جامعة سيناء تعلن فتح باب القبول لطلاب الثانوية العامة وما يعادلها بفرعي القنطرة والعريش    الأكاديمية العسكرية تحتفل بتخرج الدورة التدريبية الرابعة لأعضاء هيئة الرقابة الإدارية    امتحانات الثانوية العامة.. الصحة تعتمد خطة تأمين أكثر من 800 ألف طالب    الرقابة النووية: لا مؤشرات على أي تغير أو زيادة في الخلفية الإشعاعية داخل مصر    توريد 225 ألف طن قمح للشون والصوامع بكفر الشيخ    1.2 مليار دولار حصيلة بيع وشراء الدولار «الإنتربنك» بين البنوك المصرية خلال 3 أيام    إزالة حالة بناء مخالفة في المهد بشارع الشيخ مبارك شمال مدينة الأقصر    تعاون بين «إيتيدا» وجامعة العريش لبناء القدرات الرقمية لأبناء شمال سيناء    نتنياهو يعقد اجتماعا سريا للكابينيت في ملجأ تحت الأرض    إعلام عبرى: توقعات إسرائيلية بهجوم إيرانى على تل أبيب خلال ساعات    الهلال السعودي يواصل محاولاته لضم أوسيمين وسط منافسة أوروبية معقدة    بريطانيا تنفي تقديم الدعم لإسرائيل في الهجوم على إيران    بوجبا يقترب من الانضمام إلى الدوري الفرنسي    تأجيل محاكمة 3 متهمين في حادث وفاة لاعب الكاراتيه بالإسكندرية ل28 يونيو للنطق بالحكم    من اليوتيوب إلى التلفزيون.. صناع المحتوى "الأهلاوية" يخطفون الأنظار قبل مونديال الأندية    كأس العالم للأندية.. باريس الباحث عن موسم استثنائي يتحدى طموحات أتلتيكو    الزمالك يفكر في استعادة مهاجمه السابق    لتفقد المنشآت الرياضية.. وزير الشباب يزور جامعة الإسكندرية- صور    إخماد حريق التهم أشجار داخل منطقة بيانكي العجمي في الإسكندرية    رعاية استثنائية وتنظيم مشرف.. رسائل شكر لحجاج بعثة العلاقات الإنسانية    الليلة.. عرض الحلقة الأولى من مسلسل فات الميعاد على قناة dmc    إيرادات الجمعة.. "المشروع X" يحافظ على الصدارة و"سيكو سيكو" الأخير    ب"فستان جريء".. أحدث ظهور ل ميرنا جميل والجمهور يغازلها (صور)    رئيس الوزراء يتفقد مركز تنمية الأسرة والطفل بزاوية صقر    طيبة ووحيدة.. 4 أبراج طيبة جدا لكن ليس لديهم أصدقاء    «الصحة» تُصدر تحذيرات وقائية تزامنًا مع ارتفاع درجات الحرارة واقتراب فصل الصيف    محافظ كفر الشيخ يُدشن حملة «من بدري أمان» للكشف المبكر عن الأورام    لطلاب الثانوية العامة.. نصائح لتعزيز القدرة على المذاكرة دون إرهاق    تخفيف عقوبة السجن المشدد ل متهم بالشروع في القتل ب المنيا    جامعة جنوب الوادي تشارك في الملتقى العلمي الثاني لوحدة البرامج المهنية بأسيوط    والد طفلة البحيرة: استجابة رئيس الوزراء لعلاج ابنتى أعادت لنا الحياة    إزالة 60 حالة تعد على مساحة 37 ألف م2 وتنظيم حملة لإزالة الإشغالات بأسوان    إعلام عبرى: نقل طائرة رئيس الوزراء الإسرائيلى إلى أثينا مع بدء هجوم إيران    بعد توصية ميدو.. أزمة في الزمالك بسبب طارق حامد (خاص)    فايز فرحات: مفاوضات إيران وإسرائيل تواجه أزمة والمواجهة أنهت "حروب الوكالة"    خبير اقتصادي: الدولة المصرية تتعامل بمرونة واستباقية مع أي تطورات