5 دول لن تشهد انتخابات مجلس الشيوخ.. سوريا والسودان وإسرائيل أبرزهم    محافظ القليوبية يتابع أعمال النظافة ورفع الإشغالات بالخصوص    الرئيس الإيراني يبدأ زيارة رسمية إلى باكستان السبت لتعزيز التعاون الثنائي    ملك المغرب يعطي تعليماته من أجل إرسال مساعدة إنسانية عاجلة لفائدة الشعب الفلسطيني    الرئاسة الفلسطينية: مصر لم تقصر في دعم شعبنا.. والرئيس السيسي لم يتوان لحظة عن أي موقف نطلبه    فرنسا تطالب بوقف أنشطة "مؤسسة غزة الإنسانية" بسبب "شبهات تمويل غير مشروع"    القوات الأوكرانية خسرت 7.5 آلاف عسكري في تشاسوف يار    البرلمان اللبناني يصادق على قانوني إصلاح المصارف واستقلالية القضاء    تقرير: مانشستر يونايتد مهتم بضم دوناروما حارس مرمى باريس سان جيرمان    عدي الدباغ معروض على الزمالك.. وإدارة الكرة تدرس الموقف    خالد الغندور يوجه رسالة بشأن زيزو ورمضان صبحي    راديو كتالونيا: ميسي سيجدد عقده مع إنتر ميامي حتى 2028    أبرزهم آرنولد.. ريال مدريد يعزز صفوفه بعدة صفقات جديدة في صيف 2025    مصر تتأهل لنهائي بطولة العالم لناشئي وناشئات الإسكواش بعد اكتساح إنجلترا    جنوب سيناء تكرم 107 متفوقين في التعليم والرياضة وتؤكد دعمها للنوابغ والمنح الجامعية    تحقيقات موسعة مع متهم طعن زوجته داخل محكمة الدخيلة بسبب قضية خلع والنيابة تطلب التحريات    محافظ القاهرة يقود حملة لرفع الإشغالات بميدان الإسماعيلية بمصر الجديدة    نيابة البحيرة تقرر عرض جثة طفلة توفيت فى عملية جراحية برشيد على الطب الشرعى    مراسل "الحياة اليوم": استمرار الاستعدادات الخاصة بحفل الهضبة عمرو دياب بالعلمين    مكتبة الإسكندرية تُطلق فعاليات مهرجان الصيف الدولي في دورته 22 الخميس المقبل    ضياء رشوان: تظاهرات "الحركة الإسلامية" بتل أبيب ضد مصر كشفت نواياهم    محسن جابر يشارك في فعاليات مهرجان جرش ال 39 ويشيد بحفاوة استقبال الوفد المصري    أسامة كمال عن المظاهرات ضد مصر فى تل أبيب: يُطلق عليهم "متآمر واهبل"    نائب محافظ سوهاج يُكرم حفظة القرآن من ذوي الهمم برحلات عمرة    أمين الفتوى يحذر من تخويف الأبناء ليقوموا الصلاة.. فيديو    ما كفارة عدم القدرة على الوفاء بالنذر؟ أمين الفتوى يجيب    القولون العصبي- إليك مهدئاته الطبيعية    جامعة أسيوط تطلق فعاليات اليوم العلمي الأول لوحدة طب المسنين وأمراض الشيخوخة    «بطولة عبدالقادر!».. حقيقة عقد صفقة تبادلية بين الأهلي وبيراميدز    النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بعدد من مدارس التعليم الفني ب الشرقية (الأماكن)    لتسهيل نقل الخبرات والمهارات بين العاملين.. جامعة بنها تفتتح فعاليات دورة إعداد المدربين    محقق الأهداف غير الرحيم.. تعرف على أكبر نقاط القوة والضعف ل برج الجدي    وزير العمل يُجري زيارة مفاجئة لمكتبي الضبعة والعلمين في مطروح (تفاصيل)    هيئة الدواء المصرية توقّع مذكرة تفاهم مع الوكالة الوطنية للمراقبة الصحية البرازيلية    قتل ابنه الصغير بمساعدة الكبير ومفاجآت في شهادة الأم والابنة.. تفاصيل أغرب حكم للجنايات المستأنفة ضد مزارع ونجله    الشيخ خالد الجندي: الحر الشديد فرصة لدخول الجنة (فيديو)    عالم بالأوقاف: الأب الذي يرفض الشرع ويُصر على قائمة المنقولات «آثم»    تمهيدا لدخولها الخدمة.. تعليمات بسرعة الانتهاء من مشروع محطة رفع صرف صحي الرغامة البلد في أسوان    ليستوعب 190 سيارة سيرفيس.. الانتهاء من إنشاء مجمع مواقف كوم أمبو في أسوان    تعاون مصري - سعودي لتطوير وتحديث مركز أبحاث الجهد الفائق «EHVRC»    كبدك في خطر- إهمال علاج