مذكرات رجل الأعمال محمد منصور تظهر بعد عامين من صدور النسخة الإنجليزية    الحد الأدني للقبول في الصف الأول الثانوي 2025 المرحلة الثانية في 7 محافظات .. رابط التقديم    من بيتك في دقائق.. طريقة استخراج جواز سفر مستعجل (الرسوم والأوراق المطلوبة)    سعر التفاح والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 31 يوليو 2025    «النصر للسيارات والصافي» يعلنان عن طرح 9 سيارات جديدة في مصر... (قائمة الأسعار)    إيرادات أزور تتجاوز 75 مليار دولار ومايكروسوفت تحقق أرباحا قياسية رغم تسريح الآلاف    الطعام فقط ومكافأة حماس.. هل يعترف ترامب بدولة فلسطين؟    بمليارات الدولارات.. ترامب يكشف تفاصيل اتفاقية تجارية جديدة وشاملة مع كوريا الجنوبية    الانقسام العربي لن يفيد إلا إسرائيل    «الصفقات مبتعملش كشف طبي».. طبيب الزمالك السابق يكشف أسرارًا نارية بعد رحيله    الزمالك يتلقى ضربة قوية قبل بداية الدوري (تفاصيل)    أول تصريحات ل اللواء محمد حامد هشام مدير أمن قنا الجديد    هذه المرة عليك الاستسلام.. حظ برج الدلو اليوم 31 يوليو    دنيا سمير غانم تخطف الأنظار خلال احتفالها بالعرض الخاص ل«روكي الغلابة» ( فيديو)    المهرجان القومي للمسرح المصري يعلن إلغاء ندوة الفنان محيي إسماعيل لعدم التزامه بالموعد المحدد    يعشقون الراحة والسرير ملاذهم المقدس.. 4 أبراج «بيحبوا النوم زيادة عن اللزوم»    لحماية الكلى من الإرهاق.. أهم المشروبات المنعشة للمرضى في الصيف    مدير أمن سوهاج يقود لجنة مرورية بمحيط مديرية التربية والتعليم    روسيا: اعتراض وتدمير 13 طائرة مسيّرة أوكرانية فوق منطقتي روستوف وبيلجورود    التنسيقية تعقد صالونًا نقاشيًا حول أغلبية التأثير بالفصل التشريعي الأول بالشيوخ    الوضع في الأراضي الفلسطينية وسوريا ولبنان محور مباحثات مسؤول روسي وأمين الأمم المتحدة    في حفل زفاف بقنا.. طلق ناري يصيب طالبة    مصرع شاب وإصابة 4 في تصادم سيارة وتروسيكل بالمنيا    3 مصابين فى تصادم «توكتوك» بطريق السادات في أسوان    إغلاق جزئى لمزرعة سمكية مخالفة بقرية أم مشاق بالقصاصين فى الإسماعيلية    نشرة التوك شو| انخفاض سعر الصرف.. والغرف التجارية تكشف موعد مبادرة خفض الأسعار..    التوأم يشترط وديات من العيار الثقيل لمنتخب مصر قبل مواجهتي إثيوبيا وبوركينا فاسو    لطفي لبيب.. جندي مصري في حرب أكتوبر رفض تكريم سفارة عدو جسّده سينمائيا    ختام منافسات اليوم الأول بالبطولة الأفريقية للبوتشيا المؤهلة لكأس العالم 2026    المصري يواجه هلال مساكن فى ختام مبارياته الودية بمعسكر تونس    بعد 20 سنة غيبوبة.. والد الأمير النائم يكشف تفاصيل لأول مرة (فيديو)    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الخميس 31 يوليو 2025    هل تتأثر مصر بزلزال روسيا العنيف، البحوث الفلكية تحسمها وتوجه رسالة إلى المواطنين    ترامب: وزارة الخزانة ستُضيف 200 مليار دولار الشهر المقبل من عائدات الرسوم الجمركية    أهم الأخبار العربية والعالمية حتى