منذ ست سنوات انتابت رواد مواقع التواصل الاجتماعي حالة من الحزن على رحيل بطلهم وأطلقوا حفل لتأبينه خلال صفحات فيسبوك ، ورددوا أشهر مقولاته وداعين له بالرحمة والمغفرة، لم يكن الفقيد سوى شخصية خيالية تُدعى رفعت إسماعيل ابتكرها أحمد خالد توفيق منذ أكثر من عقدين ليكون بطلًا لسلسة "ما وراء الطبيعة"، فتوحّد معها الشباب وأحبّوها رغم أنها لا تحمل سمات البطولة التي اعتادوها، بل على النقيض فرفعت إسماعيل "عجوز عصبي، أصلع كحوض لأسماك الزينة، نحيل كالقلم الرصاص، معتل الصحة كمستعمرة درن كاملة، يدخن كبرلين حين دخلها الحلفاء". بعدها بعامين، تحديدًا في مثل هذا اليوم، رحل عن عالمنا مبتكر الشخصية أحمد خالد توفيق إثر أزمة قلبية، عن عمر 55 عامًا، ربما كانت تلك الميتة متوقعة بالنسبة له إذ أصيب قبلها بنوبتين قلبيتين، أحسن خلالهما بدنو أجله، إلا أن الخبر كان صادمًا بالنسبة لمحبّيه، هؤلاء الذين سرعان ما هرع بعضهم إلى طنطا ليشيّعوا جثمانه إلى مثواه الأخير بمسقط رأسه، وظل جمهوره من الشباب يتوافدون على قبره في الأيام التالية تاركين على قبره رسائل الرثاء والتعازي، حتى أن المكان حول القبر أصبح أشبه بلوحة فنية تحمل رسائل محبّيه، تعبيرًا منهم عن التأثير الذي تركه فيهم. لم تكن علاقة هؤلاء الشباب بأبيهم الروحي، كما يلقّبونه، مجرد علاقة قراء بكاتبهم المفضل، بل أعمق، ربما لأنه استهدفهم بكتاباته في المقام الأول، ولم يتعامل معهم باستعلاء كغيره من الكتاب ممّن هم في سنه ويحملون خبراته، بل كان يردّد دائمًا أنه يكتب لهم، وطالما دافع عنهم واستنكر تحامل وسائل الإعلام عليهم، مؤكدًا أنهم "ليسوا مجموعة من الملائكة، لكنهم ليسوا شياطين"، فلا عَجب إذن في لوحة " جعل الشباب يقرؤون" التي زيّن بها الشباب قبره. بدأ نجم العرّاب يلمع مع انطلاق سلسلة "ما وراء الطبيعة"، روايات الرعب المصرية الأشهر، التي نُشرت في التسعينيات، وكلون دخيل من الأدب كان من الطبيعي أن تلاقي نقدًا سلبيًّا في البداية، إلا أنها أثبتت تميزها واستقطبت قراء كثيرون، فكانت أول خطوة حقيقية في طريق أدب الرعب المصري بل والعربي، حيث بدأ القارئ المصري والعربي لأول مرة يتعرف على عالم جديد أبطاله مصاصو الدماء وآكلو لحوم البشر و المستذئبون وغيرهم من أساطير الرعب العالمية، ثم استكمل مسيرته في أدب الرعب فكتب " الآن نفتح الصندوق" و"الهول" و"حظك اليوم" التي اقتُبس منها فيما بعد مسلسل "زودياك"، وغيرها من الروايات والقصص القصيرة في أدب الرعب. ولم تكن ما وراء الطبيعة رصيده الوحيد من السلاسل، إذ صدر له خمس سلاسل أخرى، أشهرها "سفاري" التي استفاد فيها من خبرته في مجال الطب، و"فانتازيا" التي أفرد لها بطولة نسائية فكانت بطلتها عبير من طراز رفعت إسماعيل "شخصية عادية إلى حد غير مسبوق". وأكثر ما يميّز أسلوب الكاتب روحه الساخرة، التي تجلّت في كتاباته وجعلت تعبيراته الطريفة عالقة بأذهان القراء، حتى أنها طالته هو نفسه، عندما خصّص عددًا من من سلسلة فانتازيا أسماه "ما أمام الطبيعة" ليسخر فيه من "ما وراء الطببيعة" وكاتبها، إذ كان يرى أن الكاتب الساخر يجب أن يملك القدرة على السخرية من نفسه أولاً، وانعكس أسلوبه الساخر أيضًا على مقالاته السياسية والاجتماعية،حيث كتب في عدة صحف ومجلات ومواقع، وصدر له عدة كتب تجمع مقالاته، مثل "شاي بالنعناع" و"أفلام الحافظة الزرقاء"، و"شربة الحاج داوود". وكانت بساطة أسلوبه من الأسباب التي جعتله خيار الشباب الأول، حيث أعطى أولويته للفكرة والمضمون لا اللغة فتخلى عن الفصحى الرصينة والتزم الأسلوب السهل الجزل، ربما هذا ما أغرى البعض بمهاجمته وتسطيح أعماله، إلا أنه أثقل مشواره الأدبي