هذا المرض يصيبه بالأورام    محافظ سوهاج يشهد تكريم أوائل الشهادات والحاصلين على المراكز الأولى عالميا    الوطنية للصلب تحصل على موافقة لإقامة مشروع لإنتاج البيليت بطاقة 1.5 مليون طن سنويا    وزير البترول يبحث مع "السويدى إليكتريك" مستجدات مجمع الصناعات الفوسفاتية بالعين السخنة    هشام يكن: انضمام محمد إسماعيل للزمالك إضافة قوية    ضبط طفل قاد سيارة ميكروباص بالشرقية    حملة «100 يوم صحة»: تقديم 23 مليونًا و504 آلاف خدمة طبية خلال 15 يوماً    انطلاق المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحي الشامل من محافظة مطروح    SN أوتوموتيف تطلق السيارة ڤويا Free الفاخرة الجديدة في مصر.. أسعار ومواصفات    خبير علاقات دولية: دعوات التظاهر ضد مصر فى تل أبيب "عبث سياسي" يضر بالقضية الفلسطينية    بدء الدورة ال17 من الملتقى الدولي للتعليم العالي"اديوجيت 2025" الأحد المقبل    يديعوت أحرونوت: نتنياهو وعد بن غفير بتهجير الفلسطينيين من غزة في حال عدم التوصل لصفقة مع الفصائل الفلسطينية    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل برنامج التصميم الداخلي الإيكولوجي ب "فنون تطبيقية" حلوان    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    طارق الشناوي: لطفي لبيب لم يكن مجرد ممثل موهوب بل إنسان وطني قاتل على الجبهة.. فيديو    أمانة الاتصال السياسي ب"المؤتمر" تتابع تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 31-7-2025    فوضى في العرض الخاص لفيلم "روكي الغلابة".. والمنظم يتجاهل الصحفيين ويختار المواقع حسب أهوائه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بأي حال ستعود السينما بعد وباء كورونا؟
نشر في صوت البلد يوم 23 - 04 - 2020

أُلغي العديد من المهرجانات السينمائية مع تفشّي وباء كورونا (كوفيد-١٩)، والزجّ بالعالم في الخوف والبارانويا واقفال صالات السينما وحظر التجمّعات وظهور سيناريوات "نهاية العالم" البهلوانية. بعضها الآخر اختار التريث والتأجيل. نوع ثالث واصل نشاطه افتراضياً، على شبكة الانترنت، لتلبية حاجاته ولملمة أوضاعه والخروج من المأزق بأقل خسائر ممكنة.
كنتُ وصلتُ إلى تسالونيك منذ ٢٤ ساعة، في مطلع آذار الماضي، آتياً من برلين، عندما تلقيتُ خبر تأجيل التظاهرة المخصصة للفيلم الوثائقي. مباشرةً بعد البرليناله الذي نفد بريشه ببراعة يُحسَد عليها، كرّت سبحة المهرجانات التي أصدرت بيانات، تراوحت قراراتها بين الحجب الكليّ وإعادة جدولة توقيت آخر، على أمل أن ينتهي الكابوس الفيروسي في أقرب وقت.
يومها، في مطلع آذار، لا أحد كان يتوقّع ان تتطور الأمور بهذا الشكل الدراماتيكي. مازحني زميلٌ لي، وأنا أستعد لمغادرة برلين، قائلاً اننا قد لا نلتقي في مهرجان البندقية هذا العام (كان انتشر للتو خبر الغاء آخر يومين من كرنفال البندقية)، فسخرتُ منه وأكملتُ وجهتي. اليوم، نسبة أن يُعقد مهرجان البندقية في موعده (٢-١٢ أيلول) لا تتجاوز الخمسين في المئة – هذا اذا تمسّكنا بالتفاؤل – خصوصاً بعدما كانت إيطاليا طوال الأسابيع الماضية، من أكثر البلدان الموبوءة.
عبثاً، يحاول الجميع إيجاد مخرج للأزمة التي تعصف بسائر القطاعات. خسائر كبيرة تتكبّدها المهرجانات التي اعتمدت خيار الالغاء. هي خسائر معنوية ومادية وفنية. من بين كلّ الخسائر، تبقى الكبرى هي خسائر كانّ، كونها لا تطال المهرجان نفسه فحسب، بل المنتفعين منه والمرتبطين به بشكل أو بآخر، نظراً لضخامة الحدث وأهمية الحضور فيه. غنيّ عن التذكير بأن حجب كانّ يعطل أيضاً أعمال الكثير من المهرجانات الأخرى التي تستزيد منه.