منتصف الليل.. الاتحاد الأوروبى وإيطاليا يدعمان السلطة الفلسطينية ب23 مليون يورو.. وفلسطين تدعو استونيا وليتوانيا وكرواتيا للاعتراف بها.. ومباحثات روسية سورية غدا بموسكو    حدث ليلًا| مصر تسقط أطنانا من المساعدات على غزة وتوضيح حكومي بشأن الآثار المنهوبة    مدير أمن القليوبية يعتمد حركة تنقلات داخلية لضباط المديرية    القبض على 3 شباب بتهمة الاعتداء على آخر وهتك عرضه بالفيوم    «أمطار في عز الحر» : بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم: «توخوا الحذر»    مدير تعليم القاهرة تتفقد أعمال الإنشاء والصيانة بمدارس المقطم وتؤكد الالتزام بالجدول الزمني    تنسيق المرحلة الأولى 2025.. لماذا يجب على الطلاب تسجيل 75 رغبة؟    25 صورة من تكريم "الجبهة الوطنية" أوائل الثانوية العامة    عيار 21 يعود لسابق عهده.. أسعار الذهب تنخفض 720 للجنيه اليوم الخميس بالصاغة    ب 3 أغنيات.. حمزة نمرة يطلق الدفعة الثانية من أغنيات ألبومه الجديد «قرار شخصي» (فيديو)    مونيكا حنا: علم المصريات نشأ فى سياق استعمارى    فوضى في العرض الخاص لفيلم "روكي الغلابة".. والمنظم يتجاهل الصحفيين ويختار المواقع حسب أهوائه    شادى سرور ل"ستوديو إكسترا": بدأت الإخراج بالصدفة فى "حقوق عين شمس"    محمد أسامة: تلقيت عرضا من الأهلي.. وثنائي الزمالك لا يعاني إصابات مزمنة    "تلقى عرضين".. أحمد شوبير يكشف الموقف النهائي للاعب مع الفريق    وزير الرياضة يتفقد نادي السيارات والرحلات المصري بالعلمين    حياة كريمة.. الكشف على 817 مواطنا بقافلة طبية بالتل الكبير بالإسماعيلية    أسباب عين السمكة وأعراضها وطرق التخلص منها    ما المقصود ببيع المال بالمال؟.. أمين الفتوى يُجيب    ما حكم الخمر إذا تحولت إلى خل؟.. أمين الفتوى يوضح    الورداني: الشائعة اختراع شيطاني وتعد من أمهات الكبائر التي تهدد استقرار الأوطان    أمين الفتوى يوضح آيات التحصين من السحر: المهم التحصن لا معرفة من قام به    الشيخ خالد الجندي: الرسول الكريم ضرب أعظم الأمثلة في تبسيط الدين على الناس    أهمية دور الشباب بالعمل التطوعي في ندوة بالعريش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفكر الفرنسي بيير بايارد يدفع الكتب لتغيير مؤلفيها
نشر في صوت البلد يوم 03 - 01 - 2020

"بيير بايارد" مفكر ومحلل نفسي فرنسي، يعمل أستاذا للأدب بجامعة باريس، اعتاد على تقديم كتب مثيرة للجدل، يمنحها دائما عنوانا طريفا يبدأه بأداة إستفهام، ويتعمد أن يبدو وكأنه يمارس لعبة نقدية مثيرة، مثل:كيف تستطيع تجويد الأعمال الأدبية السيئة ؟ وكيف تتحدث عن الكتب التي لم تقرأها بعد؟
"بايارد "في كتابه الجديد "ماذا لو غيّرت الأعمال الإبداعية مؤلفيها؟"، الذي ترجمه محمد أحمد صبح، وصدر عن دار نينوى، لا يتحدث ،كما قد يوحي العنوان عن الأثر الذي يمكن أن يتركه العمل الأدبي في نفس مؤلفه، فيغير منه، بل يجيب عن سؤال طريف كعادة أسئلة بايارد، وهو: "ماذا لو استبدلنا مؤلفاً بمؤلف آخر، قد يبدو أكثر ملاءمة للعمل الأدبي؟".
