بتكلفة 13.2 مليار جنيه.. الصحة: إصدار 1.89 مليون قرار علاج على نفقة الدولة خلال النصف الأول من 2025    جلسة ختام أنشطة وحدات وزارة التضامن تستعرض مهارت يحتاجها سوق العمل    محافظ أسيوط يستقبل وزير الري ويتفقدان مشروع قناطر ديروط الجديدة بنسبة تنفيذ 87% ويطلقان إشارة مرور المياه من قنطرة حجز الإبراهيمية    التنمية المحلية: وحدات السكان تنفذ 1352 نشاطاً سكانياً فى 24 محافظة    استشهاد 18 فلسطينيا من منتظري المساعدات برصاص الاحتلال الإسرائيلي وسط غزة    98 شهيدا و1079 مصابا فى قصف إسرائيلى على غزة خلال 24 ساعة    الأورمان تستعد للمشاركة فى إطلاق قافلة المساعدات الغذائية إلى غزة    "الخارجية الفلسطينية" تدين الدعوات التحريضية لاقتحام المسجد الأقصى غدًا    بديل ايزاك في حال فشل ضمه.. خطة ليفربول واضحة    موعد مباراة روما ضد لانس الودية والقنوات الناقلة    فوز لاعبة معلمين بنى سويف والمنتخب ببرونزية دورة الألعاب الأفريقية لسلاح المبارزة بالجزائر    رئيس الوزراء يرحب برئيس الفيفا خلال تواجده فى مصر لقضاء عطلته    إصابة 8 أشخاص فى حادث تصادم سيارتين بطريق القاهرة الفيوم الصحراوى    الداخلية تضبط المتهمون بالتشاجر بأسلحة بيضاء فى الإسكندرية.. صور    رحمة حسن تتصدر التريند بعد حديثها حول إصابتها بالصلع من الجذور    نادية مصطفى تنعى عم أنغام بعد اكتشاف جثمانه داخل شقته عقب أيام من وفاته    بعد شائعة إبراهيم شيكا.. حقيقة مغادرة وفاء عامر البلاد    عبد الستار بركات: مشاركة ملحوظة للجالية بأثينا فى ثاني أيام انتخابات الشيوخ    وسط إقبال جماهيري.. انطلاق مهرجان «صيف بلدنا» برأس البر في دمياط    فرص جديدة واستقرار عاطفي.. اعرف حظ برج الثور في أغسطس 2025    متحدث «الصحة»: فحص 18.4 مليون مواطن ضمن المبادرة الرئاسية للكشف عن الأمراض المزمنة منذ سبتمبر 2021    منها مستشفيات المطرية وشبين الكوم.. حصول 3 وحدات سكتة دماغية على جوائز التميز    حكم بعدم دستورية قرار وزاري بإنهاء عقود الوكالة التجارية لمجاوزته حدود القانون    حكومة غزة: 73 شاحنة مساعدات دخلت القطاع يوم الجمعة ونهبت أغلبها    نقابة الموسيقيين تعلن دعمها الكامل للقيادة السياسية وتدين حملات التشويه ضد مصر    مهدد بالحبس.. القصة الكاملة لاتهام أشرف حكيمي بالاغتصاب خلال889 يوما    وزير الشباب والرياضة يفتتح ملعبًا بمركز شباب المعمورة - صور    تجهيز 476 لجنة انتخابية ل«الشيوخ».. 12 مرشحا يتنافسون على 5 مقاعد فردي بالمنيا    برلماني: المشاركة في انتخابات الشيوخ واجب وطني ورسالة لوحدة الصف    إيرادات الجمعة.. "روكي الغلابة" يتفوق على "الشاطر" ويفوز بالمركز الأول    رئيس جامعة بنها يصدر قرارات وتكليفات جديدة في وحدات ومراكز الجامعة    أفضل أدعية جلب الرزق وقضاء الديون وفقًا للكتاب والسنة    ما حكم الدعاء داخل الصلاة بقضاء حاجة دنيوية وهل تبطل الصلاة بذلك؟.. الإفتاء تجيب    صلاة الأوابين.. الأزهر