كانّ الذي يُفترض أن يُقام من ١٢ إلى ٢٣ أيار المقبل، أبلغ مثل للمؤسسة الثقافية التي تحاول فعل شيء ما لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه وانتشال الحياة الثقافية من تحت الركام الذي صنعه الوباء. تذكير: سبق أن أُلغي كانّ مرتين؛ في الدورة الافتتاحية عام ١٩٣٩، بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية ودخول الجيش الألماني إلى بولونيا، وفي دورة عام ١٩٦٨ بسبب ثورة أيار.
بعد فترة تلكؤ انحاز فيها المهرجان إلى إنكار خطورة الوضع، قررت الإدارة تأجيل الدورة ال٧٣ إلى نهاية حزيران وبداية تموز. لكن، لم تعد هذه الفرضية قائمة بعد القرار الصادر عن رئاسة الجمهورية الفرنسية مطلع الأسبوع الحالي، القاضي بتمديد فترة حظر المهرجانات حتى منتصف تموز، أعلن كانّ، في بيان ضبابي بعض الشيء يحفظ خط الرجعة، انه بات صعباً ان يُقام المهرجان هذا العام بشكله الأصلي. تبعه في اليوم التالي، خبر إلغاء نهائي لكلّ الأقسام الموازية، من "أسبوع النقّاد"و"أسبوعا المخرجين"، ف"أسيد". أما "سوق الفيلم"، فتم التأكيد انه سيُقام افتراضياً في أواخر حزيران
بحسب البيان نفسه، تمت استشارة عدد من المهنيين في فرنسا والخارج، لدراسة الحلول البديلة المتوافرة لمرافقة العام السينمائي بطريقة أو بأخرى. المهرجان الذي هو أداة دعم أساسية للصناعة السينمائية، يحاول في الأقل ان يوفّر للأفلام فرصة الانوجاد في حال غيابه، عبر اسناد صفة "كانّ ٢٠٢٠" إليها، وإن لم تُعرض في كنفه. هذه العلامة قد تساعد الأعمال التي أحبّها المهرجان واختارها، للترويج عن نفسها عند خروجها في الصالات.
المجتمع السينمائي الدولي، صنّاعاً ومهرجانات وعاملين في قطاع التوزيع والعرض ونقّاداً، في عزلة، بل في حيرة وارتباك وقلق. إلى متى يمكن الاستمرار بهذا الوضع قبل الانهيار الكامل للقطاع، ومعه اغراق الملايين في البطالة؟ لا أحد يعرف إلى الآن ما هو حجم الخسائر التي تترتب على السينما، فهي اقتصادية قبل أن تكون فنية. البعض بدأ منذ الآن في ابتكار أساليب عرض ومشاهدة وترويج، تكيفاً مع الوضع المستجد. هذه القنوات فرضت نفسها كحل مثالي لا وجود لغيرها في الوقت الحالي، خصوصاً مع ازدياد عدد الجالسين في بيوتهم وخلف شاشاتهم. فرأينا مثلاً كثراً من شركات الإنتاج والمؤسسات الثقافية والمهرجانات الدولية، أو حتى أفراداً، يقترحون أفلامهم على الجمهور، مجاناً، بهدف تسليتهم في عزلتهم المنزلية اليومية.
