفضة بشكل غير مقبول في حالة حدوث فترة جفاف طويلة وأن الاتفاق كان مصمَّماً لإدامة الحصة غير المنصفة التي تطالب بها مصر في مياه النيل.وبحسب تقرير لمجموعة الأزمات الدولية، اتهمت إثيوبيا الولايات المتحدة بالانحياز بشكل كبير إلى مصر خلال مسار المحادثات وتجاوز دورها كمراقب. وفي وقت لاحق، نوّهت القاهرة وواشنطن، لأديس أبابا بأنها ستكون في حالة انتهاك لالتزاماتها القانونية الدولية إذا ضخّت أي مياه في خزان السدّ من دون التوصّل إلى اتفاق، فيما رفضت إثيوبيا هذا الادّعاء، مؤكدةً أن من حقها ملء سدّها بشكل أحادي.
لكن متحدث باسم وزارة الخزانة الأميركية قال إن الإدارة تعمل كوسيط محايد بين أطراف النزاع، مضيفاً "كان الهدف الوحيد لواشنطن، ولا يزال، هو مساعدة مصر وإثيوبيا والسودان في التوصل إلى اتفاقية عادلة بشأن ملء وتشغيل السدّ بطريقة تراعي مصالح البلدان الثلاثة".
وفي حديثه ل "اندبندنت عربية" قال السفير محمد حجازي، مساعد وزير الخارجية المصري السابق للشؤون الأفريقية، إن اتهامات أديس أبابا لواشنطن بالانحياز إلى مصر يمكن اعتبارها "تكتيكاً دبلوماسياً إثيوبياً" والمراقبون سيجدون أنها لجأت إليه في مواقف عدّة سابقة، فعلى سبيل المثال في مطلع التسعينيات أوفدت الأمم المتحدة، (من خلال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي) بعثة تقصّي حقائق لوضع أسس للتعاون الإقليمي، غير أن إثيوبيا رفضت وقتها تلك الخطوة بحجة انحياز الأمم المتحدة، وسبق ووجّهت الاتهام ذاته إلى البنك الدولي. وأضاف "إثيوبيا تستخدم هذا التكتيك أحياناً بهدف الهروب من الالتزامات الدولية".
حجب المساعدات
وطلبت وزارة الخزانة الأميركية هذا الشهر من وزارة الخارجية في واشنطن عرضاً موجزاً لجميع المساعدات الأميركية التي تم التعهّد بها لإثيوبيا، وهي خطوة تهدف إلى حجب بعض أو كل المساعدات غير الإنسانية كوسيلة ضغط إذا توقّفت المفاوضات الحالية التي يرعاها الاتحاد الأفريقي بين الدول الثلاث، وذلك بحسب ثلاثة مسؤولين تحدّثوا إلى المجلة الأميركية.
وليس من الواضح ما هي المساعدات التي ستُحجب، إذا نفّذت الإدارة الخطة قيد النظر. وقال مسؤولان إن إحدى النقاط قيد المناقشة هي مشاريع من مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأميركية (DFC) التي من شأنها تحفيز استثمارات تصل إلى 5 مليارات دولار. وبحسب متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، فإن الولايات المتحدة قدمت في العام المالي 2019 ما مجموعه 824.3 مليون دولار لمساعدة إثيوبيا، من بينها 497.3 مليون دولار مساعدات إنسانية. لكن المسؤولين شدّدوا على أنه لن يتم تعليق تمويل المساعدات الخاصة بالحاجات الإنسانية.
ضغوط داخلية وخارجية
وردّاً على ما إذا كانت الخطوة الأميركية جاءت متأخرة وسط انتقادات لإدارة ترمب بعدم القيام بِما يكفي لحلّ أزمة سدّ النهضة خلال الأشهر الماضية، قال السفير المصري إن وضع الإدارة الأميركية كان يبدو شائكاً بالنظر إلى الحملة الانتخابية للرئيس دونالد ترمب مع اقتراب الانتخابات في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فضلاً عن الضغوط الداخلية، لذا ربما لم تُعر القضية المساحة الكافية من الاهتمام.