فكرة وهمية
يقر الكاتب بوجوب إحداث هذا التغيير أو التبديل للمؤلفين، ويعدد ابتداء من الصفحة الأولى تلك الأسباب الموجبة له، وأولها أننا لا نعرف المؤلفين جيدا، لذا تبقى فكرة الإخلاص لهم وهمية تماما، وإذا كنا غالبا نعوض المؤلف الذي لا نعرفه بالشخص المادي الذي يختفي وراءه، فلم لا نتقدم خطوة أخرى ونستبدل به مؤلفا آخر قد يكون أكثر ملاءمة للعمل؟
وحتى لو كانت نسبة العمل الأدبي لغير مؤلفه خطأ، فلم لا يكون مثل الخطأ الذي ارتكبه كريستوفر كولومبوس فقاده إلى اكتشاف قارة جديدة كانت مجهولة. فقد يكون هذا التصرف بالمؤلفين إبداعا يفيد النصوص بإبراز معان غير منتظرة ، ما كان لها أن تظهر لولا إحداث ذاك التغيير، الذي يكتسب مشروعيته من الحق في التخيل، ويعتبر هذا التغيير الذي يسوغه المؤلف وجها آخر للتغيير ( أو التجويد) الذي اقترحه في كتابه الأول " كيف تستطيع تجويد الأعمال الأدبية السيئة؟"، فقد ذهب فيه إلى أن إحداث تغييرات ضرورية في النصوص بقصد تحسينها لا يعد خيانة للمؤلف، وهو هنا يتبني الموقف ذاته لكن بحق " المؤلف" لا " النص".
ويرى في اتخاذ بعض المؤلفين لأسماء مستعارة نوع من الجرأة في التصرف فيما يخصهم، وهنا يدعو النقاد لممارسة جرأة مماثلة بكسر تابو "المؤلف" بكل ما أحيط به من هالات التحريم والتعامل معه كأسطورة، دون الشعور بذنب الانتهاك.
المؤلف الخيالي
أول نموذج يمارس عليه " بيير بايارد" لعبته هو" الأوديسة"، معتمدا على كتاب صدر في نهايات القرن التاسع عشر، وهو "مؤلف الأوديسة" للروائي الإنجليزي "صموئيل بتلر" - الذي يعرف العالم الإغريقي جيدا بحسب بايارد - وقد بدأ بتلر كتابه بالتأكيد على إختلاف نبرتي " الإلياذة " و "الأوديسة"، بما يؤكد أنهما ليس لمؤلف واحد، بل ويشكك في كون مؤلف الأوديسة رجل، ففيها تغليب للمشاغل الأنثوية، وتصور أمومي للعلاقات بين البشر.
وبالرغم من أن قراءة الأوديسة باعتبار أن مؤلفتها امرأة لن تحدث اختلافا كبيرا في النص. كذلك يذهب بايارد إلى أن إدوارد دي فير، هو من كتب "هاملت"، وأن اسم وليم شكسبير مؤلف خيالي "نصنعه من مسرحياته والتمثلات التي تدور حولها، فشكسبير بالفعل اسم علم بقدر ما هو كناية يوضح شرحها سريعا أنها ترجع إلى المؤلف الخيالي أو مجموعة من الصور التقريبية للمؤلف الحقيقي".
في نفس السياق يشير المؤلف إلى مقال نشره بيير لويس في عام 1919، بعنوان " موليير هو تحفة أدبية لكورنيل" وذهب فيه بعد تحليل دقيق لأشعار كورنيل إلى أنه كان كاتبا أجيرا عند موليير، ويؤيد أنصاره رأيه بأن موليير لم يكن كاتبا معروفا حتى بلغ الأربعين من العمر، وأنه لم يترك خلفه أية مخطوطات لأعماله.
ونظرا لأن اهتمام بيير بايارد بالقيمة الجمالية وليس بالحقيقة التاريخية فإنه لم يميل إلى ترجيح كفة أي قول في الحالات التي تناولها، لكنه يجد فيها سندا قويا لرأيه القائل بضرورة الفصل بين المؤلفين الثلاثة: الحقيقي والداخلي والخيالي.
تغييرات جزئية
" لقد صنعت لي صورة، وربما توافقت معها لا شعوريا، لقد كان الأمر سهلا: فالصورة جاهزة، وما كان على إلا أن أتخذ مكاني" .