إذا كان تظاهرات سينمائية لجأت إلى خيار الحضور الافتراضي، مكرهةً لا مخيرةً، فمهرجانا كانّ والبندقية، استبعدا هذا الخيار. قال مفوض كانّ العام تييري فريمو ل"فرايتي" قبل نحو عشرة أيام إن هذا الموديل لن يجدي، نظراً لروحية كانّ وتاريخه وتأثيره. كانّ احتفالية، لا شيء يعوض الصفير في نهاية العروض، ورد الفعل الجماعي، وصعود السلالم. أضاف فريمو: "أفلام وَس أندرسون أو بول فرهوفن على شاشة كومبيوتر؟ ألم يتم تأجيل عرض هذه الأفلام لنراها على شاشة كبيرة؟ لماذا علينا أن نسبقها بعروض رقمية؟ السينمائيون مدفوعون بفكرة عرض أعمالهم على شاشة كبيرة ومشاركتها مع آخرين (…) لا أن تنتهي على آيفون"
إذا ما استندنا إلى تصريحات فريمو، فهو لا يزال، رغم البيان الضبابي الذي يعلن إلغاء كانّ في شكله الأصلي، يبحث عن سيناريوات أخرى تحيي المهرجان بطريقة ما. في مقابلة أخرى مع "فرايتي"، نُشرت في منتصف هذا الأسبوع، يقول إن الصناعة السينمائية مهددة، ويجب إعادة بنائها حرصاً على مصلحة الجميع لا على المهرجان نفسه فحسب، وإنه على كانّ الحضور في الخريف للمشاركة في ورشة إعادة بناء السينما. يكشف فريمو أنه توجد محادثات مع القائمين على مهرجان البندقية، لفعل "شيء ما"معاً، في الخريف المقبل، إذا تم إلغاء كانّ. بالرغم من أن هذا الطموح يصعب تصديقه، نظراً لصعوبة، لا بل استحالة تحقيقه وتجاوز المنافسة التي بين الحدثين، يبقى السؤال مشروعاً: كيف يمكن عقد شراكة كهذه؟ وفي أي مكان يمكن تنظيم مهرجان موحّد، إذا كان المقصود هو هذا؟ إذا ما استندنا إلى تصريحات فريمو، فهو لا يزال، رغم البيان الضبابي الذي يعلن إلغاء كانّ في شكله الأصلي، يبحث عن سيناريوات أخرى تحيي المهرجان بطريقة ما. في مقابلة أخرى مع "فرايتي"، نُشرت في منتصف هذا الأسبوع، يقول إن الصناعة السينمائية مهددة، ويجب إعادة بنائها حرصاً على مصلحة الجميع لا على المهرجان نفسه فحسب، وأنه على كانّ الحضور في الخريف للمشاركة في ورشة إعادة بناء السينما. يكشف فريمو أنه توجد محادثات مع القائمين على مهرجان البندقية، لفعل "شيء ما"معاً، في الخريف المقبل، إذا تم الغاء كانّ. بالرغم من أن هذا الطموح يصعب تصديقه، نظراً لصعوبة، لا بل استحالة تحقيقه وتجاوز المنافسة التي بين الحدثين، يبقى السؤال مشروعاً: كيف يمكن عقد شراكة كهذه؟ وفي أي مكان يمكن تنظيم مهرجان موحّد، إذا كان المقصود هو هذا؟
مع إغلاق الصالات، وتوقّف نشاط المهرجانات، تسارع الكثير من الجهات إلى استبدال الحياة الافتراضية بالحياة الحقيقية. منصّات العرض الإنترنتية بدأت تتكاثر وتتبلور وتنتشر بسرعة الضوء في ظلّ الضرورة إليها. ولكن، هناك مخاوف حقيقية تستولي على الجسم السينمائي من استمرار هذه الأزمة لوقت طويل. صحافيون عديدون باتوا يفتقرون لمواضيع يكتبون عنها، صالات سينما تواجه منافسة شرسة من منصّات عرض توفّر مشاهدة منزلية بكلفة أقل، قائمون على مهرجانات لا يملكون سوى الانتظار لمعرفة إذا كان كورونا مجرد غيمة سوداء ستمر، أو تشويشًا لن يكون بعده كما كان قبله.
تساؤلات كثيرة، بعضها مشروع وبعضها الآخر ينطوي على تهويل ورغبة في استباق الحوادث ومجاراة النمط الصحافي الذي يدغدغ المشاعر باستخدام العبارات الفضفاضة. ولكن، يبقى أن المشهد السينمائي أمام تهديد كبير لم يعرف مثله منذ سنوات. ذلك أن السينما هي في الأصل، قطاع بات هشّاً في السنوات الماضية. هل التحديات الجديدة التي ولدت في زمن كورونا ستفرض على المهنة اجراء تغييرات؟ ماذا اذا أصبحت الحلول المرحلية هي القاعدة في ما بعد؟ وماذا أيضاً إذ اضطر الجميع، التكيف مع الظروف الاقتصادية، لا العكس؟
فجأةً، يجد الفنّ السابع نفسه أمام لحظة مصيرية واستحقاقات جديدة، هي نتيجة تراكمات السنوات الأخيرة لا وليدة اللحظة: منذ اختراع السينما، في أواخر القرن التاسع عشر، لم يسبق أن توقّف هذا العدد من دور العرض حول العالم. حتى في أحلك ظروف الحرب، فتحت الصالات أبوابها واستقبلت المشاهدين وهي كانت أحياناً ملاذاً آمناً من شرور المتخاصمين في الخارج. اليوم، نراها تنطفئ، ولا يعرف أصحابها متى سيشع فيها النور، ليزحف إليها الناس مجدداً. ولا شيء يؤكد أيضاً أن الكثير من الصالات ستعود إلى سابق عهدها مع عودة الحياة إلى طبيعتها. الفيروس أعلن حرب استنزاف طويلة على معبد الصورة حيث اعتاد الناس التجمّع منذ أكثر من قرن. القاعات الصغيرة، التي تأكل من لحم كتفها لتستمر، ستقع حتماً تحت وطأة الأعباء المالية المتراكمة وتعلن إفلاسها، أما تلك التابعة لشركات كبيرة، فستعاني الكثير لالتقاط أنفاسها مرة جديدة.