للفتوى يوضح أهم أحكام صلاة الضحى    تراجع منخفض الهند «عملاق الصيف».. بيان مهم بشأن حالة الطقس الأسبوع الجاري    إصابة 9 أشخاص في حادث انقلاب ميكروباص بالشرقية    الصحة تُطلق منصة تفاعلية رقمية بمستشفيات أمانة المراكز الطبية المتخصصة    ولادة طفل من جنين مجمد منذ 30 عاما|القصة الكاملة    استجابة ل1190 استغاثة... رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال شهر يوليو 2025    النقل: استمرار تلقي طلبات تأهيل سائقي الأتوبيسات والنقل الثقيل    الاستعلامات: 86 مؤسسة إعلامية عالمية تشارك في تغطية انتخابات الشيوخ 2025    المصريون في الرياض يشاركون في انتخابات مجلس الشيوخ 2025    طعنة غادرة أنهت حياته.. مقتل نجار دفاعًا عن ابنتيه في كفر الشيخ    تعاون بين «الجمارك وتجارية القاهرة».. لتيسير الإجراءات الجمركية    المصريون بالسعودية يواصلون التصويت في انتخابات «الشيوخ»    انطلاق قمة «ستارت» لختام أنشطة وحدات التضامن الاجتماعي بالجامعات    «بيت الزكاة والصدقات»: غدًا صرف إعانة شهر أغسطس للمستحقين    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ عالم أزهري يجيب    زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب قبالة سواحل مدينة "كوشيرو" اليابانية    أيمن يونس: شيكابالا سيتجه للإعلام.. وعبد الشافي سيكون بعيدا عن مجال كرة القدم    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على طرق القاهرة والجيزة    ترامب يخطو الخطوة الأولى في «سلم التصعيد النووي»    تعرف على أسعار اللحوم اليوم السبت 2 أغسطس 2025    90 دقيقة تأخيرات «بنها وبورسعيد».. السبت 2 أغسطس 2025    رسميًا.. وزارة التعليم العالي تعلن عن القائمة الكاملة ل الجامعات الحكومية والأهلية والخاصة والمعاهد المعتمدة في مصر    سعر الذهب اليوم السبت 2 أغسطس 2025 يقفز لأعلى مستوياته في أسبوع    الصفاقسي التونسي يكشف تفاصيل التعاقد مع علي معلول    مشاجرة بين عمال محال تجارية بشرق سوهاج.. والمحافظ يتخذ إجراءات رادعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفكر الفرنسي بيير بايارد يدفع الكتب لتغيير مؤلفيها
نشر في صوت البلد يوم 03 - 01 - 2020

"بيير بايارد" مفكر ومحلل نفسي فرنسي، يعمل أستاذا للأدب بجامعة باريس، اعتاد على تقديم كتب مثيرة للجدل، يمنحها دائما عنوانا طريفا يبدأه بأداة إستفهام، ويتعمد أن يبدو وكأنه يمارس لعبة نقدية مثيرة، مثل:كيف تستطيع تجويد الأعمال الأدبية السيئة ؟ وكيف تتحدث عن الكتب التي لم تقرأها بعد؟
"بايارد "في كتابه الجديد "ماذا لو غيّرت الأعمال الإبداعية مؤلفيها؟"، الذي ترجمه محمد أحمد صبح، وصدر عن دار نينوى، لا يتحدث ،كما قد يوحي العنوان عن الأثر الذي يمكن أن يتركه العمل الأدبي في نفس مؤلفه، فيغير منه، بل يجيب عن سؤال طريف كعادة أسئلة بايارد، وهو: "ماذا لو استبدلنا مؤلفاً بمؤلف آخر، قد يبدو أكثر ملاءمة للعمل الأدبي؟".