جيوسياسية    «التعليم العالي» تنظم حفل تخرج للوافدين من المركز الثقافي المصري لتعليم اللغة العربية    السجن المؤبد ل5 متهمين بقضية داعش سوهاج وإدراجهم بقوائم الإرهاب    فضل صيام أول أيام العام الهجري الجديد    أهم أخبار الكويت اليوم السبت 14 يونيو 2025    ثقافة الإسماعيلية تنفذ أنشطة متنوعة لتعزيز الوعي البيئي وتنمية مهارات النشء    غدا.. بدء التقديم "لمسابقة الأزهر للسنة النبوية"    غدا .. انطلاق فعاليات مؤتمر التمويل التنموي لتمكين القطاع الخاص    "القومي للأشخاص ذوي الإعاقة" ومؤسسة "شجرة التوت" يطلقان فعاليات منصة "القدرة على الفن - Artability HUB"    مصرع شاب سقط من الطابق الرابع بكرداسة    باستخدام المنظار.. استئصال جذري لكلى مريض مصاب بورم خبيث في مستشفى المبرة بالمحلة    إجرام واستعلاء.. حزب النور يستنكر الهجمات الإسرائيلية على إيران    تأجيل محاكمة " أنوسة كوتة" فى قضية سيرك طنطا إلى جلسة يوم 21 من الشهر الحالي    إيران تؤكد وقوع أضرار في موقع فوردو النووي    طلب إحاطة يحذر من غش مواد البناء: تهديد لحياة المواطنين والمنشآت    " وزير الطاقة الأميركي " يراقب أي تطورات محتملة للتوترات علي إمدادات النفط العالمية    وكيل تعليم الإسماعيلية يجتمع برؤساء لجان الثانوية العامة    الطبيب الألماني يخطر أحمد حمدي بهذا الأمر    إحالة عامل بتهمة هتك عرض 3 أطفال بمدينة نصر للجنايات    الصحة: قافلة متخصصة في جراحات الجهاز الهضمي للأطفال ب«طنطا العام» بمشاركة الخبير العالمي الدكتور كريم أبوالمجد    حجاج مصر يودّعون النبي بقلوب عامرة بالدعاء.. سلامات على الحبيب ودموع أمام الروضة.. نهاية رحلة روحانية في المدينة المنورة يوثقوها بالصور.. سيلفي القبة الخضراء وساحات الحرم وحمام الحمى    «الإفتاء» توضح كيفية الطهارة عند وقوع نجاسة ولم يُعرَف موضعها؟    ما حكم أداء النافلة بين الصلاتين عند جمع التقديم؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفلسفة في مواجهة الوباء
نشر في صوت البلد يوم 21 - 03 - 2020

باغت فايروس كورونا المستجد العالم بسرعة تفشيه، ولم يعدْ هناك بلدُ بمنأى عن تداعيات هذا الوباء، ولم يتوقع العلماءُ في البداية بأنَّ المارد يخرجُ من قمقمه ووهان ويغزو القارات البعيدة، ويقطعُ أوصال المجتمعات، لكن ما لبثَ أنَّ صارت أخبار الفايروس تملأ الدنيا وتُشغل العالم وطال تأثير الصدمة جميع المرافق الإقتصادية والسياحية والثقافية، ومن المعلوم بأنَّ هذا الوضعُ ينعكسُ سلباً على المستوى النفسي لدى الأفراد، وقد تتخبط الحكوماتُ في القيام بالإجراءات، بعد ارتفاع عدد المصابين بكورنا وإتساع جغرافية إنتشار العدوى وإعلان منظمة الصحة العالمية بأنَّ الوباء بات معولماً، وتزايد المدن الموبوءة وتبدل سلوكيات الحياة العادية إذ أصبحت الشوارعُ خالية من المارة، وتم إلغاء ممارسة الطقوس والشعائر الدينية في دور العبادة، إضافة إلى وقف النشاطات الثقافية والرياضية، والمُصافحة بالكوع بدلاً من اليد، وركون الناس إلى المنازل.