الاقبال على صالات السينما، في العالم أجمع، ليس في تراجع دائم كما يروَّج أحياناً. أقله، هو ليس كذلك في البلدان المتقدّمة اقتصادياً، تلك التي تملك تقاليد مشاهدة عريقة تضرب جذورها في الأرض. في فرنسا مثلاً، حيث وُلدت السينما، ٢١٣ مليون بطاقة بيعت طوال عام ٢٠١٩، ما يشكّل ارتفاعاً في نسبة ٦ في المئة عن العام السابق. بعض الجهات تروّج لموت السينما في الصالات وتتلذذ بنظريات خاطئة لا قيمة لها على أرض الواقع. هذا الانقطاع… أو لنقل هذا التباعد الزمني والمكاني بين المشاهدين والصالات، قد يؤسس لحالة فتور تستمر وتمتد وتتبلور في الاتجاه الذي يريده البعض، لتنعكس في النهاية سلباً على العلاقة بين الجمهور والصالات. لم تعد المشكلة في الوباء، بل في توظيفاته. هكذا كانت الحال دائماً؛ تبدأ المشكلة في مكان، ثم تنتقل إلى مكان أشد خطورةً، كما هو وضعنا الآن عند انتقالنا من كفّ الصحّة إلى كفّ الاقتصاد. المؤكد أن حالة العزلة التي خلقتها المشاهدة المنزلية، سابقة في تاريخنا الحديث، وهي تضرب واحدة من "قيمنا": الحاجة الاجتماعية للتلاقي بين البشر، التي سمحت بوجودها الفنون البصرية، مثل السينما والمسرح والأوبرا والرقص.
لم يعد الخطر يتمثّل في أن يهاجر المشاهدون الصالات، بل في أن يتم افتعال كلّ الظروف وتهيئة الأرض لحثهم على ذلك لأسباب تتحكم بها القوى الرأسمالية التي صار كلّ شيء بين يديها، بما فيه صناعة الصورة وقنوات عرضها. الخطر الأكبر، في أن تتحوّل الصالات مع مر الزمن، من متن إلى حيز محصور بالهامشيين وحكر على الفضوليين وحدهم دون سواهم، بدلاً من أن تبقى فضاء رحباً للجمهور العريض الذي سيهاجر إلى منصّات العرض الرقمية. كلّ هذه الأخطار لا تواجَه بخطّة مدروسة. لا يفعل العاملون في السينما من الذين في الخطوط الأمامية، سوى صون وجودهم، بأنانية تامة، من دون التفكير بصورة أوسع، في دور الصالة في بناء المجتمعات.
بالمصادفة، رأيتُ أمس صورة محزنة: واجهة سينما "الأمير تشارلز" في لندن بعد اقفالها الموقت، وقد كُتب في أعلاها عبارة "سنعود". لا شك أن السينما ستعود، عندما يقرر الفيروس أنه أنجز ما يكفي من الخراب، ولكن بأيّ حال ستعود؟
أُلغي العديد من المهرجانات السينمائية مع تفشّي وباء كورونا (كوفيد-١٩)، والزجّ بالعالم في الخوف والبارانويا واقفال صالات السينما وحظر التجمّعات وظهور سيناريوات "نهاية العالم" البهلوانية. بعضها الآخر اختار التريث والتأجيل. نوع ثالث واصل نشاطه افتراضياً، على شبكة الانترنت، لتلبية حاجاته ولملمة أوضاعه والخروج من المأزق بأقل خسائر ممكنة.
كنتُ وصلتُ إلى تسالونيك منذ ٢٤ ساعة، في مطلع آذار الماضي، آتياً من برلين، عندما تلقيتُ خبر تأجيل التظاهرة المخصصة للفيلم الوثائقي. مباشرةً بعد البرليناله الذي نفد بريشه ببراعة يُحسَد عليها، كرّت سبحة المهرجانات التي أصدرت بيانات، تراوحت قراراتها بين الحجب الكليّ وإعادة جدولة توقيت آخر، على أمل أن ينتهي الكابوس الفيروسي في أقرب وقت.