فكرة وهمية
يقر الكاتب بوجوب إحداث هذا التغيير أو التبديل للمؤلفين، ويعدد ابتداء من الصفحة الأولى تلك الأسباب الموجبة له، وأولها أننا لا نعرف المؤلفين جيدا، لذا تبقى فكرة الإخلاص لهم وهمية تماما، وإذا كنا غالبا نعوض المؤلف الذي لا نعرفه بالشخص المادي الذي يختفي وراءه، فلم لا نتقدم خطوة أخرى ونستبدل به مؤلفا آخر قد يكون أكثر ملاءمة للعمل؟
وحتى لو كانت نسبة العمل الأدبي لغير مؤلفه خطأ، فلم لا يكون مثل الخطأ الذي ارتكبه كريستوفر كولومبوس فقاده إلى اكتشاف قارة جديدة كانت مجهولة. فقد يكون هذا التصرف بالمؤلفين إبداعا يفيد النصوص بإبراز معان غير منتظرة ، ما كان لها أن تظهر لولا إحداث ذاك التغيير، الذي يكتسب مشروعيته من الحق في التخيل، ويعتبر هذا التغيير الذي يسوغه المؤلف وجها آخر للتغيير ( أو التجويد) الذي اقترحه في كتابه الأول " كيف تستطيع تجويد الأعمال الأدبية السيئة؟"، فقد ذهب فيه إلى أن إحداث تغييرات ضرورية في النصوص بقصد تحسينها لا يعد خيانة للمؤلف، وهو هنا يتبني الموقف ذاته لكن بحق " المؤلف" لا " النص".
ويرى في اتخاذ بعض المؤلفين لأسماء مستعارة نوع من الجرأة في التصرف فيما يخصهم، وهنا يدعو النقاد لممارسة جرأة مماثلة بكسر تابو "المؤلف" بكل ما أحيط به من هالات التحريم والتعامل معه كأسطورة، دون الشعور بذنب الانتهاك.
المؤلف الخيالي
أول نموذج يمارس عليه " بيير بايارد" لعبته هو" الأوديسة"، معتمدا على كتاب صدر في نهايات القرن التاسع عشر، وهو "مؤلف الأوديسة" للروائي الإنجليزي "صموئيل بتلر" - الذي يعرف العالم الإغريقي جيدا بحسب بايارد - وقد بدأ بتلر كتابه بالتأكيد على إختلاف نبرتي " الإلياذة " و "الأوديسة"، بما يؤكد أنهما ليس لمؤلف واحد، بل ويشكك في كون مؤلف الأوديسة رجل، ففيها تغليب للمشاغل الأنثوية، وتصور أمومي للعلاقات بين البشر.
وبالرغم من أن قراءة الأوديسة باعتبار أن مؤلفتها امرأة لن تحدث اختلافا كبيرا في النص. كذلك يذهب بايارد إلى أن إدوارد دي فير، هو من كتب "هاملت"، وأن اسم وليم شكسبير مؤلف خيالي "نصنعه من مسرحياته والتمثلات التي تدور حولها، فشكسبير بالفعل اسم علم بقدر ما هو كناية يوضح شرحها سريعا أنها ترجع إلى المؤلف الخيالي أو مجموعة من الصور التقريبية للمؤلف الحقيقي".
في نفس السياق يشير المؤلف إلى مقال نشره بيير لويس في عام 1919، بعنوان " موليير هو تحفة أدبية لكورنيل" وذهب فيه بعد تحليل دقيق لأشعار كورنيل إلى أنه كان كاتبا أجيرا عند موليير، ويؤيد أنصاره رأيه بأن موليير لم يكن كاتبا معروفا حتى بلغ الأربعين من العمر، وأنه لم يترك خلفه أية مخطوطات لأعماله.
ونظرا لأن اهتمام بيير بايارد بالقيمة الجمالية وليس بالحقيقة التاريخية فإنه لم يميل إلى ترجيح كفة أي قول في الحالات التي تناولها، لكنه يجد فيها سندا قويا لرأيه القائل بضرورة الفصل بين المؤلفين الثلاثة: الحقيقي والداخلي والخيالي.
تغييرات جزئية
" لقد صنعت لي صورة، وربما توافقت معها لا شعوريا، لقد كان الأمر سهلا: فالصورة جاهزة، وما كان على إلا أن أتخذ مكاني" .