ييدو أنَّ التوتر قد تصاعد ولا يعلو صوت على صوت كورونا في وسائل الإعلام، ناهيك عما يضخُ في الوسائط الإلكترونية كما حظيت الأعمال الأدبية التي تتناول الأوبئة والجانحة بالمتابعة، ولاقت رواجاً وزاد الطلبُ على بعض العناوين الروائية، غير أنَّ ما هو الأهم في هذا التوقيت هو التخفيفُ من حدة التوتر وذلك عن طريق التعامل مع النصوص الأدبية بوصفها عاملاً لإستعادة التوازن على الصعيد النفسي إذ تذكرك هذه الأعمال بأنَّ البشرية قد انخطرت في حروب ضروس ضد الوباء والأمراض المميتة، ولكن كلما كسبت جولةً ولو بخسائر فادحة تمكنت من بناء الحضارة من جديد وبدأت دورة الحياة الطبيعية "كل شيءِ يحدثُ فقد كان يحدثُ هكذا فيما مضى وسيظلُ يحدثُ هكذا في المستقبل".
هناك بون شاسع في الفهم بين العقل الذي لا يرى أبعد من اللحظة الراهنة في تحليله للحدث والعقل الناضح بالوعي يحاول إدراك ما يقع ضمن دورات الزمن الكبرى، ولا يمكن الوصول إلى هذا المستوى من الإدراك دون السكينة والهدوء حسبما ورد في تعاليم التاو الصيني وما زاد من مناعة الإنسان في تحمل التقلبات البيئية هو القدرة على التأقلم مع الظروف، وتمكنه من تحويل العوائق إلى أداة لإنجاز مزيدٍ من التطور "الضربة التي لن تميتني تقويني" فكان العامل الجغرافي يحول دون التواصل بين المجتمعات في السابق، لكن نجح الإنسانُ من قهره من خلال وسائل النقل التي تطورت بالتدرج، كما أنَّ كثيراً من الأوبئة والأمراض التي اعتبرت مصدر تهديد للحياة في العصور المنصرمة ما عادت تشكلُ تحدياً أو خطراً في زمننا إذاً فإنَّ مع كل إختبار صعبٍ يفتح أفق جديد للتطور.
طب العقول
يتابعُ المواطنون المعلومات التى تنشرُ بشأن تطورات مرض كورونا من على وسائل الإعلام وشبكات التواصل الإجتماعي، ولا تكفُ الجهات المعنية من التأكد على ضرورة التمسك بالتعلميات الطبية، ولكن هل يكفي التدججُ بالكمامات والسترات الطبية واستخدام المعقم لمواجهة الفايروس؟ نعم كل ذلك قد يحميك من الإصابة بالعدوى لكنَّ ماذا عن المخاوف التي تغزو الأعماق وتصعدُ من حدة الإنفعالات؟ "ليست الأشياء ما يكربُ الناس ولكن أفكارهم عن الأشياء" كما يقول إبكتيتوس. من هنا يبدأُ دور طب العقول أي الفلسفة فلاتنفعك الوصفات الطبيبة في معالجة الشعور بالسأم من الترقب وتكرار المشاهد علماً بأنَّ الإنسانَ هو الحيوان الوحيد الذي قد يشعرُ بالملل ولا يريدُ أن يكونَ ما هو عليه حسب تعبير ألبير كامو.
كيف يكونَ رد الفعلِ إذا تطلبَ الموقف أن تفرض حجراً صحياً على نفسك؟ طبعاً لا توجدُ عقاقير للتخلص من الملل لذلك من الأفضل أن تتقبل قدرك. يُشَبهُ ماركوس أوريليوس الإنسان المتبرم بكل شيء والساخط من كل الوضع بخنزير الأضحية يرفس ويصرخ. ومن المناسب في هذا الصدد التذكير بقصة الفيلسوف الرواقي إبكتيتوس الذي كان عبداً ل إيافروديتوس، فالأخير نكل به وعذبه بطريقة غريبة حيث وضع رجل الفيلسوف في آلة التدوير مترقباً ردَّ فعله، وما من صاحب المختصر إلا أن قال ستكسرها. وفي ذلك صورة واضحة لتحمل الشدائد والتجلد، فالحكمة برأي الرواقيين تكمنُ في قدرتك على أن تفرق بين الأشياء ما يمكنُ تغيرهُ وما يقعُ خارج قدراتك، فبالتأكيد أنَّ منع إنتشار الوباء أمر يفوق قدرة العلماء فما بالك بمن ليس له دراية بالطب. إذاً عليك أن تقتنعَ بمبدأ هيغل "كل ما يحدثُ في الواقع فهو منطقي".