يومها، في مطلع آذار، لا أحد كان يتوقّع ان تتطور الأمور بهذا الشكل الدراماتيكي. مازحني زميلٌ لي، وأنا أستعد لمغادرة برلين، قائلاً اننا قد لا نلتقي في مهرجان البندقية هذا العام (كان انتشر للتو خبر الغاء آخر يومين من كرنفال البندقية)، فسخرتُ منه وأكملتُ وجهتي. اليوم، نسبة أن يُعقد مهرجان البندقية في موعده (٢-١٢ أيلول) لا تتجاوز الخمسين في المئة – هذا اذا تمسّكنا بالتفاؤل – خصوصاً بعدما كانت إيطاليا طوال الأسابيع الماضية، من أكثر البلدان الموبوءة.
عبثاً، يحاول الجميع إيجاد مخرج للأزمة التي تعصف بسائر القطاعات. خسائر كبيرة تتكبّدها المهرجانات التي اعتمدت خيار الالغاء. هي خسائر معنوية ومادية وفنية. من بين كلّ الخسائر، تبقى الكبرى هي خسائر كانّ، كونها لا تطال المهرجان نفسه فحسب، بل المنتفعين منه والمرتبطين به بشكل أو بآخر، نظراً لضخامة الحدث وأهمية الحضور فيه. غنيّ عن التذكير بأن حجب كانّ يعطل أيضاً أعمال الكثير من المهرجانات الأخرى التي تستزيد منه.
كانّ الذي يُفترض أن يُقام من ١٢ إلى ٢٣ أيار المقبل، أبلغ مثل للمؤسسة الثقافية التي تحاول فعل شيء ما لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه وانتشال الحياة الثقافية من تحت الركام الذي صنعه الوباء. تذكير: سبق أن أُلغي كانّ مرتين؛ في الدورة الافتتاحية عام ١٩٣٩، بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية ودخول الجيش الألماني إلى بولونيا، وفي دورة عام ١٩٦٨ بسبب ثورة أيار.
بعد فترة تلكؤ انحاز فيها المهرجان إلى إنكار خطورة الوضع، قررت الإدارة تأجيل الدورة ال٧٣ إلى نهاية حزيران وبداية تموز. لكن، لم تعد هذه الفرضية قائمة بعد القرار الصادر عن رئاسة الجمهورية الفرنسية مطلع الأسبوع الحالي، القاضي بتمديد فترة حظر المهرجانات حتى منتصف تموز، أعلن كانّ، في بيان ضبابي بعض الشيء يحفظ خط الرجعة، انه بات صعباً ان يُقام المهرجان هذا العام بشكله الأصلي. تبعه في اليوم التالي، خبر إلغاء نهائي لكلّ الأقسام الموازية، من "أسبوع النقّاد"و"أسبوعا المخرجين"، ف"أسيد". أما "سوق الفيلم"، فتم التأكيد انه سيُقام افتراضياً في أواخر حزيران
بحسب البيان نفسه، تمت استشارة عدد من المهنيين في فرنسا والخارج، لدراسة الحلول البديلة المتوافرة لمرافقة العام السينمائي بطريقة أو بأخرى. المهرجان الذي هو أداة دعم أساسية للصناعة السينمائية، يحاول في الأقل ان يوفّر للأفلام فرصة الانوجاد في حال غيابه، عبر اسناد صفة "كانّ ٢٠٢٠" إليها، وإن لم تُعرض في كنفه. هذه العلامة قد تساعد الأعمال التي أحبّها المهرجان واختارها، للترويج عن نفسها عند خروجها في الصالات.
المجتمع السينمائي الدولي، صنّاعاً ومهرجانات وعاملين في قطاع التوزيع والعرض ونقّاداً، في عزلة، بل في حيرة وارتباك وقلق. إلى متى يمكن الاستمرار بهذا الوضع قبل الانهيار الكامل للقطاع، ومعه اغراق الملايين في البطالة؟ لا أحد يعرف إلى الآن ما هو حجم الخسائر التي تترتب على السينما، فهي اقتصادية قبل أن تكون فنية. البعض بدأ منذ الآن في ابتكار أساليب عرض ومشاهدة وترويج، تكيفاً مع الوضع المستجد. هذه القنوات فرضت نفسها كحل مثالي لا وجود لغيرها في الوقت الحالي، خصوصاً مع ازدياد عدد الجالسين في بيوتهم وخلف شاشاتهم. فرأينا مثلاً كثراً من شركات الإنتاج والمؤسسات الثقافية والمهرجانات الدولية، أو حتى أفراداً، يقترحون أفلامهم على الجمهور، مجاناً، بهدف تسليتهم في عزلتهم المنزلية اليومية.