هذه الصورة التي أسهم رومان جاري نفسه في تكوينها، كانت امتدادا خفيا للصورة التي اختلقتها أمه وبثتها فيه منذ طفولته، وهي صورة متخيلة مستمدة من رواية حقيقية كتبتها الأم، وتخيلت فيها أدوارا بطولية لابنها، وقد تماهى الإبن مع رغبات أمه. لكنه آمن بأن تلك الصورة المثالية يمكن أن تجمده في هوية مصطنعة قد تمنع القراء من تلقي أعماله بوصفه مؤلفا آخر غير مقيد بصورة مستعارة، لذا إخترع شخصية " إميل آجار" ونشر باسمه أربعة روايات نال عن إحداها جائزة الجونكور قبل أن يضيق بالهوية المصطنعة ويتخلص منها في كتابه " حياة وموت إميل آجار". وكان دافعه لذلك هو نفس دافعه لاختلاق الشخصية أصلا، " التخلص من الصورة المختزلة". لكن بايارد يرى أن تعريف المؤلف بنفسه وكشف النقاب عن هويته الحقيقية كان قمة الإخفاق. فتعديل الإسم كان محاولة لتخليص النص من القراءات المسبقة. فالتغيير الذ أجراه رومان جاري على اسمه كان جزئيا. تماما كما فعل فيرنون سوليفان حينما استعار لنفسه شخصية كاتب أميركي في رواية "سأذهب للبصق على قبوركم"، كذلك يرى بايارد أن نقل لويس كارول من القرن التاسع عشر إلى القرن العشرين ليجعل منه وريثا للسوريالية وللتحليل النفسي، يمكن أن يكون إدراجا في المنظور الزمني. لكنه معتاد حيث يود الكاتب تحسين صورته الذاتية.
الغريب لكافكا
ماذا لو تم تحويل أعمال مؤلف إلى مؤلف آخر؟ تلك هي التغييرات الجذرية التي يريدها بايارد، فيقرأ الغريب كما لو كان مؤلفها فرانز كافكا.
تتشابه رواية "الغريب" لألبير كامي مع روايات وقصص كافكا باعتمادها على ثيمتي القضية وعالم القضاء، كما أن مورسو كان ينوء تحت وطأة شعوره بالذنب حتى قبل ارتكاب الجريمة، لكن تختلف الروايتان في بيئتيهما العمل وفي انخراط مورسو في واقع اجتماعي ملموس يمنحه هوية محددة على العكس من شخصيات كافكا. لذا ينظر بايارد للغريب من منظور نفسي ليمنحه سمات كافكاوية فيصبح مورسو مثل أبطال القضية والقصر، عبثيا لا يتوقع ما ينتظر منه ، ويفيد هذا التغيير في إثراء متبادل، فنسبة العمل لكافكا تشرعن عبثية مورسو، كما أن الغريب تمنح أعمال كافكا بعدا نقديا سياسيا واجتماعيا كان خافتا قبلها.
كذلك يتخيل بايارد أيضا أن تولستوي هو مؤلف رواية "ذهب مع الريح" وليس مارجريت ميتشيل، مما يجعل من التاريخ ذريعة لتأمل فلسفي عميق، ولابتكر عالما جديدا منطلقا من شظايا متناثرة لعالم موجود.
وفي الجزء الأخير من الكتاب يقوم الكاتب بتعميم لعبته النقدية فينقلها من الأدب إلى ميادين أخرى متخيلا لو أن فرويد كتب"الأخلاق" بدلاً من سبينوزا، وأخرج الفرد هيتشكوك "المدرعة بوتمكين" بدلاً من إيزينشتاين. منطلقا من فكرة أن التواصل بين الفنون يميل إلى التقليل من مكانة المؤلف بشكلها المعتاد، ويكشف عن مؤلفين افتراضيين متوارين في المؤلف الذي نعرفه، مما يمنح الأعمال حيوية، ويعقد صلات لا نهائية بين النصوص والمؤلفين.
خدمة ( وكالة الصحافة العربية )
"بيير بايارد" مفكر ومحلل نفسي فرنسي، يعمل أستاذا للأدب بجامعة باريس، اعتاد على تقديم كتب مثيرة للجدل، يمنحها دائما عنوانا طريفا يبدأه بأداة إستفهام، ويتعمد أن يبدو وكأنه يمارس لعبة نقدية مثيرة، مثل:كيف تستطيع تجويد الأعمال الأدبية السيئة ؟ وكيف تتحدث عن الكتب التي لم تقرأها بعد؟
"بايارد "في كتابه الجديد "ماذا لو غيّرت الأعمال الإبداعية مؤلفيها؟"، الذي ترجمه محمد أحمد صبح، وصدر عن دار نينوى، لا يتحدث ،كما قد يوحي العنوان عن الأثر الذي يمكن أن يتركه العمل الأدبي في نفس مؤلفه، فيغير منه، بل يجيب عن سؤال طريف كعادة أسئلة بايارد، وهو: "ماذا لو استبدلنا مؤلفاً بمؤلف آخر، قد يبدو أكثر ملاءمة للعمل الأدبي؟".