عطفاً على ما سبق فإنَّ فهمك للحياة يتعمقُ كلما شعرت بأنك تعيشُ في الخطر. يقولُ نيتشه "أنا أعرف الحياة معرفة جيدة لأني كنتُ على وشك فقدانها"، فكان المرضُ أول شيء هداه سواء السبيل. ويقاربُ نيتشه الأوبئة على نطاق أوسع لافتاً بأنَّ أوروبا يدين بعظمته لدائه الذي لا يشفى وآلامه المتنوعة العديدة، فإن هذه الآلام والأخطار المتجددة بنظر نيتشه هي بمثابة قابلة للأفكار.
نبقى مع فيلسوف الريبة إذ تؤكد سالومي بأنَّ المرض كان مصدر إبداعه وكل تعافٍ هو إحياء بهيج وتجديد لنشاطه العقلي، ومن جانبه وصف نيتشه هذه الحالة ب"تذوق جديد". ماذا بجعبة الفلاسفة عن الموت وقد عرف سقراط التفلسف بأنه إستعداد للموت مطالباً يأنَّ نواجه هذا المصير الحتمي مثلما نواجه الحياة.
ويرى أنكسمندريس أن كل ما ينشأُ يصيبه الفناء، وكل ما يولد جديرُ بالموت، ولولا الخوف من الموت لما كانت فلسفة ولا دين على حد قول شوبنهاور. إذاً فإنَّ دور الفلسفة يتمثلُ في تهدئة المشاعر السلبية، ومنع تناسل الأهواء الحزينة، وحمايتك من الوقوع في منزلق الخوف والهلوسات، فالموت من منطلق الفلسفة دافع للتأمل والتفكير وإدراك الصراع بين الرغبة في البقاء والوعي بالنهاية. وفي الأخير نقتبسُ من لوكريتيوس مبدأه لمعالجة الخوف من الموت "حيثُ يوجدُ الموت لا أوجد أنا وحيث أوجد أنا لا يوجد الموتُ، لم القلق؟"
رؤية جديدة
يستنكرُ فريدريك نيتشه مفهوم المعرفة من أجل المعرفة واصفاً إياه بآخر شركِ نصبته الأخلاق وبذلك يتقاطعُ مؤلف "مولد التراجيديا" مع منطق الرواقيين الذين حاولوا في مسعاهم المعرفي تحويل الفلسفة إلى أداة لتحسين نمط الحياة وإصلاح الفكر لأنَّ الإنسان كيفما تكنُ أفكاره المعتادة تكن طبيعة فكره وبالتالي يتشكلُ الإنطباعُ حول الأشياء بناءً على منهجك في التفكير والسلوك العقلاني، لذا فإنَّ الفلسفة لدى إبكتيتوس هي الإشتغال على تحرر الذات من الإنفعال وإكتساب المناعة من المؤثرات الخارجية.
يقولُ ماركوس أورييليوس إن العقل الخالي من الإنفعالات هو قلعة ليس ثمة ملاذ للناس أقوى منه. ويسبقُ علاج الروح عند شيشرون عملية القضاء على أوصابنا الجسدية، ولاينفعك على هذا الصعيد غير الفلسفة. من هنا نفهم مغزى هذه العبارة "مدرسة الفيلسوف هي عيادة الطبيب" لكن مع الأسف تحولت الفلسفة في وسطنا الثقافي إلى مشجبٍ لمُصطلحات مسمومة بالكراهية ومخاصمات بين الطوائف المختلفة، مثلما أن فهمنا للدين متزمت كذلك الأمر بالنسبة للفلسفة، وكلما يذكر لفظ الفلسفة يتبادرُ إلى الذهن الصراع الآيدولوجي والمماحكات بين الجبهات المُتنابذة، بينما غاية النشاط الفلسفي - برأي المفكر المغربي سعيد ناشيد - هي تنمية القدرة على العيش في هذا العالم الذي مأوانا المؤقت. صحيح أنَّ الفلسفة لا تغير الحياة أو كما يقول أتباع المدرسة الرواقية لا تمنع وقوع الأحداث، ولا تأخذنا الأوهام بأنَّ الفلسفة تعجل بقيام الجنة على الأرض، لكن تقدمُ فهماً تعود بعده أحداث الحياة مقبولة وممتعة لذا تصبح قراءة الفلسفة في المحن والأزمات ضرورة ملحة إذا كان الغرض من القراءة هو وضع الحدث في سياق دورات الزمن الكبرى.