وأضاف "للإدارة الأميركية فضل التوصّل إلى اتفاق مهم وقّعت عليه مصر بالأحرف الأولى في فبراير الماضي، وكان يمكن أن تمارس هذا الدور استناداً إلى هذه الوثيقة الرئيسة. فالولايات المتحدة تتّخذ قراراتها السيادية بالشكل الذي يدفع الأطراف إلى التوافق". وأشار إلى أن مسألة حجب المساعدات تتعلّق بالإجراءات التي يتوجب على المجتمع الدولي اتّخاذها ضمن تدابير عدّة لدفع إثيوبيا إلى التفاوض والامتناع عن التصرّف بطريقة أحادية والعمل على اتفاق قانوني ملزم.
مؤشرات إيجابية إثيوبية
وأعلنت أديس أبابا، الثلاثاء الماضي، عقب قمة أفريقية مصغّرة عُقدت افتراضياً برعاية الاتحاد الأفريقي لاستئناف المفاوضات حول السدّ، إن الدول الثلاث أحرزت تقدماً "مثمراً" بتوصّل جميع الأطراف إلى تفاهم مشترك رئيس يمهّد الطريق للاتفاق الشامل. واتفقت مصر وإثيوبيا والسودان على مزيد من المناقشات الفنية بشأن التعبئة لمواصلة العملية التي يقودها الاتحاد الأفريقي والمضي قدماً في اتفاق شامل.
ويرسل الإعلان إشارة إيجابية إلى بعض المسؤولين والمراقبين الأميركيين الذين يخشون من أنه إذا استمرت إثيوبيا في ملء الخزان خلف السد من دون اتفاق مع القاهرة والخرطوم، فقد تتحوّل التوترات الإقليمية إلى مواجهة عسكرية. وقال عددٌ من المسؤولين الأميركيين إن إدارة ترمب يمكن أن تمضي قدماً في خفض المساعدات لإثيوبيا إذا بلغت المفاوضات طريقاً مسدوداً آخر ولم يتمكّن الطرفان من التوصّل إلى اتفاق نهائي.
ويقول حجازي "لدينا انطباع من دعوة الرئاسة الجنوب أفريقية وقبول الأطراف العودة إلى طاولة التفاوض أن هناك مدخلاً جديداً وأرضيات مشتركة يمكن البناء عليها لحلّ المشكلة والتوصّل إلى اتفاق قانوني ملزم، يحكم علاقات الأطراف الثلاثة الشركاء في النيل الأزرق الذين يتقاسمون السيادة عليه وليس لأحدهم سيادة مطلقة على النهر".
ويشير إلى تردّد أقاويل بشأن التخلّي عن نقطتين كانتا تمثلان عقبة أمام التوصّل إلى اتفاق ملزم، إذ كانت إثيوبيا تخشى من أي اتفاق من شأنه أنيهدّد مشاريعها المستقبلية، فرُفعت هذه النقطة لأننا في صدد التوصّل إلى اتفاق يخصّ الملء والتشغيل فقط للسدّ، بينما المشاريع الأخرى، فستتم دراستها في حينها بالتعاون مع باقي الأطراف. والنقطة الأخرى، بحسب حجازي، كانت تتعلّق بتخلّي الجانب الإثيوبي عن إصراره توقيع مصر على اتفاق عنتيبي (اتفاق إطاري وقّع عليه عدد من دول حوض النيل في 2010في غياب مصر والسودان) الذي ترفضه القاهرة. ويضيف "اتفاق إعلان المبادئ معنيّ فقط بملء وتشغيل السدّ، بالتالي مع رفع ثقل هذه التحفظات، أصبح المجال متاحاً للتوصّل إلى اتفاق نهائي".
على الجانب الآخر، وصف مسؤولان في الإدارة الأميركية تحدثا إلى فورين بوليسي، إعلان الثلاثاء بأنه "مؤشر إلى أن المفاوضين وضعوا الأساس لاتفاق نهائي". وقال أحد المسؤولَيْن: "لقد ساعدت مشاركة إدارة ترمب مصر وإثيوبيا والسودان على إحراز تقدّم في المفاوضات خلال الأشهر التسعة الفائتة أكثر من السنوات التسع الماضية". وأضاف "إن العمل الكبير الذي قامت به القاهرة والخرطوم وأديس أبابا على مدى الأشهر التسعة يظهر أنه من الممكن التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن إذا كان هناك التزام بين الجميع لفعل ذلك".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.