فكرة وهمية
يقر الكاتب بوجوب إحداث هذا التغيير أو التبديل للمؤلفين، ويعدد ابتداء من الصفحة الأولى تلك الأسباب الموجبة له، وأولها أننا لا نعرف المؤلفين جيدا، لذا تبقى فكرة الإخلاص لهم وهمية تماما، وإذا كنا غالبا نعوض المؤلف الذي لا نعرفه بالشخص المادي الذي يختفي وراءه، فلم لا نتقدم خطوة أخرى ونستبدل به مؤلفا آخر قد يكون أكثر ملاءمة للعمل؟
وحتى لو كانت نسبة العمل الأدبي لغير مؤلفه خطأ، فلم لا يكون مثل الخطأ الذي ارتكبه كريستوفر كولومبوس فقاده إلى اكتشاف قارة جديدة كانت مجهولة. فقد يكون هذا التصرف بالمؤلفين إبداعا يفيد النصوص بإبراز معان غير منتظرة ، ما كان لها أن تظهر لولا إحداث ذاك التغيير، الذي يكتسب مشروعيته من الحق في التخيل، ويعتبر هذا التغيير الذي يسوغه المؤلف وجها آخر للتغيير ( أو التجويد) الذي اقترحه في كتابه الأول " كيف تستطيع تجويد الأعمال الأدبية السيئة؟"، فقد ذهب فيه إلى أن إحداث تغييرات ضرورية في النصوص بقصد تحسينها لا يعد خيانة للمؤلف، وهو هنا يتبني الموقف ذاته لكن بحق " المؤلف" لا " النص".
ويرى في اتخاذ بعض المؤلفين لأسماء مستعارة نوع من الجرأة في التصرف فيما يخصهم، وهنا يدعو النقاد لممارسة جرأة مماثلة بكسر تابو "المؤلف" بكل ما أحيط به من هالات التحريم والتعامل معه كأسطورة، دون الشعور بذنب الانتهاك.
المؤلف الخيالي
أول نموذج يمارس عليه " بيير بايارد" لعبته هو" الأوديسة"، معتمدا على كتاب صدر في نهايات القرن التاسع عشر، وهو "مؤلف الأوديسة" للروائي الإنجليزي "صموئيل بتلر" - الذي يعرف العالم الإغريقي جيدا بحسب بايارد - وقد بدأ بتلر كتابه بالتأكيد على إختلاف نبرتي " الإلياذة " و "الأوديسة"، بما يؤكد أنهما ليس لمؤلف واحد، بل ويشكك في كون مؤلف الأوديسة رجل، ففيها تغليب للمشاغل الأنثوية، وتصور أمومي للعلاقات بين البشر.
وبالرغم من أن قراءة الأوديسة باعتبار أن مؤلفتها امرأة لن تحدث اختلافا كبيرا في النص. كذلك يذهب بايارد إلى أن إدوارد دي فير، هو من كتب "هاملت"، وأن اسم وليم شكسبير مؤلف خيالي "نصنعه من مسرحياته والتمثلات التي تدور حولها، فشكسبير بالفعل اسم علم بقدر ما هو كناية يوضح شرحها سريعا أنها ترجع إلى المؤلف الخيالي أو مجموعة من الصور التقريبية للمؤلف الحقيقي".
في نفس السياق يشير المؤلف إلى مقال نشره بيير لويس في عام 1919، بعنوان " موليير هو تحفة أدبية لكورنيل" وذهب فيه بعد تحليل دقيق لأشعار كورنيل إلى أنه كان كاتبا أجيرا عند موليير، ويؤيد أنصاره رأيه بأن موليير لم يكن كاتبا معروفا حتى بلغ الأربعين من العمر، وأنه لم يترك خلفه أية مخطوطات لأعماله.
ونظرا لأن اهتمام بيير بايارد بالقيمة الجمالية وليس بالحقيقة التاريخية فإنه لم يميل إلى ترجيح كفة أي قول في الحالات التي تناولها، لكنه يجد فيها سندا قويا لرأيه القائل بضرورة الفصل بين المؤلفين الثلاثة: الحقيقي والداخلي والخيالي.