إذاً فإنَّ الفلسفة ليست رديفاً للتعقيد والتجهم والتشدق بألفاظ غير مفهومة، ولا يمكنُ لنا أن نتفلسف وإلا نحن ضاحكين، كما نقل عن أبيقور. وفي ذلك تجد فوائد الفلسفة للتأقلم مع زمن المصافحة بالكوع. والأمر لا يخلو من المنفعة سواء على المستوى الفردي أو على المستوى العالمي، فربما تتراجع مخاطر نشوب الحرب وتتضافر الجهود لمحاربة العدو الذي وضع الجميع أمام سؤال المصير. كما يجب التعامل مع الحالة باعتبارها فرصة للتأمل وإعادة النظر بنمط عيشك لأن الحياة التي لا تخضع للنقد هي حياة لا تستحق أن تعاش. كما يقول سقراط أكثر من ذلك فإنَّ الطبيعة تتنفس صعداء عندما تخف الحركةُ.
باغت فايروس كورونا المستجد العالم بسرعة تفشيه، ولم يعدْ هناك بلدُ بمنأى عن تداعيات هذا الوباء، ولم يتوقع العلماءُ في البداية بأنَّ المارد يخرجُ من قمقمه ووهان ويغزو القارات البعيدة، ويقطعُ أوصال المجتمعات، لكن ما لبثَ أنَّ صارت أخبار الفايروس تملأ الدنيا وتُشغل العالم وطال تأثير الصدمة جميع المرافق الإقتصادية والسياحية والثقافية، ومن المعلوم بأنَّ هذا الوضعُ ينعكسُ سلباً على المستوى النفسي لدى الأفراد، وقد تتخبط الحكوماتُ في القيام بالإجراءات، بعد ارتفاع عدد المصابين بكورنا وإتساع جغرافية إنتشار العدوى وإعلان منظمة الصحة العالمية بأنَّ الوباء بات معولماً، وتزايد المدن الموبوءة وتبدل سلوكيات الحياة العادية إذ أصبحت الشوارعُ خالية من المارة، وتم إلغاء ممارسة الطقوس والشعائر الدينية في دور العبادة، إضافة إلى وقف النشاطات الثقافية والرياضية، والمُصافحة بالكوع بدلاً من اليد، وركون الناس إلى المنازل.
ييدو أنَّ التوتر قد تصاعد ولا يعلو صوت على صوت كورونا في وسائل الإعلام، ناهيك عما يضخُ في الوسائط الإلكترونية كما حظيت الأعمال الأدبية التي تتناول الأوبئة والجانحة بالمتابعة، ولاقت رواجاً وزاد الطلبُ على بعض العناوين الروائية، غير أنَّ ما هو الأهم في هذا التوقيت هو التخفيفُ من حدة التوتر وذلك عن طريق التعامل مع النصوص الأدبية بوصفها عاملاً لإستعادة التوازن على الصعيد النفسي إذ تذكرك هذه الأعمال بأنَّ البشرية قد انخطرت في حروب ضروس ضد الوباء والأمراض المميتة، ولكن كلما كسبت جولةً ولو بخسائر فادحة تمكنت من بناء الحضارة من جديد وبدأت دورة الحياة الطبيعية "كل شيءِ يحدثُ فقد كان يحدثُ هكذا فيما مضى وسيظلُ يحدثُ هكذا في المستقبل".