هذه الصورة التي أسهم رومان جاري نفسه في تكوينها، كانت امتدادا خفيا للصورة التي اختلقتها أمه وبثتها فيه منذ طفولته، وهي صورة متخيلة مستمدة من رواية حقيقية كتبتها الأم، وتخيلت فيها أدوارا بطولية لابنها، وقد تماهى الإبن مع رغبات أمه. لكنه آمن بأن تلك الصورة المثالية يمكن أن تجمده في هوية مصطنعة قد تمنع القراء من تلقي أعماله بوصفه مؤلفا آخر غير مقيد بصورة مستعارة، لذا إخترع شخصية " إميل آجار" ونشر باسمه أربعة روايات نال عن إحداها جائزة الجونكور قبل أن يضيق بالهوية المصطنعة ويتخلص منها في كتابه " حياة وموت إميل آجار". وكان دافعه لذلك هو نفس دافعه لاختلاق الشخصية أصلا، " التخلص من الصورة المختزلة". لكن بايارد يرى أن تعريف المؤلف بنفسه وكشف النقاب عن هويته الحقيقية كان قمة الإخفاق. فتعديل الإسم كان محاولة لتخليص النص من القراءات المسبقة. فالتغيير الذ أجراه رومان جاري على اسمه كان جزئيا. تماما كما فعل فيرنون سوليفان حينما استعار لنفسه شخصية كاتب أميركي في رواية "سأذهب للبصق على قبوركم"، كذلك يرى بايارد أن نقل لويس كارول من القرن التاسع عشر إلى القرن العشرين ليجعل منه وريثا للسوريالية وللتحليل النفسي، يمكن أن يكون إدراجا في المنظور الزمني. لكنه معتاد حيث يود الكاتب تحسين صورته الذاتية.
الغريب لكافكا
ماذا لو تم تحويل أعمال مؤلف إلى مؤلف آخر؟ تلك هي التغييرات الجذرية التي يريدها بايارد، فيقرأ الغريب كما لو كان مؤلفها فرانز كافكا.
تتشابه رواية "الغريب" لألبير كامي مع روايات وقصص كافكا باعتمادها على ثيمتي القضية وعالم القضاء، كما أن مورسو كان ينوء تحت وطأة شعوره بالذنب حتى قبل ارتكاب الجريمة، لكن تختلف الروايتان في بيئتيهما العمل وفي انخراط مورسو في واقع اجتماعي ملموس يمنحه هوية محددة على العكس من شخصيات كافكا. لذا ينظر بايارد للغريب من منظور نفسي ليمنحه سمات كافكاوية فيصبح مورسو مثل أبطال القضية والقصر، عبثيا لا يتوقع ما ينتظر منه ، ويفيد هذا التغيير في إثراء متبادل، فنسبة العمل لكافكا تشرعن عبثية مورسو، كما أن الغريب تمنح أعمال كافكا بعدا نقديا سياسيا واجتماعيا كان خافتا قبلها.
كذلك يتخيل بايارد أيضا أن تولستوي هو مؤلف رواية "ذهب مع الريح" وليس مارجريت ميتشيل، مما يجعل من التاريخ ذريعة لتأمل فلسفي عميق، ولابتكر عالما جديدا منطلقا من شظايا متناثرة لعالم موجود.
وفي الجزء الأخير من الكتاب يقوم الكاتب بتعميم لعبته النقدية فينقلها من الأدب إلى ميادين أخرى متخيلا لو أن فرويد كتب"الأخلاق" بدلاً من سبينوزا، وأخرج الفرد هيتشكوك "المدرعة بوتمكين" بدلاً من إيزينشتاين. منطلقا من فكرة أن التواصل بين الفنون يميل إلى التقليل من مكانة المؤلف بشكلها المعتاد، ويكشف عن مؤلفين افتراضيين متوارين في المؤلف الذي نعرفه، مما يمنح الأعمال حيوية، ويعقد صلات لا نهائية بين النصوص والمؤلفين.
خدمة ( وكالة الصحافة العربية )
"بيير بايارد" مفكر ومحلل نفسي فرنسي، يعمل أستاذا للأدب بجامعة باريس، اعتاد على تقديم كتب مثيرة للجدل، يمنحها دائما عنوانا طريفا يبدأه بأداة إستفهام، ويتعمد أن يبدو وكأنه يمارس لعبة نقدية مثيرة، مثل:كيف تستطيع تجويد الأعمال الأدبية السيئة ؟ وكيف تتحدث عن الكتب التي لم تقرأها بعد؟
"بايارد "في كتابه الجديد "ماذا لو غيّرت الأعمال الإبداعية مؤلفيها؟"، الذي ترجمه محمد أحمد صبح، وصدر عن دار نينوى، لا يتحدث ،كما قد يوحي العنوان عن الأثر الذي يمكن أن يتركه العمل الأدبي في نفس مؤلفه، فيغير منه، بل يجيب عن سؤال طريف كعادة أسئلة بايارد، وهو: "ماذا لو استبدلنا مؤلفاً بمؤلف آخر، قد يبدو أكثر ملاءمة للعمل الأدبي؟".