إذا كان تظاهرات سينمائية لجأت إلى خيار الحضور الافتراضي، مكرهةً لا مخيرةً، فمهرجانا كانّ والبندقية، استبعدا هذا الخيار. قال مفوض كانّ العام تييري فريمو ل"فرايتي" قبل نحو عشرة أيام إن هذا الموديل لن يجدي، نظراً لروحية كانّ وتاريخه وتأثيره. كانّ احتفالية، لا شيء يعوض الصفير في نهاية العروض، ورد الفعل الجماعي، وصعود السلالم. أضاف فريمو: "أفلام وَس أندرسون أو بول فرهوفن على شاشة كومبيوتر؟ ألم يتم تأجيل عرض هذه الأفلام لنراها على شاشة كبيرة؟ لماذا علينا أن نسبقها بعروض رقمية؟ السينمائيون مدفوعون بفكرة عرض أعمالهم على شاشة كبيرة ومشاركتها مع آخرين (…) لا أن تنتهي على آيفون"
إذا ما استندنا إلى تصريحات فريمو، فهو لا يزال، رغم البيان الضبابي الذي يعلن إلغاء كانّ في شكله الأصلي، يبحث عن سيناريوات أخرى تحيي المهرجان بطريقة ما. في مقابلة أخرى مع "فرايتي"، نُشرت في منتصف هذا الأسبوع، يقول إن الصناعة السينمائية مهددة، ويجب إعادة بنائها حرصاً على مصلحة الجميع لا على المهرجان نفسه فحسب، وإنه على كانّ الحضور في الخريف للمشاركة في ورشة إعادة بناء السينما. يكشف فريمو أنه توجد محادثات مع القائمين على مهرجان البندقية، لفعل "شيء ما"معاً، في الخريف المقبل، إذا تم إلغاء كانّ. بالرغم من أن هذا الطموح يصعب تصديقه، نظراً لصعوبة، لا بل استحالة تحقيقه وتجاوز المنافسة التي بين الحدثين، يبقى السؤال مشروعاً: كيف يمكن عقد شراكة كهذه؟ وفي أي مكان يمكن تنظيم مهرجان موحّد، إذا كان المقصود هو هذا؟ إذا ما استندنا إلى تصريحات فريمو، فهو لا يزال، رغم البيان الضبابي الذي يعلن إلغاء كانّ في شكله الأصلي، يبحث عن سيناريوات أخرى تحيي المهرجان بطريقة ما. في مقابلة أخرى مع "فرايتي"، نُشرت في منتصف هذا الأسبوع، يقول إن الصناعة السينمائية مهددة، ويجب إعادة بنائها حرصاً على مصلحة الجميع لا على المهرجان نفسه فحسب، وأنه على كانّ الحضور في الخريف للمشاركة في ورشة إعادة بناء السينما. يكشف فريمو أنه توجد محادثات مع القائمين على مهرجان البندقية، لفعل "شيء ما"معاً، في الخريف المقبل، إذا تم الغاء كانّ. بالرغم من أن هذا الطموح يصعب تصديقه، نظراً لصعوبة، لا بل استحالة تحقيقه وتجاوز المنافسة التي بين الحدثين، يبقى السؤال مشروعاً: كيف يمكن عقد شراكة كهذه؟ وفي أي مكان يمكن تنظيم مهرجان موحّد، إذا كان المقصود هو هذا؟
مع إغلاق الصالات، وتوقّف نشاط المهرجانات، تسارع الكثير من الجهات إلى استبدال الحياة الافتراضية بالحياة الحقيقية. منصّات العرض الإنترنتية بدأت تتكاثر وتتبلور وتنتشر بسرعة الضوء في ظلّ الضرورة إليها. ولكن، هناك مخاوف حقيقية تستولي على الجسم السينمائي من استمرار هذه الأزمة لوقت طويل. صحافيون عديدون باتوا يفتقرون لمواضيع يكتبون عنها، صالات سينما تواجه منافسة شرسة من منصّات عرض توفّر مشاهدة منزلية بكلفة أقل، قائمون على مهرجانات لا يملكون سوى الانتظار لمعرفة إذا كان كورونا مجرد غيمة سوداء ستمر، أو تشويشًا لن يكون بعده كما كان قبله.