بأعمال أعمق مثل روايته الاجتماعية "يوتوبيا" الصادرة عام 2008، والتي تدور أحداثها في المستقبل، حيث تنقسم مصر إلى مجتمعين منعزلين أحدهما غارق في الثراء الفاحش والآخر غارق في الفقر المدقع، وقال البعض أنه تنبأ فيها بالعاصمة الإدارية، وكذلك " في ممر الفئران" التي تحتوي إسقاطًا على ديكتاتورية السلطة الغاشمة، وأيضًا رواية "السنجة" التي ارتبطت بثورة يناير وتطرق فيها إلى عالم البلطجية والعشوائيات، كما خاض في عالم المستقبل والخيال بروايته "مثل إيكاروس"، الفائزة بجائزة أفضل رواية بمعرض الشارقة للكتاب 2016، فضلًا عن ترجمته العديد من روايات الأدب العالمي مثل "نادي القتال" و"عداء الطائرة الورقية". ولم يكن أحمد خالد توفيق يخفي مواقفه السياسية، إلا أنه قبل ثورة يناير لم يكن يعارض إلا على استحياء، فكلما كان بصدد معارضة النظام في صحيفة الدستور، المحسوبة على المعارضة وقتها، سارع بقول "لن أتحدث أكثر من ذلك لأن بلاط السجن بارد جدًّا في هذا الوقت من العام، كما تعلمون"، في إشارة إلى تعسّف النظام. لكن عندما قامت الثورة أعلن موقفه المؤيد لها مبديًا استياءه لعجزه عن المشاركة نظرًا لمرضه، ولم يتحرّج من تغيير مواقفه إذا ثبت له عدم صحتها، حيث أيّد حمدين صباحي ثم عدل عن رأيه وانتقده، وكذلك بالرغم من رفضه الصريح لاعتصام رابعة أعلن عن اعتراضه عن الفض، عندما عاد بعدها بثلاثة سنوات ليعتذر عن كتابة مقاله "حدادًا على ضحايا المجزرة". وُلد أحمد خالد توفيق في 10 يونيو 1962 بمدينة طنطا في محافظة الغربية، وتخرّج في كلية الطب في جامعة طنطا عام 1985 وحصل على الدكتوراة في طب المناطق الحارة عام 1997، ثم التحق كعضو هيئة التدريس واستشاري قسم أمراض الباطنة المتوطنة في طب طنطا، واستمر في ممارسة مهنته بجانب نشاطه الأدبي الذي اتّسم بالغزارة. منذ ست سنوات انتابت رواد مواقع التواصل الاجتماعي حالة من الحزن على رحيل بطلهم وأطلقوا حفل لتأبينه خلال صفحات فيسبوك ، ورددوا أشهر مقولاته وداعين له بالرحمة والمغفرة، لم يكن الفقيد سوى شخصية خيالية تُدعى رفعت إسماعيل ابتكرها أحمد خالد توفيق منذ أكثر من عقدين ليكون بطلًا لسلسة "ما وراء الطبيعة"، فتوحّد معها الشباب وأحبّوها رغم أنها لا تحمل سمات البطولة التي اعتادوها، بل على النقيض فرفعت إسماعيل "عجوز عصبي، أصلع كحوض لأسماك الزينة، نحيل كالقلم الرصاص، معتل الصحة كمستعمرة درن كاملة، يدخن كبرلين حين دخلها الحلفاء". بعدها بعامين، تحديدًا في مثل هذا اليوم، رحل عن عالمنا مبتكر الشخصية أحمد خالد توفيق إثر أزمة قلبية، عن عمر 55 عامًا، ربما كانت تلك الميتة متوقعة بالنسبة له إذ أصيب قبلها بنوبتين قلبيتين، أحسن خلالهما بدنو أجله، إلا أن الخبر كان صادمًا بالنسبة لمحبّيه، هؤلاء الذين سرعان ما هرع بعضهم إلى طنطا ليشيّعوا جثمانه إلى مثواه الأخير بمسقط رأسه، وظل جمهوره من الشباب يتوافدون على قبره في الأيام التالية تاركين على قبره رسائل الرثاء والتعازي، حتى أن المكان حول القبر أصبح أشبه بلوحة فنية تحمل رسائل محبّيه، تعبيرًا منهم عن التأثير الذي تركه فيهم. لم تكن علاقة هؤلاء الشباب بأبيهم الروحي، كما يلقّبونه، مجرد علاقة قراء بكاتبهم المفضل، بل أعمق، ربما لأنه استهدفهم بكتاباته في المقام الأول، ولم يتعامل معهم باستعلاء كغيره من الكتاب ممّن هم في سنه ويحملون خبراته، بل كان يردّد دائمًا أنه يكتب لهم، وطالما دافع عنهم واستنكر تحامل وسائل الإعلام عليهم، مؤكدًا أنهم "ليسوا مجموعة من الملائكة، لكنهم ليسوا شياطين"، فلا عَجب إذن في لوحة " جعل الشباب يقرؤون" التي زيّن بها الشباب قبره. بدأ نجم العرّاب يلمع مع انطلاق سلسلة "ما وراء الطبيعة"، روايات الرعب المصرية الأشهر، التي نُشرت في التسعينيات، وكلون دخيل من الأدب كان من الطبيعي أن تلاقي نقدًا سلبيًّا في البداية، إلا أنها أثبتت تميزها واستقطبت قراء كثيرون، فكانت أول خطوة حقيقية في طريق أدب الرعب المصري بل والعربي، حيث بدأ القارئ المصري والعربي لأول مرة يتعرف على عالم جديد أبطاله مصاصو الدماء وآكلو لحوم البشر و المستذئبون وغيرهم من أساطير الرعب العالمية، ثم استكمل مسيرته في أدب الرعب فكتب " الآن نفتح الصندوق" و"الهول" و"حظك اليوم" التي اقتُبس منها فيما بعد مسلسل "زودياك"، وغيرها من الروايات والقصص القصيرة في أدب الرعب. ولم تكن ما وراء الطبيعة رصيده الوحيد من السلاسل، إذ صدر له خمس سلاسل أخرى، أشهرها "سفاري" التي استفاد فيها من خبرته في مجال الطب، و"فانتازيا" التي أفرد لها بطولة نسائية فكانت بطلتها عبير من طراز رفعت إسماعيل "شخصية عادية إلى حد غير مسبوق". وأكثر ما يميّز أسلوب الكاتب روحه الساخرة، التي تجلّت في كتاباته وجعلت تعبيراته الطريفة عالقة بأذهان القراء، حتى أنها طالته هو نفسه، عندما خصّص عددًا من من سلسلة فانتازيا أسماه "ما أمام الطبيعة" ليسخر فيه من "ما وراء الطببيعة" وكاتبها، إذ كان يرى أن الكاتب الساخر يجب أن يملك القدرة على السخرية من نفسه أولاً، وانعكس أسلوبه الساخر أيضًا على مقالاته السياسية والاجتماعية،حيث كتب في عدة صحف ومجلات ومواقع، وصدر له عدة كتب تجمع مقالاته، مثل "شاي بالنعناع" و"أفلام الحافظة الزرقاء"، و"شربة الحاج داوود". وكانت بساطة أسلوبه من الأسباب التي جعتله خيار الشباب الأول، حيث أعطى أولويته للفكرة والمضمون لا اللغة فتخلى عن الفصحى الرصينة والتزم الأسلوب السهل الجزل، ربما هذا ما أغرى البعض بمهاجمته وتسطيح أعماله، إلا أنه أثقل مشواره الأدبي بأعمال أعمق مثل روايته الاجتماعية "يوتوبيا" الصادرة عام 2008، والتي تدور أحداثها في المستقبل، حيث تنقسم مصر إلى مجتمعين منعزلين أحدهما غارق في الثراء الفاحش والآخر غارق في الفقر المدقع، وقال البعض أنه تنبأ فيها بالعاصمة الإدارية، وكذلك " في ممر الفئران" التي تحتوي إسقاطًا على ديكتاتورية السلطة الغاشمة، وأيضًا رواية "السنجة" التي ارتبطت بثورة يناير وتطرق فيها إلى عالم البلطجية والعشوائيات، كما خاض في عالم المستقبل والخيال بروايته "مثل إيكاروس"، الفائزة بجائزة أفضل رواية بمعرض الشارقة للكتاب 2016، فضلًا عن ترجمته العديد من روايات الأدب العالمي مثل "نادي القتال" و"عداء الطائرة الورقية". ولم يكن أحمد خالد توفيق يخفي مواقفه السياسية، إلا أنه قبل ثورة يناير لم يكن يعارض إلا على استحياء، فكلما كان بصدد معارضة النظام في صحيفة الدستور، المحسوبة على المعارضة وقتها، سارع بقول "لن أتحدث أكثر من ذلك لأن بلاط السجن بارد جدًّا في هذا الوقت من العام، كما تعلمون"، في إشارة إلى تعسّف النظام. لكن عندما قامت الثورة أعلن موقفه المؤيد لها مبديًا استياءه لعجزه عن المشاركة نظرًا لمرضه، ولم يتحرّج من تغيير مواقفه إذا ثبت له عدم صحتها، حيث أيّد حمدين صباحي ثم عدل عن رأيه وانتقده، وكذلك بالرغم من رفضه الصريح لاعتصام رابعة أعلن عن اعتراضه عن الفض، عندما عاد بعدها بثلاثة سنوات ليعتذر عن كتابة مقاله "حدادًا على ضحايا المجزرة". وُلد أحمد خالد توفيق في 10 يونيو 1962 بمدينة طنطا في محافظة الغربية، وتخرّج في كلية الطب في جامعة طنطا عام 1985 وحصل على الدكتوراة في طب المناطق الحارة عام 1997، ثم التحق كعضو هيئة التدريس واستشاري قسم أمراض الباطنة المتوطنة في طب طنطا، واستمر في ممارسة مهنته بجانب نشاطه الأدبي الذي اتّسم بالغزارة.