فكرة وهمية
يقر الكاتب بوجوب إحداث هذا التغيير أو التبديل للمؤلفين، ويعدد ابتداء من الصفحة الأولى تلك الأسباب الموجبة له، وأولها أننا لا نعرف المؤلفين جيدا، لذا تبقى فكرة الإخلاص لهم وهمية تماما، وإذا كنا غالبا نعوض المؤلف الذي لا نعرفه بالشخص المادي الذي يختفي وراءه، فلم لا نتقدم خطوة أخرى ونستبدل به مؤلفا آخر قد يكون أكثر ملاءمة للعمل؟
وحتى لو كانت نسبة العمل الأدبي لغير مؤلفه خطأ، فلم لا يكون مثل الخطأ الذي ارتكبه كريستوفر كولومبوس فقاده إلى اكتشاف قارة جديدة كانت مجهولة. فقد يكون هذا التصرف بالمؤلفين إبداعا يفيد النصوص بإبراز معان غير منتظرة ، ما كان لها أن تظهر لولا إحداث ذاك التغيير، الذي يكتسب مشروعيته من الحق في التخيل، ويعتبر هذا التغيير الذي يسوغه المؤلف وجها آخر للتغيير ( أو التجويد) الذي اقترحه في كتابه الأول " كيف تستطيع تجويد الأعمال الأدبية السيئة؟"، فقد ذهب فيه إلى أن إحداث تغييرات ضرورية في النصوص بقصد تحسينها لا يعد خيانة للمؤلف، وهو هنا يتبني الموقف ذاته لكن بحق " المؤلف" لا " النص".
ويرى في اتخاذ بعض المؤلفين لأسماء مستعارة نوع من الجرأة في التصرف فيما يخصهم، وهنا يدعو النقاد لممارسة جرأة مماثلة بكسر تابو "المؤلف" بكل ما أحيط به من هالات التحريم والتعامل معه كأسطورة، دون الشعور بذنب الانتهاك.
المؤلف الخيالي
أول نموذج يمارس عليه " بيير بايارد" لعبته هو" الأوديسة"، معتمدا على كتاب صدر في نهايات القرن التاسع عشر، وهو "مؤلف الأوديسة" للروائي الإنجليزي "صموئيل بتلر" - الذي يعرف العالم الإغريقي جيدا بحسب بايارد - وقد بدأ بتلر كتابه بالتأكيد على إختلاف نبرتي " الإلياذة " و "الأوديسة"، بما يؤكد أنهما ليس لمؤلف واحد، بل ويشكك في كون مؤلف الأوديسة رجل، ففيها تغليب للمشاغل الأنثوية، وتصور أمومي للعلاقات بين البشر.
وبالرغم من أن قراءة الأوديسة باعتبار أن مؤلفتها امرأة لن تحدث اختلافا كبيرا في النص. كذلك يذهب بايارد إلى أن إدوارد دي فير، هو من كتب "هاملت"، وأن اسم وليم شكسبير مؤلف خيالي "نصنعه من مسرحياته والتمثلات التي تدور حولها، فشكسبير بالفعل اسم علم بقدر ما هو كناية يوضح شرحها سريعا أنها ترجع إلى المؤلف الخيالي أو مجموعة من الصور التقريبية للمؤلف الحقيقي".
في نفس السياق يشير المؤلف إلى مقال نشره بيير لويس في عام 1919، بعنوان " موليير هو تحفة أدبية لكورنيل" وذهب فيه بعد تحليل دقيق لأشعار كورنيل إلى أنه كان كاتبا أجيرا عند موليير، ويؤيد أنصاره رأيه بأن موليير لم يكن كاتبا معروفا حتى بلغ الأربعين من العمر، وأنه لم يترك خلفه أية مخطوطات لأعماله.
ونظرا لأن اهتمام بيير بايارد بالقيمة الجمالية وليس بالحقيقة التاريخية فإنه لم يميل إلى ترجيح كفة أي قول في الحالات التي تناولها، لكنه يجد فيها سندا قويا لرأيه القائل بضرورة الفصل بين المؤلفين الثلاثة: الحقيقي والداخلي والخيالي.