هناك بون شاسع في الفهم بين العقل الذي لا يرى أبعد من اللحظة الراهنة في تحليله للحدث والعقل الناضح بالوعي يحاول إدراك ما يقع ضمن دورات الزمن الكبرى، ولا يمكن الوصول إلى هذا المستوى من الإدراك دون السكينة والهدوء حسبما ورد في تعاليم التاو الصيني وما زاد من مناعة الإنسان في تحمل التقلبات البيئية هو القدرة على التأقلم مع الظروف، وتمكنه من تحويل العوائق إلى أداة لإنجاز مزيدٍ من التطور "الضربة التي لن تميتني تقويني" فكان العامل الجغرافي يحول دون التواصل بين المجتمعات في السابق، لكن نجح الإنسانُ من قهره من خلال وسائل النقل التي تطورت بالتدرج، كما أنَّ كثيراً من الأوبئة والأمراض التي اعتبرت مصدر تهديد للحياة في العصور المنصرمة ما عادت تشكلُ تحدياً أو خطراً في زمننا إذاً فإنَّ مع كل إختبار صعبٍ يفتح أفق جديد للتطور.
طب العقول
يتابعُ المواطنون المعلومات التى تنشرُ بشأن تطورات مرض كورونا من على وسائل الإعلام وشبكات التواصل الإجتماعي، ولا تكفُ الجهات المعنية من التأكد على ضرورة التمسك بالتعلميات الطبية، ولكن هل يكفي التدججُ بالكمامات والسترات الطبية واستخدام المعقم لمواجهة الفايروس؟ نعم كل ذلك قد يحميك من الإصابة بالعدوى لكنَّ ماذا عن المخاوف التي تغزو الأعماق وتصعدُ من حدة الإنفعالات؟ "ليست الأشياء ما يكربُ الناس ولكن أفكارهم عن الأشياء" كما يقول إبكتيتوس. من هنا يبدأُ دور طب العقول أي الفلسفة فلاتنفعك الوصفات الطبيبة في معالجة الشعور بالسأم من الترقب وتكرار المشاهد علماً بأنَّ الإنسانَ هو الحيوان الوحيد الذي قد يشعرُ بالملل ولا يريدُ أن يكونَ ما هو عليه حسب تعبير ألبير كامو.
كيف يكونَ رد الفعلِ إذا تطلبَ الموقف أن تفرض حجراً صحياً على نفسك؟ طبعاً لا توجدُ عقاقير للتخلص من الملل لذلك من الأفضل أن تتقبل قدرك. يُشَبهُ ماركوس أوريليوس الإنسان المتبرم بكل شيء والساخط من كل الوضع بخنزير الأضحية يرفس ويصرخ. ومن المناسب في هذا الصدد التذكير بقصة الفيلسوف الرواقي إبكتيتوس الذي كان عبداً ل إيافروديتوس، فالأخير نكل به وعذبه بطريقة غريبة حيث وضع رجل الفيلسوف في آلة التدوير مترقباً ردَّ فعله، وما من صاحب المختصر إلا أن قال ستكسرها. وفي ذلك صورة واضحة لتحمل الشدائد والتجلد، فالحكمة برأي الرواقيين تكمنُ في قدرتك على أن تفرق بين الأشياء ما يمكنُ تغيرهُ وما يقعُ خارج قدراتك، فبالتأكيد أنَّ منع إنتشار الوباء أمر يفوق قدرة العلماء فما بالك بمن ليس له دراية بالطب. إذاً عليك أن تقتنعَ بمبدأ هيغل "كل ما يحدثُ في الواقع فهو منطقي".
عطفاً على ما سبق فإنَّ فهمك للحياة يتعمقُ كلما شعرت بأنك تعيشُ في الخطر. يقولُ نيتشه "أنا أعرف الحياة معرفة جيدة لأني كنتُ على وشك فقدانها"، فكان المرضُ أول شيء هداه سواء السبيل. ويقاربُ نيتشه الأوبئة على نطاق أوسع لافتاً بأنَّ أوروبا يدين بعظمته لدائه الذي لا يشفى وآلامه المتنوعة العديدة، فإن هذه الآلام والأخطار المتجددة بنظر نيتشه هي بمثابة قابلة للأفكار.
نبقى مع فيلسوف الريبة إذ تؤكد سالومي بأنَّ المرض كان مصدر إبداعه وكل تعافٍ هو إحياء بهيج وتجديد لنشاطه العقلي، ومن جانبه وصف نيتشه هذه الحالة ب"تذوق جديد". ماذا بجعبة الفلاسفة عن الموت وقد عرف سقراط التفلسف بأنه إستعداد للموت مطالباً يأنَّ نواجه هذا المصير الحتمي مثلما نواجه الحياة.