تساؤلات كثيرة، بعضها مشروع وبعضها الآخر ينطوي على تهويل ورغبة في استباق الحوادث ومجاراة النمط الصحافي الذي يدغدغ المشاعر باستخدام العبارات الفضفاضة. ولكن، يبقى أن المشهد السينمائي أمام تهديد كبير لم يعرف مثله منذ سنوات. ذلك أن السينما هي في الأصل، قطاع بات هشّاً في السنوات الماضية. هل التحديات الجديدة التي ولدت في زمن كورونا ستفرض على المهنة اجراء تغييرات؟ ماذا اذا أصبحت الحلول المرحلية هي القاعدة في ما بعد؟ وماذا أيضاً إذ اضطر الجميع، التكيف مع الظروف الاقتصادية، لا العكس؟
فجأةً، يجد الفنّ السابع نفسه أمام لحظة مصيرية واستحقاقات جديدة، هي نتيجة تراكمات السنوات الأخيرة لا وليدة اللحظة: منذ اختراع السينما، في أواخر القرن التاسع عشر، لم يسبق أن توقّف هذا العدد من دور العرض حول العالم. حتى في أحلك ظروف الحرب، فتحت الصالات أبوابها واستقبلت المشاهدين وهي كانت أحياناً ملاذاً آمناً من شرور المتخاصمين في الخارج. اليوم، نراها تنطفئ، ولا يعرف أصحابها متى سيشع فيها النور، ليزحف إليها الناس مجدداً. ولا شيء يؤكد أيضاً أن الكثير من الصالات ستعود إلى سابق عهدها مع عودة الحياة إلى طبيعتها. الفيروس أعلن حرب استنزاف طويلة على معبد الصورة حيث اعتاد الناس التجمّع منذ أكثر من قرن. القاعات الصغيرة، التي تأكل من لحم كتفها لتستمر، ستقع حتماً تحت وطأة الأعباء المالية المتراكمة وتعلن إفلاسها، أما تلك التابعة لشركات كبيرة، فستعاني الكثير لالتقاط أنفاسها مرة جديدة.
الاقبال على صالات السينما، في العالم أجمع، ليس في تراجع دائم كما يروَّج أحياناً. أقله، هو ليس كذلك في البلدان المتقدّمة اقتصادياً، تلك التي تملك تقاليد مشاهدة عريقة تضرب جذورها في الأرض. في فرنسا مثلاً، حيث وُلدت السينما، ٢١٣ مليون بطاقة بيعت طوال عام ٢٠١٩، ما يشكّل ارتفاعاً في نسبة ٦ في المئة عن العام السابق. بعض الجهات تروّج لموت السينما في الصالات وتتلذذ بنظريات خاطئة لا قيمة لها على أرض الواقع. هذا الانقطاع… أو لنقل هذا التباعد الزمني والمكاني بين المشاهدين والصالات، قد يؤسس لحالة فتور تستمر وتمتد وتتبلور في الاتجاه الذي يريده البعض، لتنعكس في النهاية سلباً على العلاقة بين الجمهور والصالات. لم تعد المشكلة في الوباء، بل في توظيفاته. هكذا كانت الحال دائماً؛ تبدأ المشكلة في مكان، ثم تنتقل إلى مكان أشد خطورةً، كما هو وضعنا الآن عند انتقالنا من كفّ الصحّة إلى كفّ الاقتصاد. المؤكد أن حالة العزلة التي خلقتها المشاهدة المنزلية، سابقة في تاريخنا الحديث، وهي تضرب واحدة من "قيمنا": الحاجة الاجتماعية للتلاقي بين البشر، التي سمحت بوجودها الفنون البصرية، مثل السينما والمسرح والأوبرا والرقص.
لم يعد الخطر يتمثّل في أن يهاجر المشاهدون الصالات، بل في أن يتم افتعال كلّ الظروف وتهيئة الأرض لحثهم على ذلك لأسباب تتحكم بها القوى الرأسمالية التي صار كلّ شيء بين يديها، بما فيه صناعة الصورة وقنوات عرضها. الخطر الأكبر، في أن تتحوّل الصالات مع مر الزمن، من متن إلى حيز محصور بالهامشيين وحكر على الفضوليين وحدهم دون سواهم، بدلاً من أن تبقى فضاء رحباً للجمهور العريض الذي سيهاجر إلى منصّات العرض الرقمية. كلّ هذه الأخطار لا تواجَه بخطّة مدروسة. لا يفعل العاملون في السينما من الذين في الخطوط الأمامية، سوى صون وجودهم، بأنانية تامة، من دون التفكير بصورة أوسع، في دور الصالة في بناء المجتمعات.
بالمصادفة، رأيتُ أمس صورة محزنة: واجهة سينما "الأمير تشارلز" في لندن بعد اقفالها الموقت، وقد كُتب في أعلاها عبارة "سنعود". لا شك أن السينما ستعود، عندما يقرر الفيروس أنه أنجز ما يكفي من الخراب، ولكن بأيّ حال ستعود؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.