تغييرات جزئية
" لقد صنعت لي صورة، وربما توافقت معها لا شعوريا، لقد كان الأمر سهلا: فالصورة جاهزة، وما كان على إلا أن أتخذ مكاني" .
هذه الصورة التي أسهم رومان جاري نفسه في تكوينها، كانت امتدادا خفيا للصورة التي اختلقتها أمه وبثتها فيه منذ طفولته، وهي صورة متخيلة مستمدة من رواية حقيقية كتبتها الأم، وتخيلت فيها أدوارا بطولية لابنها، وقد تماهى الإبن مع رغبات أمه. لكنه آمن بأن تلك الصورة المثالية يمكن أن تجمده في هوية مصطنعة قد تمنع القراء من تلقي أعماله بوصفه مؤلفا آخر غير مقيد بصورة مستعارة، لذا إخترع شخصية " إميل آجار" ونشر باسمه أربعة روايات نال عن إحداها جائزة الجونكور قبل أن يضيق بالهوية المصطنعة ويتخلص منها في كتابه " حياة وموت إميل آجار". وكان دافعه لذلك هو نفس دافعه لاختلاق الشخصية أصلا، " التخلص من الصورة المختزلة". لكن بايارد يرى أن تعريف المؤلف بنفسه وكشف النقاب عن هويته الحقيقية كان قمة الإخفاق. فتعديل الإسم كان محاولة لتخليص النص من القراءات المسبقة. فالتغيير الذ أجراه رومان جاري على اسمه كان جزئيا. تماما كما فعل فيرنون سوليفان حينما استعار لنفسه شخصية كاتب أميركي في رواية "سأذهب للبصق على قبوركم"، كذلك يرى بايارد أن نقل لويس كارول من القرن التاسع عشر إلى القرن العشرين ليجعل منه وريثا للسوريالية وللتحليل النفسي، يمكن أن يكون إدراجا في المنظور الزمني. لكنه معتاد حيث يود الكاتب تحسين صورته الذاتية.
الغريب لكافكا
ماذا لو تم تحويل أعمال مؤلف إلى مؤلف آخر؟ تلك هي التغييرات الجذرية التي يريدها بايارد، فيقرأ الغريب كما لو كان مؤلفها فرانز كافكا.
تتشابه رواية "الغريب" لألبير كامي مع روايات وقصص كافكا باعتمادها على ثيمتي القضية وعالم القضاء، كما أن مورسو كان ينوء تحت وطأة شعوره بالذنب حتى قبل ارتكاب الجريمة، لكن تختلف الروايتان في بيئتيهما العمل وفي انخراط مورسو في واقع اجتماعي ملموس يمنحه هوية محددة على العكس من شخصيات كافكا. لذا ينظر بايارد للغريب من منظور نفسي ليمنحه سمات كافكاوية فيصبح مورسو مثل أبطال القضية والقصر، عبثيا لا يتوقع ما ينتظر منه ، ويفيد هذا التغيير في إثراء متبادل، فنسبة العمل لكافكا تشرعن عبثية مورسو، كما أن الغريب تمنح أعمال كافكا بعدا نقديا سياسيا واجتماعيا كان خافتا قبلها.
كذلك يتخيل بايارد أيضا أن تولستوي هو مؤلف رواية "ذهب مع الريح" وليس مارجريت ميتشيل، مما يجعل من التاريخ ذريعة لتأمل فلسفي عميق، ولابتكر عالما جديدا منطلقا من شظايا متناثرة لعالم موجود.
وفي الجزء الأخير من الكتاب يقوم الكاتب بتعميم لعبته النقدية فينقلها من الأدب إلى ميادين أخرى متخيلا لو أن فرويد كتب"الأخلاق" بدلاً من سبينوزا، وأخرج الفرد هيتشكوك "المدرعة بوتمكين" بدلاً من إيزينشتاين. منطلقا من فكرة أن التواصل بين الفنون يميل إلى التقليل من مكانة المؤلف بشكلها المعتاد، ويكشف عن مؤلفين افتراضيين متوارين في المؤلف الذي نعرفه، مما يمنح الأعمال حيوية، ويعقد صلات لا نهائية بين النصوص والمؤلفين.
خدمة ( وكالة الصحافة العربية )


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.