ويرى أنكسمندريس أن كل ما ينشأُ يصيبه الفناء، وكل ما يولد جديرُ بالموت، ولولا الخوف من الموت لما كانت فلسفة ولا دين على حد قول شوبنهاور. إذاً فإنَّ دور الفلسفة يتمثلُ في تهدئة المشاعر السلبية، ومنع تناسل الأهواء الحزينة، وحمايتك من الوقوع في منزلق الخوف والهلوسات، فالموت من منطلق الفلسفة دافع للتأمل والتفكير وإدراك الصراع بين الرغبة في البقاء والوعي بالنهاية. وفي الأخير نقتبسُ من لوكريتيوس مبدأه لمعالجة الخوف من الموت "حيثُ يوجدُ الموت لا أوجد أنا وحيث أوجد أنا لا يوجد الموتُ، لم القلق؟"
رؤية جديدة
يستنكرُ فريدريك نيتشه مفهوم المعرفة من أجل المعرفة واصفاً إياه بآخر شركِ نصبته الأخلاق وبذلك يتقاطعُ مؤلف "مولد التراجيديا" مع منطق الرواقيين الذين حاولوا في مسعاهم المعرفي تحويل الفلسفة إلى أداة لتحسين نمط الحياة وإصلاح الفكر لأنَّ الإنسان كيفما تكنُ أفكاره المعتادة تكن طبيعة فكره وبالتالي يتشكلُ الإنطباعُ حول الأشياء بناءً على منهجك في التفكير والسلوك العقلاني، لذا فإنَّ الفلسفة لدى إبكتيتوس هي الإشتغال على تحرر الذات من الإنفعال وإكتساب المناعة من المؤثرات الخارجية.
يقولُ ماركوس أورييليوس إن العقل الخالي من الإنفعالات هو قلعة ليس ثمة ملاذ للناس أقوى منه. ويسبقُ علاج الروح عند شيشرون عملية القضاء على أوصابنا الجسدية، ولاينفعك على هذا الصعيد غير الفلسفة. من هنا نفهم مغزى هذه العبارة "مدرسة الفيلسوف هي عيادة الطبيب" لكن مع الأسف تحولت الفلسفة في وسطنا الثقافي إلى مشجبٍ لمُصطلحات مسمومة بالكراهية ومخاصمات بين الطوائف المختلفة، مثلما أن فهمنا للدين متزمت كذلك الأمر بالنسبة للفلسفة، وكلما يذكر لفظ الفلسفة يتبادرُ إلى الذهن الصراع الآيدولوجي والمماحكات بين الجبهات المُتنابذة، بينما غاية النشاط الفلسفي - برأي المفكر المغربي سعيد ناشيد - هي تنمية القدرة على العيش في هذا العالم الذي مأوانا المؤقت. صحيح أنَّ الفلسفة لا تغير الحياة أو كما يقول أتباع المدرسة الرواقية لا تمنع وقوع الأحداث، ولا تأخذنا الأوهام بأنَّ الفلسفة تعجل بقيام الجنة على الأرض، لكن تقدمُ فهماً تعود بعده أحداث الحياة مقبولة وممتعة لذا تصبح قراءة الفلسفة في المحن والأزمات ضرورة ملحة إذا كان الغرض من القراءة هو وضع الحدث في سياق دورات الزمن الكبرى.
إذاً فإنَّ الفلسفة ليست رديفاً للتعقيد والتجهم والتشدق بألفاظ غير مفهومة، ولا يمكنُ لنا أن نتفلسف وإلا نحن ضاحكين، كما نقل عن أبيقور. وفي ذلك تجد فوائد الفلسفة للتأقلم مع زمن المصافحة بالكوع. والأمر لا يخلو من المنفعة سواء على المستوى الفردي أو على المستوى العالمي، فربما تتراجع مخاطر نشوب الحرب وتتضافر الجهود لمحاربة العدو الذي وضع الجميع أمام سؤال المصير. كما يجب التعامل مع الحالة باعتبارها فرصة للتأمل وإعادة النظر بنمط عيشك لأن الحياة التي لا تخضع للنقد هي حياة لا تستحق أن تعاش. كما يقول سقراط أكثر من ذلك فإنَّ الطبيعة تتنفس صعداء عندما تخف الحركةُ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.