تغييرات جزئية
" لقد صنعت لي صورة، وربما توافقت معها لا شعوريا، لقد كان الأمر سهلا: فالصورة جاهزة، وما كان على إلا أن أتخذ مكاني" .
هذه الصورة التي أسهم رومان جاري نفسه في تكوينها، كانت امتدادا خفيا للصورة التي اختلقتها أمه وبثتها فيه منذ طفولته، وهي صورة متخيلة مستمدة من رواية حقيقية كتبتها الأم، وتخيلت فيها أدوارا بطولية لابنها، وقد تماهى الإبن مع رغبات أمه. لكنه آمن بأن تلك الصورة المثالية يمكن أن تجمده في هوية مصطنعة قد تمنع القراء من تلقي أعماله بوصفه مؤلفا آخر غير مقيد بصورة مستعارة، لذا إخترع شخصية " إميل آجار" ونشر باسمه أربعة روايات نال عن إحداها جائزة الجونكور قبل أن يضيق بالهوية المصطنعة ويتخلص منها في كتابه " حياة وموت إميل آجار". وكان دافعه لذلك هو نفس دافعه لاختلاق الشخصية أصلا، " التخلص من الصورة المختزلة". لكن بايارد يرى أن تعريف المؤلف بنفسه وكشف النقاب عن هويته الحقيقية كان قمة الإخفاق. فتعديل الإسم كان محاولة لتخليص النص من القراءات المسبقة. فالتغيير الذ أجراه رومان جاري على اسمه كان جزئيا. تماما كما فعل فيرنون سوليفان حينما استعار لنفسه شخصية كاتب أميركي في رواية "سأذهب للبصق على قبوركم"، كذلك يرى بايارد أن نقل لويس كارول من القرن التاسع عشر إلى القرن العشرين ليجعل منه وريثا للسوريالية وللتحليل النفسي، يمكن أن يكون إدراجا في المنظور الزمني. لكنه معتاد حيث يود الكاتب تحسين صورته الذاتية.
الغريب لكافكا
ماذا لو تم تحويل أعمال مؤلف إلى مؤلف آخر؟ تلك هي التغييرات الجذرية التي يريدها بايارد، فيقرأ الغريب كما لو كان مؤلفها فرانز كافكا.
تتشابه رواية "الغريب" لألبير كامي مع روايات وقصص كافكا باعتمادها على ثيمتي القضية وعالم القضاء، كما أن مورسو كان ينوء تحت وطأة شعوره بالذنب حتى قبل ارتكاب الجريمة، لكن تختلف الروايتان في بيئتيهما العمل وفي انخراط مورسو في واقع اجتماعي ملموس يمنحه هوية محددة على العكس من شخصيات كافكا. لذا ينظر بايارد للغريب من منظور نفسي ليمنحه سمات كافكاوية فيصبح مورسو مثل أبطال القضية والقصر، عبثيا لا يتوقع ما ينتظر منه ، ويفيد هذا التغيير في إثراء متبادل، فنسبة العمل لكافكا تشرعن عبثية مورسو، كما أن الغريب تمنح أعمال كافكا بعدا نقديا سياسيا واجتماعيا كان خافتا قبلها.
كذلك يتخيل بايارد أيضا أن تولستوي هو مؤلف رواية "ذهب مع الريح" وليس مارجريت ميتشيل، مما يجعل من التاريخ ذريعة لتأمل فلسفي عميق، ولابتكر عالما جديدا منطلقا من شظايا متناثرة لعالم موجود.
وفي الجزء الأخير من الكتاب يقوم الكاتب بتعميم لعبته النقدية فينقلها من الأدب إلى ميادين أخرى متخيلا لو أن فرويد كتب"الأخلاق" بدلاً من سبينوزا، وأخرج الفرد هيتشكوك "المدرعة بوتمكين" بدلاً من إيزينشتاين. منطلقا من فكرة أن التواصل بين الفنون يميل إلى التقليل من مكانة المؤلف بشكلها المعتاد، ويكشف عن مؤلفين افتراضيين متوارين في المؤلف الذي نعرفه، مما يمنح الأعمال حيوية، ويعقد صلات لا نهائية بين النصوص والمؤلفين.
خدمة ( وكالة الصحافة العربية )


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.